دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثالث 2017 - بشارة الإنجيل في سِفر غلاطية

تحميل قوات الدفاع الشعبي  -  دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثالث 2017 - بشارة الإنجيل في سِفر غلاطية

 

مقدمة ٢


١. بولس رسول الأمم — حزيران (يونيو) ٢٤-٣٠ ٦


٢. سلطة بولس والإنجيل — تموز (يوليو) ١-٧ ١٤


٣. وحدة الإنجيل — تموز (يوليو) ٨-١٤ ٢٢


٤. التبرير بالإيمان وحده — تموز (يوليو) ١٥-٢١ ٣٠


٥. إيمان العهد القديم — تموز (يوليو) ٢٢-٢٨ ٣٨


٦. أفضليّة الوعد — ٢٩ تموز (يوليو) - ٤ آب (أغسطس) ٤٦


٧. الطريق إلى الإيمان — ٥-١١ آب (أغسطس) ٥٤


٨. من عبيد إلى وَرَثَة — ١٢-١٨ آب (أغسطس) ٦٢


٩. تضرعات بولس الرعوية — ١٩-٢٥ آب (أغسطس) ٧٠


١٠. العهدان — ٢٦ آب (أغسطس) - ١ أيلول (سبتمبر) ٧٨


١١. الحريّة في المسيح — ٢-٨ أيلول (سبتمبر) ٨٦


١٢. الحياة بالروح — ٩-١٥ أيلول (سبتمبر) ٩٤


١٣. بشارة الإنجيل والكنيسة — ١٦-٢٢ أيلول (سبتمبر) ١٠٢


١٤. الافتخار بالصليب — ٢٣-٢٩ أيلول (سبتمبر) ١١٠


Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904


Come visit us at our Web site: http://www.absg.adventist.org


Principal Contributor

Robert McIver


Editor

Clifford R. Goldstein


Associate Editor

Soraya Homayouni


Publication Manager

Lea Alexander Greve


Middle East and North Africa Union


Publishing Coordinator

Michael Eckert


Translation to Arabic

Ashraf Fawzy


Arabic Layout and Design

Marisa Ferreira


Editorial Assistant

Sharon Thomas-Crews


Pacific Press® Coordinator

Wendy Marcum


Art Director and Illustrator

Lars Justinen


Design

Justinen Creative Group



© ٢٠١٧ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار دون الحصول على إِذْن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح "الأدفنتست السبتيون" وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.


إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المُقَدّس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المُقَدّس هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، ويحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف (أو المؤلفين).


Sabbath School Personal Ministries



مارتن لوثر والْغَلاَطِيُّون


يستعدّ العالم البروتستانتي للاحتفال بالذكرى الخمسمائة للإصلاح البروتستانتي عندما كشف مارتن لوثر — مسوقاً من الروح القدس — النقاب عن حقائق كتابية جوهرية للملايين. حقائق كانت مطمورةً قروناً طويلةً تحت الخرافات والتقاليد.


وقد يذهب البعض إلى القول بأنّ البروتستانتية برمّتها قد وُلِدت وظهرت إلى الوجود، منذ خمسمائة سنة مضت، من خلال صفحات الرسالة إلى الغلاطييّن (بالإضافة إلى الرسالة إلى أهل رومية). فإنّه من خلال مطالعة الرسالة إلى أهل غلاطية نجد أَنّ مارتن لوثر قد بهرته الأخبار السارّة العظيمة، الخاصّة بالتبرير بالإيمان. هذه الحقيقة المجيدة التي أنجبت حركة الإصلاح البروتستانتي، هي التي ساهمت في تحرير الملايين من أخطاء لاهوتية مسكونيّة لقرون عديدة. فما قرأه مارتن لوثر في الرسالة إلى أهل غلاطية قد غيّر العالم رأساً على عقب، ولم يعد كما كان قبلاً.


والأدڤنتست السبتيّون، بعد لوثر بعدّة قرون، مدينون كذلك للرسالة إلى غلاطية. فمن خلال دراسة الرسالة إلى غلاطية، قد ساعد ج واكنر و أ.ت. جونز الكنيسة الأدڤنتستّية في الثمانينيات والتسعينات من القرن التاسع عشر على معاودة اكتشاف حقيقة التبرير بالإيمان.


فما هو مضمون الرسالة إلى غلاطية الذي يجعل منها أساساً متيناً للإصلاح البروتستانتي؟ وكيف تمكّنت هذه الرسالة من التأثير على قلوب الكثيرين أمثال مارتن لوثر؟


إن الرسالة إلى أهل غلاطية تتعامل، بطريقة تختلف عن أي سفر آخر، مع عدد من المواضيع الحاسمة بالنسبة للشخص المسيحي. ففي سفر غلاطية نجد أن بولس يتناول قضايا مثل الحرية، دور الناموس في الخلاص، حالتنا في المسيح، وطبيعة الحياة المنقادة من قِبل الروح القدس، فضلاً عن السؤال القديم، كيف يمكن للبشر الأثمة أن يُبَرروا أمام ﷲ القدوس والعادل؟ ولربّما كان هذا السؤال دون غيره هو الذي ثبّت قدمي مارتن لوثر على الطريق، والذي لم يحد عنه بعد ذلك.


ويوجد بالطبع أسفار أخرى، مثل سفر رومية، تتناول بعضاً من نفس هذه المسائل، لكن سفر غلاطية مختلف. ليس فقط لأنه أكثر دقة في التعبير، ولكن لأن موضوعاته الثرية مكتوبة بلغة رعوية شخصية قوية ومؤثرة لا يمكنها سوى أن تلمس القلب المفتوح لروح ﷲ، حتى يومنا هذا.


وعلى الرغم من أن رسالة بولس إلى أهل غلاطية تتحدث إلينا شخصياً، فإنه يمكن لفهمنا أن يتعزز ويتقوى إذا نحن أدركنا الظروف التاريخية الأصلية التي كان يتصدى لها بولس، بتوجيه وإرشاد الروح القدس.


يعتقد كثير من العلماء والدارسين للكتاب المقدس أن سفر غلاطية ربما هو من أول كتابات بولس، وقد كُتب في عام ٤٩ ميلادية، وذلك بعد انعقاد مجمع أورشليم الشهير بفترة قصيرة (أعمال ١٥). ولذلك، ربما يكون سفر غلاطية هو من أقدم الوثائق المسيحية المعروفة. وكما يوضح سفر الأعمال وسفر غلاطية، فإن الكنيسة الأولى قد وجدت نفسها في معركة شرسة حول طبيعة الخلاص، ولا سيما في حالة الأمم (الوثنيين). فإنَّ جماعة من المؤمنين اليهود، المعروفين باسم «المتهودين»، كانت ترى أن الإيمان بيسوع وحده لم يكن كافياً بالنسبة للأمم المنضمين للكنيسة، ومن هنا كانوا يرون وجوب أن يُختتن الأمميون وأن يتبعوا ناموس موسى. (أعمال ١٥: ١). وليس من الغريب، إذن، أنّه عندما أسس بولس كنيسة للأمم في غلاطية أنّ بعضاً من أولئك المتهوّدين سافروا إلى هناك لكي «يُقوّمُوا الأمور».


وعندما سمع بولس بهذه المشكلة، ردَّ وتفاعل بحماس شديد معها. ولإدراكه بأن تلك البشارة المزيفة المنادية بالخلاص بكل من الإيمان والأعمال كانت تهدد عمل المسيح، فقد كتب بولس إلى مؤمني غلاطية كدفاع حماسي غيور عن الإنجيل والبشارة. وبأقوى وأشد كلمات، يصف بولس هذه التعاليم الخاطئة بالوصف الذي ينطبق عليها حقاً — فهي بكل بساطة، تزمت وتقيد حرفي شديد بالتعاليم.


فدراسة الكتاب المقدس في هذا الربع تدعونا للتجوال مع الرسول بولس، إذ يهيب بالغلاطييّن أن يظلوّا أمناء للمسيح. هذه الدراسة تعطينا فرصة في ذات الوقت لإنارة مفهومنا الشخصي بالحقائق التي فتحت الطريق أمام المصلح مارتن لوثر للانفصال النهائي عن روما وإرساء سلطة إنجيل الخلاص الكتابي.


الدكتور كارل كوسيرت هو أستاذ الدراسات الكتابية في جامعة «والا والا» في كوليدج بلايس، واشنطن.


دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي


تواصل مع ﷲ بفعالية أكثر!


إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المُقَدّس وقراءات مختارة من مؤلفات إلن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المُقَدّس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.


متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.


قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:


http://www.RevivalandReformation.org


وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.


حلقة عالمية للصلاة


برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة


صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم


دراسة يومية لكلمة ﷲ ومؤلفات روح النبوة


قم بتحميل


نسختك الإلكترونية المجانية


من دليل دراسة الكتاب المُقَدّس عبر الموقع التالي:


www.menapa.com


 

اشترك في


رسالتنا الإخبارية


المجانية


تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل


إصداراتنا الجديدة!


+961 1 690290 | www.menapa.com


شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠


جمعية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للنشر


الدرس الأول


٢٤-٣٠ حزيران (يونيو)


بولس رسول الأمم






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: أعمال ٦: ٩-١٥ و ٩: ١-٩؛ ١صموئيل ١٦: ٧؛ متى ٧: ١؛ أعمال ١١: ١٩-٢١و ١٥: ١-٥.


آية الحفظ: «فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ سَكَتُوا، وَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ قَائِلِينَ: ‹إِذًا أَعْطَى اللهُ الأُمَمَ أَيْضًا التَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!› » (أعمال ١١: ١٨).


ليس من الصعب علينا أن نتفهم شخصية شاول الطرسوسي (والمعروف أيضاً باسم الرسول بولس بعد تجديده)، وليس من الصعب فهم لماذا فعل ما فعله. فقد تعلّم طيلة حياته عن أهميّة الناموس وعن خلاص إسرائيل السياسي المزمع أن يحدث على يد المسيا المنتظر. ولهذا فإن فكرة تقديم المسيّا المنتظر بطريقة مذلّة مشينة كأسوأ المجرمين كانت مصدر إزعاج له ولم يستطع احتمالها.


ولا عجب، إذن، في أنه كان على قناعة بأن أتباع المسيح كانوا غير مخلصين للتوراة، وبذلك هم يعرقلون خطة ﷲ التي رسمها لإسرائيل. كما رأى أنّ ادّعاءهم بأنّ يسوع المصلوب كان هو المسيّا بذاته، كانت مجرد خرافة. كما أنه لم يصدّق كذلك قيامة المسيح من بين الأموات. كان نشاط المسحييّن في نظره ارتداداً عن الحقّ، ولا يمكن غَضّ النظر عن ذلك الهراء أو التساهل مع أي شخص يرفض أن يتخلّى عن هذه الأفكار. ولقد صمّم شاول أن يكون آلة ﷲ لتطهير إسرائيل من هذه المعتقدات. ومن هنا، فإنّه يظهر على صفحات كلمة ﷲ المقدسّة كمضطهد عنيف لرفاقه من اليهود، أولئك الذين آمنوا بأن يسوع المسيح كان هو المسيا.


