دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثالث 2016 - دور الكنيسة في المجتمع
تحميل قوات الدفاع الشعبي - دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الثالث 2016 - دور الكنيسة في المجتمع
مقدمة
١. رَدُّ كُلِّ شَيْءٍ — ٢٥ حزيران (يونيو)- ١ تموز (يوليو) ٦
٢. استرداد السلطة والسيادة — ٢- ٨ تموز (يوليو) ١٤
٣. العدل والرحمة في العهد القديم (الجزء ١) — ٩- ١٥ تموز (يوليو) ٢٢
٤. العدل والرحمة في العهد القديم (الجزء ٢) — ١٦-٢٢ تموز (يوليو) ٣٠
٥. المسيح وخدمة المجتمع — ٢٣- ٢٩ تموز (يوليو) ٣٨
٦. اختلط المسيح بالناس — ٣٠ تموز (يوليو)- ٥ آب (أغسطس) ٤٦
٧. المسيح أحب الخير لهم — ٦- ١٢ آب (أغسطس) ٥٤
٨. المسيح برهن على عطفه — ١٣- ١٩ آب (أغسطس) ٦٢
٩. المسيح خدم حاجاتهم — ٢٠- ٢٦ آب (أغسطس) ٧٠
١٠. المسيح ظفر بثقتهم — ٢٧ آب (أغسطس)- ٢ أيلول (سبتمبر) ٧٨
١١. المسيح أمرهم قائلاً لكلّ منهم: «اتْبَعْنِي» — ٣-٩ أيلول (سبتمبر) ٨٦
١٢. الخدمة في المناطق الحضرية في زمن المنتهى — ١٠- ١٦ أيلول (سبتمبر) ٩٤
١٣. كيف ينبغي أن ننتظر؟ — ١٧- ٢٣ أيلول (سبتمبر) ١٠٢
Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904
Come visit us at our Web site: http://www.absg.adventist.org
Principal Contributor
Martin Pröbstle
Co-contributor
Steven Thompson
Editor
Clifford R. Goldstein
Associate Editor
Soraya Homayouni
Middle East and North Africa Union
Publishing Coordinator
Michael Eckert
Translation to Arabic
Ashraf Fawzy
Arabic Layout and Design
Marisa Ferreira and Olivia Adel
Publication Manager
Lea Alexander Greve
Editorial Assistant
Sharon Thomas-Crews
Pacific Press® Coordinator
Wendy Marcum
Art Director and Illustrator
Lars Justinen
Design
Justinen Creative Group
© ٢٠١٦ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار دون الحصول على أذن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح «الأدفنتست السبتيون» وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.
إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المقدس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس المطبوع هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، ويحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف (أو المؤلفين).
Sabbath School Personal Ministries
بشارة الإنجيل كلها
رفع أحد القساوسة الكتاب المقدس عالياً أمام جموع المُصلين. وكان الكتاب ممزقاً ومليئاً بالثقوب. فقد قام هذا القس وخمسة من زملائه في معهد اللاهوت بتصفح الكتاب المقدس ووضع خط تحت كل فقرة تتعامل مع مواضيع العدالة والفقر والثروة والظلم. ثم أخذوا مقصاً وقاموا بقص جزء الصفحة الذي توجد به كل آية تتعامل مع تلك المواضيع. وعندما انتهوا من هذه العملية أصبح الكتاب المقدس المملوك له أجزاء ممزقة. فإن هذه المواضيع جوهرية جداً في الكتاب المقدس لدرجة أنَّ الكتاب المقدس سيفقد الكثير عندما يتم إزالة هذه المواضيع منه. إن الكتاب المقدس، ذو الأجزاء الممزقة والذي يملكه هذا القس، يتحدث بقوة ووضوح صارخ عن الأمور التي يهتم الله بشأنها.
ما الذي ينبغي لهذه القصة أن تقوله لنا كأدفنتست سبتيين؟ ينبغي أن تقول الكثير؟ أظهرت الأبحاث أن حوالي ٣٠ بالمائة من الأدفنتست السبتيين ينخرطون في أنشطة تعمل على تلبية احتياجات المجتمع من خارج الكنيسة. ماذا عن السبعين بالمائة المتبقين؟ إن المسيح يدعو كنيسته في نهاية الزمان إلى إعلان وعيش «بشارة الإنجيل» كلها (رؤيا ١٤: ٦).
ما هي بشارة الإنجيل كلها؟ إن مرسلية المسيح وخدمته المقدمتين في لوقا ٤: ١٦- ٢١ تصوران البشارة كلها على أنها أكثر من مجرد التبشير بالحق المتعلق بالخلاص بالإيمان، هذا على الرغم من أهمية هذا الحق بالنسبة لكل ما نقوم به. يُظهر المسيح أن الكرازة ببشارة الإنجيل تعني أيضاً أن نعبّر تعبيراً ملموسا عن محبتنا وعطفنا وشفقتنا على الفقراء والجياع والمرضى والمنكسري القلوب والمظلومين والمنبوذين والمأسورين. إنها تعني العدالة وفقاً لمعايير الكتاب المقدس، وإبطال ما قام به الشيطان، على الأقل إلى أي درجة يمكننا بلوغها الآن، بينما نتطلع قُدُمَاً إلى نصرة المسيح النهائية على الشر في نهاية الدهر.
سنبحث في هذا الربع في مسألة الصّفة الشمولية «للبشارة الأبدية» وسنستعرض دور الكنيسة في التأثير على مجتمعاتها بهذه البشارة. نحن نُعرِّف «الكنيسة» على أنها مجموعة من الناس أفرادها مدعوون إلى عيش البشارة الأبدية والكرازة بها بالطريقة المُعرب عنها في خدمة المسيح. وهذا يعني أنه ليس علينا الكرازة بالبشارة فحسب وإنما علينا عيشها في حياتنا من خلال العمل على تلبية احتياجات الآخرين في مجتمعاتنا المحلية.
