راهنمای مطالعه کتاب مقدس - سه ماهه چهارم 2016 - کتاب ایوب
Dowload PDF -راهنمای مطالعه کتاب مقدس - سه ماهه چهارم 2016 - کتاب ایوب
مقدمة
١. النِّهايَةُ — ٢٤-٣٠ أيلول (سبتمبر) ٦
٢. الصراع العظيم — ١-٧ تشرين الأول (أكتوبر) ١٤
٣. "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟" — ٨-١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٢
٤. الله والمعاناة الإنسانية؟ — ١٥-٢١ تشرين الأول (أكتوبر) ٣٠
٥. العن اليوم — ٢٢-٢٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٣٨
٦. اللعنة بلا سبب — ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) - ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٤٦
٧. العقوبة الجَزَائِيّة — ٥-١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٥٤
٨. الدَّمُ الزَّكِيِّ (البَرِيء) — ١٢-١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٦٢
٩. إعلان الرجاء — ١٩-٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٧٠
١٠. غضب إليهو — ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) - ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٧٨
١١. من العاصفة — ٣-٩ كانون الأول (ديسمبر) ٨٦
١٢. فادي (مخلِّص) أيوب — ١٠-١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٩٤
١٣. شخصية أيوب — ١٧-٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ١٠٢
١٤. دروس من أيوب — ٢٤-٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ١١٠
Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904
Come visit us at our Web site: http://www.absg.adventist.org
Principal Contributor
Clifford R. Goldstein
Co-contributor
Steven Thompson
Editor
Clifford R. Goldstein
Associate Editor
Soraya Homayouni
Middle East and North Africa Union
Publishing Coordinator
Michael Eckert
Translation to Arabic
Ashraf Fawzy
Proofreader
Basim Fargo
Arabic Layout and Design
Marisa Ferreira and Olivia Adel
Publication Manager
Lea Alexander Greve
Editorial Assistant
Sharon Thomas-Crews
Pacific Press® Coordinator
Wendy Marcum
Art Director and Illustrator
Lars Justinen
Design
Justinen Creative Group
© ٢٠١٦ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار دون الحصول على أذن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح "الأدفنتست السبتيون" وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.
إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المقدس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، ويحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف (أو المؤلفين).
Sabbath School Personal Ministries
السؤال الدائم
لدى لدى المسيحيين أسباباً منطقية وعقلانية جداً للإيمان بالله، رغم كل الدعاية السائدة التي ترّوج نقيض ذلك. وبشكل منطقي، لا يؤمن كثير من الناس بنظرية التطوّر رغم تأكيد بعض من "أفضل وألمع" العقول على أن مفاهيم نظرية التطور المتعلقة "بالانتقاء الطبيعي" و "الطفرات العشوائية" يمكنها تفسير ما للحياة من تعقيد وروعة وجمال. وعلى الرغم من أحدث التصريحات "العلمية" التي تزعم أن العالم نشأ من "عدم"، إلّا أن معظم الناس يرون أن التفسير الأكثر عقلانية وإقناعاً، فيما يتعلق بكيفية مجيء الخلق إلى الوجود، هو أن الله السرمدي هو الذي خلق الكون، وذلك على نقيض الفكرة التي تزعم أن الوجود جاء من "العدم".
ومع ذلك، فإنه رغم أن المنطق والعقل في صالحنا كمسيحيين، لا تزال هناك معضلة وجود الشر. ومن هنا يطرح الناس السؤال الدائم: إذا كان الله موجوداً، وإذا كان الله صالحاً جداً ومُحباً جداً وقديراً جداً، فلماذا هناك الكثير من المعاناة والألم؟
وفي ضوء ذلك، تأتي دراستنا لسفر أيوب في هذا الربع. والمدهش في الأمر هو أن سفر أيوب، الذي يتناول مسألة "السؤال الدائم"، كان من بين أول أسفار الكتاب المقدس التي يتم تدوينها. وهكذا نجد أن الله قد أعطانا في وقت مبكر جداً بعض الأجوبة على موضوع من أصعب المواضيع التي تدور بذهن الإنسان.
مع ذلك، لا يقدّم سفر أيوب سوى بعض الأجوبة، وليس كل الأجوبة. فربما لا يمكن لسفر واحد من أسفار الكتاب المقدس أن يجيب على كل الأسئلة؛ بل وحتى الكتاب المقدس ككل لا يمكنه ذلك. وبالرغم من هذا، يرفع سفر أيوب الستار ويكشف للقارئ عن وجود واقع يتجاوز ما يمكن لحواسنا أن تُظهره لنا، حتى ولو كانت هذه الحواس مدعومة بأجهزة عملية. ويأخذنا السِّفر إلى عالم هو، من ناحية ما، بعيد عنّا كل البعد؛ ومع ذلك، ومن الناحية الأخرى، هو قريب منّا بشكل لا يُصدَّق. ويُظهر لنا سفر أيوب ما تُظهره أيضاً بقية أسفار الكتاب المقدس بشكل كبير: إنَّ الأمور الطبيعية والأمور الخارقة للطبيعة ترتبط ببعضها البعض ارتباطاً لا ينفصم. إن سفر أيوب هو دراما تصويرية لكل من المبدأ والتحذير اللذين أعرب عنهما بولس في وقت لاحق: "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس ٦: ١٢).
وعلى الرغم من أن سفر أيوب يتناول قصة شخص واحد، إلا أن قصة أيوب هي قصتنا جميعاً، وذلك لأننا جميعاً نعاني بطرق تبدو، في كثير من الأحيان، أن ليس لها ما يبررها. بل وحتى قصة الرجال الأربعة الذين أتوا إلى أيوب، تعكس هي الأخرى حالتنا أيضاً، فَمَن مِنَّا لَمْ يحاول تبرير أسباب معاناة الآخرين؟
ومع ذلك، فإنه ستفوتنا نقطة هامة وحاسمة بشأن سفر أيوب إذا نحن جعلناه مقتصراً فقط على معاناة أيوب، ونظرنا إليه على أنه مجرد محاولات مِن قِبل البشر البائسين لفهم المعاناة الإنسانية. فإنّ قصة أيوب تَرِد في سياق الصراع العظيم بين المسيح والشيطان، وهو ما يتم تصويره هنا بطريقة جَلِيَّة وواضحة للغاية. وذلك لأن هذه المعركة هي من أكثر المعارك الواقعية، وهي المعركة التي بدأت في السماء، ولا تزال ناشبة هنا في قلب وعقل وجسد كل إنسان.
وفي دراستنا لهذا الربع، سنلقي نظرة عن كثب إلى قصة أيوب في السياق المباشر للأحداث. وسنلقي كذلك نظرة شاملة على السِّفر، بحيث لا نتعرف على كيف ينتهي سفر أيوب فحسب، ولكننا نتعرف أيضاً على الخلفية الأكبر التي فيها بدأت أحداث القصة ترتسم. وهكذا تكون المسألة البالغة الأهمية بالنسبة لنا كقرّاء، بعد اطِّلاعنا على سفر أيوب وعلى الكتاب المقدس ككل، هي أن نحاول النظر إلى الصورة الكاملة. وعلينا أن نحاول بقدر الإمكان أن ندرك لماذا نعيش في عالم من الشر؛ ليس هذا فحسب، ولكن الأهم من ذلك هو أن نحاول أن ندرك بقدر الإمكان أيضاً كيف ينبغي أن نعيش في عالم كهذا.
وبطبيعة الحال، فإنه حتى بعد أن ندرس سفر أيوب، وحتى وإن فعلنا ذلك في سياق دراستنا لبقية أسفار الكتاب المقدس، فإن "السؤال الدائم" سيبقى. ومع ذلك، فنحن متيقنون من "الإجابة الدائمة": يسوع المسيح "الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ" (أفسس ١: ٧)، وهو الذي تأتي منه كل الأجوبة.
كليفورد غولدشتاين هو رئيس تحرير دليل دراسة الكتاب المقدس للكبار. وهو يعمل في المجمع العام منذ عام ١٩٨٤.
دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي
تواصل مع الله بفعالية أكثر!
إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المقدس وقراءات مختارة من مؤلفات الن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المقدس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.
متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.
قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:
http://www.RevivalandReformation.org
وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.
حلقة عالمية للصلاة
برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة
صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم
دراسة يومية لكلمة الله ومؤلفات روح النبوة
قم بتحميل
نسختك الإلكترونية المجانية
من دليل دراسة الكتاب المقدس عبر الموقع التالي:
www.menapa.com
اشترك في
رسالتنا الإخبارية
المجانية
تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل
إصداراتنا الجديدة!
+961 1 690290 | www.menapa.com
شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠
جمعية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للنشر
الدرس الأول
٢٤-٣٠ أيلول (سبتمبر)
النِّهايَةُ
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ٤٢: ١٠- ١٧؛ تكوين ٤: ٨؛ متى ١٤: ١٠؛ ١كورنثوس ٤: ٥؛ دانيال ٢: ٤٤؛ أيوب ١٤: ١٤و ١٥.
آية الحفظ: "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: ‘أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا’ " (يوحنا ١١: ٢٥).
الطلابُ، في صفوف تعلّم الكتابة والإنشاء، يتعلمون أهمية أن تكون خاتمة النصوص التي يكتبونها جيدة، ولا سيما في الروايات التي يكون كل ما يرد فيها هو مِن نسيج خيال المؤلف. وهنا يحتاج المؤلف إلى أن يضع نهاية مقنعة لروايته. لكن حتى في القصص غير الروائية، تُعَد الخاتمة الجيدة أمراً مهماً. لكن ماذا عن الواقع؟ ماذا عن الحياة ذاتها، الحياة التي لا يمكن عيشها على صفحات كتاب أو في سيناريو فيلم وإنما في الجسد والدم؟ ماذا عن قصصنا نحن؟ ما هي الخاتمة التي نضعها لحياتنا؟ كيف ينتهي بنا المطاف؟ هل نقوم بربط الأطراف المسترسلة معاً بشكل جيد، كما هو الحال في قطعة أدبية جيدة؟
لا يبدو أن الأمر هكذا، أليس كذلك؟ فكيف يمكن لحياتنا أن تنتهي نهاية جيدة في حين أن قصصنا تنتهي دائماً بالموت؟ وبهذا المعنى، لا يكون لدينا نهايات سعيدة حقاً، لأنه ليس هناك سعادة في أن يموت الناس.
وينطبق الشيء ذاته على قصة أيوب. فعلى الرغم من أن خاتمتها تصور في كثير من الأحيان على أنها نهاية سعيدة، على الأقل بالمقارنة مع كل ما عانى منه أيوب، إلا أنها في الحقيقة ليست سعيدة إلى هذا الحد لأن هذه القصة أيضاً تنتهي بالموت. وفي هذا الأسبوع، وإذ نبدأ دراستنا لسفر أيوب، فإننا سنبدأ من نهايته، وذلك لأن هذه النهاية تطرح أسئلة حول نهاياتنا نحن أيضاً، ليس فيما يتعلق بحياتنا الراهنة فحسب، ولكن فيما يتعلق بأبديتنا كذلك.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١تشرين الأول (أكتوبر)
وعاشوا سعداء بعد ذلك؟
في كثير من الأحيان تنتهي قصص الأطفال بعبارة، "وعاشوا سعداء بعد ذلك." وفي بعض اللغات تكون هذه العبارة عبارة عن "كليشيه" أو "صيغة مبتذلة". الفكرة كلها هي أنه مهما كان المأساة- سواء أميرة مخطوفة، ذئب متوحش، ملك شرير- فإنَّ البطل وربما زوجته الجديدة ينتصران في النهاية.
وهذه هي الطريقة التي ينتهي بها سفر أيوب، على الأقل هذا ما يبدو من الوهلة الأولى. فإنّه بعد كل التجارب والمحن التي لحقت به، انتهى الأمر بأيوب بما يمكن وصفه على أنه نهاية سعيدة.
أقرأ أيوب ٤٢: ١٠- ١٧، الآيات الأخيرة من سفر أيوب بأكمله. ماذا تخبرنا هذه الآيات عن كيف أنهى أيوب سني حياته؟
لا شك في أنه إذا طلبت من بعض الناس أن يحددوا لك سفراً، من أسفار الكتاب المقدس، انتهى نهاية جيدة بالنسبة للشخصية الرئيسية، وانتهى بعبارة "وعاشوا سعداء بعد ذلك؟"، فستجد أن الكثيرين منهم سيشيرون إلى سفر أيوب.
فعلى كل حال، انظر إلى كل ما كان لدى أيوب في نهاية القصة. فإنَّ أفراد العائلة والأصدقاء الذين لم يكونوا بجواره أثناء محنه ومعاناته (باستثناء أليفاز وبلدد وصوفر وأليهو وزوجة أيوب) أتوا إليه وقاموا بتعزيته. وكانوا أسخياء أيضاً حيث أعطوه مالاً. وبنهاية القصة، كان لدى أيوب ضعف ما كان لديه في بداية القصة، على الأقل فيما يتعلق بالثراء المادي والمالي (قارن أيوب ٤٢: ١٢ مع أيوب ١: ٣). فقد كان لديه عشرة أبناء، سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ، لاستعاضة السبعة بنين والثلاث بنات الذين ماتوا (انظر أيوب ١: ٢و ١٨و ١٩)، "وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ" (أيوب ٤٢: ١٥)، وهو شيء لم يقل عن بناته الأُوَل. وقد عاش أيوب، الذي كان على يقين من أن الموت وشيك، ١٤٠ سنة أخرى. "ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ" (أيوب ٤٢: ١٧). وقد استخدمت عبارة "شَبْعَانَ الأَيَّامِ"، (وأحياناً تترجم في العبرية بشكل مثير للاهتمام فيُقال "شبعان السنين")، لوصف أواخر أيام إبراهيم (تكوين ٢٥: ٨) وأسحق (تكوين ٣٥: ٢٩)، وداود (١أخبار الأيام ٢٩: ٢٨). وهي تُشير إلى فكرة وجود الشخص في مكان جيد وفي حالة جيدة قبل مواجهة الموت، الذي يُعد حدثاً مُحزِناً جداً.
نهايات غير سعيدة
اُخْتُتِمَ سفر أيوب بأن الأمور أصبحت تسير بشكل جيد بالنسبة لأيوب الذي مات "شَبْعَان الأَيَّامِ". وكما نعلم جميعاً، فإنَّ قصص أشخاص كثيرين آخرين لا تنتهي بهذه الطريقة. فإنه حتى أولئك الذين كانوا أوفياء وشرفاء ومستقيمين لم تكن نهايتهم سعيدة مثل نهاية أيوب.
كيف انتهت قصة كل من شخصية من شخصيات الكتاب المقدس التالية؟
هابيل (تكوين ٤: ٨)
يوريا (٢صموئيل ١١: ١٧)
عالي (١صموئيل ٤: ١٨)
الملك يوشيا (٢أخبار الأيام ٣٥: ٢٢- ٢٤)
يوحنا المعمدان (متى ١٤: ١٠)
اسْتِفَانُوس (أعمال الرسل ٧: ٥٩و ٦٠)
كما نرى، فإنّ الكتاب المقدس مليء بالقصص التي ليس لها نهايات سعيدة. وذلك لأن الحياة نفسها مليئة بالقصص التي نهاياتها غير سعيدة. ومعظم الناس لا يخرجون من المحن والضيقات منتصرين كما فعل أيوب؛ فمنهم مَن يستشهدون لسبب وجيه، أو يموتون لإصابتهم بمرض فظيع، أو يعيشون حياة ملؤها الألم والبؤس. في الواقع، ولكي نكون صادقين، كم هو عدد المرات التي سارت فيها الأمور بشكل جيد معنا، كما حدث مع أيوب؟ كما أننا لا نحتاج حتى إلى الرجوع إلى الكتاب المقدس لمعرفة هذه الحقيقة الرهيبة. فمن منّا لا يعرف عن النهايات غير السعيدة؟
الاسترداد (الجزئي)
نعم، لقد انتهت قصة أيوب بشكل إيجابي، بالمقارنة مع قصص شخصيات الكتاب المقدس الأخرى أو الأشخاص الآخرين بشكل عام. في بعض الأحيان، يتحدث علماء الكتاب المقدس عن ما يطلقون عليه اسم "استرداد" أيوب. وبالفعل، وإلى حد ما، اُسْتْرِدت إلى أيوب أشياء كثيرة.
ولكن، لو أن تلك كانت هي النهاية الكاملة للقصة، فهل ستكون القصة مكتملة حقاً؟ المؤكد هو أن الأمور سارت على نحو أفضل بالنسبة لأيوب، بل على نحو أفضل بكثير، ولكن أيوب مات في نهاية المطاف، كما مات كل أبنائه. ومات كذلك كل أحفاده، وهلم جرا. ولا شك في أنهم جميعاً قد واجهوا ،إلى حد ما، العديد من نفس الصدمات النفسية والمحن التي نواجهها جميعاً. فإن الصدمات والمحن هي ببساطة من مُعْطَيَات الحياة في عالم ساقط.
وبقدر ما نعلم، فإنّ أيوب لم يعرف الأسباب وراء كل الكوارث والبلايا التي لحقت به. صحيح أن أيوب رُزق بمزيد من الأبناء، لكن ماذا عن حزنه وحِدَاده على أولئك الذين فقدهم؟ ماذا آثار عن الجروح التي لا شك في أنه حملها في جسمه لبقية حياته؟ كانت نهاية أيوب سعيدة، لكنها لم تكن نهاية سعيدة بشكل تام. فقد كان لا يزال هناك الكثير من علامات الاستفهام والأسئلة غير المُجابة.
يقول الكتاب المقدس "وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ" (أيوب ٤٢: ١٠)، وهو ما حدث له بالفعل، خصوصاً بالمقارنة مع ما حدث لأيوب قبل ذلك. لكن كان هناك الكثير الذي لا يزال غير مكتمل وغير مُجاب وغير متحقق.
لا ينبغي لهذا الأمر أن يكون مستغرباً، أليس كذلك؟ فعلى كل حال، ستبقي بعض الأمور في هذا العالم، كما نعرفه الآن، غير مكتملة وبدون جواب وغير متحققة، بغض النظر عن نهايتنا، سواء كانت نهاية جيدة أو سيئة.
ولهذا السبب يمكن، بمعنى من المعاني، النظر إلى قصة أيوب على أنها رمز، وإن كان باهتاً، للنهاية الحقيقية والفعلية لكل ويلات ومعاناة البشر. فإنها تنبئ بالرجاء والوعد النهائيين اللذين نحصل عليهما من خلال بشارة يسوع المسيح، وهما الوعد والرجاء باسترداد تام وكامل بطريقة من شأنها أن تجعل الاسترداد الذي اختبره أيوب آنذاك ضئيلاً جداً بالمقارنة بالوعد والرجاء المُقدَّمَيِنِ لنا.
المملكة النهائية
إن الكتاب المقدس هو، من بين أمور أخرى، كتاب عن التاريخ. لكنه ليس مجرد كتاب تاريخ. يتحدث الكتاب المقدس عن أحداث تاريخية في الماضي، ويستخدمها (من بين أمور أخرى) لإعطائنا دورس روحية. وهو يستخدم أحداثاً من الماضي ليعلمنا الحقائق المتعلقة بكيف ينبغي لنا أن نعيش حياتنا اليومية الآن. (انظر ١كورنثوس ١٠: ١١.)
لكن الكتاب المقدس لا يتكلم عن الماضي فحسب، إنما يتحدث عن المستقبل كذلك. فإنه لا يخبرنا عن الأحداث التي وقعت بالفعل، ولكن عن الأحداث التي سوف تقع. إنه يوجّهنا إلى المستقبل، بل وحتى إلى نهاية الزمان. إن المصطلح اللاهوتي الذي يُشير إلى أحداث زمن المنتهى هو "علم الأمور الأخيرة"، وهو منبثق عن الكلمة اليونانية التي تعني "آخر". وفي بعض الأحيان، يُستخدم هذا المصطلح ليشمل المُعْتَقَد بشأن الموت والدينونة والسماء والجحيم كذلك. ويتعلق هذا المصطلح أيضاً بوعد الرجاء المقدم لنا بأنه سيكون هناك وُجُود جديد في عالم جديد.
ويخبرنا الكتاب المقدس بالكثير من الأمور عن زمن المنتهى. نعم، لقد انتهى سفر أيوب بموت أيوب. ولو كان سفر أيوب هو السفر الوحيد الذي لدينا لنقرأه، لاعتقد المرء أن قصة أيوب، مثل قصتنا جميعاً، قد انتهت بالموت ولا شيء سوى ذلك. وما كان هناك ما يمكن للمرء أن يرجوه لأننا، في ظل اختباراتنا ومعرفتنا المحدودة، كنا سنعتقد أنه ليس هناك شيء بعد الموت.
مع ذلك، يعلّمنا الكتاب المقدس شيئاً آخر. إنه يعلّمنا أن مملكة الله الأبدية ستتأسس في زمن المنتهى، وبأن هذه المملكة ستدوم إلى الأبد، وبأنها ستكون الموطن الأبدي للمفديين. وخلافاً للممالك الدنيوية التي جاءت ثم زالت، فإنّ هذه المملكة تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ .
اقرأ دانيال ٢: ٤٤و ٧: ١٨. ما هو الرجاء الذي تشير إليه هاتان الآيتان فيما يتعلق بزمن المنتهى؟
"وسيكون من نتائج تدبير الخلاص العظيم أن العالم يستعيد رضى الله كاملاً، فيستعيد كل ما قد خسر بسبب الخطية. وليس الإنسان وحده بل الأرض أيضاً ستعتق لتكون الموطن الأبدي للطائعين. لقد ظل الشيطان وحده يحارب مدة ستة آلاف سنة ليملك على العالم. والآن قد تم غرض الله الأصلي من خلقه للعالم ‘أَمَّا قِدِّيسُو الْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ الْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ الْمَمْلَكَةَ إِلَى الأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ’ [دانيال ٧: ١٨] " (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٢٩٨).
في الواقع، لقد انتهى سفر أيوب بموت أيوب. والأخبار السارة بالنسبة لنا، وبالنسبة لأيوب، هي أن نهاية سفر أيوب هي ليست نهاية قصة أيوب. كما أن موتنا هو ليس نهاية قصتنا نحن، أيضاً.