ومع ذلك، فقد كانت هنالك خطط رسمها ﷲ لشاول لم يكن يحلم بها لنفسه. فلم يكن ذلك اليهودي المتزمّت مزمعاً بأن يبشر بأنّ يسوع كان هو المسيّا فحسب وإنّما كان ليشهد به بكل جسارة بين الأمم أيضاً.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١تموز (يوليو).




مُضطَهِد المسيحيين


نجد أن أول ظهور لشاول الطرسوسي في سفر الأعمال كان عند مشاركته في رجم اسْتِفَانُوس (أعمال٧: ٥٨) ثم في سياق الاضطهاد الواسع النطاق الذي اندلع في أورشليم (أعمال ٨: ١-٥). ويلعب كل من سمعان بطرس واستفانوس وفيليبس وبولس دوراً هاماً في سفر الأعمال لأنهم كانوا مشتركين في الأحداث التي أدت إلى انتشار الإيمان المسيحي خارج العالم اليهودي. وكان لدور استفانوس أهمية خاصة لأنه من الواضح أن وعظه واستشهاده كان لهما تأثير عميق على شاول الطرسوسي.


وكان اسْتِفَانُوس يهودياً يتكلم اليونانية وواحداً من الشمامسة السبعة الأساسيين (أعمال ٦: ٣-٦). ووفقاً لسفر الأعمال، فإن ما حدث هو أن مجموعة من اليهود الناطقين باليونانية جاءوا للعيش في أورشليم (أعمال ٦: ٩) دخلوا في محاورة (نقاش) مع استفانوس حول محتوى ومضمون وعظه عن يسوع. ومن الممكن، وربما حتى من المرجح، أن شاول الطرسوسي كان من بين المشاركين في تلك المناظرات الجدليّة.


اقرأ أعمال ٦: ٩-١٥. ما هي الاتهامات التي وُجّهت لاستفانوس؟ بماذا تذكرك هذه الاتهامات؟ (انظر أيضاً متى ٢٦: ٥٩-٦١).


يبدو أن العداء المستحكم لكرازة استفانوس كان ناجماً عن أمرين مختلفين. من ناحية، قد أثار استفانوس غضب معارضيه من خلال عدم وضع أهمية أساسية للشريعة اليهودية والهيكل، وهما شيئان كانا قد أصبحا ركيزة للديانة اليهودية، كما كانا رمزين يُعتز بهما لما فيهما من إظهار للهَوية الدينية والقومية اليهودية. لكن استفانوس قام بأكثر من مجرد التقليل من شأن هذين الرمزين العزيزين؛ فهو قد أعلن بقوة أن المسيح، المسيا الذي صُلب وقام من الأموات، كان في حقيقة الأمر ركيزة الإيمان اليهودي.


لا عجب، إذن، في أن كلام استفانوس قد أغضب شاول الفريسي (فيلبي ٣: ٣-٦). وكان الفريسيون جماعة دينية يهودية تتبع النواميس اليهودية بصرامة شديدة. لقد رأى شاول أن الوعود النبوية المتعلقة بملكوت ﷲ لم تتحقق بعد (دانيال ٢، زكريا ٨: ٢٣، إشعياء ٤٠-٥٥)، ولعلّ شاول قد اعتقد أن مهمته ربما كانت مساعدة ﷲ على تحقيق هذا الشيء، والذي يمكن إتمامه عن طريق تطهير إسرائيل من الفساد الديني، بما في ذلك فكرة أن يسوع المسيح هو المسيا.






اهتداء شاول


«فَقَالَ: ‹مَنْ أَنْت َيَا سَيِّدُ؟ ‘ فَقَالَ الرَّبُّ: ’ أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ› » (أعمال ٩: ٥).


على الرغم من أن اضطهاد شاول للكنيسة الأولى بدأ بشكل غير واضح (كأن يكون حارساً لثياب راجمي استفانوس)، إلا أنّه ازداد ضراوةً مع مرور الوقت. (انظر أعمال ٨: ١-٣؛ ٩: ١و ٢و ١٣و ١٤و ٢١؛ ٢٢: ٣-٥).


الكثير من الكلمات التي يستخدمها لوقا الطبيب لتصف شاول ترسم صورة لوحش مفترس أو لجندي متأهب للقضاء على خصمه. والكلمة المترجمة «يَسْطُو» في أعمال ٨: ٣، على سبيل المثال، تستخدم في الترجمة اليونانية للعهد القديم (مزمور ٨٠: ١٣) لتصف السلوك المدمر لخنزير بري هائج. فمن الواضح أن حملة شاول العنيفة ضد المسيحيين لم تكن مسألة قناعة فاترة تعوزها الحماسة؛ لكنها كانت خطة متعمدة ومستمرة لاستئصال الإيمان المسيحي.


اقرأ السمات الثلاث المتضمنة في تجديد شاول (أعمال ٩: ١-١٨و ٢٢: ٦-٢١و ٢٦: ١٢-١٩). ما هو الدور الذي كان لنعمة ﷲ في هذا الاختبار؟ وبعبارة أخرى، ما مدى استحقاق شاول للجُوُّدَة التي أظهرها ﷲ نحوه؟


من المنظور البشري، بدا اهتداء شاول مستحيلاً (ومن هنا كان الشك الذي هيمن على مخيّلة الكثيرين لما سمعوا بهذه الأنباء). لقد كان الشيء الوحيد الذي يستحقه شاول هو العقاب، لكن ﷲ بدلاً من ذلك مدَّ يد النعمة لتطال هذا اليهودي المتّقد والمتوهج. من المهم أن نلاحظ، مع ذلك، أن اهتداء شاول لم يحدث من فراغ، ولم يحدث كذلك بالقوة أو بالإكراه.


لم يكن شاول ملحداً. بل كان رجلاً متديناً، على الرغم من خطئه الفادح في مفهومه عن ﷲ. وتشير كلمات المسيح إلى شاول « ‹صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ› » (أعمال ٢٦: ١٤) إلى أن الروح القدس كان يبكّت شاول. وفي العالم القديم «كان المنخس» عبارة عن عصا ذات طرف حاد تُستخدم لنخس وهمز الثيران كلما قاومت القيام بحرث الأرض. وكان شاول لبعض الوقت قد قاوم حَفْزَ (نَخْسَ) ﷲ له، لكن شاول قد اختار أخيراً، وفي طريقه إلى دمشق، ومن خلال مواجهة خارقة له مع المسيح المُقام، عدم المقاومة فيما بعد.






شاول في دمشق


أصيب شاول بالعمى خلال لقائه مع المسيح ثم أُوعِز إليه بالذهاب إلى بيت رجل يدعى يهوذا وأن يبقى هناك في انتظار رجل آخر، حنانيا. ولا شك في أن عمى شاول الجسدي كان مُذكِّراً قوياً له بالعمى الروحي الأكبر الذي قاده إلى اضطهاد أتباع المسيح.


إن ظهور المسيح لشاول في الطريق إلى دمشق قد غيَّر وبدَّل كل شيء. فحينما كان يعتقد شاول أنه كان على أتم الصواب، ثَبُتَ أنه كان مخطئاً خطأ جسيماً. فبدلاً من العمل من أجل ﷲ، كان شاول يعمل ضد ﷲ. ولقد دخل شاول دمشق إنساناً مختلفاً عن الفريسي الغيور المغرور الذي غادر أورشليم. وبدلاً من الأكل والشرب، أمضى شاول الأيام الثلاثة الأولى من إقامته في دمشق صائماً، مصلياً، ومتأملاً في كل ما قد حدث.


اقرأ أعمال ٩: ١٠-١٤. تخيل ما لا بد وأن يكون قد جال بذهن حنانيا: فشاول، المُضْطَهِد، لم يكن الآن مؤمناً فحسب، بل كان أيضاً هو بولس، رسول ﷲ المختار لحمل البشارة إلى الأمم (انظر أعمال ٢٦: ١٦-١٨).


لا عجب في أن حنانيا كان مرتبكاً بعض الشيء. فإذا كانت الكنيسة في أورشليم قد ترددت في قبول بولس بعد حوالي ثلاثة أعوام من تجديده (أعمال ٩: ٢٦-٣٠)، فبإمكان المرء أن يتخيل الأسئلة والمخاوف التي شغلت قلوب المؤمنين في دمشق، فقط بعد بضعة أيام من وقوع هذا الحدث!


لاحظ أيضا أن حنانيا قد أُعطي رؤية من قِبل الرب أُبلغ من خلالها بالأخبار المفاجئة وغير المتوقعة حول شاول الطرسوسي؛ فإنَّ أي شيء أقل من رؤية [من عند الرب] بدا غير كافٍ لإقناع حنانيا بأن ما قيل له عن شاول كان صحيحاً–بأن عدو المؤمنين بالمسيح من اليهود قد أصبح الآن واحداً منهم.


لقد غادر شاول أورشليم بسلطة وتكليف من رئيس الكهنة باستئصال الإيمان المسيحي (أعمال ٢٦: ١٢)؛ إلا أن ﷲ، مع ذلك، كانت لديه مهمة مختلفة تماماً لشاول، مهمة تستند إلى سلطة أعظم. كان على شاول أن يحمل بشارة الإنجيل إلى الأمم، فكرة ربما كانت، بالنسبة لحنانيا وغيره من المؤمنين بالمسيح من اليهود، أكثر صدمة من اهتداء شاول نفسه.


ففي الأماكن التي سعى فيها شاول إلى الحَد من انتشار الإيمان المسيحي، كان ﷲ الآن سيستخدمه لنشر هذا الإيمان في أماكن ما كان للمؤمنين اليهود حتى أن يتصوروها.






البشارة تذهب إلى الأمم


أين تأسست أول كنيسة للأمم؟ أية أحداث تسببت في ذهاب المؤمنين إلى هناك؟ (أعمال ١١: ١٩-٢١و ٢٦). ما الذي يذكّرك به هذا في الأزمنة القديمة؟ (انظر دانيال ٢).


إن الاضطهاد الذي اندلع في أورشليم بعد موت استفانوس قد تسبب في فرار عدد من المؤمنين بالمسيح من اليهود إلى أنطاكية الواقعة على بعد ٣٠٠ ميلاً شمالاً. وكعاصمة للمقاطعة الرومانية في سوريا، فقد كانت أنطاكية في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد روما والإسكندرية. وكان سكانها الذين يقدر عددهم بـ ٥٠٠,٠٠٠ نسمة دنيويين للغاية، مما جعل منها موقعاً مثالياً ليس فقط لإنشاء كنيسة تضم أعداداً كبيرة من اليهود والأمميين، ولكن كقاعدة انطلاق لمرسلية الكنيسة الأولى إلى جميع أنحاء العالم.


ما الذي حدث في أنطاكية وأسفر عن زيارة برنابا للمدينة وقراره اللاحق بدعوة بولس للانضمام إليه في أنطاكية؟ ما هي الصورة المُقدَمة عن الكنيسة هناك؟ (أعمال ١١: ٢٠-٢٦).


