دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثاني 2018 - الاستعداد لزمن النهاية

تحميل قوات الدفاع الشعبي  -  دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثاني 2018 - الاستعداد لزمن النهاية


مقدمة ٢


الصراع الكوني — ٣١ آذار (مارس) – ٦ نيسان (أبريل) ٦

دانيال وزمن النهاية — ٧-١٣ نيسان (أبريل) ١٣

المسيح وسِفر الرؤيا — ١٤-٢٠ نيسان (أبريل) ٢١

الخلاص وزمن النهاية — ٢-٢٧ نيسان (أبريل) ٢٨

المسيح في المَقْدِس السماوي — ٢٨-٤ أيار (مايو) ٣٥

«تغيير» الناموس — ٥-١١ أيار (مايو) ٤٣

متى ٢٤ و ٢٥ — ١٢-١٨ أيار (مايو) ٥١

اسْجُدُوا للخالق — ١٩-٢٥ أيار (مايو) ٥٧

ضلالات زمن النهاية — ٢٦ أيار (مايو) – ١ حزيران (يونيو) ٦٥

أمريكا وبابل — ٢-٨ حزيران (يونيو) ٧٣

ختم الله أو سمة الوحش؟ — ٩-١٥ حزيران (يونيو) ٨١

بابل وهَرْمَجَدُّون — ١٦-٢٢ حزيران (يونيو) ٨٨

عودة ربنا يسوع المسيح — ٢٣-٢٩ حزيران (يونيو) ٩٦

Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904


Come visit us at our Website: http://www.absg.adventist.org


Principal Contributor

John H. H. Mathews


Editor

Clifford R. Goldstein


Associate Editor

Soraya Homayouni


Publication Manager

Lea Alexander Greve


Middle East and North Africa Union


Publishing Coordinator

Michael Eckert


Translation to Arabic

Ashraf Fawzy


Arabic Layout and Design

Marisa Ferreira


Editorial Assistant

Sharon Thomas-Crews


Pacific Press® Coordinator

Wendy Marcum


Art Director and Illustrator

Lars Justinen


Design

Justinen Creative Group



© ٢٠١٨ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار دون الحصول على إِذْن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح "الأدفنتست السبتيون" وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.


إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المُقَدّس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، ويحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف (أو المؤلفين).


Sabbath School Personal Ministries



المسيح ونهاية الأيام


في الساعات الأخيرة من إقامة المسيح الأرضية وهو في الجسد، قال لتلاميذه هذه الكلمات المُطمْئِنة: «لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ. أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي. فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ» (يوحنا ١٤: ١ – ٤).


وعلى الرغم من أنهم بالتأكيد لم يفهموا بشكل كامل معنى ما قاله ولا الوقت الذي سيتحقق فيه وعده، إلا أن أولئك الأشخاص قد تعزّوا وَاطْمَأَنُّوا بكلام المسيح. فمن المؤكد أن حصولهم على مكان يعده المسيح لهم في بيت أبيه السماوي سيكون أفضل من أي مكان يجدون أنفسهم فيه في هذا العالم الحالي.


في الواقع، إنَّ المسيح قبل نطقه بتلك الكلمات بفترة ليست بالطويلة كان قد قدَّم لتلاميذه عرضاً سريعاً لما سيحدث قبل عودته. وكان ذلك نوعاً من الاستعراض «لتاريخ المستقبل»، ولم يكن ما شاركه معهم جذابا. فلقد قال المسيح أن الحروب وأخبار الحروب وقيام أمة على أمة والمجاعات والزلزال ما هي إلا مجرد «مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ»، فإنَّ الاضطهادات والخيانات والضلالات والمحاكمات ستلوح في الأفق كذلك.


واليوم، من منظورنا البشري في سياق التاريخ، يمكننا ملاحظة، تقريباً، أن كل ما حذَّر المسيح منه قد حدث، وتماماً كما تنبأ به أيضاً. فإنه يمكننا أن نرى إتمام نبوتين زمنيتين كذلك. النبوة الأولى هي «زَمَان وَأَزْمِنَة وَنِصْفِ زَمَانٍ» (دانيال ٧: ٢٥) (انظر أيضاً رؤيا ١٢: ٦، ١٤؛ ١٣: ٥؛ ناحوم ١٤: ٣٤)، التي بدأت في القرن السادس عشر ميلادية (٥٣٨ م) وانتهت في أواخر القرن الثامن عشر (١٧٩٨م). وأيضاً، وفيما يتعلق بأطول نبوة زمنية، نبوة الـ ٢٣٠٠ يوماً في دانيال ٨: ١٤، فقد تمَّت في عام ١٨٤٤ م.


فمن المؤكد إذن أننا نعيش «فِي نِهَايَةِ الأَيَّامِ» (دانيال ١٢: ١٣). لكننا لا نعرف متى ستأتي النهاية التي ستبلغ ذروتها عند المجيء الثاني للمسيح. كما أننا لسنا بحاجة إلى معرفة ذلك. نحن فقط بحاجة إلى معرفة أن النهاية حتماً ستأتي، وأنه عندما تأتي يجب أن نكون مستعدين.


كيف نكون مستعدين؟ ربما أفضل إجابة على هذا السؤال نجدها في هذا النص: «فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ» (كولوسي ٢: ٦). وبعبارة أخرى، فإنه في ظل الكثير من الأحداث العالمية والكثير من العناوين البارزة والكثير من النظريات حول زمن النهاية، فإنه من السهل أن نتحول ونركز كثيراً على الأمور التي نعتقد أنها تفضي إلى مجيء المسيح بدلاً من أن تفضي إلى المسيح نفسه، الذي هو وحده محور استعدادنا.


تركيز هذا الربع هو على زمن النهاية، ولكن ليس تماماً. فالتركيز الحقيقي هو على المسيح، ولكن في سياق الأيام الأخيرة وكيف نكون مستعدين لها. نعم، نحتاج إلى النظر إلى الأحداث التاريخية الهامة، وإلى التاريخ نفسه، لأن الكتاب المُقَدَّس يتحدث عن هذه الأمور وعلاقتها بزمن النهاية. ولكن حتى في هذا السياق يتحدث الكتاب المُقَدَّس عن المسيح وعن هَوِيَّتهُ، وعمَّا فعل لأجلنا وما يفعله فينا، وعمَّا سيفعله عندما يعود. إنَّ المسيح وإياه مصلوباً يجب أن يكون محور إيماننا؛ أو، كما قال بولس: «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا» (١كورنثوس ٢: ٢). فكلما ركَّزنا عليه أكثر، أصبحنا مشابهين له أكثر، أطعناه أكثر، وكنا أكثر استعداداً لكل ما ينتظرنا، في المستقبل القريب وفي نهاية الزمان، في اليوم الذي فيه ندخل «المكان» الذي أعده المسيح لأولئك الذين يحبونه.


الدكتور نورمان ر. جالي هو أستاذ بحوث اللاهوت المنهجي في جامعة سوذرن الأدفنتستية.


دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي


تواصل مع ﷲ بفعالية أكثر!


إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المُقَدّس وقراءات مختارة من مؤلفات إلن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المُقَدّس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.


متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.


قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:


http://www.RevivalandReformation.org


وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.


حلقة عالمية للصلاة


برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة


صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم


دراسة يومية لكلمة ﷲ ومؤلفات روح النبوة


قم بتحميل


نسختك الإلكترونية المجانية


من دليل دراسة الكتاب المُقَدّس عبر الموقع التالي:


www.menapa.com


 

اشترك في


رسالتنا الإخبارية


المجانية


تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل


إصداراتنا الجديدة!


+961 1 690290 | www.menapa.com


شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠


جمعية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للنشر


الدرس الأول


٢١ آذار (مارس) – ٦ نيسان (أبريل)


الصّراع الكوني






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: حزقيال ٢٨: ١، ٢؛ ١١- ١٧؛ تكوين ٣: ١- ٧؛ رؤيا ١٢: ١- ١٧؛ رومية ٨: ٣١- ٣٩؛ رؤيا ١٤: ١٢.


آية الحفظ: «فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رؤيا ١٢: ١٧).


إن الصراع الكوني، الذي يدعى أحياناً «الصراع العظيم»، هو النظرة الكتابية للعالم. إنه يُشكِّل الخلفية التي فيها تتكشف دراما عالمنا بل وحتى الكون بأكمله. فإن الخطية والمعاناة والموت وصعود وهبوط الأمم وانتشار بشارة الإنجيل وأحداث زمن النهاية، كل هذه الأمور تحدث في سياق الصراع الكوني.


في هذا الأسبوع سوف ننظر إلى عدد قليل من الأماكن الهامة التي ترسخ فيها الصراع، حيث بدأ بصورة غامضة إلى حد ما في قلب كائن كامل، لوسيفر، الذي جلب تمرده إلى الأرض من خلال سقوط كائنين كاملين آخرين هما آدم وحواء. وانطلاقاً من هاتين «النقطتين المحوريتين»، سقوط لوسيفر ومن ثم سقوط أبوينا الأولين، ترسخ الصراع العظيم وهو لا يزال مستعراً منذ ذلك الحين. وكل واحد منا هو جزء من تلك الدراما الكونية.


أما الأخبار السارة فهي أن يوماً ما لن ينتهي هذا الصراع فحسب، ولكنه سينتهي بنصرة المسيح التامة على الشيطان. والأخبار الأكثر روعة هي أنه يمكن لكل واحد منا أن يشارك في هذه النصرة بفضل تمام وكمال ما قام به يسوع على الصليب. وكجزء من هذه النصرة، يدعونا الله إلى الإيمان والطاعة الآن بينما نحن في انتظار ما وعدنا به في المسيح الذي مجيئه مؤكد.


*نرجو التعمق في موضع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٧ نيسان (أبريل).




سقوط كائن كامل


إذا كان الصراع الكوني يشكِّل الخلفية للنظرة الكتابية لعالمنا، فإنِّ ذلك يقودنا إلى عدد من الأسئلة. وأحد أهم هذه الأسئلة هو، كيف بدأ ذلك الصراع؟ فحقيقة أن الله المُحب قد خلق الكون، تجعل مِن المعقول أن نفترض أن أموراً مثل الشَّر والعنف والنزاع لم تكن متضمنة في الخلق منذ البداية. فلابد وأن الصراع قد حدث نتيجة الانفصال عن الخلق الأصلي ولم يكن بالضرورة ناتجاً عنه. ومع ذلك، فإنَّ الصِّراع متواجد وهو حقيقة واقعة، ونحن جميعاً منخرطون في هذا الصِّراع.


اقرأ حزقيال ٢٨: ١، ٢؛ ١١-١٧وإشعياء ١٤: ١٢- ١٤. ماذا تعلّمنا هذه الفقرات الكتابية عن سقوط لوسيفر ونشأة الشر؟


كان لوسيفر كائناً كاملاً في السماء. فكيف أمكن للإثم أن ينشأ فيه، خصوصاً في بيئة من هذا القبيل. نحن لا نعرف؟ وربما هذا هو أحد الأسباب لماذا يتحدث الكتاب المُقَدَّس عن «سِرَّ الإِثْمِ» (٢ تسالونيكي ٢: ٧).