القيامة والحياة
اقرأ أيوب ١٤: ١٤و ١٥. ما هو السؤال الذي يطرحه أيوب، وكيف جاوب أيوب نفسه على السؤال بطريقته الخاصة؟
يتعامل أحد الموضوعات في سفر أيوب مع مسألة الموت. وكيف لا؟ فإن أي سفر يتحدث عن المعاناة الإنسانية لا بد وأن يتحدث عن الموت بطبيعة الحال. فالموت هو مصدر الكثير من معاناتنا. ويسأل أيوب ما إذا كان الموتى سيحيون مرة أخرى، ثم يقول أنه سينتظر إلى أن يأتي "بَدلَه". والكلمة العبرية التي تعني "انتظرُ" أو "أَصْبِرُ" تدل أيضاً على فكرة الرجاء. فهي ليست مجرد أن تنتظر أو تصبر إلى أن تحصل على شيء ما، وإنما تعني أيضاً أن تأمل وترجو الحصول على ذلك الشيء.
وما هو "البَدل" أو التغيير الذي كان يرجوه أيوب؟ إن كلمة "بَدَلِي"، الواردة في عد ١٤، تأتي من الكلمة العبرية التي يمكن أن تعطي فكرة "التجديد" أو "الاستبدال". وفي كثير من الأحيان، تعني تبديل الثوب أو اللباس. وعلى الرغم من أن الكلمة في حد ذاتها واسعة النطاق وكثيرة الدلالات، إلا أنه بالنظر إلى السياق – حيث "التبديل" الذي يرجوه أيوب بعد الموت- نجد أن ما يرجوه أيوب هو أن يتغير (أو يتبدل) من الموت إلى الحياة في الوقت الذي فيه يشتاق الله إِلَى عَمَلِ يَدِيه. (أنظر أيوب ١٤: ١٥).
وبطبيعة الحال، فإنّ رجاءنا العظيم، الوعد العظيم بأن الموت لن يكون هو النهاية، يأتينا من حياة وموت وخدمة يسوع المسيح. "يُعَلِّم [العهد الجديد] بأنّ المسيح قد غلب الموت الذي هو ألد عدو للبشرية، و يُعَلِّم بأن الله سيقيم الأموات إلى دينونة نهائية. لكن هذه العقيدة تصبح عقيدة محورية لإيماننا الكتابي... بعد قيامة المسيح، وذلك لأنها تكتسب مصداقيتها من حقيقة نصرة المسيح على الموت." [جون ي. هارتلي، سفر أيوب، طبعة إيكوردانس الإلكترونية. (جراند رابيدز: إردمانز، ١٩٨٨)، صفحة ٢٣٧].
لمزيد من الدرس
على الرغم من كل الكوارث المروعة التي ألمت بأيوب، فإنه لم يبقَ مخلصاً لله فحسب بل وقد أُعيد له الكثير جداً مما فقده. ومع ذلك، فإنه وفيما يتعلق بهذه النقطة، وغيرها من نقاط وردت في سفر أيوب، لا تزال هناك أسئلة دون إجابة. لكن المؤكد هو أن سفر أيوب هو مجرد سفر واحد من أسفار الكتاب المقدس، وسيكون من الخطأ بناء فكر لاهوتي كامل على مجرد سفر كتابي واحد. فنحن لدينا بقية أسفار الكتاب المقدس، التي تضيف الكثير والكثير من الفهم والإدراك فيما يتعلق بالعديد من الأسئلة الصعبة التي يتم طرحها في سفر أيوب. والعهد الجديد خصوصاً يسلط الضوء على العديد من الأمور التي لم يكن من الممكن فهمها بشكل تام في أزمنة العهد القديم. ولعلَّ أكبر مثال على ذلك هو ما تعنيه خدمات الهيكل قديماً. فإنه مهما كان ما فهمه الشخص اليهودي الصادق قديماُ بشأن موت الحيوانات ومجمل خدمات الهيكل، إلا أنَّ نظام الذبائح هذا لا يتضح بشكل تام إلا من خلال إعلان يسوع المسيح وموته على الصليب. ويساعد سفر العبرانيين على إلقاء الضوء على الكثير من المعاني الحقيقية لخدمات المقدِس. وعلى الرغم من أنه لدينا اليوم امتياز معرفة "الحق الحاضر" (٢بطرس ١: ١٢)، ومن المؤكد أيضاً أننا أُعطينا المزيد من النور المتعلق بمختلف الأمور يفوق النور الذي حصل عليه أيوب آنذاك، إلا أنه لا يزال يتعين علينا أيضاً أن نتعلم كيف نعيش مع وجود أسئلة غير مُجابة في حياتنا. إن انكشاف الحق وتجليه هو أمر تَدَرّجِيّ، وعلى الرغم من النور العظيم الذي أُعطينا إياه الآن، لا يزال هناك ما هو أكثر بكثير لنتعلمه. في الواقع، لقد أُخبرنا أن "حشود المفديين سوف يتجولون من عالم إلى عالم، وسوف يصرفون الكثير من الوقت في البحث في أسرار الفداء. وعلى امتداد الأبدية، سيكون هذا الموضوع [موضوع الفداء] محور تفكيرهم وتأملهم" (روح النبوة، مجلة الأدفنت ريفيو وهيرالد السبت، ٩آذار/مارس، ١٨٨٦).
الصراع العظيم
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ١: ١- ٥؛ أيوب ١: ٦- ١٢؛ زكريا ٣: ٢؛ متى ٤: ١؛ حزقيال ٢٨: ١٢- ١٦؛ رومية ٣: ٢٦؛ عبرانيين ٢: ١٤.
آية الحفظ: "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: ‘لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟’ " (زكريا ٣: ٢).
توجد عبر صفحات الكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد- الكثير من الإشارات والتلميحات إلى حرب لا هوادة فيها بين الله والشيطان، بين الخير والشر، على المستوى الكوني والشخصي. وعند مقارنة هذه الفقرات الكتابية، نستخلص من كل واحدة منها أفكاراً وإدراكاً فائقين. وتشكّل كل فقرة مع غيرها من الفقرات الكتابية، نافذة فسيفسائية من الحق يمكننا من خلالها أن نفهم الرسالة الكاملة للكتاب المقدس بوضوح ما كنا لنحصل عليه من دون قيامنا بذلك." [دليل لاهوت الأدفنتست السبتيين (هاغرستاون، ماريلاند: جمعية ريفيو آند هيرالد للنشر، ٢٠٠٠)، صفحة ٩٦٩]. يشكّل موضوع الصراع العظيم القالب الذي يمكن أن يساعدنا على أن نفهم على نحو أفضل "الرسالة الشاملة" للكتاب المقدس، وخاصة تدبير الخلاص. وعلى الرغم من أن موضوع الصراع العظيم هو أكثر وضوحاً في العهد الجديد، إلا أنه موجود في العهد القديم كذلك. وربما لا نجد في العهد القديم سفراً يفوق سفر أيوب في إعطائنا لمحة شديدة الوضوح عن الشيطان وعن هذا الصراع العظيم، وعن كيف يمكن لكلٍ منهما أن يؤثرا بقوة في الحياة هنا على الأرض. في هذا الأسبوع، سوف نلقي نظرة على الواقع الأوسع نطاقاً، الواقع الذي يتجاوز الواقع المباشر الذي هو محور التركيز الرئيسي لسفر أيوب. وعلى الرغم من أن حياتنا وقصصنا تختلف عن تلك التي لأيوب، إلا أننا نشترك جميعاً في شيء واحد: إننا، كأيوب، منخرطون في هذا الصراع.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٨تشرين الأول (أكتوبر).
سماء مصغرة على الأرض
يبدأ سفر أيوب بداية إيجابية نسبياً. فإنّه من منظور دنيوي على الأقل، نحن نرى رجلاً مباركاً في كل شيء.
اقرأ أيوب ١: ١- ٤. ما الذي تظهره هذه الفقرة الكتابية عن الحياة التي عاشها أيوب؟ ما هي الجوانب الإيجابية المتعلقة بحياة أيوب؟
يبدو من المؤكد أن أيوب كان لديه كل شيء، بما في ذلك الشخصية البارة. والكلمة المترجمة " كَامِلاً" في أيوب ١: ١، تأتي من الكلمة التي يمكن أن تعني "كامل النزاهة". وكلمة " مُسْتَقِيمًا" توحي بفكرة المشي على الطريق المستقيم. باختصار، يُستهل سفر أيوب بمشهد شبيه بجنة عدن تقريباً، حيث يصوِّر رجلاً ثرياً وكاملاً ومستقيماً، ولديه كل شيء.
ومع ذلك، فقد امتلك أيوب كل هذه الأمور في عالم ساقط.
اقرأ أيوب ١: ٥و ٦. ما الذي تظهره هاتان الآيتان الكتابيتان عن حقيقة العالم الساقط الذي كان يعيش فيه أيوب؟
"وفي خضم احتفالات أولاده وبناته، كان [أيوب] يرتعد خشية أن يُغضب أبناؤه اللهَ. وككاهن أمين لأسرته، كان يقدم ذبائح نيابة عن كل واحد منهم على حدى. لقد كان يعرف الطبيعة البغيضة التي للخطية، وكان التفكير في أن أبناءه قد يغفلون عن المطاليب الإلهية قد جعله يتشفع إلى الله بالنيابة عنهم" (تعليقات الن ج. هوايت، موسوعة الأدفنتست السبتيين لتفسير الكتاب المقدس، مجلد ٣، صفحة ١١٤٠).
من الواضح أن الأمور كانت تسير على ما يرام بالنسبة لأيوب، على الأقل فيما يتعلق بالحياة على هذه الأرض. وبقدر ما بدا المشهد شبيهاً بالحياة في جنة عدن- حيث نجد أن أيوب كان رجلاً يحظى بحياة حافلة وعائلة كبيرة واسم ذائع الصيت والكثير من الممتلكات- إلا أنه كان لا يزال يعيش حياته على كوكب ساقط وغارق في الخطية. ولذلك، فإنَّ الحياة على هذه الأرض، وكما اختبر أيوب لاحقاً، تأتي مصحوبة بكل المخاطر التي يجلبها وجودنا في هذا العالم الساقط والغارق في الخطية.
الصراع الكوني
تبدأ أحداث سفر أيوب هنا على الأرض، في مكان يتسم بالسلام والطمأنينة. ومع ذلك، فإنه بمجرد وصولنا إلى العدد السادس من الأصحاح الأول نجد أن مكان الأحداث قد تغير. وعلى الفور ينتقل المشهد إلى جانب مختلف تماماً من جوانب الواقع، وهو الجانب الذي لا يمكن رؤيته مِن قِبل البشر إلا عن طريق الإعلان الإلهي. والمثير للاهتمام هو أن هذا الجانب الآخر من الواقع، أي السماء، لا يبدو هادئاً وسلمياً مثلما كانت الأمور هنا على الأرض، على الأقل مقارنة بالمشهد الذي قُدم لنا في الأعداد الخمسة الأولى من سفر أيوب.
أقرأ أيوب ١: ٦- ١٢. على الرغم من أننا سندرس هذه الفقرات بمزيد من التفصيل فيما بعد في هذا الربع، ما الذي يحدث هنا؟ كيف يتناقض ذلك مع ما رأيناه يحدث مع أيوب على الأرض؟
هناك الكثير الذي نكتشفه في هذه الأعداد الكتابية القليلة. فهي تكشف عن جوانب من كوننا لا يمكن لكل تلسكوبات الفضاء التي لدينا أن تكشفها، ولا يمكن للعلم البشري أن يبدأ حتى في فهمها وسبر أغوارها. ومع ذلك، فالرائع في الأمر هو أن هذه الفقرة الكتابية تكشف عن صراع كوني. فنحن لا نجد حواراً هادئاً وسلمياً. وإذا استخدمنا تعبيراً بشرياً لوصف ما ورد في هذه الفقرة، فسنقول أن الله يتحدث عن أيوب بافتخار كما يفتخر الأب بابنه. وفي المقابل، يسخر الشيطان مما يقوله الله عن أيوب. "فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: ‘هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟’ " (أيوب ١: ٩). إنه يمكن للمرء تصور لهجة السخرية والاحتقار في ما يقوله الشيطان لله.
وعلى الرغم من أن النص الكتابي لا يذكر بشكل صريح أن هذه المواجهة كانت في السماء، إلا أنَّ المؤكد هو أنها كانت هناك بالفعل. وهكذا نجد كائناً مخلوقاً، ملاكاً، يقف أمام الله في السماء ويتحداه تحدياً مباشراً، وهو يفعل ذلك في محضر "أبناء الله" الآخرين. إنه لمِن الصعب أن نتصور أن يتحدث أحدٌ بهذا الأسلوب إلى زعيم دنيوي، ولكننا نجد هنا كائناً يفعل ذلك مع الله نفسه. كيف يمكن أن يحدث هذا؟
نجد الجواب في الموضوع الذي يظهر في أماكن مختلفة وبطرق مختلفة عبر صفحات الكتاب المقدس. إنه يسمى الصراع العظيم، وهو يقدم لنا نموذجاً قوياً يساعدنا، لا على أن نفهم سفر أيوب فحسب، بل والكتاب المقدس بأكمله وكذلك ما يقدمه من تفسير لمجمل القصة الحزينة المتعلقة بالخطية والمعاناة على الأرض. والأهم من ذلك، هو أنه يساعدنا على أن نفهم بشكل أفضل ما أحرزه المسيح من أجلنا على الصليب كي يحل معضلتي الخطية والمعاناة على الأرض.
الصراع على الأرض
يزيح سفر أيوب الستار ويكشف عن بُعد من أبعاد الوجود لا يمكن لعيوننا وآذاننا وفلسفاتنا الدنيوية أن تكشفه لنا. (إن ما تكشفه لنا هذه الآيات هو مدى محدودية عيوننا وآذاننا وفلسفاتنا الدنيوية عندما يتعلق الأمر بفهم الصورة الأكبر!) وما تظهره هذه الآيات الكتابية القليلة أيضاً هو صراعاً بين الله الخالق وهذا الكائن المخلوق الآخر، الشيطان. وعلى الرغم من أن الصراع قد صُوِّر لأول مرة في سفر أيوب على أنه قد حدث في السماء، إلا أنه انتقل بسرعة إلى الأرض. وعبر صفحات الكتاب المقدس، نجد نصوصاً تشير إلى هذا الصراع المستمر، وهو الصراع الذي يشملنا نحن جميعاً، كذلك.
اقرأ النصوص الكتابية التالية. كيف تعلن حقيقة الصراع الناشب هنا على الأرض مع قوى الشر الخارقة للطبيعة؟
تكوين ٣: ١- ٤
زكريا ٣: ٢
متى ٤: ١
١بطرس ٥: ٨
يوحنا ٣: ٨
رؤيا ١٢: ٩
إن هذه النصوص هي ليست سوى عينة صغيرة من العديد من النصوص الكتابية التي تشير، إما بشكل صريح أو ضمني، إلى شيطان حرفي، كائن خارق للطبيعة لديه نوايا خبيثة. وعلى الرغم من أن الكثيرين من الناس ينظرون إلى فكرة الشيطان على أنها اسطورة بدائية، إلا أنه يجب علينا عدم الوقوع في هذه الخدعة، في ضوء مثل هذه الشهادات الواضحة التي يقدمها الكتاب المقدس حول الوجود الفعلي للشيطان.
سفر أيوب بوصفه نموذجاً مصغراً للصراع العظيم
تُظهر لنا المشاهد الافتتاحية لسِفر أيوب عدداً من النقاط الهامة. النقطة الأولى، كما ذكرنا، هي أنها تُظهر حقيقة وجود بُعْداً آخر للواقع يتجاوز البُعد الذي نعرفه الآن. إنها تظهر البُعد السماوي حيث توجد كائنات سماوية مخلوقة تخدم في حضور الله الخالق. النقطة الثانية، تُظهر هذه المشاهد مدى ترابط حياتنا الأرضية هنا مع العالَم السماوي. فإن ما يحدث هنا على الأرض ليس منفصلاً عن الكائنات السماوية في هذا العالم. النقطة الثالثة هي أن هذه المشاهد تُظهر أنه كانت هناك حرب في السماء، وهي حرب مرتبطة بما يحدث هنا على الأرض.
وباختصار، فإن هذه الآيات الافتتاحية، والآيات التالية لها في بداية الأصحاح الأول من سفر أيوب، هي نوع من التصوير المصغر للصراع العظيم نفسه. وعلى الرغم من أن الصراع العظيم كونيٌ شاملٌ، إلا أن هذه الآيات تظهر إحدى الطرق التي من خلالها تجلى هذا الصراع في حياة شخص واحد هو أيوب، على الرغم من أنه صراع كوني النطاق كذلك. وكما سنرى، فإن المواضيع التي ينطوي عليها الصراع العظيم تشملنا جميعاً لأنها مواضيع مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنا.
يظهر سفر أيوب الشيطانَ في مواجهة مع الله. ومع ذلك، فإنّ ما لا يظهره السِّفر هو كيف بدأت هذه المواجهة؟ كيف تساعدنا الآيات التالية على فهم بعض الأمور المتعلقة بالصراع العظيم؟ إشعياء ١٤: ١٢- ١٤؛ حزقيال ٢٨: ١٢- ١٦؛ ٢تيموثاوس ٣: ٦.
تحدثت روح النبوة عن "شريعة المحبة" بوصفها "أساس حكم الله." وقد أشارت إلى أن الله "لا يسر بالطاعة التي يُكره عليها الناس"، ولهذا يُقدم اللهُ لجميع مخلوقاته العاقلة "إرادة حرة حتى يقدموا له خدمة طوعية." ومع ذلك، "فقد وُجد مَن أساء استعمال الحرية التي منحها الله لخلائقه، إذ بدأت الخطية بالذي إذ لم يفقه سوى المسيح خالقه حصل على أعظم كرامة من الله، وكان أسمى سكان السماء في القوة والمجد" (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ١٤). ثم اقتبست بعد ذلك من الآيات المأخوذة من إشعياء وحزقيال لتصف سقوط الشيطان.
إن المفهوم الحاسم هنا هو "شريعة المحبة" وحقيقة الإرادة الحرة. يخبرنا الكتاب المقدس أن الشيطان أصبح متعالياً ومستكبراً بسبب جماله وبهائه. ونحن لا نعرف لماذا حدث هذا للشيطان. لكن لا بد وأن للأمر علاقة بما تُطلق عليه الآية في ٢تسالونيكي ٢: ٧ اسم "سِرَّ الإِثْمِ". وهي علاقة تبدو منطقية جداً عندما ندرك مدى الارتباط الوثيق بين شريعة الله وبين أساس حكمه الذي يتسم بالمحبة ويتناقض مع ما أظهره الشيطان من خصال. والنقطة الجديرة بالذكر هنا هي أنه بحلول الوقت الذي تم تقديم الشيطان في سفر أيوب، كان الشيطان قد سقط بالفعل، وكان الصراع الناجم عن هذا السقوط حاصلاً ومتواصلاً.
أجوبة على الصليب
يتعامل سفر أيوب مع العديد من المسائل الهامة. لكننا لا نجد في هذا السفر أجوبة على العديد من هذه المسائل الواردة فيه؟ إننا بحاجة إلى بقية أسفار الكتاب المقدس للحصول على أجوبة. وحتى عندما نفعل ذلك، فَإِنَّنَا سوف لا نزال " نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ " (١كورنثوس ١٣: ١٢).
وكما رأينا بالأمس، على سبيل المثال، فإن سِفر أيوب لا يقول شيئاً عن كيف بدأ تمرد الشيطان. كما لا يقول شيئاً أيضاً عن كيف سيهزم الشيطان في الصراع العظيم في نهاية المطاف. بعد ظهور الشيطان مرتين فقط في سفر أيوب (أيوب ١: ٦- ١٢؛ ٢: ١- ٧)، وعلى الرغم من الدور الرئيسي الذي قام به في كل ما أعقب ظهوره، إلا أنه لم يظهر مجدداً في سفر أيوب.. لقد اختفى الشيطان على الرغم من أن الدمار الذي تسبب فيه كان لا يزال قائماً. ونلاحظ أيضاً أنه لم يرد ذِكر اسم الشيطان في ما تبقى من السِّفْر. بدلاً من ذلك، نجد أنه تقريباً كل الأصحاحات التالية في السِّفْر تتحدث عن الله، وليس الشيطان. ويبدو هذا الأمر منطقياً ومعقولاً، لأن سِفر أيوب في نهاية المطاف هو عن الله، وعن طبيعته وصفاته.
ومع ذلك، فإنّ الكتاب المقدس لا يتركنا دون جواب عن السؤال المتعلق بهزيمة الشيطان في الصراع العظيم. والسبب الجوهري لهزيمة الشيطان هو موت المسيح على الصليب.
كيف تساعد الفقرات الكتابية التالية في توضيح ما قام به المسيح ومن شأنه أن يؤدي إلى نهاية الصراع العظيم؟ يوحنا ١٢: ٣١و ٣٢؛ رؤيا ١٢: ١٠- ١٢؛ رومية ٣: ٢٦؛ عبرانيين ٢: ١٤.
عندما صُلب المسيح، ظهر الشيطان على حقيقته تماماً أمام الكون، بوصفه قاتلاً. ولا بد وأن أولئك الذين كانوا يعرفون المسيح عندما كان يملك في السماء قد تعجبوا من رؤيته وهو يتعرض للإهانة مِن قِبل أتباع الشيطان. هذه هي "الدينونة" التي ستحل بالشيطان، والتي تحدث عنها المسيح في يوحنا ١٢. وفقط عند الصليب، عندما مات المخلِّص من أجل "خَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ" (١يوحنا ٢: ٢)، أمكن السماء أن تعلن أن الخلاص أتى. وفقط عند الصليب، أصبح الوعد الإلهي الذي قُطع أمام العالم (٢تيموثاوس ١: ٩) حقيقة واقعة. ولأن المسيح قد مات نيابة عنا، أمكنه أن يكون "بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ" (رومية ٣: ٢٦). معنى ذلك أن المسيح، على الصليب، قد دحض اتهامات الشيطان بأن الله لا يمكنه احترام شريعته (أن يكون عادلاً)، وفي الوقت نفسه يقوم بخلاص أولئك الذين انتهكوا شريعته (أن يكون مبرراً). إن هلاك الشيطان أصبح مؤكداً بعد موت المسيح على صليب الجلجثة.