إن بناء تسلسل زمني لحياة بولس هو أمر صعب، لكن يبدو أن حوالي خمسة أعوام كانت قد مضت بين أول زيارة له لأورشليم بعد اهتدائه (أعمال ٩: ٢٦-٣٠) وبين الدعوة التي تلقاها من برنابا للانضمام إليه في أنطاكية. ما الذي كان يفعله بولس كل تلك السنوات؟ من الصعب أن نحدد ذلك على وجه التحديد. لكن استناداً إلى تعليقاته في غلاطية ١: ٢١، ربما كان بولس يعمل في التبشير بالإنجيل في منطقتي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. ولقد اقترّح البعض أنّه لربّما يكون قد فقد ميراثه العائلي في هذه الفترة. (فيلبي ٣: ٨) وعانى من بعض الصعوبات التي عبّر عنها في ٢كورنثوس ١١: ٢٣-٢٨.


لقد ازدهرت الكنيسة في أنطاكية تحت إرشاد وقيادة الروح القدس. ويشير الوصف الموجود في أعمال ١٣: ١ إلى أن الطابع العالمي للمدينة قد انعكس سريعاً في التنوع العرقي والثقافي للكنيسة نفسها، (حيث كان برنابا من قبرس وكان لُوكِيُوسُ من القيروان، وبولس من كيليكية، ويفترض أن سِمْعَان كان من أفريقيا، وهكذا الحال مع كل المهتدين من غير اليهود). والآن، فقد سعى الروح القدس لحمل البشارة حتى إلى المزيد من الأمم من خلال استخدام أنطاكية لتكون قاعدة لمزيد من النشاطات التبشيرية بعيدة المدى، خارج نطاق سورية والْيَهُودِيَّةِ.






صراع داخل الكنيسة


وبطبيعة الحال، ليس هناك ما هو كامل في الأمور البشرية، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت الاضطرابات داخل مجتمع المؤمنين الأوائل.


بداية، لم يرضَ الجميع بانضمام المؤمنين من الأمم إلى الكنيسة الأولى [أي كان هناك بعض من المعارضين لذلك]. ولم يكن الخلاف حول مفهوم المرسلية إلى الأمم، لكن الخلاف كان حول الأساس الذي ينبغي أن يُسمح فيه للأممين بالانضمام إلى الكنيسة المسيحية. فقد شعر البعض أن الإيمان بيسوع المسيح وحده لم كافياً كعلامة تُعَرِّفُ المسيحي؛ وقالوا إن الإيمان لا بد وأن يُستكمل بالختان والطاعة لشريعة موسى. وأكدوا على أن الأمم، كي يكونوا مسيحيين، كانوا بحاجة إلى الختان. (يمكننا، في أعمال ١٠: ١-١١: ١٨، أن نرى مدى الانقسام الذي كان بين اليهود والأمم من خلال اختبار بطرس مع كرنيليوس ورَدّ الفعل الذي تبع ذلك).


ويمكن للزيارات الرسمية التي خرجت من أورشليم، والتي رصدت عمل فيلبس بين أهل السَّامِرَةَ (أعمال ٨: ١٤) والعمل مع الأمم في أنطاكية (أعمال ١١: ٢٢)، أن تشير إلى بعض القلق حول انضمام غير اليهود إلى المجتمع المسيحي. ومع ذلك، فإن رد الفعل حول تعميد بطرس لكرنيليوس، الجندي الروماني غير المختون، هو مثال واضح للخلاف الذي كان قائماً بين مؤمني الكنيسة الأولى بشأن مسألة المؤمنين من الأمم. وربما أدى الانضمام العَرَضي لشخص أممي مثل كرنيليوس إلى جعل البعض يشعرون بعدم الارتياح، لكن جهود بولس المتعمدة لفتح أبواب الكنيسة على مصراعيها للأمم على أساس الإيمان بالمسيح وحده قد نتج عنها محاولات متعمدة من قِبل البعض إلى تعطيل وعرقلة خدمة بولس.


كيف حاول بعض المؤمنين من الْيَهُودِيَّةِ التصدي لعمل بولس مع المسيحيين من غير اليهود في أنطاكية؟ أعمال ١٥: ١-٥.


بالرغم من أن مجمع أورشليم، في أعمل ١٥، كان في نهاية المطاف قد أيَّد بولس فيما يتعلق بمسألة الختان، إلا أن المعارضة لخدمته قد استمرت. وبعد ذلك بحوالي سبع سنوات، خلال زيارة بولس الأخيرة لأورشليم، كان الكثيرون لا يزالون متشككين بشأن كرازة بولس. في الواقع، أن بولس، عندما قام بزيارة الهيكل، كاد أن يفقد حياته عندما صرخ بعض اليهود من آسيا قائلين: «يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ، أَعِينُوا! هذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدًّا لِلشَّعْبِ وَالنَّامُوسِ وَهذَا الْمَوْضِعِ» (أعمال ٢١: ٢٨؛ أنظر أيضاً ٢١: ٢٠و ٢١).






لمزيد من الدرس: «كان معروفاً عن الرسول بولس من قبل أنه المدافع الغيور عن الدين اليهودي وأنه المضطهد الذي لا يكل لأتباع يسوع. وإذ كان جسوراً ومعتزاً بنفسه ومثابراً فإن مواهبه وتربيته أعانته على أن يخدم بكل قوة في كافة المجالات. كان يمكنه أن يحاجج ويجادل بوضوح منقطع النظير، وبتهكمه اللاذع كان يستطيع أن يوقف خصمه في موقف لا يحسد عليه. والآن فإن اليهود يرون هذا الشاب الذي كانوا يعلقون عليه الآمال الكبار ينضم إلى أولئك الذين كان قبلاً يضطهدهم وبلا خوف يكرز باسم يسوع.


«إن القائد الذي يقتل في المعركة يخسره جيشه ولكن موته يزيد من قوة العدو. ولكن عندما ينضم رجل شهير إلى الجيش المعادي فإنه فضلاً عن كون الفريق الأول الذي كان ينتمي إليه تضيع عليه خدماته، فالذين ينضم إليهم يحصلون على ميزة حاسمة. إن شاول الطرسوسي وهو في طريقه إلى دمشق كان يمكن للرب بكل سهولة أن يضربه الضربة القاضية، وبذلك كانت جحافل الاضطهاد تخسر قوة عظيمة. ولكن ﷲ في عنايته فضلاً عن إبقائه على حياة شاول قد جدده وخلصه وبذلك نقل الخصم من جانب العدو إلى جانب المسيح. فإذ كان بولس خطيباً فصيحاً وناقداً قوي الحجة فإنه بعزمه الصارم الذي لا يفل وشجاعته وبسالته كانت له المؤهلات نفسها التي كانت تفتقر إليها الكنيسة الأولى» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ١٠٢).




ملخص الدرس: إن لقاء شاول بالمسيح في الطريق إلى دمشق كان لحظة فارقة في حياة شاول وفي تاريخ الكنيسة الأولى. لقد غيَّر اللهُ مَن كان ذات مرة مضطهِد للكنيسة وجعله رسوله المختار لحمل بشارة الإنجيل إلى الأمم. ومع ذلك، فقد اتضحت صعوبة تقبُّل البعض بالكنيسة لفكرة احتواء بولس للأمم وضمهم إلى الكنيسة بناء على الإيمان وحده، وهو مثال قوي يُظهر كيف يمكن للتصورات المُسبقة والإجحاف أن يعيقا مرسليتنا التبشيرية.


سلطة بولس والإنجيل






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: ٢بطرس ٣: ١٥و ١٦؛ غلاطية ١؛ فيلبي ١: ١؛ غلاطية ٥: ١٢.


آية الحفظ: «أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١٠).


قام طلبة بإحدى الجامعات ببناء مركز في الحرم الجامعي يُرَحَبُ فيه بالجميع بغض النظر عن عرقهم أو جنسهم أو وضعهم الاجتماعي أو معتقداتهم الدينية. تخيل لو أن هؤلاء الطلاب قد عادوا بعد سنوات لاحقة إلى الحرم الجامعي فقط ليكتشفوا أن طلاباً آخرين قد أعادوا تصميم المركز. فبدلاً من وجود غرفة فسيحة تسمح بالتواصل الاجتماعي وتخلق شعوراً بالوحدة لدى كل الموجودين بها، وجدوا الآن أن الغرفة قد تم تقسيمها إلى عدة غرف صغيرة مع وجود مداخل ذات قيود وضوابط مؤسسة على العِرق والجنس وما إلى ذلك. ولربّما دخل المنظّمون الجدد في جدال زاعمين أنّهم إنّما أخذوا سلطان التنظيم والتغيير هذا من ممارسات دامت طيلة قرون طوال.


وهذا شيء شبيه بالوضع الذي واجهه بولس عندما كتب رسالته إلى الكنائس في غلاطية. فلقد تصدى المعلمون الكذبة لخطته الهادفة إلى ضم الأشخاص من الأمم إلى الكنيسة على أساس الإيمان وحده، ولقد أصرَّ أولئك المعلمون على وجوب اختتان المؤمنين من الأمم قبل تمكنهم من أن يصبحوا أعضاءً في الكنيسة.


ولقد رأى بولس في موقف المعلمين المزيفين هذا هجوماً على جوهر الإنجيل نفسه؛ وبالتالي، كان عليه أن يرد. وردّه هذا جاء في الرسالة إلى أهل غلاطية.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٨ تموز (يوليو).




بولس، كاتب الرسالة


اقرأ ٢بطرس ٣: ١٥و ١٦. ماذا تخبرنا هذه الآيات حول موقف الكنيسة الأولى من رسائل بولس؟ ماذا يخبرنا هذا عن كيفية عمل الوحي الإلهي؟


عندما كتب بولس إلى أهل غلاطية، فهو لم يكن يحاول إنتاج قطعة أدبية فريدة. بدلاً من ذلك، فإن بولس، وبإرشاد من الروح القدس، كان يخاطب حالات معينة كانت تشغله والمؤمنين في غلاطية.


ولقد قامت رسائل مثل رسالة غلاطية بدور ضروري في خدمة بولس التبشيرية. وكرسول للأمم، فقد قام بولس بتأسيس عدد من الكنائس المنتشرة حول البحر الأبيض المتوسط. وبالرغم من أنه كان يقوم بزيارة هذه الكنائس كلما أتيح له ذلك، إلا أنه لم يتمكن من البقاء في مكان واحد لمدة طويلة. وللتعويض عن غيابه، كان بولس يقوم بكتابة الرسائل إلى الكنائس ليعطيهم الإرشادات. وبمرور الوقت، تم مشاركة نسخ من رسائل بولس مع الكنائس الأخرى (كولوسي ٤: ١٦). وبالرغم من أن بعضاً من رسائل بولس قد فُقِد، إلا أن هناك ١٣ سفراً في الكتاب المقدس تحمل اسمه. وكما تظهر كلمات بطرس أعلاه، فقد كان يُنظر إلى كتابات بولس في بعض الأحيان على أنها جزء من الكتابات المقدسة. وهذا يُظهر كيف اكتسبت خدمته سلطة مبكرة في تاريخ الكنيسة.