وعلى الصعيد المؤسساتي، كيف تخدم كنيستك المحلية أولئك المحتاجين والمعوزين؟ إن كافة الخدمات الكنسية (على سبيل المثال، الصحة والعائلة والشبيبة ومدرسة السبت والشمامسة/الشماسات، إلخ.) متوفرة للعمل معاً من أجل خدمة المجتمع، وخدمة أعضاء الكنيسة كذلك. إن وحدات أو مراكز «خدمات الأدفنتست المجتمعية» هي أنشطة تقوم بها الكنيسة من أجل التعريف بالبشارة وإعداد الطريق لسماع كلمة الله. وفي بعض مناطق من العالم، تسمى هذه الوحدات «طابيثا» أو «الرجال الأدفنتست» أو غيرهما من أسماء. كما أن وكالة الأدفنتست للتنمية والإغاثة «أدرا»، الوكالة غير الحكومية التابعة لكنيسة الأدفنتست والمعنية بالشؤون الإنسانية والخيرية، هي وسيلة هامة أخرى للوصول إلى المحتاجين على الرغم من أنها لا تُدار مِن قِبل الكنيسة المحلية.
كيف تعبّر بصفة شخصية عن تقديرك الخاص لما فعله الله من أجلك في المسيح؟ أَعْرب أحد أعضاء الكنيسة عن ذلك الأمر على النحو التالي:
في الشارع، رأيت فتاة صغيرة ترتجف من البرد وهي ترتدي ثوباً خفيفاً وأملها ضئيل في الحصول على وجبة طعام مقبولة. وعندها غضبت وقلت لله: «لماذا تسمح بهذا الأمر؟ لماذا لا تفعل شيئاً حياله؟» ولفترة من الوقت لم يقل الله شيئاً. ثم أجاب فجأة في تلك الليلة: «إنني بالتأكيد فعلت شيئاً حياله. لقد خلقتك أنت.» [مأخوذة من كتاب دوايت نيلسون «إتّبَاعُ آلام المسيح» (نامبا، أيداهو: دار باسيفيك بريس ® للنشر، ٢٠٠٥)، صفحة ٧٨].
في وقت كتابة دليل دراسة الكتاب المقدس لهذا الربع، كان غاسبار كولن رئيساً لقسم الديانة في جامعة واشنطن الأدفنتستية في تاكوما بارك بولاية ماريلاند، الولايات المتحدة الامريكية. أما ماي إلين كولن فهي المدير المساعد لمدير قسم مدرسة السبت والخدمات الشخصية بالمجمع العام للادفنتست السبتيين، وتعمل أيضاً مديرة لمركز «خدمات المجتمع الأدفنتستي الدولي». وقد خدما كمرسلَين في أفريقيا والاتحاد السوفيتي سابقاً لمدة تسع سنوات، ولديهما ابنين بالغين وحفيدين.
دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي
تواصل مع الله بفعالية أكثر!
إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المقدس وقراءات مختارة من مؤلفات الن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المقدس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.
متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.
قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:
http://www.RevivalandReformation.org
وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.
حلقة عالمية للصلاة
برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة
صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم
دراسة يومية لكلمة الله ومؤلفات روح النبوة
قم بتحميل
نسختك الإلكترونية المجانية
من دليل دراسة الكتاب المقدس عبر الموقع التالي:
www.menapa.com
اشترك في
رسالتنا الإخبارية
المجانية
تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل
إصداراتنا الجديدة!
+961 1 690290 | www.menapa.com
شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠
جمعية اتحاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للنشر
الدرس الأول
٢٥ حزيران (يونيو)- ١ تموز (يوليو)
«رَدُّ كُلِّ شَيْءٍ»
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: تكوين ١: ٢٦و ٢٧؛ تثنية ٦: ٥؛ تكوين ٣: ٨- ١٩؛ يعقوب ٤: ٤؛ غلاطية ٤: ١٩؛ مرقس ٢: ١- ١٢؛ يوحنا ١٠: ١٠.
آية الحفظ: «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين ١: ٢٧).
إنَّ كلَّ ما على المرء أن يفعله هو أن ينظر حوله، إلى العالم وإلى الجوار وإلى الذات ليدرك النقطة المُراد توضيحها. والنقطة هي أن ثمة خطأ فادح قد حدث، وهو يدعى «السقوط»، إنه يدعى «الخطية»، إنه يُدعى «التمرّد»، ويُدعى أيضاً «الصراع العظيم».
ومع ذلك، فالأخبار السارة هي أن هذا الأمر غير دائم. إنه لن يدوم إلى الأبد. لقد جاء المسيح ومات عن خطايا العالم، وقد وعد بأن يأتي ثانية. وعندما يأتي، فإنه لن يبقى شيء من هذا العالم. بدلاً من ذلك، ستبدأ مملكة جديدة، إنها مملكة الله الأبدية. «وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (دانيال ٢: ٤٤).
يا له من استرداد!
لكننا لا ننتظر حتى المجيء الثاني كي نبدأ الاسترداد. فإن كل الذين في المسيح هم خليقة جديدة الآن (٢كورنثوس ٥: ١٧)؛ ونحن مدعوون إلى أن نكون مشابهين لصورة المسيح الآن. إضافة إلى ذلك هو يدعونا ويَفُوّضنا، ككنيسته، لكي نتمكن من العمل على استرداد الآخرين كذلك.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢ تموز (يوليو).
صورة الله
يقول الكتاب المقدس أن البشر خلقوا في الأصل على «صورة» الله (تكوين ١: ٢٧). ويمكن للصورة أن تكون إما ذات بُعدين اثنين، كالأجسام التي تنعكس أمام المرآة، أو الصورة الفوتوغرافية. ويمكن للصورة أن تكون ثلاثية الأبعاد كالتمثال أو الصّورة المجسّمة ثُلاَثِيَّةُ الأَبْعاد. ويمكن للصورة أيضاً أن تكون غير ملموسة، مثل الصورة الذهنية التي هي عبارة عن فكرة في رؤوسنا. ما الذي يعينه الكتاب عندما يقول أننا قد خلقنا على صورة الله؟
أقرأ تكوين ١: ٢٦و ٢٧. كيف يوضح الكتاب المقدس معنى كوننا قد خُلقنا على «صورة» الله؟ انظر أيضاً تكوين ١: ٣١؛ تثنية ٦: ٥؛ ١تسالونيكي ٥: ٢٣.