إنه باستثناء حقيقة الإرادة الحرة التي منحها الله لكل مخلوقاته العاقلة، لا يوجد سبب لسقوط إبليس. تقدم روح النبوة تعليقاً قوياً في هذا الصدد، حيث كتبت ما يلي: «من المستحيل علينا أن نوضح أصل الخطيئة بحيث نقدم سببا لوجودها. ... الخطيئة دخيلة ولا يمكن تعليل وجودها، وهي سر لا مبرر له. فتبريرها هو دفاع عنها. ولو وُجد عذر لها أو سبب لوجودها لما اعتُبرت خطيئة» (الصراع العظيم، صفحة، ٥٣٦).


استبدل كلمة خطية بكلمة شر وستجد أن العبارة ستعطي نفس المعنى. من المستحيل علينا أن نوضح أصل الشر بحيث نقدم سببا لوجوده. ... الشر دخيل ولا يمكن تعليل وجوده، وهو سر لا مبرر له. فتبريره هو دفاع عنه. ولو وُجد عذر له أو سبب لوجوده لما اعتُبر شراً.






أكثر من مجرد المعرفة الذهنية


على الرغم من أنه لا يمكننا أن نفسر سبب نشأة الشر (حيث أن ليس هناك مبرر لوجوده)، إلا أن الكتاب المُقَدَّس يكشف أن الشر قد بدأ في قلب لوسيفر في السماء. فإنه بالإضافة إلى المعلومات الرائعة التي نحصل عليها من كتابات إلن هوايت، (انظر على سبيل المثال الفصل ١٠ الذي بعنوان «أصل الشر» في كتاب الصراع العظيم)، لا يخبرنا الكتاب المُقَدَّس الكثير عن كيف بدأ الشر في السماء. مع ذلك، فالكتاب المُقَدَّس أكثر وضوحاً فيما يتعلق بكيف نشأ الشر على الأرض.


اقرأ تكوين ٣: ١- ٧. ما الذي حصل هنا ما يُظهر ذنب آدم وحواء فيما حدث؟


المحزن جداً هنا هو أن حواء كانت تعرف ما قاله الله لهما. وقد كررت هذه الكلمات: «قَالَ اللهُ: ‹لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا› » (تكوين ٣: ٣). وعلى الرغم من أن الكتاب المُقَدَّس لم يخبرنا أن هناك ما قيل عن لمس الشجرة، إلا أن حواء كانت تعرف حقيقة أن الأكل من الشجرة من شأنه أن يؤدي إلى الموت.


بعد ذلك، ناقض الشيطان بشكل علني وصارخ هذه الكلمات. «فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا» (تكوين ٣: ٣).


وهل يمكن للتباين أن يكون أكثر وضوحاً من ذلك؟ فإنه على الرغم من الأسلوب الماكر الذي استخدمه الشيطان مع حواء في البداية، إلا أنه بمجرد أن تمكن من جذب انتباهها ورأى أنها لم تكن تقاوم، حتى بدأ بتحدي وصية الله بصورة علنية. والشيء المأساوي هو أن حواء لم تكن تتصرف من منطلق الجهل بالشيء. فإنه لم يكن بمقدورها أن تدعي قائلة، «أنا لم أكن أعرف، أنا لم أكن أعرف.»


إنها في الواقع كانت تعرف.


مع ذلك، وعلى الرغم من هذه المعرفة، فقد ارتكبت حواء الخطأ. فإذا كانت المعرفة ذاتها، حتى في بيئة عدن المثالية، لم تكن كافية لمنع حواء (ثم آدم، الذي كان يعرف الحقيقة أيضاً) من ارتكاب الإثم، فإنه لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بالتفكير في أن المعرفة وحدها كافية لتخلصنا الآن. نعم، نحن بحاجة إلى أن نعرف ما تخبرنا به كلمة الله. ولكن إلى جانب معرفة ذلك، نحن بحاجة إلى الخضوع كذلك بحيث نطيع ما تقوله لنا كلمة الله.






الحرب في السماء والأرض


إن سقوط أبوينا الأولين تسبب في إغراق العالم في الخطية والشر والموت. قد يختلف الناس حول الأسباب المباشرة، أو مَن هو المخطئ، لكن مَن يمكنه أن ينكر حقيقة الاضطراب والعنف والصراع والنزاع الذي أصابنا جميعاً هنا على هذه الأرض؟


نحن نتحدث عن صراع كوني، نزاع كوني؛ وهذا أمر لا بأس به وصحيح. لكن بغض النظر عن الأصول الكونية لهذا الصراع، فالمؤكد هو أن هذا الصراع يدور هنا على الأرض، كذلك. في الواقع، إن الكثير من التاريخ الكتابي – بدءاً من السقوط في عدن وصولاً إلى الأحداث الأخيرة المؤدية إلى المجيء الثاني للمسيح – هي، من نواح كثيرة، التصوير الكتابي للصراع العظيم. فإننا نعيش في خضم هذا الصراع. وتوضح لنا كلمة الله حقيقة ما يجري من أحداث، وما هي الأسباب الكامنة وراء حدوثها. والأهم من ذلك، تخبرنا كلمة الله كيف سينتهي هذا الصراع.


اقرأ رؤيا ١٢: ١- ١٧. ما هي المعارك التي يصوّرها هذا الأصحاح على أنها تدور في السماء وعلى الأرض؟


إننا نرى معركة في السماء، ومعارك على الأرض كذلك. المعركة الأولى بين التنين (الشيطان، رؤيا ١٢: ٧-٩) وميخائيل (المعنى العبري لهذه الكلمة هو «مَن مِثْل الله؟»). وأصبح المتمرد لوسيفر يُعْرَفُ باسم الشيطان (المُخَاصِم)، الذي هو مجرد كائن مخلوق يحارب ضد الخالق الأزلي، يسوع المسيح (عبرانيين ١: ١، ٢؛ يوحنا ١: ١- ٤).


لقد كان لوسيفر يتمرد على خالقه. إِنَّ الصراع العظيم لا يدور حول آلهة متبارزة ومتناحرة، ولكنه يتعلق بمخلوق تمرد على خالقة معلناً ذلك التمرد من خلال مهاجمة الخليقة كذلك.


بعد فشل الشيطان في معركته ضد المسيح في السماء، سعى الشيطان إلى مطاردة المسيح على الأرض بعد ميلاده بالجسد مباشرة (رؤيا ١٢: ٤). وبعد أن فشل الشيطان في معركته ضد المسيح عند ولادته، ثم فشله ضد المسيح في البرّية، وفشله ضد المسيح على الصليب، حيث لقي الشيطان هزيمة نِهَائِيّة على الجلجثة، ذهب الشيطان ليصنع حرباً ضد شعب المسيح. وقد احتدمت هذه الحرب عبر معظم التاريخ المسيحي (رؤيا ١٢: ٦و ١٤- ١٦) وسوف تستمر حتى النهاية (رؤيا ١٢: ١٧)، إلى أن يواجه الشيطان هزيمة أخرى، عند المجيء الثاني للمسيح.






مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ


تنبأ سفر الرؤيا عن الاضطهاد الذي سيواجه شعب الله خلال حقبة كبيرة من تاريخ الكنيسة. تشير فترة الـ ١٢٦٠ يوماً في رؤيا ١٢: ٦ (انظر كذلك رؤيا ١٢: ١٤) إلى الـ ١٢٦٠ عاماً من الاضطهاد ضد الكنيسة.


«هذه الاضطهادات التي بدأت في أثناء حكم نيرون قُبَيل استشهاد بولس ظلت رحاها تدور أمدا طويلا، تشتد أحيانا وتخف أخرى، وقد ظلت نارها مشتعلة قرونا. لقد اتهم المسيحيون كذبا بجرائم مخيفة، وأعلن أنهم السبب في كل الكوارث العظيمة، كالمجاعات والأوبئة والزلازل. وإذ صاروا هدفا لكراهية الجماهير وارتيابهم فقد وقف الوشاة مستعدين لتسليم أولئك الأبرياء للموت طمعاً في الربح القبيح والحصول على المال الملوث بالدماء الزكية. وقد حُكم عليهم بأنهم متمردون وثائرون على حكم الإمبراطورية وانهم أعداء الدين وآفات المجتمع. وقد طُرح عدد غفير منهم للوحوش الكاسرة أو أحرقوا أحياء في مدرَّجات الألعاب العامة وساحاتها.» (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ٤٥).


في الوقت ذاته، هربت المرأة (الكنيسة) إلى البرّية (رؤيا ١٢: ٦). وقد وُصِفَت مرتين بأن لها جَنَاحَانِ مثل النسر. وهذا يعطي صورة التحليق بعيداً حيث يمكن الحصول على المساعدة. وقد تم الاعتناء بالمرأة (الكنيسة) في البرية، ولم تتمكن الحية، أو الشيطان، من النيل منها (رؤيا ١٢: ١٤). لقد حافظ الله دائماً على بقية حتى خلال الاضطهادات الكبرى، وهو سيفعل ذلك مرة أخرى في نهاية الزمان.


في سياق مخاطر الأيام الأخيرة، قال المسيح لشعبه: « ‹وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ› » (متى ٢٨: ٢٠). كيف نفهم هذا الوعد الرائع، حتى في ظل تعرُّض أعداد كبيرة من أتباعه للاستشهاد؟ (انظر رومية ٨: ٣١-٣٩ ومتى ١٠: ٢٨).


لا شيء – لا الاضطهاد، الجوع، أو الموت – يمكنه أن يفصلنا عن محبة الله. إن حضور المسيح معنا، سواء الآن أو في أزمنة النهاية، لا يعني أننا بمنأى عن الألم والمعاناة والتجارب، أو حتى الموت. إننا لم نوعَد أبداً بمثل هذه الإعفاءات في هذه الحياة. إن ما يعنيه هو أنه، من خلال المسيح وما فعله من أجلنا، يمكننا العيش على الرجاء والوعد بأن الله معنا في هذه التجارب والمحن وبأن لنا الوعد بالحياة الأبدية في السموات الجديدة والأرض الجديدة. يمكننا العيش على رجاء أنه، وبغض النظر عن أي شيء نمر به هنا، يمكننا مثل بولس، أن نكون متيقنين من أنه «قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا» (٢ تيموثاوس ٤: ٨). نحن الذين «يحبون ظهوره» يمكننا المطالبة بهذا الرجاء والوعد لأنفسنا كذلك.




الناموس والبشارة


كأدفنتست سبتيين، يحمل اسمنا الكثير مما نمثِّله. فجزئية «السبتيين» تمثِّل سبت اليوم السابع، الذي يشير إلى إيماننا، ليس فقط بهذه الوصية الواحدة فحسب، بل بكل الوصايا العشر. أما جزئية «الأدفنتست» أو «المجيئيين» باللغة العربية، فتشير إلى إيماننا بالمجيء الثاني للمسيح، وهي الحقيقة التي تشير إلى ما فعله المسيح بموته الكفاري عند مجيئه الأول إلى عالمنا. لذلك، فإن اسم كنيستنا «الأدفنتست السبتيين» يشير إلى مُكَوّنين رئيسيين من مُكَوّنات الحق الحاضر: الناموس والبشارة.