وقد اعتقد بعض المسيحيين أحياناً أن صيغة رسائل بولس كانت، نوعاً ما، فريدة — صيغة خاصة من إبداع الروح القدس لاحتواء كلمة ﷲ الموحى بها. لكن وجهة النظر هذه قد تغيرت عندما ذهب مفكّران شابان من جامعة أكسفورد، برنارد جرينفيل وآرثر هانت، إلى مصر فاكتشفا حوالي خمسمائة ألف مستند من ورق البردي القديمة (وثائق مكتوبة على ورق البردي، وهي مادة كانت تستخدم للكتابة عليها لعدة مئات من السنين قبل وبعد الميلاد). وبالإضافة إلى عثورهما على بعض أقدم نسخ من العهد الجديد، وجدا فواتير وبطائق ضرائب ووصولات تجارية وخطابات شخصيّة.


ومما كان مفاجئة للجميع هو أن صيغة بولس الأساسية في رسائله كانت صيغة شائعة لكل كتَّاب الرسائل آنذاك. ولقد كانت الصيغة تشتمل على (١) تحية افتتاحية وفيها يُذكر اسم المُرسِل والمستلم، ثم تتضمن التحية؛ (٢) كلمة شكر؛ (٣) الموضوع الرئيسي للرسالة؛ وأخيراً، (٤) ملاحظة ختامية. وباختصار، فقد كان بولس يتبع الصيغة الأساسية المستخدمة في عصره، حيث كان يتحدث إلى معاصريه من خلال الوسط والنمط المألوفان لهم.






دعوة بولس


بالرغم من أن رسائل بولس تتبع الصيغة الأساسية للرسائل قديماً، إلا أن الرسالة إلى أهل غلاطية تحتوي على عدد من السمات الفريدة التي لا نجدها في أية رسائل أخرى كتبها بولس. وعندما يتم التعرُّف على هذه الاختلافات فمن الممكن أن تساعدنا على أن نفهم بشكل أفضل المسألة التي كان يتعامل معها بولس.


قارن تحية بولس الافتتاحية في غلاطية ١: ١و ٢ مع ما كتبه في أفسس ١: ١، فيلبي ١: ١و ٢تسالونيكي ١: ١. بأية طرق تتشابه تحية بولس في غلاطية مع الرسائل الأخرى وبأية طرق تختلف عنها؟


إن تحية بولس الافتتاحية في غلاطية لا تتسم بأنها أطول من التحيات الافتتاحية الأخرى فحسب، ولكننا نجد أن بولس يشرع في شرح أساس سلطته الرسولية. وكلمة رسول تعني، حرفياً، «شخص ما يتم إرساله» أو «مبعوث». وفي العهد الجديد، تشير هذه الكلمة، بمعنى أدق، إلى تلاميذ المسيح الاثني عشر وإلى أتباع آخرين ممن أرسلهم المسيح ليخبروا الناس عنه (غلاطية ١: ١٩؛ ١كورنثوس ١٥: ٧). ويعلن بولس أنه ينتمي إلى هذه المجموعة المختارة.


وحقيقة أن بولس قد نفى بشدة أن يكون اختياره كرسول قد اعتمد على ذراع بشرٍ، تُشير إلى أنه كانت هناك محاولة من قِبل البعض في غلاطية إلى الحد من سلطته الرسولية وإضعافها. لماذا؟ كما رأينا، فإن البعض في الكنيسة لم يكونوا سعداء برسالة بولس المنادية بأن الخلاص مؤسس على الإيمان في المسيح وحده وليس على أعمال الناموس. ولقد شعر هؤلاء أن بشارة بولس كانت تُقوِّض وتضعف دور الطاعة. ولقد كان مثيرو الشغب هؤلاء حاذقين وماكرين. وكانوا يعرفون أن أساس رسالة البشارة التي كان يقدمها بولس مرتبط بشكل مباشر بمصدر سلطته الرسولية (يوحنا ٣: ٣٤)، ولقد صمموا على شَنِّ هجوم قوي ضد تلك السلطة.


ومع ذلك، فإنهم لم ينكروا «رسولية» بولس بشكل مباشر؛ لكنهم قالوا ببساطة أنها لم تكن ذات أهمية كبيرة حقاً. ومن المرجح أنهم زعموا أن بولس لم يكن واحداً من أتباع المسيح الأساسيين؛ لذلك فإنّ سلطانه لم يكن من ﷲ ولكن من البشر، لربما من قادة كنيسة أنطاكية الذين أفرزوا بولس وبرنابا كارزَين (أعمال ١٣: ١-٣)، أو، ربما كان مصدر سلطة بولس في المقام الأول هو حنانيا، الذي عمَّد بولس (أعمال ٩: ١٠-١٨). ولقد كان بولس، في رأيهم، هو مجرد رسول من أنطاكية أو دمشق، وليس أكثر! وبناء على ذلك، فقد قالوا إن رسالته هي مجرد تعبير عن رأيه الشخصي، وهي ليست كلمة ﷲ.


ولقد أدرك بولس الخطورة التي تشكلها هذه الادعاءات، ولذلك قام على الفور بالدفاع عن مرسليته المعطاة له من ﷲ.






بشارة بولس


بالإضافة إلى الدفاع عن دعوته كرسول، ما هي الأمور الأخرى التي أكد بولس عليها في تحيته الافتتاحية إلى أهل غلاطية؟ قارن غلاطية ١: ٣-٥ بـأفسس ١: ٢و فيلبي ١: ٢و كولوسي ١: ٢.


إحدى الميزات الفريدة في رسائل بولس هي الطريقة التي يربط بها بين كلمتي النعمة والسلام في التحية. والجمع بين هاتين الكلمتين هو تغيير لأكثر ما كان يميز التحية في العالم اليوناني واليهودي. فإنه حيث يكتب الكاتب اليوناني كلمة «تحيات» (chairein)، يكتب بولس كلمة «نعمة»، وهي كلمة شبيهة في النطق لكلمة تحيات باللغة اليونانية (charis). ويضيف بولس إلى هذا تحية يهودية نموذجية وهي «سلام».


والجمع بين هاتين الكلمتين ليس من باب المزاح أو المداعبة. على العكس من ذلك، فإن هاتين الكلمتين هما في الأساس وصف لرسالة بولس وبشارته. (والحقيقة هي أن بولس يستخدم هاتين الكلمتين أكثر من أي كاتب آخر في العهد الجديد). وليس النعمة والسلام من عند بولس وإنما من عند ﷲ الآب والرب يسوع المسيح.


ما هي الأوجه المتعدّدة لبشارة الإنجيل التي يسردها بولس في غلاطية ١: ١-٦؟


على الرغم من أن بولس كانت لديه مساحة صغيرة في تحيته الافتتاحية لكشف طبيعة بشارة الإنجيل، إلا أنه يصف في أعداد قليلة قصيرة وببراعة شديدة خُلاصة وجوهر البشارة. وما هو الحق الرئيسي الذي ترتكز البشارة عليه؟ وفقاً لبولس، هذا الحق هو ليس التزامنا بالناموس، وهي النقطة التي كان معارضو بولس يروّجون لها. على النقيض من ذلك، ترتكز البشارة كلياً على ما أحرزه المسيح لأجلنا من خلال موته على الصليب وقيامته من الأموات. إن موت المسيح وقيامته قاما بعمل شيء نحن لا يمكننا عمله لأنفسنا. فموت المسيح وقيامته قد حطما قوة الخطية والموت، وحررا أتباع المسيح من قوة الشر الذي يحتجز كثيرين في الخوف والعبودية.


وإذ يتأمل بولس في الأخبار المدهشة لنعمة وسلام ﷲ اللتين أوجدهما ﷲ من أجلنا في المسيح، فإن بولس يدخل في جو من التسبيح والحمد العفويين، وهذا ما يظهر في عد ٥.






ما مِن إِنْجِيل آخَرَ


ما الذي يلي التحية الافتتاحية في رسائل بولس عادة؟ كيف تختلف رسالة غلاطية؟ قارن غلاطية١: ٦ برومية ١: ٨و ١كورنثوس ١: ٤و فيلبي ١: ٣و ١تسالونيكي ١: ٢.


مع أنّ بولس يتعرّض لجميع أنواع التحّديات والمشاكل في رسائله للكنائس، إلاّ أنّه اعتاد أن يتبع تحياته الافتتاحية برفع صلاة شكر إلى ﷲ من أجل إيمان قارئي رسائله. لدرجة أنّه قدّم ذلك في رسائله إلى أهل كورنثوس الذين كانوا يصارعون مع كل دروب الممارسات البذيئة المثيرة للشكوك والتساؤل (قارن ١كورنثوس ١: ٤؛ ٥: ١). لقد كانت الحالة مزعجة جداً هناك، لذا فقد حذف بولس جزئية تقديم الشكر بالتمام ودخل في الموضوع مباشرة.


أية كلمات قوية يستخدمها بولس وتوضح درجة قلقه إزاء ما كان يحدث في غلاطية؟ اقرأ غلاطية ١: ٦-٩ و ٥: ١٢.


إن بولس لا يبخل بأية كلمات في اتهامه الموجه ضد أهل غلاطية. وببساطة، هو يتهمهم بخيانة دعوتهم كمسيحيين. في الحقيقة، إن كلمة «تَنْتَقِلُونَ» والتي تظهر في عد ٦، غالباً ما كانت تُستخدم في وصف الجنود الذين تخلوا عن الولاء لبلادهم بفرارهم من الجيش. وبمنظور روحي، فإن بولس يقول أن أهل غلاطية كانوا انتهازيين وأداروا ظهورهم لله.


كان أهل غلاطية يهجرون ﷲ بالانتقال إلى إنجيل مختلف! ولا يقول بولس أن هناك أكثر من إنجيل واحد، ولكن كان هناك البعض في الكنيسة والذين — من خلال تعليمهم الناس بأن الإيمان في المسيح لم يكن كافياً (أعمال ١٥: ١-٥) — كانوا يتصرفون كما لو كان هناك إنجيل آخر. ولقد كان بولس منزعجاً جداً إزاء هذا التشويه في البشارة لدرجة أنه تمنّى أن تحل لعنة ﷲ على كل مَن يبشر ببشارة مختلفة! (غلاطية ١: ٨). إن بولس متشدد جداً بشأن هذه النقطة لدرجة أنه يقول الشيء ذاته مرتين (غلاطية ١: ٩).






مَصْدَر إنجيل بولس


لقد زعم مثيرو الشغب في غلاطية أن بشارة بولس كانت في واقع الأمر تعبِّر عن رغبته في الحصول على تأييد الآخرين. ما الذي كان يمكن لبولس عمله بشكل مختلف إذا كان حقاً يلتمس تأييد البشر؟ انظر غلاطية ١: ٦-٩ و ١١-٢٤.