إِنَّ اللهَ بِخَلْقِهِ لِأَبَويِنَا الْأوَّلَيِنِ قد وضع معياراً جديداً للحياة على الأرض: رجل وامرأة. وكانا كلاهما هما الوحيدَين اللذين خُلقا على صورة الله من بين كل المخلوقات الأخرى التي خُلقت أثناء ذلك الوقت. إنَّ آدم وحواء لم يكونا قِرْدَين متطورين. فقد كانا، ككائنين بشريين، وكذلك نحن، مختلفين اختلافاً جذرياً عن كل أشكال الحياة الأخرى على الأرض. ولذا، فإن أي تعليم لاهوتي يُقلل من هذا الاختلاف فإنما يحط من قدر الإنسانية.
«وَدَعَا اسْمَهُ آدَمَ» (تكوين ٥: ٢). والحديث هنا هو عن كليهما الذكر والأنثى [وذلك لأن حواء أُخذت من ضلع آدم]. فإنه على الرغم من أنهما كانا كائنين بشريين مختلفين ومتميزين عن واحدهما الآخر، إلا أنهما كان لا يزالان واحداً. وكان كلاهما في تمامها وكمالهما، يمثّلان صورة الله.
إن طبيعة صورة الله هي طبيعة شمولية: «عندما برز آدم من يد الخالق كان يحمل في طبيعته الجسمية والعقلية والروحية مشابهة لجابله» (روح النبوة، التربية الحقيقية، صفحة ١٦).
إن الكلمة التي تعني «صورة» في اللغة العبرية هي «تسيليم»؛ والكلمة التي تعني «الشبه» هي «دِيمَث»، والتي تتضمن الجوانب الروحية والذهنية للبشر. وقد كانت روح النبوة مدركة لذلك عندما قالت أن الإنسان قد خلق على صورة الله «في الشبه الظاهر وفي الصفات أيضاً» (الآباء والأنبياء، صفحة، ٢٥).
وتذكر الآية في تثنية ٦: ٥ الأبعاد المختلفة للكائن البشري: النفس (البُعد الروحي)، القلب (البُعد الذهني أو العقلي)، والقوة (البُعد الجسدي المادي). لذا فإن الإنسان الذي خُلق على صورة الله سيشتمل بطبيعة الحال على كل هذه الأبعاد.
السقوط وما أعقبه
لا يذكر الكتاب المقدس طول الفترة الزمنية التي فصلت بين انتهاء الله من عمل الخلق وسقوط الإنسان في الخطية. نحن لا نعرف ما إذا كانت هذه الفترة الفاصلة أياماً أم شهوراً أم سنوات.
لكن الذي نعرفه مع ذلك هو أنه كان هناك سقوط كانت عواقبه فورية وواضحة.
وكانت أول محصلة يَرد ذكرها في الكتاب المقدس عن أكل آدم وحواء من شجرة معرفة الخير والشر هي إدراكهما المفاجئ بأنهما عُريانان (تكوين ٣: ٧). وقد فكرا في إخفاء نفسيهما من حُضُور الرب لأن ثياب النور التي كانا يتسربلان بها قد زالت. (انظر روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٥٧). وقد اضطربت علاقتهما الحميمة مع الله بسبب علاقتهما الحميمة المكتشفة حديثاً مع أنَانِيّة وأثَرَة الشر. عندها سعى الله إلى تثقيف الزوجين الأولين فيما يتعلق بالعواقب التي جلبتها عليهما خطيئتهما.
اقرأ الفقرات الكتابية التالية وحدد العواقب الفورية لخطية آدم وحواء كما هي مصورة في كل فقرة. أيضاً، كيف تتجلى نفس هذه العواقب في يومنا هذا؟
تكوين ٣: ٨- ١٠
تكوين ٣: ١٢
تكوين ٣: ١٣
تكوين ٣: ١٦
تكوين ٣: ١٧- ١٩
لاشك في أن السقوط كان حقيقياً وصعباً. ولا شك في أن السقوط قد ترتبت عليه عواقب رهيبة وفظيعة بالنسبة للجنس البشري. فإن القصة الحزينة الطويلة للتاريخ البشري، وصولاً إلى الأحداث الحالية في عالمنا، تكشف عن العواقب المأساوية للخطية.
لذا، كم ينبغي أن نكون ممتنين للوعد بأنّ مأساة الخطية ستنتهي وتنقضي في يوم ما ولن تتكرر أبداً.
العداوة والكفارة
اقرأ تكوين ٣: ١٤و ١٦. ما الذي كان يعنيه الله عندما قال للشيطان، «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا» (تكوين ٣: ١٥)؟ ما هو الرجاء الذي نجده لأنفسنا في هذه الآية؟
إن كلمة عداوة باللغة العبرية تشترك في جذورها مع الكلمة العبرية «كُرْه» والكلمة العبرية «عَدُوّ». فإنَّ الزوجين الأولين، ومن خلال أكلهما من شجرة معرفة الخير والشر، قد وضعا نفسيهما والبشرية جمعاء في عداوة مع الله (راجع رومية ٥: ١٠؛ كولوسي ١: ٢١؛ يعقوب ٤: ٤). إنَّ وعد الله هنا يعني أن الله سوف يشرع في تنفيذ خطته لإعادة البشرية إليه، وبالتالي يجعلهم في عداوة مع الشيطان بدلاً من أن يكونوا في عداوة معه. ومن خلال تحويل عداوة البشر إلى الشيطان، تمكَّن الله من إنشاء وسيلة يستطيع من خلالها إنقاذ البشرية وفي الوقت نفسه لا ينتهك مبادئ حكومته الإلهية. وهذا هو ما يُعرف في المعنى الأصلي باسم «الكفارة»، أي ما قام به الله، وما يقوم به حالياً، من أجل أن يسترد بشكل نهائي ما قد فُقد في السقوط.