لمزيد من الدرس
إن مفهوم الصراع بين الخير والشر موجود في العديد من الثقافات. ولا يزال هذا المفهوم سائداً عبر آلاف السنين، وغالباً ما يتم الحديث عنه في الأساطير والروايات الخرافية. واليوم، وبسبب التأثير الذي للنقد المتزايد والعقلانية الحديثة، ينكر كثيرون من المسيحيين حقيقة الوجود الفعلي للشيطان والملائكة الأشرار. ويجادل أمثال هؤلاء بأن مسميات مثل الشيطان والملائكة الأشرار ما هي سوى رموز ثقافية بدائية للإشارة إلى البشر والشر الطبيعي. ومن وجهة نظرنا كأدفنتست سبتيين، فإنه من الصعب أن نتصور كيف يمكن لأي شخص أن ينظر إلى الكتاب المقدس نظرة عقلانية، ويفهمه فهماً منطقياً، دون الإيمان بحقيقة وجود الشيطان وملائكته.
لكن ليس كل المسيحيين انجرفوا وراء الخداع المضلل الذي ينكر حقيقة هذا الصراع الكوني بين قوى الخير والشر الخارقة للطبيعة. على سبيل المثال، قام باحث إنجيلي يدعى غريغوري بويد بالكتابة بشكل موسع عن المعركة طويلة الأمد (ولكنها ليست أبدية) بين الله والشيطان. وفي مقدمة كتابه الذي يحمل عنوان "الله يخوض حرباً"، وبعد تعليقه على بضع فقرات من الأصحاح العاشر في سفر دانيال، كتب بويد ما يلي: "إن الكتاب المقدس من البداية إلى النهاية يفترض وجود كائنات روحية ‘بين’ البشر والله، وهي الكائنات التي يؤثر سلوكها تأثيراً كبيراً على الوجود الإنساني، إما للأفضل أو للأسوأ. في الواقع، أنا أُناقش في هذا الكتاب حقيقة أن الكتاب المقدس يؤكد على صحة هذا المفهوم المتعلق بوجود مثل هذه الكائنات الروحية" [غريغوري أ. بويد، الله يخوض حرباً (داونرز غروف، إلينوي: إنترفارستي للنشر، ١٩٩٩٧)، صفحة ١١]. إنَّ بويد على صواب.
الدرس الثاني
١-٧ تشرين الأول (أكتوبر)
الدرس الثالث
٨-١٤ تشرين الأول (أكتوبر)
"هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟"
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ١؛ أيوب ٢؛ ١كورنثوس ٤: ٩؛ تكوين ٣: ١- ٨؛ فيلبي ٤: ١١-١٣متى ٤: ١- ١١؛ فيلبي ٢: ٥- ٨.
آية الحفظ: " فَقَالَ لَهَا: ‘تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟’. فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ" (أيوب ٢: ١٠).
يقدم لنا سفر أيوب بُعداً جديداً تماماً للواقع. وهو يعطينا لمحة عن الصراع العظيم بين المسيح والشيطان. وبهذه الطريقة يوفر لنا سفر أيوب قالباً أو إطاراً أو مخططاً يساعدنا على أن نفهم العالم الذي نعيش فيه بشكل أفضل، وهو عالم كثيراً ما يحيّرنا ويربكنا، بل ويخيفنا بسبب ما يضعه في طريقنا. ولكن سفر أيوب يُظهر أيضاً أن هذا الصراع العظيم هو معركة كل واحد منا وليست معركة شخص آخر، بحيث لا يتعين علينا القيام بشيء حياله. وليت هذا كان هو الحال، لكنه ليس كذلك للأسف: "مِنْ أَجْلِ هذَا، افْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ! عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً" (رؤيا ١٢: ١٢). لقد نزل الشيطان إلى الأرض وإلى البحر، ونحن نعرف أن غضبه عظيم حقاً. فمن مِنَّا كبشر لم يشعر بهذا الغضب؟
سوف نواصل في هذا الأسبوع إلقاء نظرة على الأصحاحين الأولين من سفر أيوب، بينما نسعى إلى الحصول على المزيد من الفهم حول كيف يمكننا العيش مخْلِصين لله بينما يواصل الصراع العظيم استعاره.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٥تشرين الأول (أكتوبر).
أيوب، عبد الله
اقرأ أيوب ١. ركز بصورة خاصة على اتهامات الشيطان ضد أيوب. ماذا الذي يقوله الشيطان هنا؟ ما الذي يعنيه ضمناً هجوم الشيطان على أيوب؟ مَن الذي كان الشيطان يهاجمه حقاً، في نهاية الأمر؟
" ‘أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ’ " (أيوب ١: ١٠). لا يُستهل سفر أيوب بالإشارة إلى برّ أيوب فحسب، بل ويشير كذلك إلى حياته الأُسرية المثمرة وإلى ما كان يتمتع به من بركات مادية. وكانت هذه الأشياء المحددة هي التي ساهمت في جعل أيوب يُوصَف بأنه "أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ" (أيوب ١: ٣). وهذه الأشياء أيضاً رمى بها الشيطان أمام الله بزعم أنها الدافع وراء إطاعة أيوب لله.
وكان اتهام الشيطان يعني ضمناً أنه إذا أخذ الله كل هذه النِّعم والبركات من أيوب، فإن أيوب سوف يُجَدِّفُ على الله في وجهه (أنظر أيوب ١: ١١). وهكذا نجد أن الهجوم في الواقع هو هجوم على الله نفسه. (وهذا هو ما يدور الصراع العظيم حوله على أي حال.) فإنّه إذا كان الله رائعاً جداً وطيباً جداً فإن أيوب سوف يطيعه ويخافه ويعبده بدافع المحبة والتقدير وحدهما. فعلى كل حال، مَن لا يحب الله إذا كان الله قد قام بعمل الكثير من أجله ولصالحه؟ وبمعنى آخر، كان الشيطان يقول أن الله قد استخدم الرشوة من أجل أن يجعل أيوب مُخلِصاً له. وهكذا زعم الشيطان أن الدوافع وراء تقوى أيوب لم تكن محبته لله وإنما كانت دوافع أيوب الأنانية هي سبب إطاعته لله.
فكر في بعض الحكام السياسيين الأكثر كُرهاً واحتقاراً مِن قِبل الناس، وستجد أن لديهم أعوانهم المخلِصين لهم والمقربين منهم والموالين لهم حتى الموت. والسبب في ذلك هو أن هذا الحاكم أو ذاك كان يُعامل أمثال هؤلاء معاملة جيدة. وإذا كان الله حنوناً ومُحِباً ومُهتماً حقاً، بالصورة المُقدمة لنا عنه في الكتاب المقدس، فسيبقى أيوب أميناً ومطيعاً لله، حتى لو خسر أيوب كل تلك الأشياء الجيدة التي تحدثنا عنها. ومع ذلك، فإنه عندما زعم الشيطان أن أيوب لن يبقى أميناً لله، فهو إنما كان يلمّح إلى أنه حتى أيوب لا يثق بالله تماماً، وبأن السبب وراء أمانة أيوب لله هو البركات التي أغدقها الله عليه. معنى هذا أن ولاء أيوب لله (وفقاً لمزاعم الشيطان) كان يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت هناك صفقة تجارية رابحة وراء إتّباعه لله.
جِلْدٌ بِجِلْدٍ: تتواصل المعركة
إننا نجد أن الآيات في أيوب ٢: ١- ٣ هي تقريباً تكرار للآيات التي في أيوب ١: ٦- ٨. أما التغيير الكبير فنجده في الجزء الأخير من أيوب ٢: ٣، حيث يتحدث الله نفسه عن كيف ظلّ أيوب أميناً له على الرغم من النكبات والمصائب التي حلت به. وهكذا فإنه بمجرد قراءتنا لأيوب ٢: ٣، يبدو وكأنه قد ثبت أن اتهامات الشيطان كاذبة. فقد ظلّ أيوب أميناً لله ولم يلعن الله، كما قال الشيطان أن أيوب سيفعل.
اقرأ أيوب ٢. ماذا يحدث في هذه النصوص الكتابية؟ ما هي أيضاً أهمية الحقيقة التي مفادها أن "بَنُو اللهِ" هؤلاء، في أيوب ١و ٢، قد شاهدوا الحوار بين الله والشيطان؟
إن عبارة "جِلْدٌ بِجِلْدٍ" هي تعبير اصطلاحي لطالما حيّر المفسرين. مع ذلك، فالفكرة هي كالآتي: اسمح بحدوث شيء لأيوب نفسه، وستجد أن هذا من شأنه أن يعمل على إظهار ولاء أيوب الحقيقي. قُم بتدمير جسد أيوب، صحته، وسترى ماذا سيحدث.
والمثير للاهتمام هو أن ما يحدث هنا لا يحدث في فراغ، كذلك. فإن الحالتين المتعلقتين بالصراع العظيم في السماء، كما هما معلنتان في سفر أيوب، تحدثان في سياق نوع من الاجتماع بين هذه الكائنات السماوية وبين الله. لقد نطق الشيطان باتهاماته "علانية"؛ معنى هذا أنه قام بالتصريح بها أمام كائنات أخرى. ولهذا فإنّ هذه الفكرة تتوافق تماماً مع ما نعرفه عن الصراع العظيم، فهو شيء مُعْلَن أمام الكون كله (انظر ١كورنثوس ٤: ٩؛ دانيال ٧: ١٠؛ رؤيا ١٢: ٧- ٩).
"غير أن تدبير الفداء كان له غرض أوسع وأعمق من خلاص الإنسان. لم يكن هذا هو القصد الوحيد الذي لأجله أتى المسيح إلى الأرض، لم يكن القصد الوحيد هو مجرد أن ينظر سكان كوكب الأرض الصغير هذا إلى شريعة الله بعين الاعتبار كما ينبغي، ولكن القصد كان تبرير وتزكية صفات الله في أعين سكان الكون كلهم. ولأجل هذه الغاية من ذبيحته العظيمة- أي تأثيرها في عقول الكائنات العاقلة في كل العوالم كما في الإنسان، كان المخلّص ينظر إلى الأمام حين قال قبل صلبه: ‘اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ’ (يوحنا ١٢: ٣١،٣٢). إن عمل المسيح في كونه مات لأجل خلاص الإنسان ليس فقط يسهّل طريق وصول الناس إلى السماء، بل يبرر الله أمام سكان الكون جميعا، يُبرر الله وابنه في كيفية معاملتهما لعصيان الشيطان، ثم أن موت المسيح يثبت دوام شريعة الله ويكشف عن طبيعة الخطية وعواقبها" (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٤٩و ٥٠).
مبارك اسم الرب
كيف كان رد فعل أيوب بعد الهجوم الأول للشيطان عليه، بعد أن جاءته الأنباء بشأن كل المصائب والبلايا التي حلت به؟ (انظر أيوب ١: ٢٠- ٢٢). ما هي أهمية الحقيقة التي مفادها أن أيوب، حتى في خضم هذه المأساة، "لَمْ يُخْطِئْ ... وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً"؟
إن حرية الإرادة هي أمر جوهري بالنسبة لحكومة الله القائمة على المحبة. الله يريدنا أن نعبده ونتقيه بدافع محبتنا له وليس بدافع خوفنا منه وإجباره لنا على القيام بذلك. "لقد ألمح الشيطان إلى أن أيوب قد أتقى الله لدوافع أنانية.... لقد حاول الشيطان أن ينكر أن الدين الحقيقي ينبع عن محبة وتقدير واعٍ لطبيعة الله، وأن المتعبدين الحقيقيين يحبون الدين لذاته، وليس من أجل الحصول على الثواب والمكافأة؛ وأنهم يتقون الله لأن التقوى صحيحة في حد ذاتها، وليس لأن السماء مليئة بالمجد؛ وبأنهم يحبون الله لأنه مستحق لمحبتهم وثقتهم، وليس لمجرد أنه يباركهم" (موسوعة الأدفنتست لتفسير الكتاب المقدس، مجلد ٣، صفحة ٥٠٠).
لقد برهن أيوب، في سفر أيوب، على أن اتهامات الشيطان مغلوطة وزائفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الله كان يعلم ما سوف يحدث، كان لا يزال بمقدور أيوب التصرّف بشكل مختلف. كان بمقدوره أن يخطئ، وكان بمقدوره أن "يتهم الله بحماقة." إن أيوبَ لم يُجْبَر مِن قِبل الله على التصرّف بالطريقة التي تصرّف بها. إن أمانته الراسخة، في ظل الظروف التي أحاطت به، كانت بمثابة شهادة مذهلة أمام الناس والملائكة.
قارن ما حدث في أيوب ١ مع ما حدث مع آدم وحواء في تكوين ٣: ١- ٨. كيف يعمل التناقض على جعل خطيئتهما تبدو رهيبة للغاية؟
إن آدم وحواء، الكائنان اللذان كانا بلا خطية، وكانا يعيشان وسط جنة حقيقية، تعديا وسقطا في الخطية بسبب هجوم الشيطان؛ هذا في حين أن أيوب، في خضم الألم المبرح والمأساة والخراب، ظل أميناً للرب على الرغم من هجمات الشيطان. وفي كلتا الحالتين، نحن لدينا مثالاً قوياً للمسائل الكبرى المُعرضة للخطر فيما يتعلق بالإرادة الحرة.
زوجة أيوب
ربما هذا هو الوقت المناسب للتعامل مع ضحية أخرى في قصة أيوب: زوجته. وهي تظهر فقط في أيوب ٢: ٩و ١٠. وبعد ذلك تختفي من القصة ومن التاريخ، ولا نعرف عنها أي شيء آخر. ومع ذلك، وبالنظر إلى كل ما حدث، مَن الذي يمكنه أن يتصور مدى الحزن الذي عانت منه هذه المرأة التعيسة؟ إن مأساتها المتعلقة بفقدان أبنائها وباقي الضحايا في الأصحاح الأول من سفر أيوب تبيّن شمولية المعاناة والألم. فنحن جميعاً منغمسون في الصراع العظيم؛ ولا يمكن لأحد الفرار.
قارن أيوب ٢: ٣ مع أيوب ٢: ٩. ما هي العبارة المماثلة التي اُستخدمت من قِبل كلا من الله وزوجة أيوب، وما هي أهمية الكيفية التي بها استخدم كل واحد منهما هذه العبارة؟
إنه ليس من قبيل المصادفة أن تَظهر نفس العبارة، المتعلقة بتمسك أيوب " بِكَمَالِهِ "، في كلا الآيتين. والكلمة المترجمة "كمال" أو "استقامة" تأتي من نفس الكلمة المستخدمة في أيوب ١: ١ وأيوب ١: ٨، وهي غالباً ما تترجم "بلا لوم" أو "بلا عيب". ونجد أن أصل الكلمة نفسها يعطي فكرة "الكمال" و "التمام".
من المؤسف أن زوجة أيوب كانت هي الشخص الذي حاول أن يجعل أيوب يتخلى عن الشيء الذي أشاد به الله في أيوب. ففي خضم حزنها وحسرتها، كانت تدفع بأيوب إلى القيام بالشيء الذي قال الله أن أيوب لن يفعله. وعلى الرغم من أننا بالتأكيد لا يمكننا الحكم على زوجة أيوب أو إدانتها، إلَّا أَنَّنا نتعلم درساً مما فعلته حول مدى ما يجب أن نكون عليه من حذر كي لا نكون حجر عثرة للآخرين. (انظر لوقا ١٧: ٢).
اقرأ أيوب ٢: ١٠. ما هي الشهادة القوية التي يعطيها أيوب هنا، أيضاً؟ أنظر فيلبي ٤: ١١- ١٣.
لقد أعلن أيوب عن صدق إيمانه. فقد كان عازماً على خدمة الله في كل الأحوال والظروف، الجيدة والسيئة على حد سواء. ومع ذلك، فالمدهش في الأمر هو أن الشيطان يختفي من القصة ولا يعاود الظهور مرة أخرى. وعلى الرغم من أن النص لا يذكر ذلك، إلا أنه يمكننا أن نتصور مدى ما أصاب الشيطان من إحباط وغضب جرّاء ردة فعل أيوب. فعلى كل حال، انظر كم كان سهلاً بالنسبة له إسقاط آدم وحواء وغيرهما الكثير في الخطية. إن "الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا" (رؤيا ١٢: ١٠) كان سيجد شخصاً آخر غير أيوب ليتهمه.
الطاعة حتى الموت
نقرأ في أيوب ١: ٢٢: "فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً." ونقرأ في أيوب ٢: ١٠: "فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ." وفي كلتا الحالتين، ورغم الهجمات، ظل أيوب أميناً للرب. ويؤكد كلا النصين على حقيقة أن أيوب لم يخطئ، سواء بالفعل أو بالقول.
وبطبيعة الحال، فإنّ النصوص الكتابية لا تقول أن أيوب لم يكن خاطئاً. إنها لا تقول ذلك أبداً، لأن الكتاب المقدس يعلّم أننا جميعاً خطأة. "إِنْ قُلْنَا: إِنَّنَا لَمْ نُخْطِئْ نَجْعَلْهُ كَاذِبًا، وَكَلِمَتُهُ لَيْسَتْ فِينَا" (١يوحنا ١: ١٠). فإن كون أيوب "كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ" (أيوب ١: ١) لا يجعله إنساناً بلا خطية. فإنَّ أيوب، كأي شخص آخر، قد وُلِدَ في الخطية، وكان بحاجة إلى مُخلّص.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ما أصاب أيوب من بلايا ومحن، ظل أمينا للرب. وبهذا المعنى، وبطريقته الخاصة، يمكن النظر إلى أيوب باعتباره رمز أو مثال باهت للمسيح (انظر أيضاً الدرس رقم ١٤) الذي، في خضم التجارب، لم يستسلم ولم يسقط في الخطية، فدحض المسيح بذلك التهم التي وجهها الشيطان ضد الله. وبالطبع، فإنّ ما قام به المسيح هو أكبر وأعظم وأكثر مما قام به أيوب. ومع ذلك، فإنّ التشابه المبدئي بينهما لا يزال قائماً.
اقرأ متى ٤: ١- ١١. كيف يعكس اختبار أيوب ما حدث هنا؟
إِنَّ المسيحَ في بشريتهِ، عندما كان في "شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ" (رومية ٨: ٣)، لم يفعل ما أراد الشيطان من المسيح أن يفعله، وذلك عندما كان المسيح في البرية المقفرة، وكان جَسَده قد أُضْعِفَ بسبب الافتقار إلى الغذاء. وكذلك أيوب، فإنّه لم يفعل ما كان الشيطانُ يريد من أيوب أن يفعله. وكما اختفى الشيطان من المشهد بعد بقاء أيوب أميناً لله، فإنه بعد أن قاوم المسيح محاولة الشيطان الأخيرة ضده، يقول الكتاب المقدس "ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ" (متى ٤: ١١؛ انظر أيضاً يعقوب ٤: ٧).
ومع ذلك، فإن ما واجهه المسيح في البرّية لم يكن سوى البداية. فإن اختباره الحقيقي كان سيأتي على الصليب. وعلى الصليب أيضاً، وعلى الرغم من كل ما لاقاه المسيح (فقد كان ما واجهه المسيح أسوأ مما واجهه أيوب) بقي المسيح أميناً حتى الموت.
لمزيد من الدرس
إن دارسي سفر أيوب الذين يغوصون في اللغة العبرية يمرون بظاهرة مثيرة للاهتمام. فإنّ كلمات زوجة أيوب التي وجهتها إليه في محنته كثيراً ما تترجم كالآتي: " ‘العن الله ومت’ " (أيوب ٢: ٩). وتترجم الآية في أيوب ١: ٥: " ‘رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ’ ". وتترجم الآية في أيوب ١: ١١، كالآتي: " ‘وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ’ " ومع ذلك، فإننا نجد في كل حالة من هذه الحالات أن الكلمة المترجمة "العن"، أو ما يرادفها من كلمات، تأتي من الكلمة التي تعني "بارك". وهي الكلمة المأخوذة من الكلمة الأصلية "براك" أو "باراك" التي تُستخدم في كل الكتاب المقدس للإشارة إلى "المباركة". وهي نفس الكلمة الأصلية المستخدمة في سفر التكوين ١: ٢٢، وذلك عندما "بارك" الله المخلوقات التي عملها. وتستخدم نفس هذه الكلمة الأصلية في مزمور ٦٦: ٨، " بَارِكُوا إِلهَنَا يَا أَيُّهَا الشُّعُوبُ."
لماذا إذاً، في هذه النصوص الكتابية القليلة في سفر أيوب، يتم ترجمة الفعل الذي يعني "يبارك" بطريقة تجعله يعني "يلعن" ؟ أولاً، لو أن فكرة "المباركة" هي المقصودة في هذه النصوص الكتابية في سفر أيوب، لكانت هذه النصوص لا معنى لها. فما الذي يجعل أيوب، في سفر أيوب ١: ٥، يريد أن يُصْعِدَ محرقات لله لو كان أبناؤه "يباركون" الله في قلوبهم؟ إنَّ السياق الوارد فيه هذه الكلمة هنا يتطلب معنى مختلفاً. والشيء نفسه ينطبق على أيوب ١: ١١ و ٢: ٥. فما الذي يجعل الشيطان يعتقد أنه إذا حلت المصائب بأيوب، فإنَّ أيوب سيبارك الله؟ إن سياق الأحداث هنا أيضاً يتطلب أن يكون المعنى هو "يلعن" بدلاً من "يبارك". ولماذا يوبّخ أيوب زوجته لو أنها قد طلبت منه أن يبارك الله (أيوب ٢: ٩و ١٠)؟ فإنه بالنظر إلى السياق، سنجد أن النَّص يكون منطقياً فقط إذا كانت فكرة "اللعنة" هي المقصودة.
لماذا إذاً لم يستخدم كاتب سفر أيوب إحدى الكلمات الشائعة التي تعني "اللعنة"؟ يعتقد علماء الكتاب المقدس أن كلمة "المباركة" المستخدمة هي عبارة عن "كناية" أو "تعبير مخفّف وملطّف"، وذلك لأن فكرة كتابة عبارة يقوم فيها المرء بسب ولعن الله غير مستحبة لكاتب السفر بسبب الحساسيات الدينية (يمكننا أن نرى الشيء ذاته في ١ملوك ٢١: ١٠و ١٤، حيث أن الكلمة المترجمة "تجديف" مأخوذة من كلمة "بارك"). ولهذا استخدم موسى كلمة "بارك" بدلاً من الكلمة الفعلية التي تعني "العن" على الرغم من أن أنه من الواضح أن فكرة اللعن هي المقصودة.
الدرس الرابع
١٥-٢١ تشرين الأول (أكتوبر)
الله والمعاناة البشرية
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: رومية ١: ١٨- ٢٠؛ أيوب ١٢: ٧- ١٠؛ رؤيا ٤: ١١؛ كولوسي ١: ١٦و ١٧؛ متى ٦: ٣٤؛ أيوب ١٠: ٨- ١٢؛ رومية ٣: ١- ٤.