لماذا لم يطلب بولس من المهتدين من غير اليهود أن يُختتنوا؟ يزعم خصوم بولس أنه كان يرغب في هداية الأمم بأي ثمن. وربما اعتقدوا أن بولس كان يعلم أن الوثنيين كانت ستكون لهم تحفظاتهم على موضوع الختان، لذلك هو لم يطلب منهم عمل ذلك. وربما اعتقدوا أنه كان يسعى إلى إرضاء الناس! ورداً على مثل هذه الادعاءات، وجَّه بولس التفات معارضيه إلى الكلمات القوية التي كتبها في عد ٨ و٩. فلو أن كل ما كان يسعى إليه هو تأييد الناس، لكان بكل تأكيد سيجاوب بشكل مختلف.


لماذا يقول بولس أنه من المستحيل أن تكون تابعاً للمسيح بينما أنت تحاول إرضاء الناس؟


بعد تصريح بولس في عد ١١و ١٢ بأنه قد تسلم بشارته وسلطته مباشرة من ﷲ، كيف تؤكد كلماته في عد ١٣-٢٤ على هذه النقطة؟


تمدنا الأعداد ١٣-٢٤ بوصف لسيرة بولس الذاتية قبل تجديده (عد ١٣و ١٤)، وعند تجديده (عد ١٥و ١٦)، وبعد تجديده (عد ١٦-٢٤). ويؤكد بولس أن الظروف التي أحاطت بكل حدث من هذه الأحداث يجعل أمر ادعاء أي شخص بأن بولس قد تسلم إنجيله من أي أحد غير ﷲ أمراً مستحيلاً تماماً. فما كان بولس ليبقى صامتاً ويسمح لأي أحد بأن ينتقص من رسالته ويستخف بها من خلال التشكيك في دعوته إلى العمل المرسلي. فهو يعرف ما حدث له، ويعرف ما دُعي للتبشير به، وبأنه سيفعل ذلك، مهما كانت التكلفة.






لمزيد من الدرس: «كان يوجد في معظم الكنائس أعضاء من أصل يهودي بالمولد، ووجد الربّانيون اليهود مدخلاً عن طريق هؤلاء وثَبتوا أقدامهم في هذه الكنائس. وكان من العسير على اليهود المعارضين أن يتغلّبوا على تعاليم بولس استناداً لكلام الوحي، من ثمّ التجأوا إلى معايير ملفّقة ومخاتلات ليقاوموا نفوذه ويضعفوا سلطته. أعلنوا أنّ بولس لم يكن تلميذاً ليسوع ولم يتسلّم منه دعوة للكرازة ومع ذلك تجاسر، على حدّ قولهم، بِنشر تعاليم مضادّة بصورة واضحة لتلك التعاليم التي كان ينادي بها بطرس ويعقوب وبقيّة الرسل.


«اضطربت نفس بولس إذ رأى الشرور التي تسارعت تهدّد بتدمير الكنائس فبادر الغلاطييّن برسالة تفضح نظرياتهم الخاطئة. وبقسوة شديدة وبّخ أولئك الذين انحرفوا عن الإيمان» (روح النبوة، مقتبسات من حياة بولس، صفحة ١٨٨-١٨٩).




ملخص الدرس: المعلّمون المضلّون في غلاطية كانوا يحاولون ألا يعتبروا بمرسليّة بولس مدّعين أن مرسليّته ورسالة إنجيله لم يكن مصدرهما ﷲ. ويواجه بولس كلا هذين الاتهامين في مستهلّ رسالته إلى أهل غلاطية، وبكلّ جرأة يُعلن أنّه يوجد طريق واحدٌ فقط للخلاص، ويصف الأحداث التي صاحبت تجديده بأنّها إنّما تشهد بأنّ دعوته وإنجيله هما من ﷲ.


الدرس الثاني


١-٧ تموز (يوليو)


الدرس الثالث


٨-١٤ تموز (يوليو)


وحدة الإنجيل






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: غلاطية ٢: ١-١٤؛ ١كورنثوس ١: ١٠-١٣؛ تكوين ١٧: ١-٢١؛ يوحنا ٨: ٣١-٣٦؛ كولوسي ٣: ١١.


آية الحفظ: «فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا» (فيلبي ٢: ٢).


اعتقد المصلح البروتستانتي جون كالفن أن الشقاق والانقسام كانا أداة الشيطان الرئيسية ضد الكنيسة، ولقد حذر من أنه يتعين على المسيحيين تجنب الانقسام مثل تجنبهم الوبأ.


لكن هل يجب الحفاظ والإبقاء على الوحدة على حساب الحق؟ تخيل لو أن مارتن لوثر، رائد الإصلاح البروتستانتي، قد اختار، بِاسْمِ الوحدة، أن يرتد عن وجهات نظره حول الخلاص بالإيمان وحده عندما أُحضر إلى المحكمة التي عُرفت باسم «دييت أوف وورمز» في مدينة أوجسبورج بألمانيا.


«لو كان المصلح قد استسلم في بند واحد لكانت النصرة للشيطان وجنوده. لكن ثباته الذي لم يتزعزع كان هو وسيلة تحرير الكنيسة وبدء عهد جديد أفضل» (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ١٨٤).


نجد في غلاطية ٢: ١-١٤ أن الرسول بولس يفعل كل ما بوسعه للحفاظ على وحدة الدائرة الرسولية، في وسط محاولات من جانب بعض المؤمنين لتدميرها. لكن بقدر ما كانت أهمية تلك الوحدة بالنسبة لبولس، بقدر ما كان رافضاً السماح لتعرض حقائق الإنجيل للخطر مقابل تحقيق هذه الوحدة. ففي حين أن هناك مجالاً للتنوع ضمن الوحدة، غير أنه لا يجب المساومة على الإنجيل خلال هذه العملية.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٥ تموز (يوليو).




أهمية الوحدة


اقرأ ١كورنثوس ١: ١٠-١٣. ماذا تخبرنا هذه الفقرة عن مفهوم بولس فيما يتعلق بمدى أهمية ما كانت عليه الوحدة في الكنيسة؟


بعد دحض بولس للادعاءات بأن بشارته لم تكن مُعطاة له من ﷲ، وجَّه اهتمامه في غلاطية ٢: ١و ٢ إلى الرّد على تهمة أخرى وُجهت إليه. لقد زعم المعلمون المزيفون في غلاطية أن بشارة بولس لم تكن في وفاق وتناغم مع ما علَّمه بطرس والرسل الآخرين. وكانوا يعنون بذلك بأنّه ارتدّ عن الحقّ، واعتبروه مرتدّاً.


ورداً على هذه التهمة يسرد بولس رحلة قدومه إلى أورشليم بعد ما لا يقل عن ١٤عاماً من تجديده. وعلى الرغم من أننا لسنا متأكدين تماماً من زمن القيام بهذه الرحلة، إلا أن القيام برحلة في العصور القديمة لم يكن شأناً سهلاً. فإذا كان بولس قد سافر عن طريق البر من أنطاكية إلى أورشليم، فإن رحلة الـ ٣٠٠ ميلاً لا بد وأن تكون قد استغرقت ثلاثة أسابيع، ولا بد وأنها قد اشتملت على جميع أنواع المصاعب والمخاطر. مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فقد قام بولس بالرحلة، ليس لأن الرسل قد استدعوه ولكن لأن الروح القدس هو الذي استدعاه. وأثناء وجوده هناك، استعرض خطته الكرازية أمام الرسل.


لماذا فعل بولس ذلك؟ بالتأكيد ليس لأن لديه أية شكوك حول ما كان يعلِّم به. وهو بكل تأكيد لم يكن بحاجة إلى موافقتهم. فقد كان يكزر بهذه البشارة ذاتها لمدة ١٤عاماً. وبالرغم من أنه لم يكن بحاجة إلى إذن منهم أو حتى موافقتهم، إلا أنه قدَّر كثيراً تأييد ودعم وتشجيع الرسل الآخرين له.


وهكذا فإن الاتهام بأن رسالته كانت مختلفة لم يكن مجرد هجوم على بولس فحسب ولكنه كان هجوماً على وحدة الرسل، وعلى الكنيسة نفسها. لقد كان الحفاظ على الوحدة بين الرسل أمراً حيوياً، لأنه في حال وجود انقسام بين مرسلية بولس للأمم وبين الكنيسة الأم في أورشليم لكانت ستكون هناك عواقب وخيمة. وفي عدم وجود شراكة وزمالة بين المسيحيين من الأمم والمسيحيين من اليهود، فإن المسيح حينها «سيكون مقسماً ولكانت طاقات بولس التي كان قد كرسها، والتي كان يأمل في تكريسها، إلى التبشير للأمم قد أُحبطت» [أف. أف. بروس، الرسول إلى أهل غلاطية، (غراند رابيدز، ميشيغان: شركة وليم ب. إردمنس للنشر، ١٩٨٢)، صفحة ١١١].






الختان والإخوة الزائفون


لماذا كان الختان نقطة خلاف رئيسية بين بولس وبعض اليهود المتنصّرين؟ انظر تكوين ١٧: ١-٢٢؛ غلاطية ٢: ٣-٥؛ ٥: ٢و ٦؛ أعمال ١٥: ١و ٥. لماذا ليس من الصعب كثيراً تفهم السبب وراء اعتقاد البعض بأنه حتى الوثنيين كانوا بحاجة إلى الختان؟


لقد كان الختان علامة علاقة العهد التي أسسها ﷲ مع إبراهيم أبي الأمة اليهودية. وبالرغم من أن الختان كان فقط لنسل إبراهيم من الذكور، إلا أن الجميع كانوا مدعوين لدخول علاقة العهد هذه مع ﷲ. ولقد أُعطيت علامة الختان لإبراهيم في تكوين ١٧. ولقد حدث ذلك بعد محاولة إبراهيم إنجاب مولودٍ من خادمة زوجته المصريّة الجنس وكأنّه بفعله هذا كان يساعد ﷲ بإتمام وعده الذي قطعه لإبراهيم بأن يعطيه ابناً تتبارك فيه قبائل الأرض.


لقد كان الختان علامة إتمام للعهد. وكان مُذَكِّراً دائماً بأن أفضل الخطط الموضوعة من قِبل البشر لا يمكنها أبداً إنجاز ما وعد به ﷲ. ولقد قُصد للختان أن يكون رمزاً لختان القلب (تثنية ١٠: ١٦؛ ٣٠: ٦؛ إرميا ٤: ٤؛ رومية ٢: ٢٩). وهو يُمثِّل تجريدنا من ثقتنا في أنفسنا والاعتماد على ﷲ بدلاً من ذلك.