ما الذي تعلنه الفقرات الكتابية التالية عن الكفارة؟ لاويين ١: ٣و ٤؛ ١كورنثوس ٥: ٧؛ ١يوحنا ١: ٩.
في بعض الأحيان، يستخدم اللاهوتيون كلمة «تكفير» للحديث عن كيفية عمل هذه الكفارة. وأصل هذه الكلمة في اللغة اللاتينية يعني أن «تكفِّر عن»، وهي فكرة ينطوي عليها التعويض عن فعل خاطئ. فإذا فعل شخص ما شيئاً خطأ، فإنه بذلك قد انتهك القانون، وعندها تتطلب العدالة عقوبة على هذا الخطأ المُرْتَكَب. وفي بعض اللغات يُقَال أن الشخص المذنب «مَدْيُونٌ للمجتمع» بسبب ما ارتكبه في حق المجتمع.
وفيما يتعلق بحالتنا، فنحن قد أخطأنا. لكن، ووفقاً لخطة الخلاص، فقد عملت الكفارة- موت المسيح الكفاري نيابة عنّا- على إعفائنا من العواقب المشروعة لتلك الخطايا. وبدلاً من ذلك، دفع المسيح نفسه العقوبة من أجلنا ونيابة عنّا. إن العقاب الذي كُنَّا نستحقه من الناحية القانونية (نعم، فحكومة الله لها قوانين) قد أخذه المسيح نيابة عنَّا. وبهذه الطريقة تم الوفاء بمطالب العدالة، ولكن المسيح هو الذي أوفى بها بدلاً منا. لذا فإنه على الرغم من أننا خطأة، إلا أننا قد حصلنا على العفو والمغفرة وتبرّرنا في نظر الله. هذه هي الخطوة الحاسمة والأساسية المتعلقة بـ «رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ» (أعمال ٣: ٢١).
الاسترداد في المسيح
«يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩).
لقد خُلقنا في الأصل ككائنات مثالية وكاملة في عالم مثالي وكامل. ولكن للأسف، فإنَّ جنة ما قبل السقوط هذه قد فُقدت بسبب الخطية، وأصبح العالم كما نعرفه مليئاً بالموت والعنف والمعاناة والجهل. وقد وُضعت خطة الخلاص من أجل أن يُعاد هذا العالم إلى كماله الأصلي. لقد جاء المسيح من أجل أن يسترد ما قد فُقد في السقوط.
«في البدء خلق الله الإنسان على صورته ومنحه صفات نبيلة. كان عقله متزنا، وكانت كل قوى شخصيته في انسجام تام. ومن السقوط وعواقبه أفسدت هذه الهبات. لقد شوهت الخطية وكادت تطمس صورة الله في قلب الإنسان، ولذا أعد تدبير الخلاص لإعادة هذه الصورة، وأعطيت للإنسان حياة اختبار. إن الغاية العظمى من الحياة، الغاية التي تشتمل على كل غاية أخرى، هي العودة بالإنسان إلى حالة الكمال التي خلق عليها أولا» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٥٩٥). على الرغم من أن هذا الاسترداد لن يكتمل إلا عند وجود السموات الجديدة والأرض الجديدة، غير أن عملية استردادنا قد بدأت فينا بالفعل الآن!
اقرأ غلاطية ٤: ١٩. بغض النظر عن المخاوف المباشرة، ما هي النقطة الروحية التي يؤكد عليها بولس هنا؟
نقرأ في عبرانيين ١: ٣ أن المسيح نفسه يُعرَّفُ على أنه صورة الله «الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ.» (قارن مع يوحنا ١٤: ٩؛ ٢كورنثوس ٤: ٤؛ كولوسي ١: ١٥). إنّ المسيح يرغب في الاتحاد معنا كي يسترد صورة الله فينا.
إنَّ اختبارنا للعودة إلى صورة الله سيحدث عند المجيء الثاني للمسيح (انظر ١كورنثوس ١٥: ٤٩؛ ١يوحنا ٣: ٢). ومع ذلك، فإنه عندما يكون المسيح فينا ونحن في المسيح فإن عملية استردادنا إلى صورة الله ستبدأ على هذا الجانب من السماء. وعندما يحدث ذلك، سنتوق إلى أن نأتي بأولئك الذين في مجتمعنا إلى مَن يمكنه استردادهم إلى صورته هم أيضاً.
دور الكنيسة في الاسترداد
كما رأينا، فإن عالمنا وعلى الرغم من أنه قد خُلق كاملاً، سقط وكان لسقوطه نتائج مدمرة. لكن الله لم يتخلى عنا ولم يتركنا لملاقاة مصيرنا الناجم عن سقوطنا، ألا وهو الهلاك الأبدي (وهو المصير الذي يقول العِلم أنه في انتظارنا). بدلاً من ذلك، فإنّه وحتى قبل تأسيس العالم، كانت خطة الخلاص قد وُضعت (انظر ١بطرس ١: ٢). وقد جاء المسيح إلى هذا العالم مضحياً تضحية شخصية عظيمة وتألم على الصليب، وهو أعطانا الوعد بأنه سيعود. وبحلول الوقت الذي ينتهي فيه كل شيء، وعندما تنتهي الخطية، فإن العالم الذي قد هلك سوف يُسترد بالكامل.
مع ذلك، فالمدهش هو أن الله يدعونا، ككنيسته، لأن يكون لنا دوراً، حتى في وقتنا الراهن، نقوم به نحو تحقيق هذا الاسترداد.
اقرأ في مرقس ٢: ١- ١٢، حيث القصة المتعلقة بكيف عمل بعض الأصدقاء معاً بإصرار على إحضار الشخص المفلوج إلى المسيح. كيف توضح هذه القصة دور الكنيسة في شفاء واسترداد الناس؟
كان البيت مزدحماً لأن المسيح كان بداخله. فإن محبته للناس قد جذبت الجموع إليه. قام الرجال الأربعة بإحداث ثقب كبير في السقف كي يتمكنوا من إحضار الرجل المريض روحياً وذهنياً وجسدياً إلى المسيح. وقد عمل المسيح على استرداد هذا الرجل بأن غفر له خطاياه ومنحه سلام العقل، ومن ثم أمره بأن يقوم ويمشي. وقد أوضح المسيح بذلك أنه لا يمكن لشخص أن يُشفى حقاً ما لم يُسترد كلياً وبِالتّمَام.