كيف تشير هذه النصوص إلى مدى الارتباط الوثيق بين الناموس والبشارة؟


إرميا ٤٤: ٢٣


رومية ٣: ٢٠-٢٦


رومية ٧: ٧


إن البشارة هي الأخبار السارة بأنه بالرغم من أننا قد أخطأنا من خلال انتهاكنا لشريعة الله، إلا أنه يمكن لخطايانا الناجمة عن تعدينا على ناموس الله أن تُغْتَفَر وذلك من خلال الإيمان بما فعله المسيح من أجلنا على الصليب. كما أننا قد أُعطينا القدرة على إطاعة ذلك الناموس بصورة تامة وكاملة.


لا عجب إذن أنه، في سياق الأيام الأخيرة وإذ يستعر الصراع العظيم بوحشية خاصة، يتم تصوير شعب الله بطريقة محددة وخاصة جداً.


اقرأ رؤيا ١٤: ١٢. كيف تكشف هذه الآية الصلة بين الناموس والبشارة؟






لمزيد مِن الدرس: لمزيد من الدرس: اقرأ رؤيا ١٢: ٩- ١٢، والفصل الذي بعنوان «لماذا دخلت الخطية»، صفحة ١٣- ٢٣، في كتاب الآباء والأنبياء لإلن هوايت.


«لقد كان هنالك انسجام تام في كل المسكونة طالما اعترفت كل الخلائق بولاء المحبة لله، وكانت مسرة الجند السماويين أن يتمموا قصد خالقهم، وابتهجوا بأن يعكسوا بهاء مجده ويسبحوا بحمده. وفيما كانت محبتهم لله تستحوذ على قلوبهم كانت محبتهم بعضهم لبعض أمرا يقينيا، ولا أثر فيها للأنانية، ولم يكن هنالك أي نشاز في تسبيحات السماويين. ولكن تغييرا محزنا طرأ على تلك السعادة، فقد وجد من أساء استعمال الحرية التي منحها الله لخلائقه، إذ بدأت الخطية بالذي، إذ لم يفقه سوى المسيح خالقه، حصل على أعظم كرامة من الله» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ١٤).


لاحظ كلمات روح النبوة «ولاء المحبة.» هذه عبارة قوية ومليئة بالمعنى، وهي تشير إلى حقيقة أن المحبة تقود إلى الولاء والإخلاص. إن من يحب شريك حياته الزوجية سوف يظهر تلك المحبة من خلال ولائه وإخلاصه. وقد كان الأمر كذلك بالنسبة لهذه الكائنات في السماء، وينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو الآن في علاقتنا مع الله.




الدرس الثاني


٧-١٣ نيسان (أبريل)


دانيال وزمن النهاية






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: لوقا ١٦: ١٠؛ دانيال ١، ٢؛ ٣: ١-٦؛ رؤيا ١٣: ١١-١٥؛ دانيال ٣: ١٣-١٨؛ يوحنا ٣: ٧؛ دانيال ٤، ٦.


آية الحفظ: «فَأَجَابَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ إِلهَكُمْ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ، إِذِ اسْتَطَعْتَ عَلَى كَشْفِ هذَا السِّرِّ»» (دانيال ٢: ٤٧).


كانت لدى الرب خطط عظيمة لبني إسرائيل قديماً. «وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ» (خروج ١٩: ٦). كان ينبغي لهذه الأمة المقدسة، ولهذه المملكة من الكهنة، أن تكون شاهداً للعالم بأن يهوَه كان هو الله الواحد (انظر إشعياء ٤٣: ١٠، ١٢). للأسف، لم ترق الأمة إلى الدعوة المقدسة التي منحها الله إياها. وفي نهاية المطاف، أُخذت هذه الأمة إِلَى السَّبْيِ في بابل.


ومن المثير للاهتمام أن الله كان لا يزال قادراً على استخدام أفراد من اليهود ليكونوا شهوده، على الرغم من كارثة الأسر. وبعبارة أخرى، وإلى حد ما، كان الله سيحقق بواسطة دانيال ورفقائه الأسرى الثلاثة ما لم يحققه بواسطة مملكتي إسرائيل ويهوذا. وبمعنى ما، كان هؤلاء الرجال نماذج لما كان يجب لإسرائيل كأمة أن تكون عليه وتفعله.


نعم، لقد وقعت أحداث قصصهم في مكان وزمان بعيدين جداً عن الأيام الأخيرة. ومع ذلك، فإنه يمكننا أن نجد صفات وسجايا في هؤلاء الرجال يمكنها أن تكون بمثابة نماذج بالنسبة لنا كأشخاص لا يعيشون في نهاية الزمان فحسب ولكنهم مدعوون لأن يكونوا شهوداً لله لعالَم يشبه الوثنيين في بلاط بابل، عالم لا يعرف الله. ما الذي يمكننا أن نتعلمه من قصصهم؟


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم، ١٤نيسان (أبريل).




أَمِينٌ فِي الْقَلِيلِ


«اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ، وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ» (لوقا ١٦: ١٠).


انظر إلى كلمات المسيح هنا. إنه من السهل جداً، أن نساوم ونقدم التنازلات وأن نكون «ظالمين في القليل»، أليس كذلك؟ المعضلة لا تتعلق كثيراً بأن هذا «القليل» هو ذات أهمية في حد ذاته، ليس هذه هي المعضلة. وهذا هو السبب في وصفه بـ «القليل». إنما المشكلة، وكما يعرف معظمنا، سواء عن طريق الاختبار الشخصي أو عن طريق اختبارات الآخرين (أو كليهما)، هي أن أول تنازل يؤدي إلى تنازل آخر، ثم إلى آخر، إلى أن نصبح «ظالمين أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ».


ومع وضع هذه الفكرة في الذهن، دعونا ننظر إلى القصة الموجودة في الأصحاح الأول من سفر دانيال، حيث نقرأ عن اختبارات أولئك الفتية اليهود في السبي البابلي.


اقرأ دانيال ١. بأية طرق كان الموقف الذي اتخذه كل من دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا يعكس ما كان يجب للأمة الإسرائيلية قديماً أن تكونه بالنسبة للأمم؟ انظر أيضاً تثنية ٤: ٦-٨؛ زكريا ٨: ٢٣.


على الرغم من أن النص الكتابي لا يربط مباشرة بين ما كانوا يأكلونه وبين كونهم «فِي كُلِّ أَمْرِ حِكْمَةِ فَهْمٍ.... عَشَرَةَ أَضْعَافٍ فَوْقَ كُلِّ» الآخرين (دانيال ١: ٢٠)، إلا أن الرابطة موجودة. نقرأ في هذا الأصحاح أيضاً أن الله أعطاهم هذه المعرفة والحكمة. معنى هذا أن الرب كان قادراً على أن يعمل معهم بسبب أمانتهم له برفضهم تناول الأطعمة النجسة لبابل. لقد أطاعوا، وقد بارك الله طاعتهم. هل كان الله سيفعل شيئاً مماثلاً لإسرائيل القديمة ككل لو أنهم امتثلوا لتعاليم الأسفار المقدسة بنفس جدية وإخلاص أولئك الفتية الأربعة؟ بالطبع كان الله سيفعل ذلك. وهل يفعل الله ذلك لنا نحن أيضاً في الأيام الأخيرة إذا كنا مخلصين وأمناء؟






تواضع دانيال


في جميع أنحاء العالم، ولآلاف السنين، ساعد سِفر دانيال أعداداً لا تحصى من الناس على الإيمان بالله وبالكتاب المُقَدَّس. يقدم سفر دانيال أدلة عقلانية قوية ليس على وجود الله فحسب، ولكن على علم الله المسبق أيضاً. في الواقع، إن الإعلان الذي يقدمه الأصحاح ٢ عن علم الله المسبق هو الذي يعطي دليلاً على وجود الله.


اقرأ دانيال ٢. كيف يقدم الأصحاح أدلة مقنعة للغاية عن حقيقة وجود الله؟ انظر أيضاً إلى أوروبا اليوم كما هي مصورة في سفر دانيال (دانيال ٢: ٤٠-٤٣). كيف أمكن لشخص عاش منذ حوالي ٢٦٠٠سنة مضت أن يصف الوضع هناك بدقة متناهية ما لم يكن عن طريق الوحي الإلهي؟


وبصورة علانية وبدون خجل، أعطى دانيال كل الفضل لله على كل ما قد أُوحي إليه. كَمْ كان من السهل بالنسبة لدانيال أن يتفاخر ويتباهى بحكمته وفهمه المعترف بهما بالفعل على أنهما مصدر قدرته، ليس على معرفة حُلم الملك فحسب بل والقدرة على تفسيره كذلك! لكن دانيال كان يعرف أفضل من ذلك. إن الصلاة التي رفعها هو والآخرون (دانيال ٢: ١٧-٢٣) تظهر اعتمادهم واتكالهم التام على الله؛ وإلا فإنهم كانوا سيموتون مع بقية الحكماء.


وفي وقت لاحق، قام دانيال بتذكير الملك بأنه لا الْحُكَمَاءُ وَلاَ السَّحَرَةُ وَلاَ الْمَجُوسُ وَلاَ الْمُنَجِّمُونَ برهنوا على أنهم قادرون على تعريف الملك بالحلم وبتفسيره. وعلى النقيض من ذلك، فإن الله الذي في السماء يستطيع كشف الأسرار لأنه هو وحده الإله الحقيقي. وهكذا، فإن دانيال في تواضعه واعتماده على الله، كان قادراً على أن يكون شاهداً قوياً. فإذا كان دانيال آنذاك قد أظهر تواضعاً فكم بالحري ينبغي علينا نحن أيضاً إظهار تواضعاً مماثلاً اليوم؟ ففي نهاية الأمر، نحن لدينا إعلاناً عن خطة الخلاص لم يكن لدى دانيال؛ وإذا كان من شيء ينبغي أن يبقينا متواضعين، فإنّ هذا الشيء يجب أن يكون معرفتنا لما قام به المسيح على الصليب.






التمثال الذهبي


لطالما لاحظ دارسو الكتاب المُقَدَّس الصلة بين الأصحاح ٣ من سفر دانيال، حيث قصة الفتية الثلاثة على سهل دورا، وبين الأصحاح ١٣ من سفر الرؤيا. فقد رأى الدارسون في هذين الأصحاحين تصويراً للاضطهاد الذي واجهه شعب الله في الماضي والذي سوف يواجهونه في الأيام الأخيرة.


قارن دانيال ٣: ١-٦ مع رؤيا ١٣: ١١-١٥. ما هي أوجه التشابه بين هاتين الفقرتين الكتابيتين؟


في كلتا الحالتين، كانت العبادة هي المسألة المحورية، لكن كلتاهما تتحدثان عن عبادة بالإكراه. معنى هذا أن القوى السياسية المسيطرة تتطلب العبادة التي هي مُسْتَحَقَة لله وحده.


اقرأ دانيال ٣: ١٣- ١٨. ماذا يمكننا أن نتعلم من القصة ومن شأنه أن يساعدنا في فهم، ليس فقط ما سنواجهه في الأيام الأخيرة فحسب، بل كذلك في فهم كيف ينبغي مواجهة ما سوف يأتي؟


ولأن نبوخذنصر كان القائد الأقوى على وجه الأرض، فقد سخر من هؤلاء الرجال ومن إلههم قائلاً، «مَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟» (دانيال ٣: ١٥). لكنه سرعان ما عرف لنفسه مَن هو الله حقاً. وفي وقت لاحق، صرّح نَبُوخَذْنَصَّر قائلاً: «تَبَارَكَ إِلهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْلاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلهٍ غَيْرِ إِلهِهِمْ» (دانيال ٣: ٢٨).