وكان الختان في زمن بولس قد ارتفعت قيمته ليصبح هويّةً دينيّة، ولم يكن ذلك هو المقصود به قبلاً. قبل ميلاد يسوع بمئة وخمسين عاماً، أَجبرَ بعض المتعصّبين من قادة اليهود الرجالَ الغرباء الموجودين في فلسطين بأن يختتنوا ثمّ تمادوا ففرضوا على الرجال اليهود في الأمم المجاورة أن يختتنوا، وذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك زاعمين أن الختان لازم للخلاص. وكنتَ ترى وتسمع نوادر تعلن مفاهيم متداولة مثل «الرجال المختتنون لا ينزلون إلى جهنّم أو للهاوية» [سي. إي. بي. كرانفيلد، موسوعة تفسيرية حول رسالة بولس إلى أهل رومية (أدنبرة: شركة تي آند تي المحدودة، ١٩٧٥)، صفحة ١٧٢].


من الخطأ الاعتقاد بأن بولس كان معارضاً للختان في حد ذاته. لكن ما كان يعترض عليه بولس هو الإصرار على وجوب أن يخضع الوثنيون لعملية الختان. ولقد قال المعلمون المزيفون: «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى، لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا» (أعمال ١٥: ١). فالمسألة، إذن، لم تكن متعلقة بالختان ولكن بالخلاص. فالخلاص هو إما بالإيمان بيسوع وحده، أو هو شيء نحصل عليه من خلال الطاعة البشرية.






الوحدة في التنوع والاختلاف


اقرأ غلاطية ٢: ١-١٠. يقول بولس أن الأخوة الكذبة «يَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا» (غلاطية ٢: ٤). ما هو الشيء الذي بات المسيحيون محررين منه؟ اقرأ يوحنا ٨: ٣١-٣٦؛ رومية ٦: ٦و ٧و ٨: ٢و ٣؛ غلاطية ٣: ٢٣-٢٥و ٤: ٧و ٨؛ عبرانيين ٢: ١٤و ١٥. كيف نختبر لأنفسنا واقع وحقيقة هذه الحرية؟


إن الحرية، كوصف للاختبار المسيحي، هي مفهوم هام بالنسبة لبولس. وهو أكثر كُتَّاب العهد الجديد استخداماً لكلمة الحرية. ويرد ذِكر كلمة حر أو حرية مرات عديدة في سفر غلاطية. مع ذلك، فالحرية بالنسبة للمسيحي تعني الحرية في المسيح. إنها الفرصة لأن نحيا حياة تكريس لله دون توقف. وهي تعني التحرر من كوننا مستعبدين لرغبات طبيعتنا الآثمة (رومية ٦)، التحرر من إدانة الناموس (رومية ٨: ١و ٢)، والتحرر من سلطة الموت (١كورنثوس ١٥: ٥٥).


لقد أدرك الرسل أن بولس اؤْتُمِنَ «عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ» (غلاطية ٢: ٧). ما الذي يوحي به ذلك حول طبيعة الوحدة والتنوع داخل الكنيسة؟


لقد أدرك الرسل أن ﷲ قد دعا بولس إلى التبشير بالإنجيل للأمم، تماماً كما كان قد دعا بطرس ليكرز إلى اليهود. وفي كلتا الحالتين، كانت البشارة هي نفسها، لكن الطريقة التي قُدمت بها كانت تعتمد على الناس الذين كان يحاول الرسل الوصول إليهم بالبشارة. فإنَّ بشارة الإنجيل من شأنها أن تحقق «هذا التآلف الذي هو أساس الوحدة المسيحية: إنَّها الوحدة في التنوُّع والاختلاف» [جيمس د. دي. دَنّْ، الرسالة إلى أهل غلاطية، (بيبودي، ماساشوستس: دار هندريسكون للنشر، ١٩٩٣)، صفحة ١٠٦].






مواجهة في أنطاكية (غلاطية ٢: ١١-١٣)


بعد فترة من تشاور بولس مع الرسل في أورشليم، قام بولس بزيارة إلى أنطاكية في سوريا، مكان أول كنيسة للأمم ومركز نشاطات بولس الرسولية الموصوفة في سفر أعمال الرسل. وأثناء وجوده هناك، كان بطرس يأكل مع المسيحيين من الأمم دون تحفظ أو كلفة، لكن عند قدوم مجموعة من المسيحيين من اليهود من قِبل يعقوب، قام بطرس بتغيير سلوكه كلياً خوفاً من مواقفهم المتعصبة نحو الأمم.


لماذا كان ينبغي لبطرس أن يتصرف بشكل مختلف؟ قارن غلاطية ٢: ١١-١٣ وأعمال ١٠: ٢٨. ماذا يخبرنا تصرفه عن مدى قوة وتأثير الثقافة والتقاليد الراسخة على حياتنا؟


لقد أفترض البعض خطأ أن بطرس واليهود الآخرين معه قد توقفوا عن إتباع قوانين العهد القديم فيما يتعلق بالطاهر والنجس من الطعام. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا هو الحال. فلو أن بطرس وجميع المسيحيين من اليهود كانوا قد تخلوا عن القوانين اليهودية المتعلقة بالطعام، لكان سينتج عن ذلك بالتأكيد ضجة كبيرة في الكنيسة. وإذا كان الأمر هكذا، لكان هناك بالتأكيد بعض الوثائق والسجلات التي تشير إلى ذلك. لكن ليس هناك ما يثبت أن بطرس والمسيحيين الآخرين قد تخلوا عن القوانين المتعلقة بالأطعمة الطاهرة والنجسة. فمن المرجح أن المسألة كانت تتعلق بالجلوس وتناول الطعام مع الأمم. ولأن الكثيرين من اليهود كانوا ينظرون إلى الأمم على أنهم نجسون، فقد كان من المعتاد للبعض تجنب التواصل الاجتماعي مع الأممين بقدر المستطاع.


وكان بطرس نفسه قد صارع مع هذه المسألة، ولقد تطلب الأمر رؤية من ﷲ له لتساعده على أن يتفهم المسألة بوضوح. لقد قال بطرس لكرنيليوس، قائد المائة الروماني، بعد أن دخل بيته، «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُل يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي اللهُ أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ» (أعمال ١٠: ٢٨). وبالرغم من أن بطرس كان يعرف التصرف الصحيح، إلا أنه خشي من إغضاب ومضايقة بني شعبه، لذلك رجع إلى طرقه القديمة. هذا، على ما يبدو، كان مدى قوة وتأثير الثقافة والتقاليد على حياة بطرس.


ومع ذلك، فقد سَمَّى بولس تصرفات بطرس هذه باسمها الصحيح: فالكلمة اليونانية التي استخدمها في غلاطية ٢: ١٣ هي رياء أو «رَاءَى». ولقد قال بولس: «حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضًا انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ!». إنها كلمات موجهة من أحد رجال ﷲ إلى رجل آخر من رجال ﷲ.






قلق واهتمام بولس (غلاطية ٢: ١٤)


من المؤكد أن الحالة في أنطاكية كانت متوترة: فقد كان كل من بولس وبطرس، وهما قائدان في الكنيسة، في تضاد علني مع أحدهما الآخر. ونجد أن بولس لا يكتم خبراً ويدعو بطرس إلى تفسير مسلكه.


ما هي الأسباب التي أعطاها بولس لمواجهة بطرس على الملأ؟ غلاطية ٢: ١١-١٤.


وكما أدرك بولس، فإن المشكلة لم تكن في أن بطرس قد قرر الأكل مع الزوار الذين جاءوا من أورشليم. فمن المؤكد أن التقاليد القديمة بشأن حُسن الضيافة كانت تستدعي عمل ذلك.


لقد كانت القضية هي «حق الإنجيل». بمعنى إنها لم تكن مسألة الشراكة والزمالة أو الممارسات المتعلقة بتناول الطعام. وإنما كانت تصرفات بطرس، بالمعنى الحقيقي، هي التي كان فيها مساومة على رسالة الإنجيل بأكملها.


اقرأ غلاطية ٣: ٢٨ وكولوسي ٣: ١١. كيف يساعدنا الحق الموجود في هذين النَّصين على فهم رد فعل بولس الحاد والشديد؟


خلال اجتماع بولس في أورشليم مع بطرس والرسل الآخرين، كانوا قد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن بإمكان الأمم الاستمتاع بكل البركات في المسيح دون الإقدام أولاً على عملية الختان. وها هو تصرف بطرس الآن يعرِّض تلك الاتفاقية للخطر. فبعد اتحاد اليهود والأمم في جو من الشراكة المفتوحة، صار الجمع الآن منقسماً، وقد زاد ذلك من احتمالية وجود كنيسة منقسمة في المستقبل.


ومن وجهة نظر بولس، فقد أظهر سلوك بطرس ضمناً أن المسيحيين من الأمم كانوا مؤمنين من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال، ولقد اعتقد بولس أن تصرفات بطرس من شأنها أن تضع ضغطاً قوياً على الأمم للتوافق إذا هم أرادوا اختبار الشركة الكاملة. وهكذا فإن بولس يقول: «إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لاَ يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟» (غلاطية ٢: ١٤). ولقد ترجمت العبارة حرفياً إلى اللغة العربية لتقرأ «أَنْ يَتَهَوَّدُوا»، أيضاً. وكانت هذه الكلمة تعبيراً شائعاً يعني «أن تتبنى طريقة العيش اليهودية وتتخذها أسلوباً لك». وكانت تستعمل لتشير إلى الأممي الذي يذهب إلى المعبد اليهودي ويشترك في الطقوس والتقاليد اليهودية. وكان هذا أيضاً هو السبب الذي من أجله يُشار إلى خصوم بولس في غلاطية، الذين يدعوهم الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ، على أنهم «متهودون».






لمزيد من الدرس: «حتى أفضل الرجال، إذا هم تُركوا لأنفسهم، فإنهم سيقترفون أخطاءً جسيمة. فكلما زادت المسؤوليات الملقاة على كاهل القوى البشرية، كلما زادت قدرة المرء على التسلط والسيطرة، وزادت كذلك قدرته المؤذية على إفساد العقول والقلوب إذا هو لم يتبع طريق الرب بعناية. ولقد فشل بطرس في أنطاكية في مزاولة مبادئ الاستقامة. وكان بولس مضطراً إلى الوقوف وجهاً لوجه أمام هذا التأثير المخرِّب ومقاومته. ولقد تم تدوين هذا حتى يتعلم الآخرون من خلاله، ولكي يكون الدرس تحذيراً جدّياً إلى كل من يتمتعون بمكانة عالية حتى لا يفشلوا في اختبار النزاهة، بل يقفون للمبدأ» (روح البنوة، تعليقات روح النبوة، موسوعة الأدفنتست التفسيرية، مجلد ٦، صفحة ١١٠٨».




ملخص الدرس: إن إصرار بعض المسيحيين من اليهود على وجوب ختان المؤمنين من الأمم حتى يصبحوا أتباعاً حقيقيين للمسيح قد شكَّل تهديداً خطيراً على وحدة الكنيسة الأولى. وبدلاً من السماح لهذه المسألة أن تؤدي إلى انقسام الكنيسة إلى حركتين مختلفتين، فقد عمل الرسل معاً، بالرغم من الخلافات التي بينهم، لضمان الإبقاء على جسد المسيح (كنيسته) متحداً وضمان بقائهم أمناء لحق الإنجيل.