كيف وصف الرسول يوحنا السبب الذي لأجله أتى المسيح إلى هذه الأرض؟ ما هو الرجاء الذي يمكننا استخلاصه من هذه الوعود؟ اقرأ يوحنا ١٠: ١٠؛ ١يوحنا ٣: ٨.
لقد قيل أن يوحنا ١٠: ١٠ هي مختصر لرسالة الأدفنتست السبتيين. ومن الواضح أنها كانت «بيان الرسالة» الخاص بالمسيح. فإنّ الدور الرئيسي لجسد المسيح، أي كنيسته، هو السير على خطاه وإبطال عمل الشيطان عن طريق استبدال الموت بملء الحياة (انظر أعمال الرسل ١٠: ٣٨؛ ١يوحنا ٢: ٦). إنَّ الكنيسة مدعوة لأن تكون شريكة مع المسيح في العمل على تقريب الناس إلى الله ليستردوا إلى صورته- جسدياً وعقلياً وروحياً.
لمزيد من الدرس
انظر إلى فقرات كتابية أخرى حول استرداد صورة الله : رومية ٨: ٢٩؛ كولوسي ١: ١٥؛ ٣: ٩- ١١؛ ٢كورنثوس ٣: ١٨؛ ٥: ١٧. اقرأ لروح النبوة، في كتاب الآباء والأنبياء الفصول التي بعنوان «الخلق»، «التجربة والسقوط» و «تدبير الفداء»، صفحة ٢٤- ٥١.
كأتباع للمسيح، نحن دُعينا من قبل الله للعمل من أجل الآخرين ولأجل صالحهم ومن أجل السعي إلى توجيه الآخرين صوب وعود الرجاء والاسترداد التي أُعطيت لنا في المسيح. هناك طرق مختلفة يمكن للرب أن يعمل بها من خلالنا للقيام بذلك. بعض الكنائس تقدم استرداداً جسدياً للناس في مجتمعاتهم وذلك من خلال ما توفره هذه الكنائس من برامج صحية وخدمات. أيضاً، يعمل نظام الكنيسة الخاص بالمستشفيات والعيادات الطبية من أجل تحقيق هذا الهدف نفسه. ويمكن للاسترداد العقلي أن يحدث من خلال تقديم صفوف تثقيفية تعد أفراد المجتمع للعمل على تلبية احتياجاتهم الحياتية. ويمكن للكنائس أيضاً أن تؤسس مدارس محلية أو تقوم بتحسين ما هو موجود بالفعل من مدارس، وكذلك تعليم الناس المهارات المهنية وتقديم برامج تعليمية لمحو الأمية والتطوّع لتقديم دروس خصوصية مجانية وتقديم التوجيه والإرشاد النفسي، وما إلى ذلك. وإذ يواصل الناس في المجتمع سعيهم إلى الاسترداد والحياة الأفضل، فسيدرك كثيرون منهم أنهم بحاجة إلى الاسترداد الروحي والأخلاقي كذلك، على الرغم من أنهم لم يفكروا أصلاً بذلك. في الواقع، هذا هو الجانب الرئيسي للاسترداد إلى صورة الله (انظر أفسس ٤: ٢٢- ٢٤). إن الكنيسة موضوعة ومهيأة بشكل فريد لتلبية الاحتياجات الروحية بشكل أفضل من أي منظمة اجتماعية أو صحية.
استرداد السيادة
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: تكوين ١: ٢٦- ٢٨؛ مزمور ٨: ٣- ٨؛ تكوين ٢: ١٥؛ رومية ٨: ٢٠- ٢٢؛ خروج ٢٠: ١- ١٧؛ رومية ١: ٢٥؛ ٢تسالونيكي ٣: ١٠.
آية الحفظ: « وَقَالَ اللهُ: ‘نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْض’ » (تكوين ١: ٢٦).
عند سقوط أبوينا الأولين في الخطية، خسرا أكثر من مجرد صورة الله الأصلية التي كانا قد خلقا عليها. «وليس الإنسان وحده هو الذي وقع تحت سلطان الشرير، ولكن حتى الأرض أيضا بسبب الخطية خضعت لسلطانه، وكان لابد أن ترد بالفداء. إن آدم بعدما خلق أقيم سيدا على الأرض، ولكنه إذ انهزم أمام التجربة صار تحت سلطان الشيطان، ‘لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا’ (٢بطرس ٢: ١٩) وبعدما صار الإنسان أسيرا للشيطان انتقلت السيادة منه إلى آسره ، وهكذا صار الشيطان ‘إِلهُ هذَا الدَّهْرِ’ (٢كورنثوس ٤: ٤) لقد اغتصب السلطان الذي كان قد أعطي لآدم على الأرض، ولكن المسيح إذ حمل قصاص الخطية بذبيحته فهو لا يفتدي الإنسان فقط بل سيعيد إليه سلطانه الذي قد أضاعه ، فكل ما خسرناه في آدم الأول سنسترجعه في آدم الثاني» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٤٨).
لا شك في أن البشر قد خسروا الكثير بعد السقوط بما في ذلك «السيادة» التي أعطيت لهم في الأصل. ماذا كان هذا السلطان المفقود؟ على الرغم من أن فكرة السلطان غالباً ما يكون لها دلالات سلبية اليوم، إلا أنه بالتأكيد لم يكن لها هذه الدلالات في عدن. ما الذي كان يعنيه أن البشر أُعطوا سلطاناً على الأرض في البداية؟ وما الذي يمكن للكنيسة عمله لمساعدة الناس على استرداد بعض مما تم فقدانه بعد السقوط المأساوي لأبوينا الأولين في عدن؟
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٩ تموز (يوليو).