آية الحفظ: " ‘فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ’ " (متى ٦: ٣٤).
إن سفر أيوب، وعلى عكس كل سفر آخر من أسفار الكتاب المقدس، جاء منفصلاً تماماً عن سياق أرض وشعب بني إسرائيل قديماً. فبِدأً من سفر التكوين، حيث الوعد الذي قطعه الرب مع أبرام قائلاً "فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً" (تكوين ١٢: ٢)، وصولاً إلى سفر الرؤيا الذي يصف "المدينة المقدسة" أورشليم (رؤيا ٢٢: ١٩)، نجد أن ما يميّز كل سفر من أسفار الكتاب المقدس، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، هو علاقة العهد التي لبني إسرائيل مع الله.
لكننا لا نجد شيئاً من هذا القبيل في سفر أيوب، ولا حتى الحدث المؤثر في تاريخ بني إسرائيل قديماً، ألا وهو حدث الخروج من مصر. والسبب المباشر لذلك هو أن موسى قد كتب سفر أيوب، إضافة إلى سفر التكوين، حين كان في مديان، حيث لم يكن الخروج من مصر قد حدث بعد، وهو ما يُفَسّر عدم ذكر ذلك الأمر في سفر أيوب.
ولكن قد يكون هناك سبب آخر، بل وهو سبب أكثر أهمية. فإنّ أحد المواضيع الرئيسية لسفر أيوب، موضوع معاناة الإنسان، هو موضوع عالمي شامل. بمعنى أن المعاناة لا تقتصر على شعب بعينه أو زمان بعينه. فسواء كنا يهوداً أو أممين، فإننا جميعاً نعرف شيئاً عن ويلات أيوب، وكذلك الألم الناجم عن وجودنا في عالم ساقط. ورغم أن آلام أيوب كانت فريدة من نوعها، إلا أن أيوب يمثّلنا جميعاً فيما يتعلق بآلامنا ومعاناتنا.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٢تشرين الأول (أكتوبر).
الله في الطبيعة
اقرأ رومية ١: ١٨- ٢٠. ما الذي يقوله بولس هنا؟
يا لها من عبارات موجزة قوية. فإنه يتم إعلان الكثير عن حقيقة ووجود الله من خلال "الْمَصْنُوعَاتِ"، أي من خلال العالم المخلوق، لدرجة أن الناس سيكونون "بلا عذر" لعدم إيمانهم. يقول بولس أنه من خلال الطبيعة وحدها يمكن للبشر أن يَعْلَموا ما فيه الكفاية عن وجود وطبيعة الله بحيث ستكون إدانتهم عادلة في يوم القيامة إذا هم أنكروا وجوده.
لا شك في أن العالم الطبيعي يكشف لنا الكثير عن وجود الله. كما أن العلوم الحديثة أيضاً قد كشفت لنا تفاصيل حول عجائب الخلق لا يمكن لأجدادنا الذين كانوا يعيشون منذ أقل من ٣٠٠ سنة مضت أن يتخيلوها. وهنا نجد مفارقة مثيرة للاهتمام. كذلك: فإنّه كلما اكتشفت العلوم مدى ما للحياة من تعقيد كلما قلت المزاعم في أننا جئنا للوجود من قبيل الصدفة. فإنّنا إذ ننظر إلى الجهاز الخليوي الـ "iPhone" أو غيره، على سبيل المثال، سنجد أن هناك مَن صممه ليكون بالشكل الذي نراه عليه، ليعمل بالطريقة التي يعمل بها. ونحن لا يراودنا الشك في أن هذا الجهاز قد تم تصميمه مِن قِبل مُخْترعيه ليعمل بالطريقة التي صُنع من أجلها، ولا يمكن له بأي شكل من الأشكال أن يكون نتاجاً للصدفة. لكن المُحزن هو أن كثيراً من الناس ينخدعون ويصدّقون المزاعم التي تدعي أننا قد جئنا إلى الوجود من قبيل الصدفة.
اقرأ أيوب ١٢: ٧- ١٠. كيف تعكس الكلمات الواردة في هذه الآية الفكرة المقدمة في رومية ١: ١٨- ٢٠؟
يخبرنا الكتاب المقدس هنا أيضاً أن حقيقة وجود الله منظورة في العالم المخلوق. فعلى الرغم من أن الطبيعة لا تعلن صفات الله بشكل كامل نتيجة حالتها الساقطة، إلا أنها بالتأكيد تكشف عن قدرته الإبداعية كخالق وتكشف كذلك عن جوانب من جوده وصلاحه.
لم يأتٍ شيء إلى الوجود من تلقاء ذاته
هناك العديد من الحجج الجيدة والقوية المؤيدة لوجود الله. فبالإضافة إلى شهادة العالم المخلوق، هناك أيضاً ما يسمى الحُجَّة "الكونية". وهي الفكرة التي ترى أنه ليس هناك شيء قد جاء إلى الوجود من تلقاء ذاته وأن لا شيء يمكنه أن يَخْلق نفسه بنفسه. وترى هذه الفكرة، بدلاً من ذلك، أن الشيء المخلوق قد خُلِقَ بواسطة شيء آخر قبله. وتستمر هذه العملية إلى أن نتوقف عند شيء غير مخلوق، شيء كان موجوداً دائماً، ولم يكن أبداً غير موجود. ومَن يمكن أن يكون هذا سوى الله الذي يتم وصفه في الكتاب المقدس؟
ماذا تعلمنا الفقرات الكتابية التالية عن أصل كل الأشياء؟
رؤيا ٤: ١١
كولوسي ١: ١٦و ١٧
يوحنا ١: ١- ٣
تعلِّمنا هذه النصوص ما هو في الواقع من أكثر التفسيرات المنطقية المتعلقة بالخلق- فهي تعلّمنا عن الله سرمدي الوجود. وقد قام بعض المفكرين المعارضين تماماً لفكرة وجود الله بطرح اقتراح بديل. فبدلاً من أن يكون الله السرمدي وكلي القدرة هو الذي خلق الكون، يخبرنا أمثال هؤلاء المفكرين أن "لا أحد" خلق الكون. بل ونجد عالماً مشهوراً مثل ستيفن هوكينغ، الذي يشغل الآن المنصب الذي كان يشغله اسحق نيوتن، يجادل أن "لا أحد" خلق الكون.
"طالما أنه يوجد قانون كالجاذبية، فالكون يستطيع وسيقوم بخلق نفسه من لا شيء" [ستيفن هوكينغ، التصميم العظيم (نيويورك: راندم هاوس، ٢٠١٠)، صفحة ١٨٠].
على الرغم من أن هوكينغ كان لديه الكثير من الحسابات الرياضية المتعمقة والمعقدة لوصف فكرته، إلا أنه على المرء أن يتساءل: ها نحن نعيش بعد أكثر من ٤٠٠ سنة منذ بداية الثورة الصناعية؛ ومع ذلك، يجادل واحدٌ من أفضل علماء العالم بأن الكون وكل ما فيه قد جاء من لا شيء!! إن الخطأ هو خطأ، حتى وإن نطق به عالِم عظيم.
أقدم أسفار الكتاب المقدس
على الرغم من تهويل أولئك الذين لا يؤمنون بالله، فإنه لدى أولئك الذي يؤمنون بالله العديد من الأسباب الوجيهة لإيمانهم. ومع ذلك، كانت هناك معضلة مزمنة استخدمها الكثيرون على مر العصور لتبرير كفرهم وعدم إيمانهم، وهي المعضلة المتعلقة بالمعاناة الإنسانية والشر. فكيف يمكن لله أن يكون كلّي الخير وكلي المحبة وكلي القدرة، ومع ذلك يكون الشر موجوداً؟ لطالما كانت هذه النقطة حجر عثرة للكثيرين. غير أن المؤكد هو أنَّه حتى الشخص المؤمن بالله، الشخص الذي اختبر حقيقة ومحبة الله، يجد في بعض الأحيان صعوبة في فهم سبب المعاناة الإنسانية.
والمثير للاهتمام أيضاً هو أن إلن هوايت قد علّمت بما تعلّمه التقاليد اليهودية بأن موسى كتب سفر أيوب في مديان. "إن السنوات الطويلة في وسط عزلة الصحراء لم تضيع هباءً. فإنّ موسى لم يكتسب إعداداً يؤهله للعمل العظيم الماثل أمامه فحسب، ولكنه وبإلهام من الروح القدس كتب سفر التكوين وأيضاً سفر أيوب، وهما السّفران اللذان كانا سيقرأن باهتمام شديد مِن قِبل شعب الله إلى زمن المنتهى" (روح النبوة، موسوعة الأدفنتست السبتيين لتفسير الكتاب المقدس، مجلد ٣، صفحة ١١٤٠).
وما يقوله لنا ذلك هو أن أحد أول سِفرين تم تدوينهما في الكتاب المقدس، سِفر أيوب، يتعامل مع المسألة المسكونية المتعلقة بالألم والمعاناة البشريين. معنى هذا هو أن الله كان يعرف أن مسألة الألم والمعاناة ستكون مسألة عويصة بالنسبة للبشر. ولهذا فإنه منذ البداية أوحى الله لموسى في مديان بكتابة قصة أيوب في الكتاب المقدس. لقد أراد الله لنا أن نعرف، في وقت مبكر، أننا لا نُترك لمواجهة آلامنا ومعاناتنا بمفردنا، وبأنه سيكون إلى جوارنا، حيث أنه على علم بكل ما نختبره، وبأنه يمكن أن يكون لنا الرجاء في أنه سيعمل على تقويم الأمور في نهاية المطاف.
ماذا تعلمنا الفقرات الكتابية التالية عن حقيقة الشر؟ متى ٦: ٣٤؛ يوحنا ١٦: ٣٣؛ دانيال ١٢: ١؛ متى ٢٤: ٧.
يعلّمنا الكتاب المقدس حقيقة وجود الله كلي المعرفة والقدرة والمحبة. ولكنه يعلّمنا أيضاً أن الشر والمعاناة البشرية والحزن هي أيضاً أمور حقيقية. لكن الشر ليس عذراً لعدم إيماننا بالله. في الواقع، إن قراءة سريعة لسفر أيوب توضح أن أيوب لم يشك أبداً في أن الله حقيقة واقعة، على الرغم من كل ما كان يعانيه من حزن وأوجاع. بدلاً من ذلك، كان السؤال الجائز قانونياً والذي طرحه أيوب هو: لماذا تحدث له هذه الأمور؟
المعضلة المحيّرة
اقرأ الفقرات الكتابية التالية في سفر أيوب. ما هي المسألة التي يصارع معها أيوب؟ ما هو السؤال الذي لم يسأله أيوب؟ أيوب ٦: ٤- ٨؛ أيوب ٩: ١- ١٢.
كما جاء في درس الأمس، فإن مسألة وجود الله لم ترد أبداً في سفر أيوب. بدلاً من ذلك، كان السؤال هو لماذا يمر أيوب بهذه التجارب؟ وبالنظر إلى كل ما حدث له، فإنّ ذلك يعد سؤالاً معقولاً وفي محله، خصوصاً لأن أيوب كان مؤمناً بالله.
فلو أن المحن والمصاعب قد حلت بشخص ملحد، على سبيل المثال، فسيكون الجواب عن سبب حدوث ذلك مباشراً وبسيطاً نسبياً. فالشخص الملحد يرى أننا نعيش في عالم بلا معنى وبلا هدف، عالم لا يكترث لأمرنا. وهكذا يرى مثل هؤلاء الأشخاص أننا في وسط هذه القوى الطبيعية القاسية وغير المكترثة، قد نكون في بعض الأحيان ضحايا للتجارب والمحن التي لا تخدم أي هدف. فيكف يمكنهم أن يروا في ذلك هدفاً؟ فإذا كانت الحياة نفسها بالنسبة لهم لا معنى لها، فإنه لا بد وأن المعاناة والمحن التي تصاحب هذه الحياة هي أيضاً لا معنى لها.
وفي حين أن الكثيرين قد يجدون هذه الإجابة غير مقنعة ومستحيلة، إلا أنها تبدو منطقية وذات معنى بالنسبة لمَن يفترضون أنه ليس هناك إله. ومن ناحية أخرى، فإنه بالنسبة لشخص مثل أيوب، تعد المعضلة مختلفة.
اقرأ أيوب ١٠: ٨- ١٢. كيف تساعدنا هذه الفقرات على فهم المسائل الرهيبة التي كان يصارع معها أيوب؟
نعم، إن السؤال الذي كان يصارع معه أيوب هو نفس السؤال الذي لا يزال معظم المؤمنين بالله يتصارعون معه: إذا كان الله موجوداً، هذا الإله المحسن المُحب، فلماذا يعاني البشر من الأمور التي يعانون منها؟ فلماذا يعاني أشخاص "صالحون" مثل أيوب من المصائب والمحن؟ ولماذا تبدو معاناتهم لا معنى لها؟ ومرة أخرى نقول، إذا كان الكون بدون إله، فإنّ الإجابة ستكون واضحة وبسيطة: إننا نعاني لأننا نعيش في كون مادي، البشر فيه هم مجرد نتاج صدفة عرضية قوامها الذرات والجزيئات.
لكن أيوب كان يعرف ما هو أفضل مِن ذلك. ونحن أيضاً نعرف ما هو أفضل، ولهذا نصارع مع مسألة المعاناة والآلام البشرية.
"الثيوديسيا"
اقرأ رومية ٣: ١- ٤. على الرغم من أن السياق المباشر لهذه الفترة هو عدم أمانة بعض الأشخاص من شعب الله للعهد، ما هي القضية الأكبر التي يتحدث عنها بولس هنا؟ ما الذي يقوله بولس عن الله؟
يتحدث بولس، مقتبساً مزمور ٥١: ٤، عن كيف أن الرب مبرّر في أقواله وأحكامه (انظر رومية ٣: ٤). إنّ الفكرة المقدمة هنا هي موضوع يرد ذِكره في أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس، وهو الموضوع الذي يُعرف باسم "الثيوديسيا" التي هي "فرع محدد من الثيولوجيا والفلسفة يهتم بحل مشكلة الشر. وهي تحاول حل مشكلة وجود الإله وفي نفس الوقت وجود الشر. وللحديث عن أي حل يجب أن نفترض مسبقاً وجود الإله والشر في الوجود. حيث أن حذف أي أحد من طرفي هذه المعادلة يؤدي إلى انقضاء المشكلة وعدم صلاحية طرحها كسؤال" (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة). والثيوديسيا هي مسألة فَهْم صلاح الله في مواجهة الشر. إنها السؤال القديم قدم الدهر الذي كنا ندرسه طوال الأسبوع. في الواقع، إن مجمل الصراع العظيم في حد ذاته هو حقاً "ثيوديسيا". فإنّ صلاح الله سوف يُعلن أمام البشر والملائكة والكون بأسره، على الرغم من الشر المنتشر في العالم.
"والآن قد اتضح كل شك أو تساؤل في ما يختص بالحق والضلال في الصراع الهائل الطويل الامد. ونتائج العصيان وثمار طرح شريعة الله جانبا اتضحت أمام انظار كل الخلائق العاقلة. وعُرضت نتائج حكم الشيطان، على نقيض حكم الله، أمام المسكونة كلها. فأعمال الشيطان قد دانته. بينما حكمة الله وعدله وصلاحه قد تزكت تماما. وقد رؤيَّ أن كل معاملاته في الصراع الهائل قد دُبرت بحيث تؤول الى خير شعبه الابدي وخير كل العوالم التي خلقها" (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ٧٢٤).
وعلى الرغم من أنه من الصعب بالنسبة لنا الآن فهم الأمر، كوننا مغمورين في عالم الخطية والمعاناة (وإذا كان الأمر يشكّل صعوبة بالنسبة لنا، فَلَكَ أن تتخيل ما لا بد وأنه قد دار بذهن أيوب آنذاك)، إلا أننا سنتمكن في نهاية المطاف من رؤية صلاح وعدالة ومحبة وإنصاف الله في كل تعاملاته مع البشر ومع الشيطان ومع الخطية. هذا لا يعني أن كل شيء يحدث في العالم هو أمر جيد؛ من الواضح أنه ليس كذلك. إن ما يعنيه هو أن الله يتعامل مع الأمر بأفضل طريقة ممكنة، ولكن عندما ينتهي الاختبار الرهيب المتعلق بالخطية، فإننا سوف نكون قادرين على الهتاف قائلين: " ‘عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ!’ " (رؤيا ١٥: ٣).
لمزيد من الدرس
كتب المؤلف المسيحي سي إس لويس ، المتخصص في عِلْمُ الدِّفاعِ عنِ المَسِيحِيَّة، كتاباً يتحدث فيه عن وفاة زوجته وعن صراعه لفهم معضلة الموت. وقد دَوَّنَ في كتابه ما يلي: "المسألة هي أنني لست (أفكر) في خطر التوقف عن الإيمان بالله. الخطر الحقيقي هو أن أصدّق مثل هذه الأمور المروعة عنه. إن الاستنتاج الذي أخشاه هو ليس ‘إذن ليس هناك إله على كل حال’، ولكن الاستنتاج الذي أخشاه هو ‘إذن هذه هي صفات الله. لا تخدعوا أنفسكم فيما بعد.’ " [الحزن المرصود (سان فرانسيسكو: هاربر سان فرانسيسكو، ١٩٩٦)، صفحة ٦و ٧]. وهذا هو أيضاً السؤال الذي صارع معه أيوب نفسه. وكما رأينا، فإنّ أيوب لم يشك في وجود الله على الإطلاق؛ لكن ما صارع معه أيوب هو السؤال المتعلق بصفات الله. كان أيوب قد خدم الرب بإخلاص وأمانة، وكان أيوب رجلاً "صالحاً". لذا فقد كان يعرف أنه لم يفعل شيئاً يجعله مستحقاً للمعاناة التي اختبرها. ولذلك كان أيوب يسأل السؤال الذي يسأله الكثيرون من الناس، الذين يؤمنون بالله، في خضم ما يختبرونه من مآسي: ما هي صفات الله حقاً؟ أ وليس هذا هو في الحقيقة كل ما يدور الصراع العظيم حوله؟ فالسؤال لا يتعلق بوجود الله وإنما يتعلق بصفاته. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الأمور التي يتضمنها أمر التعامل مع الصراع العظيم، إلا أنه ليس هناك شك في أن موت المسيح على الصليب، حيث أَسْلَمَ ابن الله "نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً" (أفسس ٥: ٢)، قد أعلن للكون، أكثر من أي شيء آخر، عن الطبيعة الحقيقية لخالقنا. إن الصليب يبرهن لنا أن الله هو الإله الذي يمكننا جميعاً الوثوق به.
الدرس الخامس
٢٢-٢٨ تشرين الأول (أكتوبر)
العن اليوم
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ٣: ١- ١٠؛ يوحنا ١١: ١١- ١٤؛ أيوب ٦: ١- ٣؛ ٧: ١- ١١؛ يعقوب ٤: ١٤؛ أيوب ٧: ١٧- ٢١؛ مزمور ٨: ٤- ٦.
آية الحفظ: "أَنْتَ مُسْتَحِق أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ" (رؤيا ٤: ١١).
إننا إذ نقرأ قصة أيوب نحصل على ميزتين واضحتين: أولاً، معرفة كيف انتهت القصة، وثانياً معرفة خلفية قصة أيوب، أي الصراع الكوني الدائر وراء الكواليس.
وبالطبع، لم يعرف أيوب شيئاً من هذا. كل ما عرفه أيوب هو أن كل شيء في حياته كان على ما يرام إلى أن بدأت فجأة المصائب والمآسي تنقض عليه، المصيبة تلو الأخرى، والمأساة تلو الأخرى. وبعد ذلك انتهى الأمر بهذا الرجل الذي كان "أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ" (أيوب ١: ٣) بعيش حالة من الحِدَاد والحزن فوق كومة من رماد.
وإذ نواصل دراسة سفر أيوب، دعونا نحاول أن نضع أنفسنا في موقفه، لأن ذلك من شأنه أن يساعدنا على أن نفهم بشكل أفضل الارتباك والغضب والحزن الذي كان يختبره. وإلى حد ما، لا ينبغي أن يكون من الصعب عمل هذا، أليس كذلك؟ وذلك ليس لأننا اختبرنا ما اختبره أيوب، ولكن مَن منّا نحن، الذين وُلدنا في أجساد بشرية، في عالم ساقط، لا يعرف شيئاً عن الحيرة التي تجلبها علينا كلاً من المآسي والمعاناة، خصوصاً عندما نسعى إلى خدمة الرب بأمانة ونعمل مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ وصوابٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ؟
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر).
لَيْتَهُ هَلَكَ الْيَوْمُ
تخيل أنك أيوب. ولسبب غير مفهوم، تجد أن حياتك وكل ما عملته وكل ما أنجزته وكل ما أنعم به الله عليك قد انهار وتلاشى. هذا يبدو غير معقول، أليس كذلك؟ فيبدو أنه ليس هناك أي سبب لحدوث ذلك.
منذ سنوات، انحرفت حافلة مدرسية عن الطريق مما أسفر عن مقتل العديد من الأطفال. وفي هذا السياق، قال أحد الملحدين أن هذا ما يمكن أن نتوقعه في عالم لا معنى له ولا هدف ولا اتجاه. فإنّ مأساة من هذا القبيل لا معنى لها، لأن العالم نفسه لا معنى له.
وكما رأينا، فإن جواباً من هذا القبيل لا يقنع الشخص المؤمن بالله. ولأن أيوب كان تابعاً مخلصاً للرب، فإنّه لم يقتنع بمثل هذا الجواب أيضاً. ولكن ماذا كان الجواب، وماذا كان التفسير؟ لم يحصل أيوب على جواب أو تفسير. بل إنّ كل ما كان لدى أيوب هو الحزن الشديد وجميع التساؤلات التي لا بد وأنها قد رافقت هذا الحزن.
اقرأ أيوب ٣: ١- ١٠. كيف عبَّر أيوب في البداية عن حزنه؟ بأية طرق يمكن لأي واحد منّا أن يتفهم ما يقوله أيوب هنا من واقع اختباره لأمور مماثلة؟
إن الحياة، بالطبع، هي هبة من الله. إننا موجودون فقط لأن الله قد خلقنا (أعمال ١٧: ٢٨؛ رؤيا ٤: ١١). إن وجودنا في حد ذاته هو معجزة، وهي معجزة حيّرت العلوم الحديثة. في الواقع، إن العلماء ليسوا على اتفاق تام بشأن ما هو تعريف "الحياة"، كما أن الاتفاق بينهم أقل بكثير فيما يتعلق بمصدر الحياة. والأهم من ذلك، هو أنهم لا يتفقون تماماً على سبب وجود الحياة.