الدرس الرابع


١٥-٢١ تموز (يوليو)


التبرير بالإيمان وحده






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: غلاطية ٢: ١٥-٢١؛ أفسس ٢: ١٢؛ فيلبي ٣: ٩؛ رومية ٣: ١٠-٢٠؛ تكوين ١٥: ٥و ٦؛ رومية ٣: ٨.


آية الحفظ: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية ٢: ٢٠).


مثلما رأينا في درس الأسبوع الماضي، فلقد قام بولس على الملأ والعلن بمواجهة بطرس في أنطاكية بسبب عوز بطرس وافتقاره إلى الانسجام والتوافق بين الإيمان الذي كان يدافع عنه والسلوك الذي كان يُظهره. ولقد كان قرار بطرس بعدم تناول الطعام مع الأممين الذين كانوا قبلاً وثنيين ومن ثم آمنوا بالمسيح، يوحي بأنهم كانوا في نظر بطرس مسيحيين من الدرجة الثانية، في أحسن الأحوال. ولقد دلت تصرفاته على أنه إذا كان هؤلاء المؤمنين من الأمم يريدون أن يكونوا جزءً من عائلة ﷲ ويتمتعون بكل بركات الشركة، فإنه يجب عليهم أولاً الخضوع لعملية الختان.


ما الذي قاله بولس حقاً لبطرس في هذه الحالة المتوترة؟ سندرس في هذا الأسبوع المقطع الذي يُرجَّح أنه ملخص لما جرى أثناء هذا المناسبة. ويحتوي هذا المقطع على بعض أكثر الصيغ الكلامية تركيزاً وكثافة في العهد الجديد، وهو مقطع مهم للغاية، لأنه يعرّفنا للمرة الأولى على العديد من الكلمات والعبارات الأساسية المتعلقة بمفهومنا لبشارة الإنجيل وكذلك لبقية رسالة بولس إلى أهل غلاطية. وهذه الكلمات والعبارات هي: التبرير، البِرّ، أعمال الناموس، الإيمان. ولكن، ليس الإيمان فحسب، وإنما إيمان يسوع المسيح أيضاً.


ما الذي يعنيه بولس بهذه المصطلحات، وما الذي تُعلِّمنا إياه عن خطة الخلاص؟


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٢تموز (يوليو).




مسألة «التبرير» (غلاطية ٢: ١٥و ١٦)


في غلاطية ٢: ١٥، يكتب بولس «نَحْنُ بِالطَّبِيعَةِ يَهُودٌ وَلَسْنَا مِنَ الأُمَمِ خُطَاةً». ما هي في اعتقادك النقطة التي أراد بولس التأكيد عليها؟


يجب أن تُفهم كلمات بولس في سياقها. ففي محاولة منه لكسب تأييد المسيحيين اليهود لموقفه، بدأ بولس بشيء هم سيتفقون معه فيه - التمييز التقليدي بين اليهود والأمم. لقد كان اليهود هم مختاري ﷲ الذين ائتمنهم على ناموسه، ولقد استمتعوا بفوائد علاقة العهد مع ﷲ. أما الأمم، مع ذلك، فقد كانوا خطاة، ولم يُقيّد ناموس ﷲ سلوكهم، وقد كانوا غُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ (أفسس ٢: ١٢؛ رومية ٢: ١٤). وعلى الرغم من أن الأمم كانوا «خطاة»، إلاَّ أن بولس في عد ١٦ يحذِّر المسيحيين من اليهود بأن امتيازاتهم الروحية لا تجعلهم أكثر قبولاً لدى ﷲ من الأمم، لأنه ما مِن أحد مبرر «بأعمال الناموس».


يستعمل بولس كلمة «نتبرر ويتبرر» أربع مرات في غلاطية ٢: ١٦و ١٧. ما الذي يعنيه بولس بـ «التبرير»؟ انظر خروج ٢٣: ٧ وتثنية ٢٥: ١.


إن الفعل «يُبرّر» هو مصطلح أساسي بالنسبة لبولس، حيث نجد أنه من بين الـ ٣٩ مرة التي يرد فيها ذِكر هذا المصطلح في العهد الجديد، يستخدم بولس ٢٧ منها في رسائله، إذ ورد ذكر هذا المصطلح ٨ مرات في سفر غلاطية وحده، بما في ذلك المرات الأربع في غلاطية ٢: ١٦و ١٧.


إن التبرير هو مصطلح قانوني، يُستخدم في المحاكم. وهو عندما ينطق القاضي بالحكم معلناً براءة شخص ما من التهم الموجهة إليه. وهو عكس الإدانة. بالإضافة إلى ذلك، ولأن الكلمتين «مبرر» و«بار» تشتقان من نفس الكلمة اليونانية، فإن ما يعنيه أن يكون الشخص «مبرراً» هو أن هذا الشخص قد حُسِب «باراً»، أيضاً. وهكذا، فإن التبرير ينطوي على أكثر من مجرد العفو أو الصفح؛ فهو الإعلان الإيجابي بأن الشخص بارٌ.


مع ذلك، فقد كان التبرير بالنسبة لبعض المؤمنين بالمسيح من اليهود يرتبط بعلاقتهم بالله وبعهده. فمعنى أن يكون المرء «مبرراً» [في نظرهم] هو أن يكون المرء محسوباً كعضو أمين في المجتمع الذي قطع ﷲ العهد معه، نسل إبراهيم.






أعمال الناموس


ثلاث مرات يقول بولس في غلاطية ٢: ١٦ أن الشخص لا يتبرر «بأعمال الناموس». ما الذي يعنيه بولس بهذا التعبير «أعمال الناموس؟» كيف تساعدنا هذه الآيات (غلاطية ٢: ١٦و ١٧؛ ٣: ٢و ٥و ١٠؛ رومية ٣: ٢٠و ٢٨) على فهم ما يعنيه بولس؟


قبل أن نتمكن من فهم عبارة «أعمال الناموس»، نحن بحاجة أولاً لفهم ما يعنيه بولس بكلمة ناموس. فكلمة ناموس «nomos»، موجودة ١٢١ مرة في رسائل بولس. ويمكن لهذه الكلمة أن تشير إلى عدد مختلف من الأمور، بما في ذلك مشيئة ﷲ لشعبه، أسفار موسى الخمسة، العهد القديم بأكمله، أو حتى مجرد مبدأ عام. ومع ذلك، فإن الطريقة الأساسية التي يستخدم فيها بولس هذا المصطلح هي للإشارة إلى المجموعة الكاملة من وصايا ﷲ التي أعطاها إلى شعبه من خلال موسى.


فعلى الأرجح، إذن، أن عبارة «أعمال الناموس» تنطوي على كل المتطلبات الموجودة في الوصايا المعطاة من قِبل ﷲ عن طريق موسى، سواء كانت أدبية أو طقسية. نقطة بولس هي أنه مهما كان مدى جدية محاولة المرء في أن يتبع ويطيع وصايا ﷲ، فإن طاعتنا سوف لا تكون جيدة بما يكفي بالنسبة لله لكي يبررنا، أو لتُعلننا مبررين أمامه. والسبب في ذلك هو أن ناموس ﷲ يتطلب أمانة تامة في الفكر وفي العمل، ليس لبعض الوقت فقط وإنما في كل الأوقات، وليس فقط بالنسبة لبعض الوصايا وإنما بالنسبة لكل الوصايا.


وعلى الرغم من أن عبارة «أعمال الناموس» لا تُذْكَر في العهد القديم ولا نجدها في العهد الجديد خارج كتابات بولس، إلا أن التأكيد المذهل لمعناها قد ظهر عام ١٩٤٧ باكتشاف مخطوطات البحر الميت، التي هي مجموعة من الكتابات التي نُسخت مِن قِبل مجموعة من اليهود تسمى «Essenes» أو «الإسنس»، [وقد كانت هذه المجموعة بالإضافة إلى جماعتي الكتبة والفريسيين من أبرز الجماعات في المجتمع اليهودي] والذين عاشوا في زمن المسيح. وبالرغم من أن هذه الكتابات كانت باللغة العبرية، إلا أن إحدى هذه المخطوطات كانت تشتمل على عبارة «أعمال الناموس» عينها. واسم هذه المخطوطة هو «Miqsat Ma’as Ha-Torah» والذي يمكن أن يُترجم «أعمال الناموس الهامة». ولقد وصفت المخطوطة عدداً من القضايا على أساس الناموس التوراتي المَعْنِي بمنع جعل الأمور المقدسة نجسة، بما في ذلك العديد من الأمور التي وضعت اليهود منفصلين عن بقية الأمم. وفي النهاية يشير كاتب المخطوطة إلى أنه إذا تم إتّباع «أعمال الناموس» هذه، فإن المرء «سَيُحْسَب باراً» أمام ﷲ. وعلى خلاف بولس، فإن كاتب هذه المخطوطة لا يقدم إلى قرائه التبرير على أساس الإيمان وإنما على أساس السلوك.






أساس تبريرنا


«وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ» (فيلبي ٣: ٩).


لا يجب اعتقاد أن المسيحيين من اليهود كانوا يرون أن الإيمان بالمسيح لم يكن مهماً؛ فلقد كانوا جميعاً مؤمنين بالمسيح واثقين فيه. غير أن سلوكهم، مع ذلك، قد أثبت أنهم كانوا يشعرون أن الإيمان في حد ذاته لم يكن كافياً؛ وأنه لا بد من إكمال هذا الإيمان بالطاعة، كما لو أن طاعتنا تضيف شيئاً إلى عمل التبرير نفسه. ولقد كانوا يجادلون بأن التبرير هو بواسطة كل من الإيمان والأعمال. وتظهر الطريقة التي يقارن بها بولس بين الإيمان والأعمال معارضته الشديدة لوجهة النظر التي تنادي بوجوب توفر «كل من» الإيمان والأعمال للحصول على التبرير. فالإيمان، والإيمان وحده، هو أساس التبرير.


وبالنسبة لبولس، أيضاً، الإيمان هو ليس مفهوماً مجرداً، إنما للإيمان صلة بالمسيح لا تنفصل. في الواقع، إن العبارة المترجمة مرتين بصيغة «إِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» في غلاطية ٢: ١٦ هي حقاً أكثر بكثير من أن تحتويها أي ترجمة وتعطيها المعنى الدقيق. فالعبارة في اللغة اليونانية تترجم حرفياً هكذا «الإيمان» أو «الإخلاص» الذي للمسيح. وتكشف هذه الترجمة الحرفية عن التناقض القوي الذي يظهره بولس بين أعمال الناموس التي نقوم بها نحن وبين أعمال المسيح المنجزة نيابة عنا، (وهكذا فإننا مبررون من خلال «أمانة المسيح»)، من خلال ما فعله من أجلنا.


من المهم أن نتذكر أن الإيمان في حد ذاته لا يضيف إلى البِرّ، وكما لو أن الإيمان من ذاته وفي ذاته مستحق وجدير بالتقدير. إن الإيمان، بدلاً من ذلك، هو الوسيلة التي بها يمكننا التشبُّث بالمسيح وبأعماله نيابة عنا. نحن لسنا مبررين على أساس إيماننا لكن على أساس أمانة المسيح من أجلنا، هذه الأمانة التي يمكننا المطالبة بها لأنفسنا من خلال الإيمان.