مخلوق للسيادة
مؤخراً، كتبت إحداهن الآتي عن صديقتها الملحدة المجاهرة بإلحادها: في بعض الأحيان تستيقظ صديقتي في منتصف الليل وهي تفكر في مجموعة من الأسئلة العويصة المعقدة: «هل حقاً جاء هذا العالم إلى الوجود نتيجة انفجار كوني عَرَضِيّ هائل؟ كيف لا يمكن أن يكون هناك أي تصميم أو أي هدف عظيم لوجودنا وللكون ككل؟ هل يمكن أن تكون كل حياة على الأرض- بما في ذلك حياتي أنا وحياة زوجي وطفلي الاثنين- هي حياة عَرَضِيّة وبلا معنى؟ هل حياتي لا معنى لها ولا هدف؟»
بعد السقوط خسرت الإنسانية الكثير. فإننا وكما تُظهر قصة السقوط لم نصبح مُتَبَاعِدين عن الله فحسب بل وأصبحنا متباعدين عن بعضنا البعض. كما أن علاقتنا بالأرض في حد ذاتها قد تغيرت. وكما يُظهر سؤال السيدة أعلاه، فنحن نصارع أيضاً مع معرفة مَن نحن وما هو الهدف مِن حياتنا. وهذه الأسئلة الصعبة أصبحت بالنسبة للكثيرين أكثر تعقيداً وإحباطاً بسبب الفكرة السائدة التي مفادها أن وجودنا نتج عن الصدفة وحدها دون قصد وهدف مِن قِبل الله الخالق.
ماذا تعلمنا الفقرات الكتابية التالية عن القصد والهدف من خلق البشر: تكوين ١: ٢٦- ٢٨؛ مزمور ٨: ٣- ٨؛ إشعياء ٤٣: ٦و ٧؟ ما الذي تعنيه عبارة «وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ» (إشعياء ٤٣: ٧)؟ كيف يرتبط «مَجْدُ» الله بالسيادة؟
كما نرى في الآيات المأخوذة من سفر التكوين، فإنه بالإضافة إلى الأسباب الأخرى التي خُلق البشر لأجلها، فإنهم خُلقوا لتكون لهم سيادة على الأرض (تكوين ١: ٢٦- ٢٨). فكان يمكن للزوجين الأولين معاً، اللذين كانا يعكسان مجد وصفات الله، أن يكونا قنوات يمكن من خلالها لله كُلّي المجد والسيادة (رؤيا ١: ٥و ٦) أن يرعى ويهتم و يدير باقي مخلوقاته الأرضية. مَن يعرف كيف كان مجد الله سيتجلى من خلال البشر ومن خلال سيادتهم على الأرض لولا ظهور الخطية؟
ومع ذلك، فإنه من خلال الإيمان بالمسيح ومن خلال إخضاع حياتنا له بالإيمان والطاعة والتعاون، نحن يمكننا الآن أن نقول مع داود: «الرَّبُّ يُحَامِي عَنِّي. يَا رَبُّ، رَحْمَتُكَ إِلَى الأَبَدِ. عَنْ أَعْمَالِ يَدَيْكَ لاَ تَتَخَلَّ» (مزمور ١٣٨: ٨). إنَّ معرفة أنَّ الله لديه قصد لكل واحد منا هو مدعاة للثقة والابتهاج، خصوصاً عندما نكون خاضعين له، كي يتسنى لمشيئته أن تتمم فينا.
امتياز «السلطان»
ما هو السلطان الذي كان للبشر على الأرض، وفقاً لما ورد في سفر التكوين ١: ٢٦- ٢٨؟
إن كلمة « يَتَسَلَّطُونَ» المُستخدمة في الكتاب المقدس تأتي من الفعل العبري «راداه». وتدل هذه الكلمة على أن للشخص الحق والقدرة على تولي مسؤولية القيادة والتحكُّم. وهي تعني في هذا السياق تسلسلاً هرمياً للسلطة، التي فيها يأتي الجنس البشري على قمة عالم الطبيعة. وفي حين أن هذا الفعل، كما هو مُستخدم في بقية العهد القديم، لا يُعَرِّفُ في حد ذاته كيفية ممارسة هذا السلطان، سواء بدافع خَيِّر أو بدافع شرير، إلا أن سياق الخليقة التي كانت بلا خطية وغير ساقطة آنذاك، يُظهر أنه لا بد وأن القصد من التسلّط والسيادة كان خَيِّرَاً في طبيعته.
ويمكن استخلاص استنتاجات مماثلة بشأن إخضاع الأرض الوارد ذِكره في تكوين ١: ٢٨. فإن الفعل «أَخْضِعُوا» باللغة العبرية هو «هاڤاش» وهي الكلمة التي تصوّر علاقة هرمية يُوضع فيها البشر موضع المتسلطين على الأرض ويُمنحون قوة وسيادة عليها. وفي أجزاء العهد القديم الأخرى التي يرد فيها هذا الفعل «أَخْضِع» أو «هاڤاش» باللغة العبرية، نجد أن هذا الفعل أكثر قوة وحزماً من الفعل «تسلَّط» أو «راداه» باللغة العبرية، حيث تصف كلمة «يُخْضِع» عمل الإخضاع الفعلي وهو ما يعني إجبار مخلوق آخر على أن يكون في وضع التبعية (سفر العدد ٣٢: ٢٢و ٢٩؛ إرميا ٣٣: ١١و ١٦؛ أستير ٧: ٨؛ نحميا ٥: ٥). في كثير من هذه الحالات، نجد أن هناك إساءة استعمال واضحة للسلطة، ونجد كذلك الله يُعرب عن استيائه من هذا الأمر. ومرة أخرى نقول أنه مع أخذ سياق قصة الخلق بعين الاعتبار، حيث وجود الزوجين الطاهرين اللذين خُلقا على صورة الله لإدارة الأرض، فإن إخضاع الأرض يمكن أن يتميز فقط بأنه عبارة عن خدمة خَيِّرة إيثارية للخليقة نيابة عن الخالق. فالمؤكد أن هذا الإخضاع لم يكن استغلالاً.