مع ذلك، مَنْ مِنَّا لَمْ يتساءل في لحظات اليأس عَمَّا إذا كانت الحياة تستحق كل هذا العناء؟ نحن لا نتحدث عن حالات الانتحار المؤسفة. بالأحرى، ماذا عن الأوقات التي ربما نكون قد تمنينا حينها لو أننا لم نولد، تماماً كما تمنى أيوب؟
ذات مرة، قال أحد الأشخاص اليونانيين القدماء أن أفضل شيء يمكن أن يحدث لشخص ما، باستثناء الموت، هو لو أن هذا الشخص لم يولد من الأساس. وما كان يعنيه هذا الشخص بذلك هو أنه يمكن للحياة أن تكون بائسة للغاية لدرجة أنه سيكون من الأفضل لو أن الشخص لم يأتي إلى الوجود، وهكذا يكون بمنأى عن الكرب الذي لا مفر منه والذي لا بد وأن يرافق الحياة البشرية في هذا العالم الساقط.
الراحة في القبر
اقرأ أيوب ٣: ١١- ٢٦. ماذا يقول أيوب هنا؟ كيف يواصل رثاء نفسه؟ ماذا يقول أيوب عن الموت؟
يمكننا فقط أن نتصور الحزن الرهيب الذي كان أيوب المسكين يواجهه. وعلى الرغم من أنّ خسارة أيوب لكل ممتلكاته وفقدانه لصحته كانت أمراً بالغ الصعوبة، إلا أن الأصعب والأسوأ من كل ذلك هو أن أيوب فقد جميع أبنائه وبناته. فإذا كان فقدان المرء لواحد فقط من أبنائه أو بناته هو أمر يصعب تصوره، فما بالك بأيوب الذي فقد أبناءه وبناته كلهم. وقد كان لديه عشرة من الأبناء والبنات! لا عجب في أنه تمنى الموت. ومرة أخرى نذكّر أنفسنا بأن أيوب لم تكن لديه أدنى فكرة عن الخلفية والسبب وراء حدوث كل ذلك. فهل يا تُرى كان أيوب سيشعر أنه على نحو أفضل لو أنه عرف ما كان يجري وراء الكواليس؟
مع ذلك، لاحظ ما يقوله أيوب عن الموت. فلو أن أيوب قد مات، فماذا كان سيحدث؟ هل كان سيستمتع بنعيم السماء؟ وبفرح وجوده مع الله؟ وبعزف القيثارة مع الملائكة؟ لا، فإنه ليس هناك مثل هذا الفكر اللاهوتي والديانة في الكتاب المقدس. بدلاً من ذلك، ماذا يقول أيوب؟ "لأَنِّي قَدْ كُنْتُ الآنَ مُضْطَجِعًا سَاكِنًا. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحًا" (أيوب ٣: ١٣).
اقرأ جامعة ٩: ٥ ويوحنا ١١: ١١- ١٤. كيف يتوافق ما يقوله أيوب مع ما يعلّمه الكتاب المقدس حول ما يحدث للإنسان بعد الموت؟
إننا نجد في أحد أقدم أسفار الكتاب المقدس تعبيراً ربما هو من أقدم التعابير المتعلقة بما ندعوه "حالة الموتى." فإن كل ما أراده أيوب في تلك المرحلة هو أن يكون "مُسْتَرِيحاً". فإنّ الحياة فجأة قد أصبحت قاسية وصعبة ومؤلمة للغاية لدرجة أن أيوب تاق إلى الموت، الذي كان يعرف أنه عبارة عن رقاد في القبر. لقد كان أيوب شديد الحزن والأذى لدرجة أنه نسى كل الفرح الذي كان له في الحياة قبل أن تحل عليه الكوارث والمصائب، فتمنى لو أنه كان قد مات حتى عند ولادته.
آلام الآخرين
أنهى أيوب رثاءه الأول، كما هو مدوّن في الأصحاح الثالث. وفي الأصحاحين التاليين، يقوم أليفاز، أحد أصدقاء أيوب، بإعطاء محاضرة لأيوب (وسنعود إلى هذه المحاضرة في درس الأسبوع القادم). وفي الأصحاحين ٦و ٧، يواصل أيوب الحديث عن معاناته.
كيف يُعبّر أيوب عن آلامه هنا؟ " ‘لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ، وَمَصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي الْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا، لأَنَّهَا الآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ الْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لَغَا كَلاَمِي’ " (أيوب ٦: ٢و ٣).
إن هذا التصوير المجازي يعطينا فكرة عن كيف نظر أيوب إلى معاناته. فإذا وُضعت كل رمال البحر على جانب من الميزان ووضعت "أحزانه ومصائبه" على الجانب الآخر، فستفوق معاناته الرمال في وزنها.
هذه هي الطريقة التي نظر بها أيوب إلى آلامه، فقد كانت آلامه شديدة إلى هذا الحد. وقد كانت هذه آلامه وحده، ولا أحد سواه. أحياناً نسمع عن مقولة "مجموع المعاناة البشرية". ومع ذلك، فإنَّ هذه الفكرة لا تُعَبِّر عن الحقيقة. فنحن لا نُعاني كمجموعات. كما أننا لا نعاني آلام أي شخص آخر وإنما نعاني الآلام الخاصة بنا. نحن نعرف فقط آلامنا ومعاناتنا التي تمسنا. لذا، فإن آلام أيوب، رغم هولها، لم تكن أعظم من أي آلام يمكن لأي شخص آخر أن يختبرها. أحياناً، قد نقول للشخص المتألم، "أنا أشعر بآلامك." وقد نقول ذلك بِنِيَّةٍ حَسَنة. لكننا في واقع الأمر لا نشعر بآلام الشخص، بل ولا يمكننا ذلك. فإنَّ كل ما يمكننا أن نشعر به هو الآلام التي قد تنتابنا استجابة لمعاناة ذلك الشخص المتألم. إذاً، فالآلام التي يشعر بها المرء الذي يواسي شخصاً يتألم هي آلامه هو، وليس آلام الشخص الآخر.
إننا نسمع عن كوارث، سواء من صنع البشر أو غير ذلك، تتسبب في خسائر في الأرواح. ويصيبنا الذهول عند سماعنا بأعداد القتلى والجرحى. ونحن بالكاد يمكننا أن نتصور مثل هذه المعاناة الهائلة. لكن كما هو الحال مع أيوب، وكما هو الحال مع كل شخص، منذ آدم وحواء في جنة عدن إلى نهاية هذا العالم، فإنَّ أي شخص يعيش على هذه الأرض لا يعرف سوى آلامه الخاصة به، وليس أكثر من ذلك.
بالطبع، نحن لا نريد التقليل من هول معاناة الشخص المتألم، بل ولقد دُعينا كمسيحيين إلى أن نسعى إلى المساعدة في تخفيف آلام الناس كلما كان ذلك ممكنا (انظر يعقوب ١: ٢٧؛ متى ٢٥: ٣٤- ٤٠). ومع ذلك، فإنه بغض النظر عن مدى المعاناة الموجودة في العالم، ينبغي أن نكون شاكرين لأنه لا يمكن لأي بشر ساقط أن يعاني أكثر مما يستطيع أن يحتمل. (هناك فقط استثناء واحد لذلك، انظر الدرس رقم ١٢.)
وَشِيعَةُ (بَكَرَة) النسَّاج
تخيل الحوار التالي. شخصان يتحسران على أن مصير البشرية جمعاء هو الموت. وهما يجادلان بأنه بغض النظر عن مدى روعة الحياة التي يعيشها الإنسان، وبغض النظر عن انجازاته، فسينتهي به الأمر في القبر.
وتخيل أن هذان الشخصان هما متوشالح، الذي يَرِد ذِكره في الكتاب المقدس، وصديقٌ له. يقول متوشالح لصديقه، "نعم، إننا نعيش ٨٠٠ أو ٩٠٠ سنة ثم نموت. لكن ما هي الـ ٨٠٠ أو ٩٠٠ سنة مقارنة بالأبدية؟ (انظر الأصحاح الخامس من سفر التكوين.)
وعلى الرغم من أنه من الصعب بالنسبة لنا اليوم أن نتخيل ما سيكون عليه الأمر لو أننا سنعيش لمئات السنين (فقد كان عُمْر متوشالح ١٨٧ عاماً عند ولادة ابنه لامك، ثم عاش متوشالح ٧٨٢ عاماً بعد ذلك). نعم، فقد كان على الناس القدامى (الذين عاشوا قبل الطوفان) أن يواجهوا الموت في يوم من الأيام. ولا بد وأنهم هم أيضاً قد اشتكوا من أن الحياة قصيرة.
اقرأ أيوب ٧: ١- ١١. ما هي شكوى أيوب؟ انظر أيضاً مزمور ٣٩: ٥و ١١؛ يعقوب ٤: ١٤.
لقد رأينا في درس سابق أن أيوب كان يسعى إلى الحصول على الراحة والسَّكِينَة اللتان تنجمان عن الموت. إلا أننا نجد هنا أن أيوب يشتكي من أن الحياة تمر بسرعة. إن ما يقوله أيوب هو أن الحياة صعبة ومليئة بالكدح والألم، ثم تنتهي بالموت. هذه هي المعضلة التي نواجهها في كثير من الأحيان: فإننا نتحسر مِن كَمْ أنَّ الحياة سريعة وعابرة، حتى وإن كانت الحياة حزينة وبائسة جداً.
كتبت سيدة سبتية أدفنتستية مقالاً حول صراعها مع الاكتئاب وكيف أنها فكرت حتى في الانتحار. ومع ذلك، كتبت هذه السيدة تقول: "كان الجزء الأسوأ هو أنني كنت سبتية أدفنتستية تتبع أسلوب حياة ثَبُتَ أنه ساعدني على عيش ‘فترة أطول مدتها ست سنوات.’ " ولم يكن هذا الأمر ليعني لي شيئاً. فإنّه في وقت الألم والمعاناة يكون هناك الكثير من الأشياء التي تبدو بلا معنى. وأحياناً، في خضم آلامنا، يُهمَّش كلاً من المنطق والعقلانية ويجتاحنا الألم والخوف، ولا نرى في الحياة أملاً أو رجاء. فإنه حتى أيوب، الذي كان يعرف الأمور بشكل أفضل (أيوب ١٩: ٢٥)، صرخ في يأسه وقنوطه قائلاً: "اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ، وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْرًا" (أيوب ٧: ٧). فإنه بالنسبة لأيوب، الذي بدا له شبح الموت أقرب من أي وقت مضى، كان لا يزال يتحسر على مدى قِصر الحياة، على الرغم من مدى ما كانت عليه حياته من تعاسة في ذلك الوقت.
" مَا هُوَ الإِنْسَانُ؟ " (أيوب ٧: ١٧- ٢١)
مرة أخرى نقول أنه يجب علينا أن نضع أنفسنا في موقف أيوب، فنسأل السؤال الذي طرحه أيوب: لماذا يفعل الله بي كل هذا؟ أو، لماذا يسمح لهذه الأمور بأن تحدث لي؟ لم يرَ أيوب الصورة الأكبر. فكيف يمكنه ذلك؟ لقد عرف فقط ما كان يحدث حوله وما كان يحدث له، ولم يكن يفهم أي شيء من ذلك؟
ومن مِنَّا لم يمر بظروف مماثلة؟
اقرأ أيوب ٧: ١٧- ٢١. ما الذي يُعرب عنه أيوب هنا؟ ما هي الأسئلة التي يطرحها؟ وبالنظر إلى حالته وظروفه، لماذا تبدو الأسئلة منطقية جداً؟
لقد جادل بعض علماء الكتاب المقدس بأن أيوب كان يسخر من الآيات الواردة في مزمور ٨: ٤- ٦ التي نصها: "فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ ٥ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (انظر أيضاً مزمور ١٤٤: ٣و ٤). مع ذلك، فالإشكالية هي أن سفر أيوب كان قد كُتب قبل سفر المزامير بفترة طويلة. وفي هذه الحالة، ربما يكون كاتب المزامير قد كتب هذه الأبيات الشعرية استجابة لمرثاة أيوب.
وفي كلتا الحالتين، فإن السؤال "ما هو الإنسان؟" هو مِن أحد أهم الأسئلة التي يمكننا أن نسألها. مَن نحن؟ لماذا نحن هُنا؟ ما هو المعنى والهدف من حياتنا؟ في حالة أيوب، ولأنه كان يعتقد أن الله قد "استهدفه"، فقد كان أيوب يتساءل عن السبب الذي يجعل الله يضايقه. فإنَّ الله عظيم جداً وخليقته شاسعة جداً؛ فلماذا إذاً يتعامل الله مع أيوب من الأساس؟ بل ولماذا يهتم الله لأمر أي واحد منَّا من الأساس؟
اقرأ يوحنا ٣: ١٦ و ١يوحنا ٣: ١. كيف تساعدنا هاتان الآيتان على فهم الأسباب التي تجعل الله يتفاعل مع الإنسانية؟
"إنّ يوحنا إذ ينظر ارتفاع وعمق واتساع محبة الآب نحو جنسنا الساقط يمتلئ بالإعجاب والإجلال. وهو لا يجد لغة مناسبة للتعبير عن هذه المحبة، ولكنه يدعوا العالم إلى أن ينظروا إليها: ‘اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!’. يا لها من قيمة تلك التي يضعها هذا الأمر للإنسان! ومن خلال تعدّيهم، أصبح البشر خاضعين للشيطان. ومن خلال ذبيحة المسيح التامة، والإيمان باسمه، يصبح أبناء آدم أبناءً لله. وقد عمل المسيح، باتخاذه للطبيعة البشرية، على رفع الإنسانية" (روح النبوة، شهادات للكنيسة، مجلد ٤، صفحة ٥٦٣).
لمزيد من الدرس
"إننا نعيش اليوم في زمن يعبد فيه الناس العِلم والعقل. لذا أصبحت ‘الأخبار السارة’ التي تنادي بها المسيحية أقل وأقل تصديقاً بالنسبة لأمثال هؤلاء، وأصبحت كذلك أقل أهمية بالنسبة لهم. وقد ضَعُفَ الايمان ببشارة الإنجيل باعتبارها الأساس الذي يبني عليه المرء حياته، وأصبح في نظر هؤلاء قليل اللزوم. وبالنسبة لهذه الطريقة من التفكير، يبدو موت [ابن] الله على الصليب من أجل البشر أمراً إمكانية حدوثه مستبعدة، وغير مرجحة. وبالنسبة لأمثال هؤلاء، تكون الحياة القصيرة التي عاشها [المسيح] منذ ألفي عام في أمة لا أهمية لها [إسرائيل] كانت حياة لا أهمية لها أيضاً، مثل نجمة واحدة بين بلايين النجوم، في كون شاسع جداً وغير مكترث. لذلك، يرى هؤلاء أنّ موت المسيح على الصليب وقيامته لم يعودا مُعْتَقَدَيِن هامَيِن بالنسبة للأشخاص العقلانيين. وبالتالي، فإنه من المستحيل أن الكون ككل كان لديه أي اهتمام بما حدث هنا على هذا الكوكب الصغير" [مقتبسة من ريتشارد تارانس، ‘آلام العقل الغربي’ (نيويورك: مطبوعات بلنتين، ١٩٩١)، صفحة ٣٠٥]. ما هي المشكلة مع هذه الفكرة المطروحة في هذا الاقتباس؟ ما الذي غاب عن ذهن المؤلف؟ ماذا يعلّمنا هذا الاقتباس عن حدود ما يمكن "للعلم والمنطق" أن يعرفانه عن حقيقة الله ومحبته لنا؟ ماذا يخبرنا هذا الاقتباس عن الحاجة إلى الرجوع إلى الحق المُعْلَن في كلمة الله بأنّ "العلم والمنطق" البشريين لا يمكنهما سبر غور الله ومحبته لنا؟
الدرس السادس
٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) - ٤ تشرين الثاني (نوفمبر)
لعنةٌ بلا سبب؟
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: مزمور ١١٩: ٦٥- ٧٢؛ أيوب ٢: ١١- ١٣؛ أيوب ٤: ١- ٢١؛ رومية ٣: ١٩و ٢٠؛ ١كورنثوس ٣: ١٩؛ عبرانيين ١٢: ٥؛ متى ٧: ١.
آية الحفظ: " ‘أَالإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ اللهِ؟ أَمِ الرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟’ " (أيوب ٤: ١٧).
أكدنا في الأسبوع الماضي على أهمية وضع أنفسنا في موقف أيوب، على الأقل إلى أي حد ما. فمن ناحية، لا ينبغي لهذا الأمر أن يكون صعباً لأننا جميعاً اختبرنا شيئاً مما اختبره أيوب؛ معنى هذا أننا جميعاً، وإلى حد ما، وجدنا أنفسنا غارقين في معاناة بدت في كثير من الأحيان لا معنى لها، والمؤكد أنها لم تبدو عادلة.
وفي حين أنه يجب علينا في بقية دروس هذا الربع محاولة الإبقاء في أذهاننا على وجهة النظر هذه، إلا أننا بحاجة أيضاً إلى إيجاد ومعرفة وجهة نظر الأشخاص الآخرين في القصة، الرجال الذين جاءوا لمواساة أيوب.
ولا ينبغي أن يكون من الصعب جداً عمل هذا الشيء أيضاً. فمَن منّا لم يشهد معاناة الآخرين؟ ومَن منّا لم يسعَ إلى مواساة الآخرين في آلامهم وفقدانهم لأحبائهم؟ مَن منّا لا يعرف ما يعنيه أن تحاول إيجاد الكلمات المناسبة التي تقولها لأولئك الذين تحزن قلوبنا وتتألم لأحزانهم كذلك؟
في الواقع، إن معظم سفر أيوب هو عبارة عن محادثات بينه وبين هؤلاء الرجال، حيث يحاول كل واحد منهم أن يجعل الأمر معقولاً ومقبولاً حينما يبدو أنه غير معقول. إنه استعراض لا ينتهي من المعاناة الإنسانية والمأساة في عالم خُلق مِن قِبل الله المحب والقدير والمهتم.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٥تشرين الثاني (نوفمبر).
الأسئلة العويصة
إن معظم الأحداث الواردة في سفر أيوب تحصل في الأصحاحين الأولين منه. وهنا نجد الحجاب الفاصل بين السماء والأرض يزاح فنحصل على لمحة عن جانب من جوانب الواقع، كان سيبقى مخفياً عنّا لو لم يتم الإعلان عنه في هذين الأصحاحين. فإنه على الرغم مما يمكن لتلسكوباتنا المُخْتَرعَة أن تصل إليه في الكون، إلا أنها لم تتمكن بأي شكل من الأشكال من أن تعلن لنا ما تم إعلانه في سفر أيوب، الذي كتب منذ آلاف السنين في الصحراء التي يرجّح أنها تقع في ما يعرف اليوم باسم المملكة العربية السعودية. يوضّح لنا سفر أيوب أيضاً مدى الارتباط الوثيق بين العالم الخارِق لِلطَّبِيعَة، عالم الله والملائكة، وبين العالم الطبيعي، أي الأرض ومَن يعيشون عليها.
وبعد الأصحاحين الأوّلين، نجد أن سفر أيوب هو عبارة عن مجرد حوار بين أيوب والرجال الذين جاءوا لمناقشة المسائل الكبرى في الحياة: الدين، الألم، الفلسفة، الإيمان، الحياة، والموت.
ولِمَ لا؟ فإنّ ما حدث لأيوب كان كفيلاً بإثارة كل أنواع التساؤلات والنقاشات. وإنه لمَن السهل جداً الانشغال بالأمور الدنيوية للحياة والمشاغل اليومية ونسيان ما هي المسائل الكبيرة والهامة. وليس هناك شيء يمكنه أن يهز سباتنا الروحي ويدفعنا إلى البدء في طرح الأسئلة الهامة سوى حدوث مأساة، إما في حياتنا أو في حياة الآخرين.
اقرأ مزمور ١١٩: ٦٥- ٧٢. ما الذي يقوله صاحب المزامير؟
لقد تمكن المرنم من رؤية الخير الذي ينتج عن المحن التي تصيبنا. في بعض الأحيان، يمكن للمحن والبلايا أن تكون بركات خَفِيّة، وذلك لأنها تُرْجِعنا إلى الرب أو تجلبنا إليه في المقام الأول. فمَن منّا لم يسمع قصصاً عن أشخاص اختبروا أزمات جعلتهم إما يعودون إلى الله بعد تركهم له، أو يخضعون إليه لأول مرة في حياتهم؟ أحياناً، يمكن للمحن والبلايا، رغم ما قد تكون عليه من بشاعة ومأساوية، أن تُستخدَم لتعود علينا بالخير الذي يمكننا أن نراه مع مرور الوقت. وفي بعض الأحيان، تبدو المحن والبلايا تعسفية وبلا مغزى.
مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ؟
اقرأ أيوب ٢: ١١- ١٣. ماذا تخبرنا هذه الفقرة الكتابية عن كيف نظر أصدقاء أيوب إلى حالته والظروف التي كان يمر بها؟
عندما سمع أصدقاء أيوب عن ما حدث، قاموا بتحديد "موعد" (أيوب ٢: ١١)؛ معنى هذا أنهم خططوا لأن يأتوا معاً لرؤية صديقهم. وتعكس الآيات الواردة أعلاه أنهم صُعقوا مما رأوه، وبدأوا ينتحبون معه.
ووفقاً للنص الكتابي، جلس هؤلاء الأصدقاء بصمت ولم يتفوهوا بكلمة. فما الذي يمكنك أن تقوله لشخص في ظروف مثل الظروف التي كان يختبرها أيوب؟ مع ذلك، فإنّه بمجرد أن تحدث أيوب أولاً، كان لدى هؤلاء الرجال الكثير ليقولوه.
اقرأ أيوب ٤: ١- ١١. ما خُلاصة كلام أَلِيفَازُ إلى أيوب؟
ربما يصلح ما قاله أَلِيفَازُ هنا لأن يكون افتتاحية لكتاب حول كيفية مواساة الناس في أحزانهم. ويمكن للفصل الأول من هذا الكتاب أن يكون بعنوان "ما لا يجب قوله لشخص حزين ومغتم." فعلى الرغم من أنه قد بدا أن هؤلاء الرجال كانوا متعاطفين مع أيوب، إلا أن تعاطفهم قد انحرف عن مساره. فيبدو أن النقاء الديني بالنسبة لأليفاز كان أكثر أهمية من المواساة في حد ذاتها. فإنه يصعب تخيل شخص يذهب إلى شخص آخر يمر بظروف كتلك التي كان يمر بها أيوب ويقول له بأنه يستحق كل ما يحدث له، لأن الله عادل ولأن الأشرار فقط هم الذين يعانون معاناة من هذا القبيل.