لقد قام المسيح بكل ما فشل كل شخص في القيام به، ومعنى هذا هو أن المسيح وحده هو الذي كان مخلصاً وأميناً لله في كل ما فعل. إن رجاءنا هو في أمانة وإخلاص المسيح، وليس في أمانتنا نحن.


هذه هي الحقيقة العظمى والتي، بجانب غيرها، قد أشعلت الإصلاح البروتستانتي، حقيقة. وهي لا تزال بنفس الأهمية اليوم كما كانت عندما بدأ مارتن لوثر يبشر بها منذ عدّة قرون مضت.


وتوضح ترجمة سريانية قديمة ما يعنيه بولس توضيحاً جيداً فتقول: «لذلك نحن نعرف أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس ولكن بواسطة إيمان المسيح المسيا، ونحن نؤمن فيه، في المسيح المسيا، حتى يمكننا أن نكون مبررين بواسطة إيمانه هو، إيمان المسيا، وليس بأعمال الناموس.»






طاعة الإيمان


يوضح بولس الرسول بأنّ الإيمان هو ركيزة أساسيّة في الحياة المسيحيّة. إنّه الوسيلة للتمسّك بالوعود المعطاة لنا في المسيح. ولكن. ما هو الإيمان بالضبط؟ وماذا يتضمّن؟


ما الذي تعلمنا الآيات التالية إياه فيما يتعلق بمصدر الإيمان؟ تكوين ١٥: ٥و ٦؛ يوحنا ٣: ١٤-١٦؛ ٢كورنثوس ٥: ١٤و ١٥؛ غلاطية ٥: ٦.


إن الإيمان الصادق وفقاً للكتاب المقدس هو دائماً استجابة لنداء ﷲ. فالإيمان ليس نوعاً من الشعور ينتاب البشر أو موقفاً يُقرر البشر يوماً ما اتخاذه لأن ﷲ يتطلب ذلك. على العكس، ينبع الإيمان الحقيقي من القلب الذي تأثر بشعور من الامتنان والمحبة لله من أجل جُوده وصلاحه. ولهذا السبب فإنه عندما يتحدث الكتاب المقدس عن الإيمان، نجد أن الإيمان دائماً يَلِي مبادرة قد اتخذها ﷲ. وفي حالة إبراهيم، على سبيل المثال، نجد أن الإيمان كان استجابة إلى وعود ﷲ المدهشة التي قطعها مع إبراهيم (تكوين ١٥: ٥و ٦)، بينما يقول بولس الرسول في العهد الجديد بأن الإيمان بِالنّتِيجَة مؤسّسٌ على إدراكنا التام لِمَا فعله المسيح لأجلنا على الصليب.


إذا كان الإيمان هو استجابة لله، فما الذي يجب أن تتضمنه هذه الاستجابة؟ تمعن فيما تقوله الآيات التالية حول طبيعة الإيمان. يوحنا ٨: ٣٢و ٣٦؛ أعمال ١٠: ٤٣؛ رومية ١: ٥ و٨؛ ٦: ١٧؛ عبرانيين ١١: ٦؛ يعقوب ٢: ١٩.


يُعرِّف كثير من الناس الإيمان على أنه «اعتقاد أو مذهب». وهذا التعريف فيه إشكالية، لأن الكلمة اليونانية لـ «إيمان» هي ببساطة الكلمة الاسم المشتقة من الفعل «أن تؤمن». ولو أنك استخدمت صيغة من مشتقات الكلمة لتعريف كلمة أخرى مشتقة منها هو كقولك أن «الإيمان هو أن يكون لديك إيمان»، فإن ذلك ليس كفيلاً بتوضيح معنى كلمة الإيمان.


وتكشف لنا الدراسة المتأنية للكتاب المقدس أن الإيمان لا يشمل المعرفة عن ﷲ فحسب لكنه يشمل كذلك موافقة عقلية أو قبول من قِبل الإنسان لتلك المعرفة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل من مسألة حصولنا على تصوّر دقيق عن ﷲ أمراً مهماً جداً. فإن الأفكار المشوهة حول طبيعة ﷲ يمكنها في الواقع أن تصعِّب من إمكانية أن يكون لدينا إيمان. ولكن الموافقة الذهنية على الإنجيل غير كافية، لأنه بهذا المعني فـ «حتى الشياطين تؤمن». ويؤثر الإيمان الحقيقي في طريقة عيش الإنسان كذلك. في رومية ١: ٥، يكتب بولس عن «إِطَاعَةِ الإِيمَانِ». ولا يقول بولس أن الطاعة هي نفس الشيء مثل الإيمان. إنما هو يعني أن الإيمان الحقيقي يؤثر في مجمل حياة الفرد، وليس في العقل فقط. وينطوي الإيمان على تعهدنا بالالتزام للرب والمخلّص يسوع المسيح، بدلاً من مجرد التعهد بالالتزام بمجموعة من القوانين. الإيمان، إلى قدر كبير، هو ما نقوم به من أمور والكيفية التي نعيش بها حياتنا، وفيمَن نثق، وليس مجرد ما نعتنقه من معتقدات ومذاهب.




هل الإيمان يُحابي الخطية؟


إحدى الاتهامات التي كانت موجّهةً إلى الرسول بولس هي أنّ رسالة إنجيله القائلة «التبرير بالإيمان وحده» قد شجعت الناس على الخطيّة (انظر رومية ٣: ٨؛ ٦: ١). لا شك بأنّ المتّهمين له فكّروا بأنّه إن لم يكن لِزاماً على الناس حفظ الناموس كي يقبلهم ﷲ، فما الداعي أن ينشغلوا بكيفيّة الحياة؟ ولقد وجّهت اتهامات مشابهة لمارتن لوثر.


كيف يرد بولس على التهمة الموجهة إليه بأن معتقد التبرير بالإيمان وحده يشجع على السلوك الخاطئ؟ غلاطية ٢: ١٧و ١٨.


يرد بولس على اتهامات معارضيه بأشد العبارات الممكنة: «حَاشَا!» وعلى الرغم من أن وقوع الشخص في الخطية بعد مجيئه إلى المسيح هو أمر وارد، إلا أن المسؤولية في ذلك لا تقع بالتأكيد على عاتق المسيح. فإذا خرقنا الناموس وتعدينا عليه، فمعنى هذا أنه نحن أنفسنا هم مَن قاموا بخرق الناموس والتعدي عليه.


كيف يصف بولس اتحاده مع المسيح يسوع؟ بأية طريقة تدحض هذه الإجابة الاعتراضات المثارة من قبل معارضيه؟ غلاطية ٢: ١٩-٢١.


رأى بولس أن منطق خصومه ببساطة يتنافى والعقل. فإن قبول المسيح بالإيمان ليس شيئاً تافهاً؛ وهو ليس دعابةً سماويةً بواسطتها يتصنّع الإنسان الإيمان فيحسبه الربّ باراً، بينما لا يوجد تغيير جذري في طريقة حياته.


على العكس من ذلك، فقبول المسيح بالإيمان هو أمر أساسي للغاية. وهو ينطوي على اتحاد كامل مع يسوع، اتحاد في كل من موته وقيامته. ومن منظور روحي، يقول بولس أننا مصلوبون مع المسيح، وبأن طرقنا القديمة الآثمة المتجذرة في الأنانية قد انتهت (رومية ٦: ٥-١٤). فنحن قد قمنا بمقاطعة تامة للماضي، وعندها نصير خَلِيقَةً جَدِيدَةً (٢كورنثوس ٥: ١٧). وها نحن قد قمنا لحياة جديدة أيضاً في المسيح. ويعيش المسيح المُقام في داخلنا، وهو، بصفة يومية، يجعلنا مشابهين له أكثر وأكثر.


الإيمان بالمسيح، إذن، ليس ذريعة للخطية، لكنه دعوة إلى علاقة أكثر عمقاً مع المسيح، علاقة تفوق تلك التي يمكن وجودها في ديانة عمادها الناموس.






لمزيد من الدرس: «لقد أراني ﷲ مراراً وتكراراً خطر تعزيزنا، كأشخاص، لأفكار خاطئة تتعلق بالتبرير بالإيمان. ولقد أُعلن لي لسنوات أن الشيطان سيعمل بطريقة خاصة على تشويش العقل بشأن هذه المسألة. ولقد تم التحامُل كثيراً على شريعة ﷲ [الوصايا العشر]، وقُدمت للناس على أنها منعدمة تقريباً من معرفة المسيح ومبادئه، تماماً كانعدام قربان قايين قديماً. ولقد أُظهر لي أن الكثيرين قد حُرموا من الإيمان بسبب الأفكار المشوشة والمغلوطة المتعلقة بالخلاص، وذلك لأن خُدَّام الإنجيل قد عملوا بالطريقة الخطأ للوصول إلى القلوب. وإنَّ النقطة التي كانت تُلِح على ذهني لسنوات هي برُّ المسيح المنسوب....


«وليس هناك من مسألة تحتاج إلى أن نتأمَّل فيها بجدية كبيرة وبصورة متكررة، لتكون راسخة بالذهن، أكثر من مسألة التأكيد على أنه من المستحيل لأفضل ما للإنسان الساقط من أعمال أن تجعله جديراً ومستحقاً للخلاص. فالخلاص هو بواسطة الإيمان بالمسيح يسوع وحده» (روح النبوة، الإيمان والأعمال، صفحة ١٨و ١٩).


«إن الناموس يتطلب البرّ، والخاطئ مدين بذلك لناموس الوصايا؛ لكن الخاطئ لا يستطيع الوفاء بالبرّ. والإيمان هو الطريق الوحيد الذي من خلاله يمكن للخاطئ الحصول على البرّ. فبالإيمان يمكن للخاطئ أن يأتي باستحقاقات المسيح إلى ﷲ، وعندها يضع الرب طاعة ابنه في حساب الخاطئ. ويُقْبَلُ بِرّ المسيح في مكان فشل الإنسان، وعندها يَقْبَل اللهُ الشخصَ التائب المؤمن ويغفر له ويبرّره، ويعامله كما لو كان باراً، ويحبه ﷲ كما يحب ابنه الوحيد» (روح النبوة، رسائل مختارة، مجلد ١، صفحة ٣٦٧).




ملخص الدرس: لقد أَوحى سلوك بطرس في أنطاكية بأن مَن كانوا وثنيين من الأمم في السابق لا يمكنهم أن يكونوا مسيحيين حقيقيين ما لم يختتنوا أولاً. ولقد أشار بولس إلى المغالطة في مثل هذا التفكير. فالله لا يمكنه تبرير أي إنسان على أساس مسلك ذلك الإنسان، لأنه حتى أفضل البشر ليسوا كاملين. إنه فقط من خلال قبول ما قد فعله ﷲ لأجلنا في المسيح يمكن للخاطئ أن يكون مبرراً في نظر ﷲ.