وإنَّنا لنجد بُعداً إضافياً لمفهوم السيادة هذا في سفر التكوين ٢: ١٥، حيث وُضع الله آدم في الجنة لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا (وهناك كلمات مرادفة لكلمة «يحفظها» من بينها: أن يحوّط حولها، يحرسها، يحميها، يرعاها، يراقبها، يحفظها، يعتني بها، ويصونها).
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، نكتشف أن السيادة هي وكالة أو إدارة تتسم بالرعاية والمحبة. إنَّ أبوينا الأولين، وفي إطار علاقتهما مع الله، كان لديهما كل الموارد والسلطة التي كانا بحاجة إليها لممارسة سلطانهما، وهو السلطان الذي كان من شأنه أن يعكس المحبة الإلهية التي يحب بها الله خليقته.
الحدود
هل للبشرية سلطان على «كل الأرض»؟ تُشير الآية في تكوين ٥: ٢ إلى أنه ليس هناك حدود لسلطاننا؟ ويُشير تاريخ الكتاب المقدس إلى أن التسلّط (وهو ما يمكن أن يُفهم أيضاً على أنه «وكالة») يجب أن تكون له حدود.
على سبيل المثال، قال الله لآدم أن شجرة معرفة الخير والشر كانت مُحرّمة (انظر تكوين ٢: ١٥- ١٧). إذاً، لقد كانت الخطية الأولى متعلقة بسياق الوكالة. فإنّ آدم وحواء قد تجاوزا الحدود التي وضعها الله لتسلطهما. ولا تزال الخليقة تعاني من هذا التجاوز للحدود (انظر رومية ٨: ٢٠- ٢٢).
اقرأ خروج ٢٠: ١- ٧. ما هي أنواع «الحدود» التي وُضعت لنا في شريعة الله؟ ماذا يخبرنا الناموس عن حدود سلطان البشر؟
على مرّ التاريخ البشري (على سبيل المثال فرعون في خروج ١- ١٤؛ هيرودس في متى ٢)، ووصولاً إلى نهاية الزمان (انظر رؤيا ١٣)، نجد أن الأشخاص المستبدين الذين يسيطر عليهم الشيطان يشتهرون بمحاولتهم الهيمنة على الأمور التي ليس لديهم الحق في الهيمنة والسيطرة عليها. إنهم يقلدون الشيطان الذي استولى على السلطة وجعل نفسه «رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ» (يوحنا ١٢: ٣١). وهكذا نجد أن السلطان المنحرف عن مساره الصحيح يصبح سَطْوَة وهيمنة.
ومن ناحية أخرى، هناك مَن يرفضون قبول التسلّط على الأمور التي هم بحاجة إلى التسلط عليها (انظر متى ٢٥: ١٤- ٣٠؛ لوقا ١٩: ١٢- ٢٧).
وعلى الرغم من أن الخطية قد تسببت في جعل البشر يخسرون درجة السيادة التي تم إعطاؤهم إياها عند الخلق، إلا أنَّ سلطاننا الأصلي لم يُفقد تماماً بسبب الخطية. فلا يزال هناك الكثير الذي هو داخل حدود مسؤوليتنا الحالية: على سبيل المثال، يمنحنا المسيح السيادة الذاتية في حياتنا الشخصية (انظر ١كورنثوس ٩: ٢٥- ٢٧؛ غلاطية ٥: ٢٢و ٢٣)، وكذلك فيما يتعلق برعاية الأرض ومخلوقاتها، والاعتناء بكل ما أُعطي لنا من قِبل الله (انظر يعقوب ١: ١٧؛ متى ٢٥: ١٤- ٣٠). نحتاج كمسيحيين إلى معرفة ما هي حدودنا ومن ثم العمل على أن نكون وكلاء أمناء في إطار تلك الحدود.
الاعتناء بالأرض
«وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا» (تكوين ٢: ١٥). ما هي المبادئ (إن وجدت) التي يمكننا استخلاصها من هذه الفقرة الكتابية وينبغي أن تؤثر في الكيفية التي نتعامل بها مع كوكبنا فيما يتعلق بالعناية به والمحافظة عليه؟
قبل دخول الخطية، كان آدم وحواء قد فُوضا لأن تكون لهما وكالة على كل ما عُهِدَ به إليهما. وقد كان لهما سلطاناً على حياة النبات والحيوان. ومع ذلك، فإنه بعد الخطية يبدو أن الطبيعة قد تمردت ضد آدم وحواء بنفس قدر تمردهما ضد الله. وبدأ البشر يرون أنفسهم ضعفاء وعاجزين عن مواجهة العناصر والعوامل الطبيعية (الطقس، الزراعة، مملكة الحيوان).
«إنَّ آدم كان قبلاً يقف بين الخلائق الدُّنيا كملك، وطالما ظلَّ على ولائه لله اعترفت كلّ الطّبيعة بسلطانه، ولكن عندما تعدّى وعصى خسر هذا الملك وهذا السُّلطان. إنَّ روح العصيان الذي قد سمح هو بدخوله انتشر في كلّ المملكة الحيوانيّة. وهكذا ليس فقط حياة الإنسان بل طبيعة البهائم والوحوش وأشجار الغابات وعشب الحقل ونفس الهواء الذي كان يستنشقه – كلّ هذا أخبر عن الدّرس المحزن درس معرفة الشّر» (روح النبوة، التربية، صفحة ٣٠).
واليوم نحن لا نزال نتعرض للكوارث الطبيعية المدمرة، ونظامنا البيئي المتدهور، على الأقل في بعض الأماكن. وبالتالي، نبذل جهوداً كبيراً لاستخدام التكنولوجيا والصناعة لحماية أنفسنا. ومع ذلك، وفي حين يمكن للتكنولوجيا والصناعة أن يساعدانا على حماية أنفسنا، إلا أنه يمكن للتكنولوجيا في بعض الأحيان أن تُلحق الضرر بكوكبنا. إنّ الاعتناء بالبيئة يعد مسألة أخلاقية وأدبية ودينية، خصوصاً عندما يمكن لاستغلال الأرض استغلالاً سيئاً أن يؤدي إلى معاناة الآخرين معاناة بالغة.