لا شك في أن الملك، بعد رؤية معجزة من هذا القبيل، قد اقتنع بأن هناك شيئاً مميزاً بشأن الله الذي كان هؤلاء الرجال يخدمونه.


مع ذلك، لنفترض أن هؤلاء الشباب لم يُنْقَذُوا من أتون النار، وهو شيء كانوا يدركون إمكانية حدوثه (دانيال ٣: ١٨). لماذا كانوا سيقومون بعمل الصواب، وذلك بعدم إطاعة أمر الملك، حتى وإن كانت نتيجة ذلك هي أن يتم حرقهم أحياء؟ إن هذه القصة تمثِّل شهادة قوية لإيمانهم ولاستعدادهم للوقوف لما كانوا يؤمنون به، بغض النظر عن العواقب.






اهتداء الأممين (الوثنيين)


انتهى الأصحاح الثالث من سفر دانيال باعتراف نَبُوخَذْنَصَّر بوجود وقدرة الإله الحقيقي. لكن معرفة الله وقدرته ليست نفس الشيء كأن يكون لك اختبار الولادة الجديدة الذي قال عنه المسيح أنه مسألة حاسمة للخلاص (انظر يوحنا ٣: ٧). في الواقع، إن الإنسان المصوَّر في دانيال ٤: ٣٠ لم يكن نفساً مهتدية بالمرة.


اقرأ دانيال ٤: ٣٠. ماذا كانت مشكلة هذا الرجل؟ انظر أيضاً يوحنا ١٥: ٥؛ أعمال ١٧: ٢٨؛ دانيال ٥: ٢٣.


مع ذلك، فإنه مع انتهاء الأصحاح الرابع من سفر دانيال، كان نبوخذنصر قد تعلّم، وإن يكن بالطريقة الصعبة، أن كل القدرة الحقيقية موجودة في الله، وأنه من دون الله فهو لا شيء على الإطلاق.


«وذاك الذي كان سابقاً ملكاً متكبراً أمسى الآن أبناً لله متواضعاً. والملك الطاغية المعتزّ بنفسه صار ملكاً حكيماً ورحيماً. وذاك الذي كان يتحدى إله السماء ويجدف عليه، اعترف الآن بسلطان العلي وسعى بكلّ غيرة في نشر مخافة الربّ وعمل على إسعاد رعاياه. لقد تعلّم أخيراً تحت توبيخ الربّ الذي هو ملك الملوك وربّ الأرباب الدرس الذي على كلّ ملك أن يتعلّمه - هو أنّ العظمة الحقيقيّة هي في الصلاح الحقيقي وقد أعترف بأنّ الربّ هو الإله الحي إذ قال: ‹أنا نبوخذنصر أُسبّح وأُعظّم وأحمد ملك السماء الذي كلّ أعماله حقّ وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذلّه› » (روح النبوة، الأنبياء والملوك، صفحة ٥٢١).


اقرأ دانيال ٤: ٣٥. ما هي الحقائق المتعلقة بالله التي أعرب عنها نبوخذنصر هنا أيضاً؟


ينتهي الأصحاح الرابع من سفر دانيال باعتراف إنسان وثني بسلطان وسيادة وقدرة الله، إله العبرانيين. وبمعنى من المعاني، يعد هذا المشهد مقدمة لما حدث في الكنيسة الأولى، عندما تعلم الأمميون الحق عن الرب، من خلال شهادة اليهود ومن خلال قوة الله، وبدأوا بدورهم إعلان هذا الحق إلى العالم.






أمانة دانيال


اقرأ دانيال ٦ ومن ثم أجب الأسئلة التالية:


١. ما الذي تعلنه الفقرة في دانيال ٦: ٤، ٥ عن شخصية دانيال؟ ما هي الدروس التي يمكننا استخلاصها من هذه الفقرة حول كيف ينبغي أن يجدنا الناس عليه؟


٢. ما هي أوجه الشبه بين الأحداث الواردة في هذا الأصحاح وبين الأحداث الأخيرة كما هي مصورة في سفر الرؤيا؟ انظر رؤيا ١٣: ٤،٨ و١١-١٧.


٣. ضع نفسك في مكان دانيال في هذا الموقف. ما هو السبب المنطقي والعذر اللذين كانا يمكنه استخدامهما كذريعة كي لا يصلي؟ بمعنى، كيف كان يمكنه تبرير عدم القيام بما قام به وبالتالي يجنِّب نفسه كارثة إلقائه في جب الأسود؟


٤. لماذا في اعتقادك استمر دانيال في الصلاة كما كان يفعل دائماً، على الرغم من أنه لم تكن هناك ضرورة للقيام بذلك؟


٥. ماذا قال الملك داريوس (دانيال ٦: ١٦) حتى قبل أن يطرح دانيال في جب الأسود ويظهر أنه كان يعرف شيئاً عن قدرة إله دانيال؟ ما الذي تضمنه كلام داريوس ويظهر شهادة دانيال نفسه للمك فيما يتعلق بالله الذي كان دانيال يعبده ويخدمه؟




لمزيد من الدرس: «إنّنا إذ نقترب من نهاية تاريخ هذا العالم، فإنّ النبوات التي دوّنها دانيال تسترعى انتباهنا الخاص، حيث أنّها تُشير إلى هذا الزمن الذي نعيش فيه. وينبغي أن نقرن هذه النبوات بالتعاليم المدونة في آخر سفر في العهد الجديد. لقد جعل الشيطان كثيرين من الناس يعتقدون بأنّ الأقسام النبويّة المذكورة من سفر دانيال وسفر الرؤيا الذي دوّنه يوحنا الرائي. لا يمكن فهمهما. ولكن هنالك وعد واضح وصريح بأنّ بركةً خاصّةً تصحب دراسة هذه النبوّات. وقد جاء هذا القول عن رؤى دانيال التي كانت ستُفك ختومها في الأيام الأخيرة: ‹والفاهمون يفهمون› (دانيال ١٠:١٢). أمّا الإعلان الذي أعطاه المسيح لعبده يوحنا لأجل هداية شعب الله مدى العصور فقد ورد عنه هذه الوعد، ‹طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا› (رؤيا ٣:١).» (روح النبوة، الأنبياء والملوك، صفحة ٥٤٧).


على الرغم من أننا نميل إلى النظر إلى سفر دانيال في سياق صعود وسقوط الأمم، والدينونة (دانيال ٧: ٢٢، ٢٦؛ ٨: ١٤)، والخلاص النهائي لشعب الله في زمن الضيق (دانيال ١٢: ١)، إلا أننا رأينا في درس هذا الأسبوع أن سفر دانيال يمكن أن يعطينا أمثلة عما يعنيه بالنسبة لنا بصفة فردية أن نكون مستعدين للتجارب والاضطهادات حينما تأتي. وبهذا المعنى، تقدم لنا هذه القصص رسائل غاية في الأهمية، في الأيام الأخيرة من تاريخ الأرض. فعلى كل حال، وعلى الرغم مما قد تكون عليه معرفتنا «لسمة الوحش» و «زمن الضيق» والاضطهاد القادم من أهمية، فإنه ما لم يكن لدينا الاختبار المطلوب مع الرب، فإنَّ هذه المعرفة ستكون فقط مصدر إدانة لنا. إنَّ ما نحتاج إليه أكثر من أي شيء آخر هو اختبار «الولادة الجديدة» الذي كان لدانيال وآخرين، بما في ذلك نبوخذنصر.




الدرس الثالث


١٤-٢٠ نيسان (أبريل)


المسيح وسفر الرؤيا






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: ١كورنثوس ١٠: ١- ١١؛ رؤيا ١٢: ١-١٧، ١٩: ١١-١٥؛ أفسس ١: ٢٠؛ رؤيا ١١: ١٩، ١: ١٠-١٨.


آية الحفظ: «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ» (رؤيا ٣: ٢١).


إنه حتى القراءة السريعة للعهد الجديد تكشف حقيقة هامة، ألا وهي: العهد الجديد مرتبط ارتباطاً مباشراً بالعهد القديم. مراراً وتكراراً، نجد أن الأناجيل والرسائل تشير إما إلى أحداث في العهد القديم أو تقتبس منه بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وعند الإشارة إلى نفسه وإلى خدمته، تحدث المسيح كثيراً عن كيف أنه كان ينبغي أن «تُكْمَلَ الْكُتُبُ» أو أن «يَتِمَّ الْكِتَابُ» (انظر متى ٢٦: ٥٤، ٥٦؛ مرقس ١٤: ٤٩؛ يوحنا ١٣: ١٨؛ ١٧: ١٢).


ويمكن أن يُقال الشيء نفسه عن سفر الرؤيا. في الواقع، إنه من المستحيل فهم سفر الرؤيا بمعزل عن العهد القديم، وخاصة سفر دانيال. وهذا هو أحد أسباب دراستنا لكلا العهدين معاً في كثير من الأحيان.


وثمة جانب بالغ الأهمية لوجود اقتباسات العهد القديم هذه في سِفر الرؤيا ألا وهو أنه بالنظر إليها في سياق باقي السِّفر نجد أنها تعلن المسيح. فإن سِفر الرؤيا يتحدث عن المسيح وعن هويته وعن ما قام به من أجل شعبه وعن ما سيفعله في زمن النهاية. ومن الضروري لأي تركيز على أحداث زمن النهاية أن يُبقي المسيح محور التركيز، وهذا بالتحديد هو ما يفعله سفر الرؤيا.


وسينظر درس هذا الأسبوع إلى المسيح في سِفر الرؤيا.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢١نيسان (أبريل).




بنية سفر الرؤيا


من بين العديد من الأمور المشتركة بين سفر دانيال وسفر الرؤيا، نجد أن كلاً منهما يتكون من قسمين أساسيين: قسم تاريخي، وقسم يتعلق بالأمور المتعلقة بأحداث الأيام الأخيرة. وسنلاحظ أن هذين المفهومين مرتبطين ببعضهما البعض بشكل محكم في كلا السفرين. ويمكننا النظر إلى الأحداث التاريخية على أنها مؤشرات أو أمثلة، وإن كانت على نطاق أصغر، لأحداث كبرى وعالمية ستتم في الأيام الأخيرة. معنى هذا أنه من خلال دراستنا لما حدث في تاريخ العهد القديم يمكننا الحصول على بعض اللمحات بشأن ما سيحدث في عصرنا وما يتبعه. مع ذلك، فإن هذا المبدأ لا يقتصر فقط على سفري دانيال والرؤيا.


اقرأ ١كورنثوس ١٠: ١- ١١. كيف نرى المبدأ الذي تحدثنا عنه أعلاه متجلياً في هذه الآيات؟


كما تبين لنا في درس الأسبوع الماضي، فإن بعض القصص الواردة في سفر دانيال (دانيال ٣: ٦؛ ١٦، ٢٧، ٦: ٦-٩، ٢١، ٢٢) كانت أحداثاً تاريخية محلية تعكس، إلى حد ما، أحداث نهاية الزمان المصورة في سفر الرؤيا. ومن خلال دراستنا لهذه القصص يمكننا الحصول على بعض اللمحات، على الأقل على نطاق أوسع، حول بعض الأمور التي سيواجهها شعب الله في زمن النهاية. مع ذلك، فربما تكون النقطة الأكثر أهمية هي أنه، بغض النظر عن حالتنا الراهنة هنا، فإننا متيقنون من الخلاص النهائي. وأياً كانت الأمور الأخرى التي يعلمنا إياها سفر الرؤيا، إلا أنه يقدم للمخْلِصين ضمان النصرة.