وحتى لو فكر ذلك الشخص في أن آلام أيوب كان بسبب شروره، فما الاستفادة التي حصل عليها أيوب من سماع ذلك؟ لنفترض أن شخصاً كان يقود سيارته بسرعة فائقة فاصطدم بسيارة أخرى وفقد جميع أفراد أسرته في الحادث. هل يمكنك أن تتخيل أن شخصاً ما يذهب إليه على الفور، في خضم حزنه ومأساته، ويقول له أن الله يعاقبه بسبب تجاوزه للسرعة المقررة؟ إن المشكلة في كلام أليفاز لم تتعلق فقط بمفهومه الخاطئ للدين؛ وإنما المشكلة الأكبر هي عدم اكتراثه بأيوب وكل ما كان يعاني منه.
الإنسان وخالقه
لم يكن كلام أليفاز، في مستهل حديثه، يتسم بأية لباقة أو تعاطف. فإنَّ ما قاله في الأساس هو أنه كان من السهل على أيوب أن يكون نوراً وعزاءً للآخرين ما دامت الأمور تسير على ما يرام. وفي رأي أليفاز، فإنّ أيوب قد "تضايق" عندما أصابته البلايا، في حين أنه ما كان ينبغي لأيوب أن يتضايق ويشتكي، وذلك لأن الله عادل. ووفقاً لزعم أليفاز، يكون الشر الذي يصيبنا شراً نستحقه.
اقرأ أيوب ٤: ١٢- ٢١. ما هي الحجج الأخرى التي قدمها أليفاز لأيوب؟
هناك العديد من الأمور الرائعة التي يمكن أن ننظر إليها هنا، بما في ذلك الطريقة التي فهم بها أولئك طبيعة وصفات الإله الحقيقي، حتى قبل ظهور الأمة اليهودية. في الواقع، إن سِفر أيوب يُظهر لنا أنه كان هناك أشخاص آخرون، بالإضافة إلى الآباء [مثل آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم] وبني إسرائيل لاحقاً، يعرفون شيئاً ما عن الرّب. في الحقيقة، إننا نجد هنا أن أليفاز يسعى إلى الدفاع عن صفات الله.
فإنّ ما سمعه أليفاز "فِي الْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ" كان من نَواحٍ كثيرة فكراً لاهوتياً سليماً (انظر مزمور ١٠٣: ١٤؛ إشعياء ٦٤: ٧؛ رومية ٣: ١٩و ٢٠). فإننا كبشر عبارة عن طين، زائلين، ويمكن لنا أن نُسْحَق بسهولة كالعثة (الفراشة). وبالطبع، هل يمكن لإنسان أن يكون أكثر بِرَّاً وصلاحاً من الله؟
ومن ناحية أخرى، كان كلام أليفاز مبتذلاً وخارجاً عن الموضوع. فإنَّ المسألة لم تكن تتعلق بما إذا كان أيوب أفضل من الله. هذه لم تكن شكوى أيوب. لقد كان كلام أيوب في معظم الوقت يدور حول كم كان بائساً، وكم كان يعاني، ولم تكن شكواه أنه أبرّ من الله.
ومع ذلك، يبدو أنَّ أليفاز قد قال كل هذا رداً على ما قاله أيوب. فعلى كل حال، إذا كان الله عادلاً، وإذا كان السوء يصيبنا نتيجة شرورنا، إِذَاً فلا بد وأن يكون أيوب قد فعل شيئاً ما جعله مستحقاً لكل ما كان يعاني منه من محن وبلايا. لذلك رأى أليفاز أن شكاوى أيوب كانت جائرة. وحرصاً من أليفاز على الدفاع عن الله، بدأ بتوبيخ أيوب. فبالإضافة إلى اقتناع أليفاز بأنه كان يعرف الكثير جداً عن الله، كان يعتقد أيضاً أن لديه إعلاناً خارقاً من نوع ما يدعم به موقفه. مع ذلك، فإن الموقف الذي اتخذه أليفاز كان مغلوطاً.
الْغَبِيُّ يَتَأَصَّلُ
في الأصحاح الخامس من سفر أيوب، يواصل أليفاز تقديم حجته. ومعظم ما يقوله في هذا الأصحاح هو نفس ما قاله في الأصحاح السابق، والتأكيد على أن المصائب والمحن تصيب فقط الأشرار. ولك أن تتخيل تأثير كلام أليفاز على أيوب، الذي كان يعرف أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون صحيحاً، وبأنه لم يكن يستحق أن يمر بالظروف الصعبة التي كان يمر بها.
مع ذلك، فقد كانت هناك مشكلة، وهي أنّ ليس كل ما قاله أليفاز كان خطأ. على العكس من ذلك، فإننا نجد نفس هذه الأفكار يتكرر ذِكرها في أجزاء أخرى من الكتاب المقدس.
كيف تعكس النصوص الكتابية التالية المشاعر المُعْرَب عنها في أيوب ٥؟
مزمور ٣٧: ١٠
أمثال ٢٦: ٢
لوقا ١: ٥٢
١كورنثوس ٣: ١٩
مزمور ٣٤: ٦
عبرانيين ١٢: ٥
هوشع ٦: ١
مزمور ٣٣: ١٩
التسرّع في إصدار الأحكام
إنَّ جُزْءاً كبيراً مما قاله أليفاز لأيوب كان صحيحاً. معنى هذا أنه قدّم العديد من النقاط السليمة، وهي نقاط نجد أنه يتم الإعراب عنها في أسفار الكتاب المقدس الأخرى، التي كتبت في وقت لاحق. ومع ذلك، فقد كان لا يزال هناك خطأ شنيع في رده على أيوب. المشكلة لم تتعلق كثيراً بما قاله لأيوب؛ كانت المشكلة تتعلق أكثر بالسياق الذي فيه قال أليفاز هذا الكلام لأيوب. فإنّ ما قاله أليفاز، الحق الذي نطق به، لم يكن ينطبق على الحالة المعينة التي كان فيها أيوب. (انظر درس الأسبوع القادم.)
إنَّ عالمنا شديد التعقيد والتركيب، ومن السهل النظر إلى حالة معينة ومن ثم نتفوّه ببعض الأقوال، بل وبعض آيات الكتاب المقدس التي نعتقد أنها تتناسب مع الموقف. وربما هي تتناسب بالفعل. لكنها في كثير من الأحيان لا تكون كذلك. انظر إلى هذه الفقرة لروح النبوة حول كيف أننا في كثير من الأحيان نجلب على أنفسنا الأمور التي تحدث لنا. "ولا توجد حقيقة يعلمنا إياها الكتاب بأكثر وضوح من حقيقة كون أعمالنا هي نتيجة أخلاقنا. فاختبارات الحياة هي بدرجة كبيرة ثمرة أفكارنا وأعمالنا" (التربية الحقيقة، صفحة ١٧٠).
هذه حقيقة عميقة وهامة. ولكن، هل يمكنك أن تتخيل شخصاً تقياً حسن النِّيَّة يأتي إلى شخص ما يمر بظروف كتلك الظروف التي كان يمر بها أيوب ويقرأ له هذا الفقرة المأخوذة من روح النبوة أعلاه؟ (في بعض الحالات، للأسف، يمكننا أن نتصور حدوث ذلك.) لكن، كم كان سيكون أفضل بكثير لو أن هذا الشخص التقي حسن النِّيَّة قد اتبع المشورة التالية بدلاً من ذلك؟ "إنّ كثيرين يظنّون أنّهم إنّما يُمّثلون عدالة الله في حين أنّهم يخفقون إخفاقاً تاماً في تمثيل رقّته وحنانه وحبّه العظيم. وفي الغالب ما يكون الذين يقابلونهم بالعبوسة والقسوة واقعين تحت ضغط التجربة. إنّ الشيطان يصارع مع هذه النفوس ولذلك فالكلام القاسي الخالي من العطف يُثبّط عزائمهم ويجعلهم يسقطون فريسة لقوّة المجرّب" (روح النبوة، خدمة الشفاء، صفحة ١٥٩-١٦٠).
الحقيقة هي، كما هو الحال في كثير من الأحيان، أن الذي يحصل وراء الكواليس هو أكثر بكثير مما كان أليفاز وكل الآخرين يعرفونه، بما في ذلك أيوب. لذلك، فإنَّ تسرّع أليفاز في إصدار الأحكام، حتى في ضوء فهمه الصحيح للدين، لم يكن هو الشيء الصواب الذي كان يجب القيام به في هذه الحالة.
اقرأ متى ٧: ١و ٢؛ رومية ٢: ١- ٣؛ و١كورنثوس ٤: ٥. لماذا يجب أن نبقي هذه الآيات الكتابية في أذهاننا دائماً عندما نتعامل مع أي شخص، وخصوصاً أولئك الذين نعتقد أنهم أخطأوا؟
إنّه حتى لو كان أليفاز على صواب في أن أيوب قد جلب هذه المعاناة على نفسه، إلا أن كلام أليفاز لم يكن حكيماً ولا قيل في الوقت المناسب. إن أيوب يُعتبر رمزاً للبشرية جمعاء، لأننا جميعاً منغمسون في الصراع العظيم، وجميعنا نعاني منه. ونحن جميعاً، في مرحلة ما، نحتاج إلى الشفقة والعطف، وليس إلى المحاضرة والوعظ. من المؤكد أن للمحاضرات وقتها ومكانها. لكن عندما يجلس إنسان على الرَّماد ينتحب، وتكون حياته مدمرة وأبناءه قتلى وجسده مليء بالقروح، فعندها لا يكون الوقت مناسباً لإلقاء المحاضرات وإصدار الأحكام.
لمزيد من الدرس
كما رأينا، لم يخلو أليفاز من التعاطف مع أيوب. كل ما في الأمر هو أن تعاطفه جاء في المقام الثاني، بعد أن رأى أن عليه أولاً الدفاع عن صفات الله. فبالنسبة لأليفاز، لا بد وأن معاناة أيوب الرهيبة، في ظل عدالة الله، كانت بسبب قيام أيوب بشيء جعله مستحقاً لكل ما حدث له. وكان هذا هو ما استنتجه أليفاز فيما يتعلق بعدالة الله. ولهذا رأى أليفاز أن أيوب كان مخطئاً في شكواه.
بالتأكيد، اللهُ عادلٌ. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أننا نرى عدالته جَلِيّة في كل مَوْقِف يحدث في هذا العالم الساقط. فالحقيقة هي أننا لا نرى ذلك جليَّاً. إنَّ العدالة والدينونة سيتحققان، ولكن ليس الآن بالضرورة (رؤيا ٢٠: ١٢). فإنّ جزءاً مما يعنيه العيش بالإيمان هو الثقة بالله، وبأن العدالة التي نفتقر إليها هنا سوف تتضح وتتجلى في يوم من الأيام.
إنَّ موقف أليفاز من معاناة أيوب قد تجلى أيضاً في موقف بعض الكتبة والفريسيين من المسيح. فقد كان أولئك الأشخاص منشغلين جداً برغبتهم في أن يكونوا "أمينين" ومتدينين لدرجة أن غضبهم من قيام المسيح بشفاء المرضى في السبت (انظر متى ١٢) قد فاق ما كان ينبغي أن يكون مصدر سعادتهم، ألا وهو شفاء المرضى وتخليصهم من معاناتهم. ورغم أن كلام المسيح في الفقرة الكتابية التالية كان موجّهاً إلى مجموعة معينة من الناس، إلا أن المبدأ الكامن وراءه هو مبدأ ينبغي على أولئك الذين لديهم غيرة ومحبة للرب أن يتذكروه دائماً: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ" (متى ٢٣: ٢٣).
أسئلة للنقاش
١. كيف يمكننا أن نعرف الفرق بين الوقت الذي يحتاج فيه الشخص إلى الشفقة والتعاطف وبين الوقت الذي يحتاج فيه إلى أن يُحاضر، بل وربما إلى التوبيخ والتعنيف؟ لماذا هو من الأفضل عادة أن نخطئ على جانب الرحمة والتعاطف عند تعاملنا مع أولئك الذين يعانون، حتى ولو كانت معاناتهم هي بسبب خطاياهم وأعمالهم الشريرة؟
٢. اقرأ مجدداً كلام أليفاز في الأصحاحين ٤و ٥ من سفر أيوب. ما هو الموقف الذي كان يمكن لهذه الكلمات أن تكون فيه صائِبة أكثر من الموقف الذي استخدمت فيه هنا؟
٣. افترض أنك كنت صديقاً لأيوب وبأنك ذهبت لتراه بينما هو جالس على كومة الرماد. ما الذي كنت ستقوله له، ولماذا؟ ولو كنت أنت في مكانه، ما الذي كنت ترغب أن يقوله الناس لك؟
الدرس السابع
٥-١١ تشرين الثاني (نوفمبر)
العقوبة الجزائية
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ٨: ١- ٢٢؛ أيوب ١١: ١- ٢٠؛ إشعياء ٤٠: ١٢- ١٤؛ تكوين ٦: ٥- ٨؛ ٢بطرس ٣: ٥- ٧.
آية الحفظ: " ‘أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟’ " (أيوب ١١: ٧).
المؤكد هو أن المشكلة المتعلقة بالمعاناة الإنسانية لا تزال ترعب البشرية. فإننا نرى أناساً "صالحين" يعانون من مآسي هائلة، في حين يذهب الأشرار دون عقاب في هذه الحياة. منذ عدة سنوات، صدر كتاب بعنوان "لماذا تحدث الأمور الشريرة للأشخاص الصالحين؟" وقد كان هذا الكتاب واحداً من المحاولات العديدة على مدى آلاف السنين التي تحاول التوصّل إلى إجابة شافية لهذه المشكلة. مع ذلك، فإن هذا الكتاب لم يتمكن من الإجابة على السؤال المتعلق بالمعاناة الإنسانية. وقد كتب العديد من الكتّاب والمفكرين الآخرين عن محاولاتهم للتوصّل إلى فهم المعاناة الإنسانية. لكن لا يبدو أنهم وجدوا الأجوبة الصحيحة.
وبالطبع، فإن المعاناة الإنسانية هي موضوع سفر أيوب، وفيه نواصل إستكشاف الأسباب التي تجعل الأشخاص "الصالحين"، مثل أيوب، يعانون في هذا العالم. مع ذلك، فإنَّ الفرق الحاسم بين سِفر أيوب وغيره من الكتب هو أن سِفر أيوب لا يُبنى على وجهات النظر الإنسانية فيما يتعلق بالمعاناة والألم (على الرغم من أننا نجد الكثير من وجهات النظر هذه في سِفر أيوب) والسبب في ذلك هو أنَّ سفر أيوب هو جزء من الكتاب المقدس الذي نتمكن من خلاله على التعرّف على وجهة نظر الله ومفهومه لمعضلة المعاناة الإنسانية.
وسنقرأ في هذا الأسبوع المزيد من الخُطب من رجال جاءوا إلى أيوب لمواساته في شقائه وبؤسه. ما الذي يمكننا أن نتعلمه من هؤلاء الرجال، خاصة من أخطائهم بينما كانوا يحاولون، كما فعل غيرهم، التعامل مع معضلة الألم ومعرفة سبب المعاناة الإنسانية؟
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٢تشرين الثاني (نوفمبر).
المزيد من الاتهامات
وكأنّ تَلقّي محاضرة من أليفاز لم يكن أمراً سيئاً بما فيه الكفاية، تلقّى أيوب محاضرة أخرى من بلدد، الذي قال شيئاً مشابهاً لما قاله أليفاز. للأسف، كان بلدد أكثر فظاظة وأشد قسوة على أيوب حتى من أليفاز. تخيل أنك تذهب إلي شخص لقي جميع أبنائه حتفهم وتقول لذلك الشخص: " ‘إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ، دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ’ " (أيوب ٨: ٤).
وهذا يثير العجب، لأن الأصحاح الأول من سفر أيوب (أيوب ١: ٥) يبين بوضوح أن أيوب كان يقدم ذبائح نيابة عن أبنائه لهذا السبب بالذات، في حال كانوا قد أخطأوا. لذلك، فإننا نرى تناقضاً هنا بين فهم النعمة (كما يظهر في أعمال وتصرفات أيوب) وبين الكلمات الافتتاحية لبلدد التي يكشف من خلالها عن قسوة وتزمت عِقَابِيّ. والأسوأ من ذلك، هو أن بلدد كان يتكلم بهذه الطريقة في محاولة منه للدفاع عن صفات الله.
اقرأ أيوب ٨: ١- ٢٢. ما هي حجة بلدد، وما مدى ما يشتمل عليه قوله من الحقيقة؟ بمعنى، إذا كنت ستنسى السياق المباشر لكلامه، وتنظر إلى المشاعر المُعْرَب عنها هنا فما هو الخطأ، إن وُجد، الذي يمكنك أن تجده في كلام بلدد؟
مَنْ يمكنه إيجاد خطأ في الكثير مما يقوله بلدد هنا؟ " ‘لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ وَلاَ نَعْلَمُ، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ’ " (أيوب ٨: ٩). إنّ ما يقوله بلدد هنا هو كلام قوي وصحيح وكتابي جداً (يعقوب ٤: ١٤). أو، ما هو الخطأ في التحذير الذي يقدمه بقوله أن الشخص الشرير الذي يضع أمله في الأمور الدنيوية الأرضية إنما يثق في شيء هو في واقع الأمر، ليس أكثر رسوخاً من "بَيْت الْعَنْكَبُوتِ" (أيوب ٨: ١٤)؟ إن هذه فكرة كتابية خالصة.
لعل المشكلة الأكبر هي أن بلدد كان يقدم جانباً واحداً فقط من جوانب صفات الله. إنّ ذلك مثال على كيف يمكن أن تكون ساقطاً في حفرة على هذا الجانب من الطريق أو الجانب الآخر. فإنه لا ينبغي لك أن تكون متواجداً في أي من الحفرتين. يمكن لشخص، على سبيل المثال، أن يركّز فقط على القانون والعدالة والطاعة، في حين يمكن لشخص آخر التركيز على النعمة والمغفرة والفداء. إنَّ التركيز المفرط على أي من هذين الجانبين عادة ما يؤدي إلى تكوين صورة مشوهة عن الله والحق. ونحن نرى مشكلة مماثلة هنا في كلام بلدد.
أقل مما يستحقه إثمك
" ‘أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ، وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ.’ " (أيوب ١١: ٧- ٩؛ انظر أيضاً إشعياء ٤٠: ١٢- ١٤).
ما هو الحق المُعرب عنه هنا، ولماذا من المهم بالنسبة لنا تذكّر هذا الحق دائماً؟
إن الكلمات المذكورة هنا هي تعابير جميلة لحقيقة أن هناك الكثير الذي لا نعرفه عن الله، وبأن كل جهودنا لسبر غور الله بأنفسنا لا تقودنا سوى إلى معرفة القليل جداً عنه. من المثير للاهتمام أن واحداً من الفلاسفة الأكثر شهرة في القرن العشرين، الراحل ريتشارد رورتي، قال أننا سوف لن نتمكن أبداً من فهم الواقع أو الحقيقة، ولذا فإنه علينا التخلّي عن المحاولة. يقول رورتي إنه علينا محاولة التأقلم مع الواقع بدلاً من محاولة فهمه. من المثير للدهشة أن ٢٦٠٠ عاماً من الفلسفة الغربية التقليدية تُتوج بهذا التعبير الذي ينم عن الهزيمة. فإذا كان كل البحث يتركنا في الظلام، فيما يتعلق بالواقع الذي نعيش فيه، إذاً فمن يمكنه من خلال "البحث" أن يفهم الخالق- الذي خلق هذا الواقع في المقام الأول، وهو بذلك أعظم من الواقع؟ وهكذا أكد رورتي على ما قرأناه للتو من الكتاب المقدس.
ومع ذلك، فإن هذه النصوص، بكل ما فيها من عمق، مأخوذة من خطبة ألقاها صوفر الصديق الثالث لأيوب. وقد استخدم صوفر هذه الكلمات كجزء من حجته الخاطئة ضد أيوب.
اقرأ أيوب ١١: ١- ٢٠. ما هو الصواب فيما يقوله صوفر، ولكن ما هو الخطأ في حجته إجْمالاً؟
من الصعب جداً أن نفهم كيف يمكن لشخص أن يأتي إلى شخص يعاني مثل أيوب ويقول له بشكل أساسي أنه يحصل على ما يستحق. لا، في الواقع هو يقول له أنه يحصل على أقل مما يستحق. والأسوأ من ذلك هو أنه يفعل كل ذلك، كما في حالة الاثنين الآخرين، في محاولة منه للدفاع عن جُود وسجايا الله.
العِقَاب الإلهي
مما لا شك فيه هو أن أصدقاء أيوب الثلاثة كان لديهم بعض المعرفة عن الله. وقد كانوا صادِقين في جهودهم للدفاع عنه أيضاً. وكما رأينا أيضاً، فإن هؤلاء الرجال المُضَلَّلين، مثل كلامهم الذي قالوه إلى أيوب (خصوصاً بالنظر إلى السياق الذي قالوا فيه ما قالوه)، كانوا يعلنون بعض الحقائق الهامة.
وكانت النقطة الأساسية في حججهم هي الفكرة التي مفادها أن الله هو إله العدل، وبأن الخطية تجلب عقاباً إلهياً على الأشرار، وبركات خاصة على المستقيمين. وعلى الرغم من أننا لا نعرف الزمن المحدد الذي عاش فيه هؤلاء الرجال، لكن بما أننا نقبل بفكرة أن موسى قد كتب سفر أيوب بينما كان في مديان، فالمرجح هو أنهم عاشوا في الفترة الزمنية السابقة لخروج بني إسرائيل من مصر. والأمر الأكثر ترجيحاً أيضاً هو أنهم عاشوا بعد الطوفان.
اقرأ تكوين ٦: ٥- ٨. على الرغم من أننا لا نعرف مدى ما كان يعرفه هؤلاء الرجال (أليفاز وبلدد وصوفر) عن الطوفان، كيف يمكن أن تكون قصة الطوفان قد أثّرت في فكرهم اللاهوتي والديني؟
من الواضح أن قصة الطوفان هي مثال على العقاب الإلهي للخطية. فمن خلال الطوفان، جلب الله العقاب المباشر على أولئك الذين كانوا يستحقونه بشكل محدّد. لكننا نجد هنا أيضاً أن مفهوم النعمة معلن كما نرى في تكوين ٦: ٨. وقد كتبت روح النبوة أيضاً عن حقيقة أن "كل ضربة من ضربات المطارق في بناء الفلك كانت شهادة للناس" (الآباء والأنبياء، صفحة ٧٣). مع ذلك، فإنه يمكننا إلى حد ما أن نرى في هذه القصة مثالاً على ما كان أولئك الرجال يعظون به أيوب.