وعلى الرغم من أن هناك بعض الاستثناءات، إلا أن القسم التاريخي من سفر الرؤيا هو الأصحاحات ١-١١، تليها الأصحاحات التي تتحدث عن نهاية الزمان ١٣-٢٢.


اقرأ رؤيا ١٢: ١-١٧. إلى أي قسم ينبغي لهذا الأصحاح أن ينتمي: القسم التاريخي أَمْ القسم المتعلق بأحداث زمن النهاية، ولماذا؟


كما نرى، ينتمي هذا الأصحاح إلى كلا القسمين. لماذا؟ لأنه يتحدث عن صراعات تاريخية – طرد الشيطان من السماء (رؤيا ١٢: ٧-٩)، هجوم الشيطان على الطفل يسوع (رؤيا ١٢: ٤)، واضطهاد الكنيسة في تاريخ الكنيسة اللاحق (رؤيا ١٢: ١٤-١٦) – ثم يتبع ذلك تصوير لهجوم الشيطان على البقية في زمن النهاية (رؤيا ١٢: ١٧).






صُوَرٌ للمسيح


اقرأ الفقرات الكتابية التالية، والتي تتضمن أسماء مختلفة للمسيح، وفي بعض الحالات تُقدم أوصافاً له، وأوصافاً لما فعله وما يفعله أو ما سيفعله. ماذا تعلِّمنا هذه النصوص عن المسيح؟


رؤيا ١: ٥


رؤيا ١: ١٨


رؤيا ٥: ٨


رؤيا ١٩: ١١-١٥


رؤيا ٢١: ٦


هذه ليست سوى أمثله قليلة من النصوص في سفر الرؤيا والتي تصور وتُبرز المسيح في أدوار ووظائف مختلفة. فهو الحمل، الأمر الذي يشير إلى مجيئه الأول، وفيه قدم المسيح نفسه ذبيحة عن خطايانا. «إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا»١كورنثوس ٥: ٧). وهو أيضاً مَن كان «مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤيا ١: ١٨)، وهذه إشارة واضحة إلى موته وقيامته من الأموات. «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» (لوقا ٢٤: ٤٦). وفي رؤيا ١٩: ١١-١٥، يصور المسيح في دوره عند المجيء الثاني، عندما يعود إلى الأرض بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ ودينونة. « ‹فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ› » (متى ١٦: ٢٧).






مَوْضُوع المَقْدِس في سفر الرؤيا


بالإضافة إلى القسمين الرئيسيين لسفر الرؤيا، يحتوي السفر أيضاً على طبقة هيكلية أخرى، طبقة تتمحور حول المقدس العبراني. إن موضوع المقدس لا يقتصر على القسمين الرئيسيين فقط وإنما يتخللهما سوياً.


في المَقْدِس الأرضي، يبدأ الشخص بالدار الخارجية عند مذبح المحرقة، حيث كان يتم ذبح الحيوانات. بعد موت الحيوان، الذي يرمز إلى الصليب، كان الكاهن يدخل إلى القِسم الأول من المَقْدِس، الذي كان نموذجاً لما فعله المسيح في المقدس السماوي بعد صعوده. وقد تمثل ذلك من خلال سير المسيح بين المناير (رؤيا ١: ١٣).


اقرأ رؤيا ٤: ١، ٢. ما الذي يمثّله الباب المفتوح؟ أين يقع هذا المشهد؟ انظر أيضاً أعمال ٢: ٣٣؛ ٥: ٣١؛ أفسس ١: ٢٠؛ عبرانيين ١٠: ١٢، ١٣؛ مزمور ١١٠: ١؛ رؤيا ١٢: ٥.


بعد وقت قصير من صعوده، تم تنصيب المسيح في قدس الأقداس بالمقدس السماوي من خلال هذا الباب الأول المفتوح. وعند أول ظهور للمسيح في سفر الرؤيا نجده واقفاً أمام الْمَنَايِرِ في القسم الأول من المقدس الأرضي (انظر رؤيا ١: ١٠-١٨).


اقرأ رؤيا ١١: ١٩. ما هو مغزى حقيقة أنه عندما فُتِحَ المقدِس السماوي استطاع يوحنا أن يرى تابوت العهد الذي كان موضوعاً في القسم الثاني من المقدس الأرضي (انظر لاويين ١٦: ١٢-١٤)؟


إن صورة تابوت العهد في المقدس السماوي هي إشارة لا تقبل الجدل إلى قدس الأقدس، أو القسم الثاني من المقدس السماوي. في سفر الرؤياً، نحن لا يمكننا أن نرى خدمة المسيح في قسمي المقدس فحسب، ولكننا نتعرف على الحقيقة الهامة والمعزية بأن الأحداث في السماء وعلى الأرض مرتبطة ببعضها البعض. إنه حتى في خضم محن التاريخ والأيام الأخيرة كما هي مصورة في سفر الرؤيا يمكننا الحصول على اليقين بأن «كل السماء منخرطة في عمل إعداد الناس للوقوف في يوم إسْتِعْداد الرب. إن ارتباط السماء بالأرض يبدو وثيق الصلة جداً» (روح النبوة، حياتي اليوم، صفحة ٣٠٧).




المسيح في سفر الرؤيا: الجزء الأول


إن كل شيء في سفر الرؤيا، من البنية إلى المحتوى، له هدف واحد: أن يعلن يسوع المسيح.


وهذا هو السبب في أن الكلمات الافتتاحية لسفر الرؤيا تقول، «إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ». وإجْمالاً، تفهم هذه العبارة على أنها تعني (١) «إعلان من يسوع المسيح» أو (٢) إعلان عن يسوع المسيح» (رؤيا ١: ٢). وحقيقة أنها «إعلان» ترد على من يعتقدون أن سفر الرؤيا من الصعب جداً فهمه. فلماذا أدرج الله سفر الرؤيا في الكتاب المُقَدَّس إذا لم يكن يقصد له أن يكون مفهوماً مِن قِبل أولئك الذين يقرؤونه؟


اقرأ رؤيا ١: ١-٨. ماذا تعلمنا هذه الآيات عن المسيح؟


في سفر الرؤيا، يقدم المسيح على أنه «رَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ» (رؤيا ١: ٥). وبالقرب من نهاية السفر، يوصف بأنه «» (رؤيا ١٩: ١٦). الأخبار الرائعة هنا هي أنه في خضم كل الفوضى والارتباك على الأرض، يمكننا التيقن من أن ربنا ومخلِّصنا المُحِب له السيطرة النهائية والمطلقة.


في رؤيا ١: ٥، نحن أُعطينا إشارة واضحة إلى المسيح على أنه الفادي. وعبارة «الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ» تشير إلى موته الكفاري على الصليب. فإنه لم يبررنا فحسب، لكنه قدّسنا كذلك (١كورنثوس ٦: ١١). في نصوص مثل هذه يمكننا أن نجد ضمان الخلاص لأنها تظهر لنا أن المسيح هو الذي يغسل خطايانا ويطهرنا من كل إثم. وبالتأكيد نحن لا يمكننا أن نفعل ذلك بأنفسنا.


اقرأ رومية ١: ٧. ماذا يعلمنا هذا عن المسيح؟


إن الشيء المركزي بالنسبة للإيمان بالمسيح، هو الوعد بعودة المسيح «في سُحُب السماء». إن المسيح سيأتي ثانية، وسيكون مجيئه حرفياً في حدث يشهده العالم كله، وهو حدث سيضع نهاية تامة للمعاناة والفوضى بهذا العالم، وسوف يعلن مجيئه عن بدء إتمام كل وعود الأبدية.






المسيح في سفر الرؤيا (الجزء الثاني)


اقرأ رؤيا ١: ١٠-١٨. ماذا يقول المسيح عن نفسه في هذه الفقرة الكتابية؟


يظهر المسيح في هذه الآيات واقفاً في القسم الأول من المقدس السماوي. وقد كان ظُهُور المسيح في هذا الدور هائلاً للغاية لدرجة أن يوحنا سقط عند قدميه بخوف. والمسيح، الذي يعزي ويطمئن دائماً، طلب من يوحنا أن لا يخاف، وأشار المسيح إلى نفسه على أنه الألف والياء، الأول والآخر- وذلك إشارة إلى وجوده الأزلي بوصفه الله. وفي وقت لاحق يتحدث المسيح عن موته وقيامته، وعن الرجاء الذي تجلبه قيامته. فالمسيح لديه «مفاتيح الموت والهاوية.» وبعبارة أخرى، يقول المسيح هنا ما دوَّنه يوحنا أيضاً « ‹أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، ٢٦ وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟› » (يوحنا ١١: ٢٥، ٢٦).


وكما فعل مع مرثا ومع يوحنا، يوجهنا المسيح إلى رجاء القيامة الذي هو تتويج وذروة الإيمان المسيحي. وبدون هذا الرجاء، هل سيكون هناك من رجاء؟


اقرأ رؤيا ٢٢: ٧، ١٢، ١٣. ما الذي تعلنه هذه الآيات أيضاً عن المسيح؟


«يسوع المسيح هو الألف والياء، هو التكوين في العهد القديم والرؤيا في العهد الجديد. وكلاهما يلتقيان معاً في المسيح. إن آدم والله قد تصالحا بواسطة طاعة آدم الثاني الذي أنجز العمل المتمثل في التغلب على تجارب الشيطان والتعويض عن فشل آدم وسقوطه المخزيين» (تعليقات إلن ج. هوايت، موسوعة الأدفنتست لتفسير الكتاب المُقَدَّس، مجلد ٦، صفحة ١٠٩٢). نعم، المسيح هو البداية والنهاية. لقد خلقنا في البداية، وهو سوف يعيد خلقنا في النهاية.


إن سفر الرؤيا، من البداية وحتى النهاية، رغم أنه يعلمنا عن التاريخ وأحداث زمن النهاية، هو إعلان يسوع المسيح. ومرة أخرى، أياً كانت الأمور الأخرى التي قد ندرسها عن أحداث زمن النهاية، يجب أن يكون يسوع المسيح هو محور كل شيء.






لمزيد من الدرس : «في الرؤيا صُوِّرَت أسرار الله. إن الاسم الذي أُطلق على هذا السفر الموحى به «الرؤيا»، يناقض مزاعم القائلين بأنه كتاب مختوم. فالرؤيا شيء يُرى ويُعلن. فالرب نفسه أعلن لعبده الأسرار المتضمنة في هذا السفر، وهو يقصد أنها تنكشف أمام عيون كل دارسيه. وحقائقه موجهة إلى مَن يعيشون في الأيام الأخيرة من تاريخ هذه الأرض مثلما هي موجهة لمن يعيشون في أيام يوحنا. وبعض المشاهد المصورة في هذه النبوة هي في الزمن الماضي، والبعض الآخر يتم الآن، والبعض يصوّر نهاية الصراع العظيم بين قوات الظلمة وبين ابن الله، أمير السماء. والبعض يكشف لنا عن الانتصارات والأفراح التي يتمتع بها المفديون في الأرض الجديدة» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٥٠٧).


إن النصوص الكتابية التي نظرنا إليها في هذا الأسبوع، من الأصحاحات الأولى والأصحاحات الأخيرة من سفر الرؤيا، تظهر كيف أنَّ هذا السفر يتمحور حول المسيح. فحتى في ظل إشارة الاقتباسات المأخوذة من العهد القديم للأحداث التاريخية، يعلمنا سفر الرؤيا المزيد عن ربنا يسوع المسيح. ولمزيد من الآيات التي تتحدث عن المسيح في سفر الرؤيا، أنظر أيضاً رؤيا ٣: ١٤؛ ٥: ٥، ٦؛ ٧: ١٤؛ ١٩: ١١-١٦. وعندما نضع هذه النصوص معاً فإننا نحصل على تصوّر قوي عن المسيح وعما يجب أن يعنيه لأولئك الذين يزعمون أنهم أتباعه.




الدرس الرابع


٢١-٢٧ نيسان (أبريل)


الخلاص وزمن النهاية






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: يوحنا ١٤: ٩؛ صفنيا ٣: ١٧؛ يوحنا ١: ١-٣؛ رومية ٨: ٣٨، ٣٩؛ مزمور ٩١: ١٥، ١٦؛ رؤيا ١٤: ٦، ٧؛ أفسس ١: ٤، ٥.


آية الحفظ: «فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (١يوحنا ٤: ١٠).


إحدى الاختلافات الرائعة، بل والحاسمة، بين الديانة المسيحية والديانات غير المسيحية هي أنه في حين يركِّز أصحاب هذه الديانات على ما علّمهم مؤسسوها إياه، غير أنهم لا يُركِّزون على ما قام به المؤسسون من أجلهم. والسبب في ذلك هو أنه مهما كان ما قام به المؤسسون من أجل الناس، فإنه لا يمكنه أن يخلّص أتباع هذه الديانات. وكل ما يمكن لهؤلاء القادة أن يقوموا به هو أن يعلّموا الناس كيف «يخلِّصوا» أنفسهم.


في المقابل، لا يركّز المسيحيون على ما علّمهم المسيح إياه فحسب، ولكنهم يركّزون أيضاً على ما قام به، وذلك لأن ما عمله المسيح يوفر السبيل الوحيد الذي به نخلص. إن تجسّد المسيح في جسم بشري (رومية ٨: ٣)، وموته على الصليب (رومية ٥: ٩)، وقيامته (١بطرس ١: ٣)، وخدمته في السماء (عبرانيين ٧: ٢٥) – هذه الأعمال وحدها هي التي تخلِّصنا. من المؤكد أن ليس هناك ما يمكننا عمله لنخلّص أنفسنا. «فإذا كنت ستجمع معاً كل ما هو جيد ومقدس ونبيل وجميل في الإنسان وتتقدم به إلى ملائكة الله ليكون بمثابة الجزء الذي يقوم به الإنسان لخلاص نفسه باستحقاقاته، فسيتم رفض المطلب باعتباره مراوغة» (روح النبوة، الإيمان والأعمال، صفحة ٢٤).


إن هذه الحقيقة الرائعة هي ذات أهمية خاصة بالنسبة لنا في خضم مخاطر وضلالات الأيام الأخيرة.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٨ نيسان (أبريل).




محبة الآب


قبل الصليب بفترة ليست بالطويلة، تحدث المسيح مع أفراد دائرته المقربة حول كيف يمكن للناس أن يأتوا إلى الآب من خلاله. وحينها قال فِيلُبُّسُ: « ‹يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا› » (يوحنا ١٤: ٨).


كيف رد المسيحُ على فِيلُبُّسَ؟ يوحنا ١٤: ٩. ماذا يعلِّمنا جوابه عن الآب؟ ما هي المفاهيم الخاطئة عن الله والتي لا بد وأن يكون جوابه قد ساعد على إيضاحها؟


بعض الناس يقولون إن إله العهد القديم هو إله العدل مقارنة بإله العهد الجديد الذي هو مليء بالرحمة والنعمة والمغفرة. إنهم يقيمون فرقاً غير صحيح بين الاثنين. إن إله العهد القديم هو نفسه إله العهد الجديد. إنّه الله الذي له نفس الصفات في كلا العهدين.


إن أحد الأسباب التي من أجلها جاء المسيح إلى هذا العالم كان ليعلن الحق عن الله الآب. على مر القرون، انتشرت الأفكار الخاطئة عن الله وعن صفاته، ليس فقط بين الوثنيين، ولكن بين أمة الله المختارة أيضاً. «لقد اكتنفت الظلمة العالم بسبب سوء فهم الناس لله. فحتى تتبدد غياهب الظلمة ويشرق النور، وحتى يعود العالم إلى الله كان لابد من سحق سلطة الشيطان الخادعة» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ١٩). هذه كانت بعض الأسباب التي من أجلها جاء المسيح إلى هذه الأرض.


إنَّ اللهَ لا يتغير. لو كنا نعرف كل الحقائق المحيطة بالأحداث في العهد القديم، لوجدنا الله رحيماً في العهد القديم كما هو رحيم في العهد الجديد. يعلن الكتاب المُقَدَّس أن «الله محبة» (١يوحنا ٤: ٨)، والله لا يتغير. «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ١٣: ٨).


تذكر أيضاً أن إله العهد القديم هو الذي عُلِقَ على الصليب.


إن هذا الإله [الله] هو أيضاً بَطِيءُ الْغَضَبِ وَرحيم وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ ومليء بالمحبة (خروج ٣٤: ٦، ٧). الله لديه محبة لا تسقط (مزمور ١٤٥: ٨) وهو يَرْضَى بِأَتْقِيَائِهِ (مزمور ١٤٧: ١١). يخطط الله لأن يزدهر شعبه ويمنحهم الرجاء (إرميا ٢٩: ١١). وفي محبته، لن يعود الله يوبخ ولكنه يَبْتَهِجُ بشعبه بِتَرَنُّمٍ (صفنيا ٣: ١٧). هذا، وأكثر من ذلك بكثير، هو حقاً ما يتسم به الله الآب.






محبة المسيح


فصلت الخطية الجنس البشري عن الله؛ وقد أحدثت بينهما هوّة شاسعة، وما لم يتم ردم هذه الهوة، لحكم على البشرية بالهلاك الأبدي. لقد كانت الهوة عميقة وخطيرة. وقد تطلب الأمر شيئاً مذهلاً للغاية لحل معضلة الخطية وإعادة توحيد البشرية الآثمة مع الله البار والقدوس. لقد تطلب الأمر قيام الذي هو سرمدي مع الله نفسه، الذي هو مساوٍ لله نفسه، أن يصير بشراً، وفي بشريته هذه، يقدم نفسه ذبيحة لأجل خطايانا.


اقرأ يوحنا ١: ١-٣، ١٤ وفيلبي ٢: ٥-٨. ماذا تعلمنا هذه الفقرات الكتابية عن هوية المسيح؟


كان المسيح أزلياً ولم يكن يعتمد في وجوده على أي شخص أو أي شيء. لقد كان المسيح هو الله نفسه – وليس مجرد المظهر الخارجي لله ولكنه كان الله نفسه. كانت طبيعته الجوهرية إلهية وأبدية. وقد احتفظ المسيح بهذه الألوهية لكنه أصبح إنساناً من أجل أن يحفظ الناموس في الجسد البشري وكي يموت كبديل عن كل أولئك الذين انتهكوا الناموس، وجميعنا فعلنا ذلك (رومية ٣: ٢٣).


لقد أصبح المسيح بشراً، دون أي ميزة على غيره من البشر. وقد حفظ ناموس الله، ليس من خلال قوته الإلهية الكامنة فيه، ولكن من خلال الاعتماد على نفس القوة الإلهية الخارجية المتاحة لأي إنسان آخر.


كان المسيح إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً. وهذا يعني أن الذي يحمل «كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين ١: ٣) كان هو نفسه الذي وجد كطفل «مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ» (لوقا ٢: ١٦). وهذا يعني أن «الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كولوسي ١: ١٧) هو نفسه الذي كان كطفل «يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ» لوقا ٢: ٥٢). وهذا يعني أنه الذي «بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٣) كان هو نفسه من عُلِقَ «عَلَى خَشَبَةٍ» (أعمال ٥: ٣٠).


فإذا كان كل هذا يعلن محبة المسيح لنا، وإذا كانت محبة المسيح لنا ليست سوى تعبير عن محبة الآب لنا، فلا عجب إذاً في أن لدينا الكثير من الأسباب لنبتهج ولنكون شاكرين!






محبة الرُّوح الْقُدُسِ


لقد أسيء فهم الرُّوح الْقُدُسِ، بنفس القدر تقريباً الذي أسيء به فهم الآب. وقد أعتقد بعض اللاهوتيين أن الرُّوح الْقُدُسِ هو عبارة عن المحبة بين الآب والابن. وبعبارة أخرى، إنهم يعتقدون أن الرُّوح الْقُدُسِ هو مجرد المودة بين الآب والابن. وهذا يعني أنهم يقلصون الرُّوح الْقُدُسِ ويحولونه إلى مجرد علاقة بين أقنومين من أقانيم الألوهية دون أن يكون هو نفسه أقنوماً من أقانيم الألوهية.


لكن الكتاب المُقَدَّس يثبت أن الرُّوح الْقُدُسِ هو ذاتية شخصية. ويعتمد المسيحيون باسمه جنباً إلى جنب مع الآب والابن (متى ٢٨: ١٩). ويمجِّد الرُّوح الْقُدُسِ يسوع المسيح (يوحنا ١٦: ١٤). ويبكت الرُّوح الْقُدُسِ الناس على الخطية (يوحنا ١٦: ٨). كما إنه يمكن إحزانه (أفسس ٤: ٣٠). وهو معزٍ ومعين وناصح ومرشد (يوحنا ١٤: ١٦). وهو يُعَلِّمُ (لوقا ١٢: ١٢)، ويَشْفَعُ (رومية ٨: ٢٦)، ويقدِّس (١بطرس ١: ٢). وقد قال المسيح أن الروح يُرْشِدُ الناس إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ (يوحنا ١٦: ١٣).


وباختصار، فإن الرُّوح الْقُدُسِ هو الله، وكذلك الآب والابن. والثلاثة أقانيم معاً هم إله واحد، الله الواحد.


إن كل شيء يقوم به الرُّوح الْقُدُسِ يعلن عن محبته الإلهية. ما هي بعض الأمور التي يقوم بها الرُّوح الْقُدُسِ؟ لوقا ١٢: ١٢؛ يوحنا ١٦: ٨-١٣؛ أعمال ١٣: ٢.


إن تجسد المسيح هو أعظم دليل على أن الرُّوح الْقُدُسِ هو الله. فلقد وُلِدَ المسيحُ من الرُّوح الْقُدُسِ (متى ١: ٢٠). فقط الله هو القادر أن «يخلق» بهذه الطريقة. لقد استطاع الرُّوح الْقُدُسِ إجراء معجزتين عكسيتين للمسيح. أولاً، قام الرُّوح الْقُدُسِ بجلب المسيح كلي الوجود إلى داخل رحم مريم. وقد صعد المسيح بالجسد البشري إلى السماء، وهو قد حُدَّ في هذا الجسد. ثانياً، يأتي الرُّوح الْقُدُسِ بالمسيح الذي حُدَّ مِن قِبل بشريته، وبمعجزة أخرى لا يمكن تفسيرها، يجعل المسيح حاضراً للمسيحيين في جميع أنحاء العالم.