كيف نرى نفس الفكرة المتعلقة بالأحكام العقابية متجلية في تكوين ١٣: ١٣؛ ١٩: ٢٠- ٣٢؛ ١٩: ٢٤و٢٥؟
سواء عرف كلاً من أليفاز وبلدد وصوفر الكثير عن هذه الأحداث أو لم يعرفوا، إلا أنها تكشف لنا عن حقيقة العقاب المباشر الذي يجلبه الله على الشر. فإن الله لم يترك الخطأة لخطاياهم ويسمح لهذه الخطايا نفسها بأن تدمرهم. بل لقد كان الله هو العامل المباشر لعقابهم، كما هو الحال مع الطوفان. وقد عمل الله في هذه الحالة بوصفه القاضي والمدمِّر للإثم والشر.
إذا خَلَقَ الرب شيئاً (إِنِ ابْتَدَعَ الرَّبُّ بِدْعَةً)
بعد موت كل الشخصيات الواردة بسفر أيوب بفترة طويلة، يدوّن الكتاب المقدس الكثير من حالات العقاب الإلهي المباشر على الشر، ومباركة الأمانة والاستقامة.
ما هو الوعد العظيم المقدَّم هنا والمتعلق بالطاعة؟ تثنية ٦: ٢٤و ٢٥.
إن العهد القديم مليء بالوعد تلو الوعد فيما يتعلق بالبركات والازدهار الذي يغدقه الله على شعبه في حال إطاعتهم له. لذلك، يمكننا أن نرى هنا أمثلة على ما قاله هؤلاء الرجال لأيوب فيما يتعلق بمباركة الله لأمانة أولئك الذين يسعون إلى إطاعته وإطاعة وصاياه وعيش حياة تقية ومستقيمة.
وبالطبع، العهد القديم مليء أيضاً بالتحذير تلو الآخر بشأن العقاب الإلهي المباشر الذي سيأتي نتيجة المعصية. إننا نجد في الكثير من العهد القديم، وخصوصاً بعد العهد الذي قطعه الله مع بني إسرائيل في سيناء، أن الله يحذّر بني إسرائيل بشأن ما قد تجلبه عليهم معصيتهم. "وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَ الرَّبِّ بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ، تَكُنْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ كَمَا عَلَى آبَائِكُمْ" (١صموئيل ١٢: ١٥).
اقرأ سفر العدد ١٦: ١- ١٣. ماذا يعلّمنا هذا الحدث عن حقيقة العقاب والقصاص الإلهيين؟
نقرأ في الآيات الكتابية أعلاه أن العصاة قد أُبيدوا. وقد كان عقابهم رهيباً. لذلك فإنه من غير المنطقي الاعتقاد بفكرة أنَّ "عِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ." بل لقد واجه هؤلاء الناس العقاب الإلهي المباشر من الله بسبب خطيئتهم وعصيانهم. وفي هذه الحالة، نحن نرى الإعلان الخارق لقدرة الله؛ ويبدو أن قوانين الطبيعة ذاتها قد تغيرت.
" ‘وَلكِنْ إِنِ ابْتَدَعَ الرَّبُّ بِدْعَةً وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَا لَهُمْ، فَهَبَطُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، تَعْلَمُونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمَ قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ.’ " (سفر العدد ١٦: ٣٠).
إن الفعل " ابْتَدَعَ " هنا مشتق من نفس الكلمة الأصل "خَلَقَ" المستخدمة في تكوين ١: ١. لقد أراد الرب أن يعرف الجميع أنه هو نفسه الذي قام بشكل فوري ومباشر بجلب هذه العقوبة على العصاة.
الموت الثاني
من المؤكد أن أعظم وأقوى إعلان للدينونة العقابية سيكون في زمن المنتهى، حين يتم هلاك الأشرار، وهو ما يسمى في الكتاب المقدس "الموت الثاني (رؤيا ٢٠: ١٤). وبالطبع، لا يجب علينا الخلط بين هذا الموت وبين الموت الشائع الذي يختبره كل نسل آدم. إن الموت الثاني هو الموت الذي سيعمل آدم الثاني، يسوع المسيح، على تجنيب الأبرار من اختباره في زمن المنتهى (١كورنثوس ١٥: ٢٦). وفي المقابل، فإن الموت الثاني، المشابه لبعض العقوبات التي شُوهدت في أزمنة العهد القديم، هو عقوبة الله المباشرة التي تنزل على الخطأة الذين لم يتوبوا ولم يقبلوا الخلاص بالمسيح.
اقرأ ٢بطرس ٣: ٥- ٧. ماذا تخبرنا كلمة الله عن مصير الهالكين؟
"إن النار تنزل من عند الله من السماء، والارض تتكسر والاسلحة المخفية في أعماقها تخرج. فتخرج من فجواتها نار محرقة ونفس الصخور تشتعل بالنار. لقد جاء اليوم المتقد كالتنور. والعناصر تذوب بحرارة متوقدة وتحترق أيضا الارض وكل المصنوعات التي فيها (ملاخي ٤: ١؛ ٢ بطرس ٣: ١٠ ). وسطح الارض يبدو كأنه كتلة واحدة ذائبة : بحيرة واسعة من النار تغلي. انه وقت الدينونة والهلاك للأشرار. ‘لان للرب يوم انتقام سنة جزاء من أجل دعوى صهيون’ ( إشعياء ٣٤: ٨) " [روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ٧٢٦].
على الرغم من أنه يمكن للخطية أن تجلب تأديبها وعقابها على المذنب، إلا أنه من المؤكد هو أن هناك أوقاتاً يقوم فيها الله نفسه بشكل مباشر بمعاقبة الخطية والخطأة، تماماً كما قال أصدقاء أيوب. صحيح أن كل المعاناة في هذا العالم قد نجمت عن الخطية، لكنه ليس صحيحاً أن كل معاناة يعانيها الإنسان هي عقاب من الله على خطية اُرتكبت. والمؤكد أن أيوب لم يعاني بسبب خطاياه، وكذلك معظم الحالات الأخرى المتعلقة بأشخاص آخرين. الحقيقة هي أننا منخرطون في الصراع العظيم، ولدينا عدواً يحاول أذيتنا. لكن الأخبار السارة هي أنه، في خضم كل ذلك، يمكننا أن نعرف أن الله موجود لنجدتنا والدفاع عنا. وأياً كانت الأسباب وراء المحن والبلايا التي نواجهها، ومهما كانت النتائج الحالية لهذه المحن، نحن لدينا اليقين في محبة الله. وهي محبة عظيمة وفائقة تجلّت من خلال ذهاب المسيح إلى الصليب من أجلنا، وهو عمل فيه الوعد القاطع بوضع نهاية لكل معاناة وألم.
لمزيد من الدرس
كما ذُكر سابقاً في دروس هذا الربع، من المهم أن نحاول أن نضع أنفسنا في مكان شخصيات القصة لأن قيامنا بذلك يساعدنا على فهم دوافعهم وأفعالهم. فإنهم لم يروا المعركة الدائرة وراء الكواليس كما نراها نحن. فإذا نحن وضعنا أنفسنا في مكانهم، فإنه لا ينبغي أن يكون من الصعب بالنسبة لنا أن نرى الخطأ الذي ارتكبه كلاً من أليفاز وبلدد وصوفر فيما يتعلق بمعاناة أيوب. لقد كانوا يُصْدِرون أحكاماً هم في الحقيقة غير مؤهلين لإصدارها. "إنه لمن الطبيعي جداً بالنسبة للبشر الاعتقاد بأن المآسي الكبرى هي دليل مؤكد على أن مَن يُبلى بها قد ارتكب جرائم فادحة واقترف خطايا مهولة؛ لكن البشر غالباً ما يكونون مخطئين في حكمهم. فإننا لا نعيش في زمن دينونة الله. ولا يزال كلا من الشر والخير مختلطين، والأحداث الرهيبة تحل على الكل. وفي بعض الأحيان، يَعْبُر الناس الخط الفاصل الذي يضعهم خارج رعاية الله الواقية. وعندها يمارس الشيطان سلطته عليهم، والله لا يتدخل. ولقد ابتلى أيوب بشدة، وسعى أصدقاؤه إلى جعله يعترف بأن معاناته كانت نتيجة الخطية، وسعوا كذلك إلى دَفعه إلى الشعور بأنه مدان. وقد صوروا حالته وكما لو كان أيوب خاطئاً كبيراً؛ لكن الله وبّخهم على حكمهم على عبده المُخلِص الأمين" (تعليقات روح النبوة، موسوعة الأدفنتست السبتيين لتفسير الكتاب المقدس، مجلد ٣، صفحة ١١٤٠). إننا بحاجة إلى أن نكون حذرين بشأن كيفية تعاملنا مع مجمل مسألة المعاناة الإنسانية. من المؤكد أنه في بعض الأحيان يكون من السهل معرفة أسباب معاناة شخص ما. على سبيل المثال، إصابة شخص مدخّن للسجائر بسرطان الرئة. فهل يمكن للأمر أن يكون أكثر بساطة من ذلك؟ لكن ماذا عن أولئك الذين يدخنون طوال حياتهم ولا يصابون بسرطان الرئة أبداً؟ فهل يُعاقب الله أحد المدخنين بينما لا يعاقب الآخر؟ إننا، مثل أليفاز وبلدد وصوفر، قد لا نعرف دائماً لماذا يعاني الناس مما يعانون منه. وبمعنى ما، إنه تقريباً لا يهم إذا عرفنا سبب معاناة الشخص أَمْ لم نعرف. إن ما يهم هو ما نفعله استجابة لمعاناة الآخرين التي نراها. وفي هذه النقطة كان أصدقاء أيوب الثلاثة مخطئين تماماً.
الدرس الثامن
١٢-١٨ تشرين الثاني (نوفمبر)
دمٌ بريء
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أيوب ١٠؛ إشعياء ٥٣: ٦؛ رومية ٣: ١٠- ٢٠؛ أيوب ١٥: ١٤- ١٦؛ أيوب ١: ١٨- ٢٠؛ متى ٦: ٣٤.
آية الحفظ: "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عبرانيين ١١: ١).
صارع الكاتب الجزائري، ألبير كامو، مع مسألة المعاناة الإنسانية. وفي كتابه الذي بعنوان "الطاعون"، استخدمَ الطاعونَ كرمز لكل العلل التي تجلب الألم والمعاناة للإنسانية. وقد صور مشهداً لصبي صغير يموت موتاً مروعاً نتيجة إصابته بوباء خطير. وبعد ذلك، قال أحد الكهنة الذين شهدوا المأساة للطبيب الذي كان متواجداً هناك أيضاً، "إنَّ هذا الذي يحدث مثير للاشمئزاز لأنه يتجاوز إدراكنا البشري. ولكن ربما يتعين علينا أن نحب ما لا نستطيع إدراكه." عندها قاطعه الطبيب بغضب قائلاً: "لا، أيها الأب الكاهن. أنا لديّ فكرة مختلفة جداً عن المحبة. فإنه إلى يوم وفاتي سأبقى أرفض محبة أية ظروف يتعرض فيها الأطفال للتعذيب" [ألبرت كامو، الطاعون (نيويورك: فينتاج الدولية للطبع والنشر، الطبعة الأولى، ١٩٩١)، صفحة ٢١٨].
يعكس هذا المشهد ما رأيناه في قصة أيوب: أجوبة سطحية ومنقوصة لما ليس له حل بسيط. فلقد عرف أيوب، كما فعل الطبيب هنا، أن الأجوبة التي قدمها أصدقاؤه لم تتناسب مع الواقع الذي كان يعيشه. ولذلك، فإن التحدي هو: كيف يمكننا إيجاد أجوبة منطقية ومعقولة لما يبدو في غالب الأحيان أنه بلا معنى؟ سنواصل في هذا الأسبوع سعينا وراء الحصول على أجوبة منطقية.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٩تشرين الثاني (نوفمبر).
احتجاج أيوب
كان كلاً من أليفاز وبلدد وصوفر مُحَقين في أن الله يعاقب الشر. لكن هذه النقطة، للأسف، لا تنطبق على موقف أيوب. فإن معاناة أيوب لم تكن مسألة عقاب جزائي. لم يكن الله يعاقب أيوب بسبب خطاياه، كما كان سيفعل لاحقاً مع كلا من قورح وداثان وأبيرام. كما أن أيوب لم يكن يجني ما قد زرعه، كما يمكن أن يكون هو الحال في كثير من الأحيان. لا، بل لقد كان أيوب رجلاً صالحاً وتقياً؛ فإنَّ الله نفسه قد قال ذلك عن أيوب (انظر أيوب ١: ٨)، ولذلك فإن أيوب لم يكن يستحق ما قد حدث له، وكان أيوب يعرف أنه لا يستحق ذلك. وهذا ما جعل شكواه قاسية ومريرة جداً.
ماذا أيوب ١٠. ما الذي يقوله أيوب لله هنا، ولماذا يبدو ما يقوله أيوب منطقياً جداً بالنظر إلى ظروفه؟
ألا يسأل المؤمنون بالله أسئلة مشابهة عندما تصيبهم مأساة كبيرة؟ ألا يقولون لماذا خلقتني يارب من الأساس؟ أو، لماذا تفعل هذا بي؟ أو، أ لم يكن من الأفضل لو لم أولد على أن أُخْلق وأواجه كل هذا؟
ومرة أخرى نقول أن ما صعّب الأمر على أيوب هو أنه كان يدرك أنه كان أميناً لله. وقد صرخ إليه قائلاً: " ‘فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ’ " (أيوب ١٠: ٧).
هناك مفارقة صعبة: فإنه على عكس مما قاله أصدقاؤه، لم يكن أيوب يعاني بسبب خطاياه. بل إن سِفر أيوب نفسه يُعلّم عكس ما كان ينادي به أصدقاء أيوب: لقد كان يعاني أيوب هنا على وجه التحديد لأنه كان أميناً جداً لله. ويؤكد الأصحاحان الأولان من سفر أيوب على هذه النقطة. لكن أيوب لم يكن لديه أدنى عِلم بأن هذا كان السبب، وحتى لو عَلِم، فعلى الأرجح أن ذلك كان سيجعل مرارته وإحباطه أسوأ.
وعلى الرغم من أن حالة أيوب كانت فريدة من نوعها، إلا أنها كونية الطابع أيضاً، من حيث أنها تتعامل مع المسألة الكونية المتعلقة بالمعاناة الإنسانية، وخاصة عندما تبدو المعاناة غير متناسبة مع الشر الذي ربما يكون الإنسان قد اقترفه. فهناك فرق شاسع بين أن تتجاوز الحد الأقصى للسرعة فتحصل على غرامة تجاوز السرعة وبين أن تتجاوز السرعة فتقتل شخصاً ما أثناء قيامك بذلك.
الدَّمُ الزَّكِيِّ
كثيراً ما نسمع عن معاناة "الأبرياء". بل إن الكتاب المقدس يستخدم عادة عبارة "الدَّم الزَّكِيِّ" أو "الدَّم البَرِيء" (إشعياء ٥٩: ٧؛ إرميا ٢٢: ١٧؛ يوئيل ٣: ١٩)، في سياق الاعتداء على شخص ما أو حتى قتله دون أن يكون ذلك الشخص مستحقاً لما يحدث له من ضرر وأذيَّة. وبالنظر إلى مفهوم " الدَّمُ الزَّكِيِّ" الوارد ذكره في الكتاب المقدس، سنجد أن عالمنا، وكما نعلم جميعاً، مليء بالعديد من الأمثلة على ذلك.
من ناحية أخرى، يتحدث الكتاب المقدس عن حقيقة الإثم والفساد البشريين، وهو الأمر الذي يجعلنا نسأل عن معنى البراءة، أو أن يكون المرء بريئاً. فإذا كان الجميع قد أخطأوا، وإذا كان الجميع قد انتهكوا شريعة الله، فمَن هو الشخص البريء حقاً؟ وكما قال أحدهم ذات مرة، "إن شهادة ميلادك هي دليل على ذنبك."
وعلى الرغم من أن اللاهوتيين وعلماء الكتاب المقدس قد تناقشوا وتجادلوا، لعدة مئات من السنين، حول طبيعة علاقة البشر بالإثم، إلا أن الكتاب المقدس واضح في الإشارة إلى أن الخطية قد أثّرت في البشرية جمعاء. إننا لا نجد فكرة الإثم البشري في العهد الجديد فقط. بدلاً من ذلك، نحن نجد أن العهد الجديد يستكشف ويضيف إلى ما تم الكتابة عنه بتوسع في العهد القديم.
ماذا تعلمنا الفقرات الكتابية التالية عن حقيقة الخطية؟ ١ملوك ٨: ٤٦؛ مزمور ٥١: ٥؛ أمثال ٢٠: ٩؛ إشعياء ٥٣: ٦؛ رومية ٣: ١٠- ٢٠.
الكتاب المقدس واضح جداً فيما يتعلق بموضوع الإثم. لكن أي شخص يَعْرِفِ اللهَ بصفة شخصية، وحصل على لمحة عن صلاح وقداسة الله، يعرف حقيقة الإثم البشري. وبهذا المعنى، مَن مِنَّا "بريء" حقا؟ (وسوف لا نتطرق الآن إلى مسألة براءة الرُّضّع والأطفال الصغار).
ولكن هذه ليست حقاً هي النقطة. فقد كان أيوب آثماً ككل البشر؛ وبهذا المعنى هو لم يكن بريئاً، كما أن أبناءه لم يكونوا أبرياء. ومع ذلك، ما الذي فعله أيوب أو فعله أبناؤه وبناته ليستحقوا المصير الذي لاقوه؟ أ ليس هذا هو السؤال الجوهري الذي تطرحه البشرية فيما يتعلق بالمعاناة والألم؟ أما أيوب، وعلى نقيض حجج ومرافعات أصدقائه التي كانت "حصون من طين" (أيوب ١٣: ١٢)، كان أيوب يعرف أن ما يحدث له لم يكن شيئاً يستحقه.
مصائر غير عادلة
اقرأ أيوب ١٥: ١٤- ١٦. ما هي الحقيقة التي يقدمها أليفاز لأيوب؟
في هذه المرة، كان أليفاز ينطق بالحقيقة (كما فعل الآخرون) فيما يتعلق بأن البشر جميعهم آثمون. إن الخطية هي حقيقة عالمية للحياة هنا على الأرض؛ وكذلك المعاناة والألم. وكما نعلم أيضاً، فإن كل معاناة البشر في نهاية المطاف تنتج عن الخطية. وليس هناك شك في أن الله يمكنه استخدام المعاناة ليعلّمنا دروساً هامة. "إن الله كثيراً ما يجيز شعبه في كور المشقة، وفي شدة حرارة الأتون يعزل الزغل من الذهب الحقيقي في الأخلاق المسيحية" (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ١٠٦).
مع ذلك، هناك مشكلة أعمق متعلقة بالمعاناة. ماذا عن الأوقات التي لا نرى فيها خيراً يأتي من المعاناة والألم؟ ماذا عن معاناة أولئك الذين لم يتم فصل الزغل عن الذهب في أخلاقهم لأنهم يموتون على الفور؟ ماذا عن أولئك الذين يعانون ولا يعرفون أبداً الإله الحقيقي أو أي شيء عنه؟ ماذا عن أولئك الذي جعلتهم معاناتهم يشعرون بالمرارة والغضب والكراهية تجاه الله؟ نحن لا يمكننا تجاهل هذه الأمثلة أو محاولة وضعها في صيغة بسيطة؛ فإن قيامنا بذلك ربما يجعلنا مذنبين بارتكاب نفس الأخطاء التي اقترفها المشتكون على أيوب.
أيضاً، ما هو الشيء الجيد الذي ينشأ عن المصير الذي تلقاه الحيوانات في حرائق الغابات، حيث تحترق هذه الحيوانات ببطء وهي لا تزال على قيد الحياة، ومن ثم تموت موتاً فظيعاً ومروعاً؟ أو ماذا عن آلاف الناس الذين يقتلون في الكوارث الطبيعية؟ ما هي الدروس المحتملة التي يمكنهم هم أو عائلاتهم أن يتعلموها عندما يجتاحهم الموت جميعاً إثر الكوارث الطبيعية؟ كما يمكن للمرء أن يسأل أسئلة منطقية ليس حول مقتل أبناء أيوب العشرة فحسب، بل وحول الْغِلْمَان الذين قتلوا "بِحَدِّ السَّيْفِ" (أيوب ١: ١٥) أو أولئك الذين حُرقوا أحياء بواسطة "نَارُ اللهِ" (أيوب ١: ١٦) أو أولئك الْغِلْمَان الآخرين الذين قتلوا "بِحَدِّ السَّيْفِ" (أيوب ١: ١٧).
أياً كان الدروس الذي ربما يكون أيوب وأصدقاؤه قد تعلموها، وأياً كانت الهزيمة التي تلقاها الشيطان نتيجة أمانة أيوب، فمن المؤكد أن نهاية حياة الأشخاص الذين يعانون لا تبدو عادلة. الحقيقة هي أن هذه الأمور ليست عادلة. وهي ليست حسنة أو منصفة.
ونحن نواجه تحديات مماثلة اليوم. طفل يبلغ من العمر ستة أعوام يموت من السرطان، فهل هذا عدل؟ فتاة تبلغ من العمر ٢٠ عاماً تسحب من سيارتها ويتم الاعتداء عليها جنسياً، فهل هذا عدل؟ أم لديها ثلاثة أطفال تُقتل في حادث سيارة، فهل هذا عدل؟ ماذا عن الـ ١٩٠٠٠ ياباني الذين قتلوا في زلزال عام ٢٠١١؟ فهل كان الـ ١٩٠٠٠ شخصاً مذنبين باقتراف شيء جعل هذه العقوبة عادلة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن موتهم لم يكن عادلاً أيضاً.
هذه هي الأسئلة الصعبة.
يكفي اليوم...
اقرأ الآيات الكتابية التالية وفكر في المصير الفوري لأولئك الذين تم وصفهم في النصوص الكتابية. ثم اسأل نفسك السؤال: ما مدى عدالة الحياة في تعاملها معهم؟
أيوب ١: ١٨- ٢٠
تكوين ٤: ٨
خروج ١٢: ٢٩و ٣٠
٢صموئيل ١١: ١٧
إرميا ٣٨: ٦
متى ١٤: ١٠
عبرانيين ١١: ٣٥- ٣٨
عكس الكتاب المقدس حقيقة قاسية عن الحياة في عالمنا الساقط: فالشر والمعاناة أمران حقيقيان وواقعيان. إن القراءة السطحية لكلمة الله، حيث يتم انتزاع بعض النصوص الكتابية من سياقها العام، يمكن أن تُعطي أي شخص الفكرة الخاطئة بأن الحياة هنا على الأرض عادلة ومنصفة وحسنة، وبأنه إذا بقينا أمناء لله فإنّ المعاناة والألم لن يصيباننا. من المؤكد أنه يمكن للأمانة لله أن يكون لها أجرها العظيم الآن، لكن هذا لا يعني أنها توفر حاجزاً تاماً يفصلنا عن اختبار المعاناة والألم. وإننا لنجد في قصة أيوب مثال على ذلك.
في الموعظة على الجبل، قدّم المسيح موعظة قوية عن سبب حاجتنا إلى الثقة بالله وعدم الانشغال والاهتمام بشأن ما سوف نأكل، أو نشرب، أو نرتدي. وقد استخدم المسيح أمثلة من الطبيعة لتكون بمثابة دروس حية توضح لنا لماذا يمكننا الثقة في صلاح الله لتلبية احتياجاتنا. ثم نطق المسيح بهذه الكلمات الشهيرة: "فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (متى ٦: ٣٤).
لاحظ عبارة "يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ". فإنَّ المسيح لم ينكر وجود الشر، حتى بصفة يومية، في حياتنا. على العكس من ذلك، لقد اعترف المسيح بانتشار ووجود الشر في حياتنا اليومية. وكيف لا يفعل ذلك والشر منتشر هكذا في عالمنا؟ فإن المسيح، كونه الله متجسداً، كان يعرف عن الشر في العالم أكثر بكثير مما يمكن لأي شخص أن يعرفه، والمؤكد هو أننا جميعاً نعرف الكثير عن الشر بالفعل، فما بالك بالله الخالق؟
أمور غير منظورة
اقرأ أمثال ٣: ٥. على الرغم من أنها فقرة كتابية مشهورة، ما هي الرسالة الهامة التي تحملها هذه الفقرة لنا، خاصة في سياق ما كُنّا ندرسه في هذا الربع حتى الآن؟
على الرغم من أن حالة أيوب كانت قاسية إلى أقصى حد، إلا أنها تعكس الحقيقة المحزنة المتعلقة بالمعاناة الإنسانية في عالمنا الساقط. ونحن لسنا بحاجة إلى قصة أيوب أو حتى قصص أخرى يمكننا قراءاتها في الكتاب المقدس لنرى هذه الحقيقة. فإننا نرى المعاناة والألم من حولنا في كل مكان. في الواقع، نحن جميعاً، إلى حد ما، نعيش المعاناة والألم.
"اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ، قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَبًا. يَخْرُجُ كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَنْحَسِمُ وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ" (أيوب ١٤: ١و٢).
ومرة أخرى نجد أن السؤال الذي نتصارع معه هو: كيف يمكننا تفسير المعاناة، تلك المعاناة التي تبدو غير منطقية وبلا معنى بالنسبة لنا، المعاناة التي يُسفك فيها الدم البريء؟
وكما تظهر الأصحاحات الأولى من سفر أيوب، وكما يعلن الكتاب المقدس في أماكن أخرى، فإن الشيطان هو كائن حقيقي وهو السبب، المباشر أو غير المباشر، للكثير من المعاناة والألم. وكما رأينا في الدروس الأولى من هذا الربع (انظر درس ٢)، فإن نموذج الصراع العظيم يعمل بشكل جيد جداً في مساعدتنا على التعامل مع حقيقة الشر في عالمنا.
مع ذلك، فإنه من الصعب في بعض الأحيان أن نفهم لماذا تحدث الأمور. في بعض الأحيان، بل في كثير من الأوقات، تكون الأمور التي تحدث لا معنى لها. وفي مثل هذه الأوقات، حين تحدث أمور لا نفهمها، نحتاج إلى أن نتعلم الثقة في صلاح الله. نحتاج إلى أن نتعلم الثقة بالله حتى عندما لا تكون الأجوبة جلية واضحة، وعندما لا يمكننا أن نرى شيئاً جيداً يأتي من الشر والمعاناة من حولنا.
لمزيد من الدرس
بدأت مقدمة درس يوم السبت الماضي بألبير كامو الذي كتب الكثير عن صراعه بحثاً عن أجوبة، ليس فقط أجوبة بشأن مسألة المعاناة بل بشأن مسألة معنى الحياة بشكل عام، وهي الحياة التي جعلتها المعاناة والآلام أكثر صعوبة ومشقة. وكما هو الحال مع معظم الملحدين، لم يحرز كامو تقدماً كبيراً في معرفة أسباب المعاناة والألم. وتُظهر لنا أشهر أقواله مدى ضآلة ما عرفه: "الانتحار هو المشكلة الفلسفية الوحيدة. إن الحكم بشأن ما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أو غير جديرة يقودنا إلى الإجابة على السؤال الأساسي للفلسفة" [اسطورة سيسيفوس ومقالات أخرى (نيويورك: فيتناج للطبع والنشر، ١٩٥٥)، صفحة ٣]. من المؤكد أنه ليس من السهل الإجابة على مسألة المعاناة الإنسانية. لكن سفر أيوب يزيح الستار ويُظهر لنا صورة أكبر مما كنا لنراها لولا ذلك، لكن حتى عندما نقرأ سفر أيوب، فإننا نجد أنه لا تزال هناك العديد من الأسئلة دون أجوبة.
مع ذلك، هناك فارق حاسم بين أولئك الذين يصارعون للحصول على إجابات لمسألة المعاناة وهم لا يؤمنون بوجود الله، وبين أولئك الذين يحاولون الحصول على أجوبة طالبين مشورة الله لأنهم يؤمنون بوجوده. نعم، تصبح مشكلة الألم أكثر صعوبة عندما تؤمن بوجود الله، لأننا ندرك عندها أن ما نعاني منه ناجم عن مواجهة الله للشر وكل ما يجلبه علينا. من ناحية أخرى، نحن لدينا ما هو ليس لدى الملحدين أمثال كامو، لدينا إمْكانِيّة الحصول على أجوبة واتخاذ قرار. (هناك أدلة على أن كاموا قد أراد في وقت لاحق في حياته أن يعتمد ولكنه قُتل في حادث سيارة قبل أن يتمكن من المعمودية.) نحن لدينا الرجاء في أن المسيح "سَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤيا ٢١٤). وحتى لو كان هناك شخص لا يصدق هذا الوعد أو العديد من الوعود الأخرى في الكتاب المقدس، إلا أنه يَجِبُ على هذا الشخص أَنْ يَعترفَ أن الحياة ستكون أحْسَن بكثير عندما يكون لدينا مثل هذا الرجاء، بدلاً من مجرد العيش هنا في خضم المشقة والألم، شاعرين أن الحياة لا معنى لها، وبأن كل شيء سينتهي بالموت الأبدي.
الدرس التاسع
١٩-٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر)
إعلان الرجاء
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: أمثال ١٧: ٢٨؛ أيوب ١٣: ١- ١٥؛ يعقوب ٢: ٢٠- ٢٢؛ ١كورنثوس ١٥: ١١- ٢٠؛ ١بطرس ١: ١٨- ٢٠؛ تكوين ٢٢: ٨.
آية الحفظ: " ‘فَهذَا يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي، أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ’ " (أيوب ١٣: ١٦).
كتب المؤلف البريطاني ويليام هازليت ما يلي: "الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك ويبكي؛ لأنه الحيوان الوحيد المتعجب من الفرق بين ما هي عليه الأمور وبين ما ينبغي للأمور أن تكون عليه."
من المؤكد أن الأمور ليست كما يجب أن تكون عليه. ومع ذلك، فإنه بالنسبة للمسيحي المتمسك بالوعد المتعلق بالمجيء الثاني للمسيح، هناك رجاء- رجاء عظيم فيما ستؤول إليه الأمور (٢بطرس ٣: ١٣). وستصبح الأمور رائعة للغاية لدرجة أننا لا يمكننا بواسطة أذهاننا التي أظلمتها الخطية (١كورنثوس ١٣: ١٢)، أن نتصور ذلك الآن. وهذا هو الرجاء الذي فقدته الأذهان الدُنْيَوِيّة منذ فترة طويلة بسبب ضيق أفق أصحابها وقصر نظرهم.
سنواصل في هذا الأسبوع استكشاف مسألة المعاناة في سفر أيوب. وسنجد أنه حتى في ظل المأساة الجائرة التي لحقت به، التي لم تكن منطقية أو مبررة، كان بمقدور أيوب أن ينطق بكلمات الرجاء.
ماذا كان هذا الرجاء، وماذا يخبرنا عن ما ينبغي أن نضع رجاءنا فيه نحن أيضاً؟
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٦تشرين الثاني (نوفمبر).
مُلَفِّقُو كَذِبٍ
"بَلِ الأَحْمَقُ إِذَا سَكَتَ يُحْسَبُ حَكِيمًا، وَمَنْ ضَمَّ شَفَتَيْهِ فَهِيمًا" (أمثال ١٧: ٢٨).
أياً كان ما يريد المرء أن يقوله عن الإنسان أيوب، فإنه لا يمكن أن نقول أنه كان ينبغي على أيوب أن يجلس في وسط أحزانه ويستمع بهدوء إلى ما كان أصدقاؤه يقذفونه به. على النقيض من ذلك، إننا نجد أن معظم سِفر أيوب يتألف من محاولات مستميتة مِن قِبل أيوب للرد على ما كان يعرف أنه خليط من الحقيقة والزيف. وكما رأينا، فإن هؤلاء الرجال لم يتسموا باللباقة والتعاطف؛ لقد كانوا يدعون أنهم يتحدثون باسم الله من خلال تبريرهم لما حدث لأيوب؛ وكان ما يقولونه في الأساس هو أن أيوب كان يحصل على ما يستحقه أو أنه كان يستحق ما هو أسوأ من ذلك! وقد كان كل نمط من أنماط التفكير هذه سيئاً بما فيه الكفاية؛ لكن أصدقاء أيوب الثلاثة (وغيرهم) كانوا شديدي القسوة، وهو ما دفع أيوب إلى الرد عليهم.
اقرأ أيوب ١٣: ١- ١٤. ما هو النهج الذي اتبعه أيوب حين شرع في الرد على ما كان يقال عنه؟
لقد رأينا في الأصحاح الثاني من سفر أيوب أن هؤلاء الرجال عندما جاءوا إلى أيوب ورأوه بهذه الحالة لم يقولوا شيئاً لمدة سبعة أيام. وبالنظر إلى ما نطقوا به لاحقاً، ربما كان الصمت هو أفضل أسلوب يتبعونه. ومن المؤكد أن هذا هو ما فكر فيه أيوب.
لاحظ كذلك قول أيوب أن أولئك الرجال لم ينطقوا بالكذب فحسب بل كانوا يتحدثون بالكذب عن الله. (ويبدو هذا الأمر مثيراً للاهتمام في ضوء ما يحدث في نهاية سفر أيوب نفسه [انظر أيوب ٤٢: ٧]. من المؤكد أن عدم الكلام أفضل من قول أمور زائفة وخاطئة. (مَن منّا لم يختبر مدى صحة ذلك؟) لكن يبدو أن قول أمور خاطئة عن الله هو مسألة أسوأ بكثير. وكانت المفارقة بالطبع هي أن أولئك الرجال اعتقدوا في واقع الأمر أنهم كانوا يدافعون عن الله وعن صفاته ضد شكاوى أيوب شديدة المرارة بشأن ما حدث. وعلى الرغم من أن أيوب لم يكن يعرف سبب حدوث هذه الأمور له، إلا أنه عرف ما فيه الكفاية ليدرك أن ما كان هؤلاء الرجال يقولونه قد جعلهم "مُلَفِّقُو كَذِبٍ" (أيوب ١٣: ٤).
هُوَذَا يَقْتُلُنِي
عندما بدأنا دراسة هذا الربع، ذهبنا إلى نهاية سفر أيوب مباشرة ورأينا ما آلت إليه الأمور في نهاية المطاف بالنسبة لأيوب. وقد رأينا أنه حتى في ظل آلام ومعاناة أيوب الرهيبة، كان لديه حقاً ما يأمل فيه ويرجوه. في الواقع، يمكننا الآن، بعد إطلاعنا على الكتاب المقدس بأكمله، أن نرى أنه كان لدى أيوب الكثير جداً الذي يرجوه، بل وحتى أكثر مما كان يمكن له أن يتصوره في ذلك الوقت.
لكن عندما مات أبناؤه وفقد ممتلكاته وتدمرت صحته، فإنه لم يكن لدى أيوب ميزة معرفة ما ستؤول إليه الأمور. بدلاً من ذلك، كان ما عرفه أيوب هو أن الحياة قد أصبحت قاسية وسيئة وشريرة بصورة مفاجئة.
وفي الوقت نفسه، وحتى في ظل الرثاء المرير لنفسه وتمنيه لو أنه لم يولد أو تمنيه لو أنه لم يصوّر في الرحم، نجد أن أيوب لا يزال يعرب عن رجائه- وكان هذا الرجاء في الله – وهو نفس الإله الذي كان يعتقد أيوب أنه كان يتعامل معه بشكل غير عادل، عندما ألمت به المحن والبلايا.
اقرأ أيوب ١٣: ١٥. ما هو الرجاء المُقدّم هنا في هذه الآية؟ ما الذي يقوله أيوب؟
"هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ." يا لها من شهادة قوية للإيمان! فإنه في ظل كل ما حدث له، كان أيوب يعرف أن الشيء الوحيد المتبقي والذي يمكن حدوثه هو أن يموت. وقد عرف أيوب أن الله يمكنه أن يفعل ذلك أيضاً. وكان أيوب متقبلاً لذلك الأمر حال حدوثه، وكان سيموت واثقاً في الرب على أية حال.
"يجب أن يبقى غنى نعمة المسيح أمام الذهن. علينا الاعتزاز بالدروس التي توفرها لنا محبته. ليكن إيمانك مثل أيوب، كي ما تصرخ قائلاً، ‘هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ.’ تشبث بوعود أبيك السماوي، وتذكّر تعاملاته السابقة معك ومع غيرك من عباده؛ لأن ‘كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ’ " (روح النبوة، مجلة الأدفنت ريفيو آند ساباث هيرالد، ٢٠تشرين الأول/أكتوبر، ١٩١٠).
من منظور إنساني بحت، لم يكن لدى أيوب أي سبب ليرجوه في أي شيء. غير أن الحقيقة كانت تتمثل في أن أيوب لم يكن ينظر من منظور إنساني. وإذا كان فعل ذلك، فأي رجاء يكون له؟ بدلاً من ذلك، أعلن أيوب عن هذا التأكيد المدهش للإيمان والرجاء في سياق معرفته وثقته بالله.
علامات الرجاء
" ‘فَهذَا يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي، أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ’ " (أيوب ١٣: ١٦). إن هذه الآية تلي مباشرة الآية التي قرأناها في درس الأمس. كيف تؤكد هذه الآية بشكل أكثر على أن أيوب كان لديه رجاء، على الرغم من كل شيء، وأن هذا الرجاء كان في الله؟
يا لروعة ما يقوله أيوب هنا في ضوء ما جاء قبله مباشرة. فإنه حتى لو مات أيوب، لو أن الله قتله، كان أيوب سيبقى واثقاً في إلهه للخلاص. فبطريقة ما، هذا أمر غريب؛ غير أنه بطريقة أخرى منطقي تماماً. فعلى كل حال، أ ليس ما يعنيه الخلاص هو التحرر من الموت؟ وبالنسبة للمخلّصين، أليس الموت هو لا شيء أكثر من مجرد لحظة سريعة من الراحة، لحظة من الرقاد، تليها القيامة إلى الحياة الأبدية؟ أ وليس الرجاء في القيامة للحياة الأبدية هو الرجاء العظيم لكل شعب الله عبر آلاف السنين؟ وقد كان ذلك هو رجاء أيوب، أيضاً.
اقرأ ١كورنثوس ١٥: ١١- ٢٠. ما هو الرجاء المُقدّم لنا هنا؟ وبدون هذا الرجاء، لماذا لن يكون لنا رجاء على الإطلاق؟
أيضاً، بعد هذا التأكيد القوي على الخلاص، يقول أيوب أن "أَنَّ الْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ." وأصل هذه الكلمة يعني "الدنس" أو "الكافر،" وهي كلمة ذات دلالة سلبية في اللغة العبرية. لقد عرف أيوب أن خلاصه موجود فقط في الله، وفقط من خلال حياة خاضعة بطاعة مُخلِّصة لله. ولهذا ليس هناك رجاء للشخص الشرير والكافر، أي "الفاجر". الأرجح هو أن أيوب كان يعبّر عما عرف أنه "يقين الخلاص" الخاص به. وعلى الرغم من أن أيوب كان يقوم بكل أمانة وإخلاص بتقديم ذبائح حيوانية عن خطيته، إلا أننا لا نعرف مدى ما عرفه أيوب عن دلالة وأهمية تلك الذبائح. فإنه قبل الصليب، لم يكن لدى معظم أتباع الرب المخلِصين، أمثال أيوب، إدراكاً تاماً للخلاص كإدراكنا نحن الذين نعيش بعد حدث صلب المسيح. ومع ذلك، فإن أيوب كان يعرف بما فيه الكفاية ليدرك أن رجاءه في الخلاص لا يوجد سوى في الرب فقط، وأن تلك الذبائح كانت مجرد تعبير عن كيف يمكن الحصول على هذا الخلاص؟
رجاءٌ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ
مَن منّا، لو اختبر ما اختبره أيوب، يمكنه أن ينطق بكلمات الرجاء القوية التي نطق بها أيوب؟ فإن كلماته هي شهادة أبدية لحياة الإيمان والطاعة التي عاشها أيوب.
لقد كان لدى أيوب رجاء لأنه كان يخدم إله الرجاء. فإنه حتى في خضم كل القصص البائسة المتعلقة بالآثام البشرية، بدءاً من سقوط آدم وحواء في جنة عدن (تكوين ٣) وصولاً إلى سقوط بابل في زمن المنتهى (رؤيا ١٤: ٨)، نجد أن الكتاب المقدس هو كتاب زاخر بالرجاء والتطلّع إلى شيء يتجاوز ما يقدمه هذا العالم في حد ذاته.
"ولقد سلم العالم للمسيح، وعن طريقه تنحدر كل البركات من الله إلى الجنس البشري الساقط. إنه كان فادياً قبل تجسده كما صار بعدما تجسد. فحالما وُجِدت الخطية وُجِد المخلص" (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ١٨٨). ومَن هو المخلّص سوى المسيح المَصْدَرُ العظيم للرجاء؟
كيف تؤكد النصوص الكتابية التالية على الرجاء الرائع المعرب عنه في اقتباس روح النبوة الوارد بدرس اليوم؟ أفسس ١: ٤؛ تيطس ١: ٢؛ ٢تيموثاوس ١: ٨و ٩؛ ١بطرس ١: ١٨- ٢٠.
تُعلّم هذه النصوص الحقيقة المدهشة بأن الله، بعلمه المسبق، قد عرف حتى قبل خلق العالم أن البشرية سوف تسقط في الخطية. نقرأ في ٢تيموثاوس ١: ٩ أننا قد دُعينا بالنعمة المعطاة لنا في المسيح "قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ." ولم نعطَ هذه النعمة "بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا" (لأنه كيف يمكن أن تكون النعمة "بمقتضى أعمالنا" ونحن لم نكن قد جئنا إلى الوجود حينها؟) وإنما من خلال يسوع المسيح. وقبل أن نأتي إلى الوجود، قام الله بوضع خطة توفر للبشرية الرجاء في الحياة الأبدية. ولم يظهر هذا الرجاء بعد أن كنا بحاجة إليه؛ بدلاً من ذلك، كان هذا الرجاء موجوداً ومُعداً لنا عندما احتجنا إليه.
وكمسيحيين، نحن لدينا الكثير الذي نرجوه ونأمل فيه. إننا موجودون في كون خُلق مِن قِبل الله الذي يحبنا (يوحنا ٣: ١٦)، الله الذي فدانا (تيطس ٢: ١٤)، الذي يصغي لصلواتنا (متى ٦: ٦)، الله الذي يشفع فينا (عبرانيين ٧: ٢٥)، الله الذي يَعد بأن لا ينسانا أبداً (عبرانيين ١٣: ٥)، الله الذي يَعد بأن يقيم أجسادنا من الموت (إشعياء ٢٦: ١٩)، وأن يمنحنا حياة أبدية معه (يوحنا ١٤: ٢و ٣).
صورٌ من الرجاء
اقرأ الفقرات الكتابية التالية. ما هو الرجاء الذي تعلنه كل فقرة من هذه الفقرات؟
تكوين ٣: ١٥
تكوين ٢٢: ٨
لاويين ١٧: ١١
يوحنا ١: ٢٩
غلاطية ٢: ١٦
فيلبي ١: ٦
١كورنثوس ١٠: ١٣
دانيال ٧: ٢٢
دانيال ١٢: ١و ٢
متى ٢٤: ٢٧
دانيال ٢: ٤٤
لمزيد من الدرس
إن الكتاب المقدس، من الغلاف إلى الغلاف، مليء بالكلمات الرائعة التي تُعبّر عن الرجاء. " ‘قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ’ " (يوحنا ١٦: ٣٣). " ‘وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ’ " (متى ٢٨: ٢٠). "اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا" (غلاطية ٣: ١٣). "كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا" (مزمور ١٠٣: ١٢). "فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية ٨: ٣٨و ٣٩). " ‘فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ’ " (تكوين ٩: ١٦). "اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ" (١يوحنا ٣: ١). "اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا، وَلَهُ نَحْنُ شَعْبُهُ وَغَنَمُ مَرْعَاهُ" (مزمور ١٠٠: ٣). هذه الآيات هي ليست سوى جزء صغير مما هو معلن لنا في الكلمة المقدسة عن صفات الله وعن ما يقدّمه لنا. وهل ستكون لدينا أسباباً للرجاء لو لم يُعلن الكتاب المقدس لنا هذا الرجاء؟
الدرس العاشر
٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) - ٢ كانون الأول (ديسمبر)