وهكذا، فإن الرُّوح الْقُدُسِ، جنباً إلى جنب مع الآب والابن، يعملون لأجلنا. «لقد أشفق أقانيم الألوهية على الجنس البشري. وقد كَرَّس كلٌ من الآب والابن والرُّوح الْقُدُسِ أنفسهم لتَدبير خطة الفداء» (روح النبوة، إرشادات حول الصحة، صفحة ٢٢٢).


إن الآب والابن والرُّوح الْقُدُسِ يحبوننا بصورة متساوية، وهم يعملون لأجل خلاصنا إلى ملكوت الله الأبدي. كيف لنا، إذن، التفريط في هذا الخلاص العظيم؟






ضمان الخلاص


يتساءل بعض الأدفنتست السبتيين عما إذا كانوا سيخلصون. إنهم يفتقرون إلى الضمان ويتوقون إلى معرفة مستقبلهم. وهم يعملون بجد من أجل أن يكونوا صالحين بما فيه الكفاية، ومع ذلك يدركون أنهم معوزين. إنهم ينظرون إلى داخلهم ويجدون القليل لتشجيعهم في رحلتهم عبر الحياة.


وعندما نرى الفجوة الهائلة بين صفات المسيح وصفاتنا، أو عندما نقرأ آية مثل «مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ» (متى ٧: ١٤)، فمن منا لا يمر بلحظات حين نتساءل ما إذا كنا سننجح في الوصول؟


حتى يكون الناس مستعدين لزمن النهاية، يجب أن يكون لديهم ضمان الخلاص في الوقت الحاضر. فإنه يتعين عليهم أن ينعموا بواقع الخلاص كي يواجهوا المستقبل دون خوف. ومع ذلك، وكما رأينا، فإن كل أقانيم الألوهية يعملون من أجل خلاصنا. وهكذا، ينبغي بل ويجب علينا العيش ونحن على يقين من ضمان الخلاص.


اقرأ الآيات التالية. ما هو الرجاء وما هي التأكيدات التي نستمدها من هذه النصوص فيما يتعلق بالخلاص وما قام به الله من أجلنا وما يَعِد بالقيام به؟


مزمور ٩١: ١٥، ١٦


يوئيل ٢: ٣١، ٣٢


يوحنا ١٠: ٢٨


رومية ١٠: ٩-١٣


١يوحنا ٥: ١١-١٣


إننا مدعوون، بل حتى مأمورون، لعيش حياة قداسة، لكن هذه الحياة هي نتيجة خلاصنا بيسوع وليس وسيلة للحصول على الخلاص. على الرغم من أنه يجب علينا أن نكون أمينين، حتى الموت، إلا أنه يجب علينا دائماً أن نعتمد على الهبة باعتبارها رجائنا الوحيد للخلاص. إن شعب الله سوف يُوجَدُونَ أمينين ومطيعين في الأيام الأخيرة. والأمانة والطاعة هاتان ستكونان نتيجة ضمان ما فعله المسيح من أجلهم.




البشارة الأبدية


اقرأ رؤيا ١٤: ٦، ٧. ما هي «البشارة الأبدية»؟


يُشار إلى البشارة على أنها «أبدية.» وهذا هو دليل إضافي على أن الله لا يتغير. فإن الله الذي لا يتغير لديه بشارة لا تتغير. وهذه البشارة الأبدية تقدم الضمان إلى كل من هم على استعداد لقبولها. وتعلن البشارة محبة الله التي لا تتغير، وهذه هي الرسالة التي بحاجة إلى أن تذهب إلى العالم أجمع. كل شخص يحتاج إلى فرصة لسماعها، وهذا هو السبب في أن الله دعا شعبه لنشرها.


«كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ» (أفسس ١: ٤، ٥). ما هو المزيد الذي تخبرنا هذه الفقرة الكتابية عنه حول مدى «أبدية» البشارة؟


«اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ»، إنها حقاً بشارة أبدية! فإنه حتى قبل خلق العالم كانت تدابير الله لنا هي أن ننال الخلاص؟


دعونا نلقي نظرة على بعض الكلمات الواردة بالآيتين أعلاه: «اخْتَارَنَا»، «سَبَقَ»، «لِلتَّبَنِّي». انظر إلى مدى ما تشير إليه هاتان الآيتان مِن توق مِن قِبَلِ الله لأن تكون لنا الحياة الأبدية «فيه». وحقيقة أن الله قد قام بكل ذلك منذ الأزل (انظر أيضاً ٢تسالونيكي ٢: ١٣؛ ٢تيموثاوس ١: ٩) تشير بوضوح إلى نعمته، وتظهر أن خلاصنا لا يأتي من أي شيء يمكننا عمله أو من أي استحقاق بشري، وإنما الخلاص هو عمل ناتج عن طبيعة الله المُحِبّة. فإنه كيف يمكن أن يأتي الخلاص من أي شيء آخر يمكننا القيام به إذا كنا قد اخترنا لننال الخلاص في المسيح حتى قبل أن نوجد؟ والخيار بالنسبة لنا هو أن نقبل الخلاص أو نرفضه.


وكيف يتجلى هذا الاختيار في حياة المختارين؟ أن «نَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ» (أفسس ١: ٤). هذا هو أيضاً ما تم اختيارنا لأجل القيام به.






لمزيد من الدرس: يمكننا الحصول على ضمان الخلاص، ولكن يجب ألا نكون مُتَغَطْرسين بشأن هذا الموضوع. هل هناك ما يعرف بالضمان الكاذب للخلاص؟ بالتأكيد. وقد حذرنا المسيح حيال ذلك، أيضاً، قائلا: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!» (متى ٧: ٢١-٢٣).


إن الأشخاص المُشار إليهم في الآيات أعلاه ارتكبوا خطأين قاتلين. أولاً، بالرغم من كل الأمور العظيمة التي فعلوها باسم الرب، لم يكونوا يفعلون مشيئة الرب التي كانت تقضي بأن يطيعوا ناموسه. إنَّ المسيح لم يقل «اذْهَبُوا عَنِّي» يا مَن كنتم ليس «بلا خطية» أو يا من كنتم ليس «بلا عيب» أو يا من كنتم ليس «كاملين». بدلاً من ذلك، وصفهم المسيح بأنهم «فَاعِلِي الإِثْمِ» أو «بلا ناموس» كما ترد في بعض الترجمات.


ثانياً، لاحظ تركيزهم على أنفسهم وعلى ما أنجزوه: ألم نفعل هذا باسمك؟ أو ألم نفعل ذاك باسمك؟ أو ألم نفعل هذا الشيء الآخر، وكلها باسمك أيضاً؟ رجاء! لا بد وأنهم كانوا بعيدين جداً عن المسيح ليشيروا إلى أعمالهم الخاصة في محاولة لتبرير أنفسهم أمام الله؟ إن الأعمال الوحيدة التي من شأنها أن تخلصنا هي أعمال المسيح التي تنسب إلينا بالإيمان. هنا يوجد ضمان خلاصنا – ليس في أعمالنا ولكن في ما فعله المسيح من أجلنا. أتريد ضماناً؟ أطِع ناموس الله واعتمد فقط في استحقاقات بر المسيح، وستحصل على كل الضمانات التي تحتاج إليها.




الدرس الخامس


٢٨ نيسان (أبريل) – ٤آيار (مايو)


المسيح في المَقْدِس السماوي






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ٨: ٣؛ يوحنا ١: ٢٩؛ رؤيا ٥: ١٢؛ عبرانيين ٧: ١- ٢٨؛ ٩: ١١-١٥؛ لاويين ١٦: ١٣؛ عبرانيين ٩: ٢٠- ٢٣.


آية الحفظ: «لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ» (فيلبي ٢: ٩، ١٠).


في الحديث عن المسيح في المقدِس السماوي، يقول سفر العبرانيين: «حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ٦: ٢٠).


إن الكتاب المُقَدَّس، ولا سيما العهد الجديد، واضح جداً بشأن دور المسيح كرئيس كهنتنا في المقدس السماوي – وهو الدور الذي أخذه بعد أن أتم عمله كذبيحتنا هنا على الأرض (انظر عبرانيين ١٠: ١٢).


وفي هذا الأسبوع سوف ننظر إلى خدمة المسيح في المقدس السماوي. إن عمله التشفعي هو أمر حاسم جداً بالنسبة لإعداد شعبه لأن يكونوا مستعدين لزمن النهاية. لذلك، أُعطينا هذا التحذير الحاسم: «وينبغي لشعب الله أن يفهموا موضوع القدس والدينونة الاستقصائية فهما واضحا. فالجميع يحتاجون إلى أن يعرفوا لأنفسهم مركز رئيس كهنتهم العظيم وعمله، وإلا فسوف يستحيل عليهم أن يدربوا إيمانهم، الذي هو جوهري في هذا الوقت، أو أن يملأوا المركز الذي يقصد الله أن يملأوه» (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ٥٣٢).


ما هو الذي يفعله المسيح من أجلنا في المقدس السماوي، ولماذا من المهم جداً بالنسبة لنا أن نفهمه في الأيام الأخيرة بصفة خاصة؟


* نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٥ أيار (مايو).




التضحية الأسْمَى


إن التعمّق في دراسة التضحية الأسمى للمسيح، له تأثير كبير في إعداد المؤمنين لزمن النهاية. في كثير من الأحيان، ينظر الناس إلى الهدف الذي أمامهم، وهذا يبدو مفهوماً ويقبله العقل. لكن من الجيد للناس أيضاً أن يدركوا أن الهدف وراءهم. إننا نتحدث عن صليب الجلجثة. فإن الهدف الذي أحرزه المسيح على الصليب من أجلنا هو هدف لا ينقض، وهو هدف نهائي، كما أنه يمنح اليقين في بلوغ الهدف المقبل كذلك.


اقرأ رومية ٨: ٣؛ ١تيموثاوس ١: ١٧؛ ٦: ١٦؛ ١كورنثوس ١٥: ٥٣. لماذا أرسل الله ابنه إلى العالم؟


أرسل الله المسيح ليكون ذبيحة خطية لكي يدين الخطية في الجسد. ماذا يعني هذا؟ إن المسيح، بوصفه كائن سرمدي، لا يمكن أن يموت. لذلك، كان عليه أن يأخذ على عاتقه الطبيعة البشرية، فأصبح إنساناً حتى يمكنه أن يموت كبديل عنا.


وعلى الرغم من طبيعته الإلهية، إلا أن المسيح أخذ «صورة البشر» ووَضَعَ نَفْسَهُ بأن «أَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ» على الصليب (فيلبي ٢: ٦-٨). وبطريقة لا يعلمها إلا الله، فإن ألوهية يسوع لم تمت عندما مات المسيح على الصليب. فإنه بطريقة ما تفوق الإدراك البشري، كانت ألوهية المسيح ساكِنة خلال الأشهر التسعة التي حُبل به في الرحم وفي الأيام التي بقي فيها في القبر. ولم يستخدم المسيح ألوهيته أبداً لمساندة بشريته خلال حياته وخدمته هنا على الأرض.


اقرأ لوقا ٩: ٢٢. ماذا تخبرنا هذه الآية عن كيف أن موت المسيح على الصليب كانت متعمَّداً ومقصوداً؟


وُلِدَ المسيحُ ليموتَ. يمكننا أن نتصور أنه لم تكن هناك أبداً لحظة واحدة في الأبدية كان فيها المسيح مُعْتَقَاً من أفكار السخرية والجلد والضرب والصلب المروع الذي كان سيواجهه. هذه محبة فائقة لم يُشهد لها مثيل من قبل، وهي محبة غير مفهومة بشكل كامل.






حَمَلُ اللهِ


اقرأ يوحنا ١: ٢٩؛ رؤيا ٥: ١٢؛ ١٣: ٨. ما هي الصورة المشتركة التي تقدمها هذه الآيات، وما هي أهمية تلك الصورة في مساعدتنا على فهم خطة الخلاص؟


عندما دعا يوحنا المعمدان يسوعَ بلقب «حَمَلُ اللهِ» فإنه كان يشير إشارة في غاية الوضوح إلى المقدِس. وبصورة مباشرة أكثر، كان يوحنا يشير إلى موت المسيح عن الخطية باعتباره الإتمام الوحيد لكل الحِملان (وكل ذبيحة حيوانية أخرى في طقوس المقدس العبراني) التي سبق نحرها كذبيحة عن الخطية. في الواقع، إن الأناجيل الأربعة، وبالإضافة إلى أي شيء آخر تُعلّمه، إنّما تخبرنا في نهاية الأمر بقصة ما قام به المسيح في دوره كحَمَلِ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.


لكن قصة المسيح وعمله لخلاصنا لا تنتهي في الأناجيل، ولا تنتهي حتى بموته وقيامته.


فإننا نجد أن سفر العبرانيين، من البداية، يتطرق إلى موضوع المسيح بصفته رئيس الكهنة في المقدس السماوي بعد عمله كَحَمَلِ الذبيحة. ومن أول ذِكْر له في هذا الدور بعد الصليب (عبرانيين ١: ٣)، نجد أن الأصحاحات التالية في سفر العبرانيين تشير إلى المسيح باعتباره رئيس كهنة. ويتم تصوير عمله في المقدس السماوي بصورة مفصلة في عبرانيين ٧: ١-٢٨.


اقرأ عبرانيين ٧: ١- ٢٨. ما الذي يقوله كاتب سفر العبرانيين عن المسيح في هذه الآيات الكتابية؟


على رغم من أن هذه الآيات عميقة وغنية جداً، إلا أن فحوى ما تقوله هو أن كهنوت المسيح أفضل من الكهنوت الذي كان للكهنة من نسل هرون في خدمات المقدس الأرضي. ولكن الآن، وبدلاً من أن يكون هناك كهنوت أرضي في مقدس أرضي، نحن لدينا رئيس كهنة سماوي يخدم من أجلنا في المقدس السماوي. لذلك، فإننا عندما نركز أعيننا على المسيح الآن، فإنه يمكننا تركيزهم عليه بوصفه رئيس كهنتنا في المقدس السماوي.




رئيس كهنتنا


اقرأ عبرانيين ٧: ٢٤-٢٧؛ ٨: ٦. ما هو الرجاء العظيم المقدم لنا في هذه الآيات؟


إن المسيح قادر على أن يخلص بالتمام نظراً لعدة مؤهلات لا يمكن أن تكون لدى أي كاهن آخر على الإطلاق. فالمسيح هو الله الذي لديه السلطة ليغفر الخطايا. كما أن كهنوت المسيح هو كهنوت دائم. وخلال التاريخ المسيحي، يتشفع المسيح كل الوقت من أجل شعبه، بنفس الشفقة المحبة التي أبداها عندما شفى المرضى وواسى من يعانون من الوحدة. كما أنه كان بشراً، ولكنه وُلِدَ بلا خطية وظل على هذا النحو. والمسيح، الذي كان بلا خطية، مات تحت وطأة مُجمل خطايا البشر.


إن ما تظهر هذه النصوص أيضاً هو أن ذبيحة المسيح كانت ذبيحة مرة واحدة والى الأبد. كانت ذبيحته بحاجة إلى أن تحدث مرة واحدة، وكانت كافية لجلب الخلاص لكل إنسان عاش على وجه الأرض.


فعلى كل حال، فإنه بالنظر إلى الذي مات على الصليب، كيف يمكن لمثل هذه الذبيحة أن تكون غير كافية لخلاص كل إنسان؟


اقرأ عبرانيين ٩: ١١-١٥. ما الذي أحرزه المسيح من أجلنا من خلال موته على الصليب، ومن خلال خدمته الآن في السماء؟


تقول الآية في عبرانيين ٩: ١٢ أن المسيح «وَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا». والكلمة اليونانية المترجمة «فِدَاءً» تعنى أيضاً «عتقاً»، «إطلاق سراح» و «إنقاذاً». وهي نفس الكلمة المستخدمة في لوقا ١: ٦٨، عندما أعلن زكريا أن الرب قد «افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ.» والإشارة إلى دم المسيح – دم الذبيحة الوحيدة الكافية الوافية – تعني أن المسيح، كحمل التضحية، هو الذي أحرز هذا الفداء، هذا الخلاص. وأخبار البشارة السارة هي أن المسيح لم يحرز هذا لأجل نفسه وإنما لأجلنا نحن. وما احرزه المسيح أصبح مؤثراً ومفيداً لكل من يقبلون ذبيحة المسيح من أجلهم.






شفيعنا


على الرغم من أن الخطية قد عملت على وجود انفصال مخيف بين الله والبشرية، إلا أنه ومن خلال موت المسيح الكفاري، يمكننا ككائنات بشرية أن نأتي إلى الله ويمكننا الاستمرار في الاقتراب إليه. انظر أفسس ٢: ١٨؛ ١بطرس ٣: ١٨.


«الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ، حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ٦: ١٩، ٢٠). وفقاً لهذه الآيات، ما الذي قام به المسيح من أجلنا؟


اقرأ عبرانيين ٩: ٢٤. ما الذي يتضمنه عمل المسيح وفقاً لما ورد في هذه الآية؟


دخل المسيح إلى المقدس السماوي، بل دخل إلى حضرة الله، كسابق لأجلنا. معنى هذا أن المسيح واقف أمام الآب مقدماً استحقاقات كفارته، «الفداء الأبدي» الذي «أحرزه» لأجلنا.


نعم، عندما قبلنا المسيح غفرت لنا ذنوبنا، ووقفنا أمام الله معفو عنّا ومُطهّرين. ولكن تبقى الحقيقة وهي أنه حتى بعد أن أصبحنا مسيحيين، نحن لا زلنا نخطئ في بعض الأحيان، على الرغم من كل الوعود الرائعة بالنصرة. وفي مثل هذه الحالات، يتشفع المسيح كرئيس كهنتنا في السماء. إنه يمثل الخاطئ التائب، وهو لا يتوسل لأجل استحقاقاتنا (لأنه ليس لدينا أية استحقاقات خاصة بنا) ولكنه يتوسل لأجل استحقاقاته هو نيابة عنا أمام الآب. «فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين ٧: ٢٥).






يوم الكفارة


يعلم سفر العبرانيين أن خدمات المقدس العبراني الأرضي كانت مثال للمقدس السماوي، المقدس الذي دخله المسيح وافتتحه كرئيس كهنتنا. إنَّ الخدمة الأرضية، بشقيها وطقوس الذبائح والتطهير الخاصة بها كانت «شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ» (عبرانيين ٨: ٥).


وكما أن طقوس المقدس الأرضي قد تضمنت الخدمة في قسمين، القدس وقدس الأقداس، هكذا أيضاً هي خدمة المسيح في المقدس السماوي. في المقدس الأرضي، كان مفهوم الدينونة يتمثل في يوم الكفارة، الذي ينتج عنه تطهير الهيكل كما هو مصور في الأصحاح ١٦ من سفر لاويين. كانت هذه هي المرة الواحدة في السنة التي يدخل فيها رئيس الكهنة إلى القسم الثاني من المسكن، قدس الأقداس، (لاويين ١٦: ١٢-١٤) ليقوم بعمل التطهير والتكفير نيابة عن الناس.


اقرأ عبرانيين ٩: ٢٠-٢٣. ما الذي يحتاج إلى التنقية والتطهير، ولماذا يعد هذا إشارة واضحة إلى خدمة يوم الكفارة الخاصة بالمسيح؟


لقد اندهش علماء اللاهوت من عبارة أن المَقدِس السماوي نفسه كان بحاجة إلى تطهير. لكن بمجرد فهم ذلك على أنه إشارة إلى يوم الكفارة، فإن المشكلة تختفي. تظهر الآية في عبرانيين ٩: ٢٣ أن العمل الذي يقوم به المسيح في المقدس السماوي هو التعبير الحقيقي عن ما كان رئيس الكهنة الأرضي يقوم به في خدمات يوم الكفارة السنوي في المقدس الإسرائيلي. إن خدمة الكاهن الأرضي في تطهير المقدس الأرضي كانت إشارة إلى العمل الذي كان سيقوم به المسيح يوماً ما في المقدس السماوي. لا تذكر الآية هذا التطهير السماوي سيحدث بعد صعود المسيح إلى السماء مباشرة. من خلال دراستنا لسفر دانيال، يمكننا أن نرى أن هذه المرحلة من الخدمة قد بدأت في عام ١٨٤٤ميلادية. لذا، فإننا كمسيحيين يواجهون الأيام الأخيرة، نحتاج إلى إدراك مهابة الوقت الذين نعيش فيه. لكن علينا أيضاً أن نسترح في ضمان ما قام به المسيح من أجلنا في الماضي وما يقوم به من أجلنا الآن في قدس الأقداس بالمقدس السماوي.






لمزيد من الدرس: يشير سفر العبرانيين إلى المقدس الأرضي باعتباره نموذج أو مِثَال لما كان سيقوم به المسيح من أجلنا على الأرض بوصفه ذبيحتنا، وما سيقوم به في السماء بوصفه رئيس كهنتنا. لقد قصد للمقدس الإسرائيلي دائماً أن يكون درساً عملياً للبشارة. كان ينبغي له أن يعلم اليهود خطة الخلاص التي تضمنت التضحية والشفاعة والدينونة والنهاية الختامية للخطية. في الوقت نفسه، يضيف سفر دانيال مزيداً من الضوء بحيث يساعد القراء على فهم البُعد التنبؤي (المتعلق بزمن النهاية) في العمل الختامي الذي يقوم به المسيح في المقدِس السماوي. «في ضوء تركيزها على التطهير والدينونة والتبرير، تبرز رؤى سفر دانيال المتعلقة بنهاية الزمان صورة يوم الكفارة حتى آخر لحظة من تاريخ الأرض. إن التطهير متصل بصورة مباشرة بالمقدس السماوي وبعمل المسيا كملك وكاهن. تقدم الرؤى عنصر الزمان وتجعل من الممكن للقارئ تحديد لحظة معينة تقع ضمن إطار تاريخ الخلاص عندما يبدأ المسيا عمله المتعلق بالتطهير النهائي والدينونة والتبرير في المسكن السماوي لله» [دليل لاهوت الأدفنتست السبتيين (هاغرستوون، ماريلاند: دار ريفيو آند هيرالد ® للنشر، ٢٠٠٢)، صفحة ٣٩٤].