«يدعو الأدفنتست السبتيون إلى نمط حياة يتسم بالبساطة والسلامة بحيث لا يدخل الناس في حلقة مفرغة من الاستهلاك الجامح للسلع وإنتاج النفايات. إننا ندعو إلى احترام الخليقة والتدبير فيما يتعلق باستخدام موارد الأرض، وإعادة تقييم احتياجات الفرد، والتأكيد على كرامة المَخْلُوقَات.» في البيان الرسمي لكنيسة الأدفنتست السبتيين بشأن البيئة، ١٩٩٥.
استرداد السلطان والسيادة
بسبب السقوط في الخطية، خسرنا كبشر الكثير، بما في ذلك نوع التسلط الذي كان أبوانا الأولان ينعمان به في عدن. وقد جاء المسيح لكي يستعيد لنا ما فقدناه.
وبسبب ما قام به المسيح من أجلنا، نحن أيضاً قد دُعينا مِن قِبل الله للوصول إلى الآخرين والتواصل معهم ومساعدتهم على أن يَستردوا في المسيح الخلاص والسياة التي خسرناها عند السقوط، وهي السيادة التي أعادها لنا المسيح. وعلى الرغم من أن هذه العملية لن تتم بشكل كامل إلا عند المجيء الثاني للمسيح، إلا أن هناك الكثير الذي يمكننا القيام به الآن فيما يتعلق بالوصول إلى أولئك الذين هم في احتياج ويشعرون بالضياع والانهزام مِن قِبل العالم. يمكننا أن نُستخدم مِن قِبل الله للمساعدة في بدء ذلك الاسترداد، حتى في وقتنا الحالي وذلك من خلال الوصول إلى مَن هم في حاجة، ومساعدتهم.
ما الذي تقوله كل فقرة من الفقرات الكتابية التالية ويمكن تطبيقه لمساعدة الآخرين على استعادة بعض من «السلطان» المفقود بسبب الخطية؟
تثنية ١٥: ٧- ١٢
لوقا ١٤: ١٢- ١٤
١بطرس ٣: ١٥
يعقوب ١: ٢٧
إشعياء ٥٨: ٧
٢تسالونيكي ٣: ١٠
هناك الكثير الذي يمكننا القيام به ككنيسة، بل ويجب علينا القيام به، وهو ما دُعينا للقيام به: الوصول إلى مَن هم في احتياج والعمل على تلبية احتياجاتهم. في بعض الأحيان، قد تكون تلك الحاجة أساسية جداً مثل توفير الغذاء أو الملبس أو المأوى لشخص في حاجة ملحّة. وعلى الرغم من أن عمل الإغاثة ضروري، إلا أن هناك حاجة إلى تقديم ما هو أكبر من الإغاثة لمساعدة الناس على استعادة السيطرة على حياتهم.
وعلى الرغم مِن أنه يجب أن نكون دائماً على استعداد لإعطاء سبب للرجاء الذي فينا، إلا أنه علينا تلبية احتياجات الناس الجسدية وتوجيههم إلى حياة أفضل، متى وحيثما أمكننا القيام بذلك.
وعلى الرغم مِن أن كل حالة تختلف عن غيرها، وعلى الرغم من أن الاحتياجات مختلفة، إلا أننا دُعينا مِن قِبل الله لأن نكون نوراً ومصدراً للشفاء والرجاء في مجتمعاتنا. هذا جزء أساسي مما يعنيه أن نكون شهوداً للعالم بحيث نُخبر عن الله المحب والمخلص الذي نخدمه ونعبده. يجب القيام بكل ما بوسعنا، بقوة الرب، لنكون منارة ورجاء للمحتاجين. وكمسيحيين، لا يجب أن نقوم بأقل من ذلك. فعندما نقوم بدورنا في الخدمة، فإننا بذلك نساعد الناس على معرفة طبيعة وصفات الله. وأيضاً، من خلال تلبية احتياجاتهم الجسدية نحن نمهد الطريق أمام الروح القدس للوصول إلى قلوبهم. هذا هو ما فعله المسيح، وهذا هو ما دعينا للقيام به أيضاً.
لمزيد من الدرس
من الصعب جداً من وجهة نظرنا اليوم، كوننا منغمسين في عالم ساقط إلى حد كبير، أن نتخيل ما قد خسرناه بسبب السقوط في الخطية. فإنه لولا كلمة الله المقدسة وما تعلنه لنا عن أصولنا وأصول الخطية والموت والشر، لكان هذا العالم الساقط هو كل ما نعرفه في الحياة، ولَكُنا سنسلّم بالأمر الواقع ونعتبر ما يجرى هنا على الأرض جزءاً من الحياة نفسها. ومع ذلك، فإن قصة السقوط تُظهر لنا أن الأمور لم يكن يقصد لها أن تكون هكذا. فإننا نقرأ في سفر التكوين أن آدم وحواء كان لهما تسلّط على العالم؛ ثم بعد سقوطهما في الخطية مباشرة تغيرت فجأة علاقتهما مع العالم لأنهما تغيرا، كما أن العالم الطبيعي نفسه قد تغير كذلك. وفجأة فقدا التسلط الذي كانا يتمتعان به وأصبحت العواقب وخيمة. فإنَّ «الشوك والحسك (تكوين ٣: ١٧و ١٨)، عواقب الطوفان (تكوين ٧: ١٢)، الصحراء والبرية، أنين الخليقة وتمخضها طلباً في النجاة والإنقاذ من عبودية الفساد (رومية ٨: ١٩- ٢٢) هي بعض الكلمات التصويرية التي يستخدمها الكتاب المقدس لوصف تأثير الخطية على العالم» [دِلِيل اللاهوت السبتي الأدفنتستي (هاغرستوون، ماريلاند: مطبوعات ريفيو آند هيرالد ®) مجلد ١٢، صفحة ٢٥٤]. يجب أن يكون امتنانا كبيراً لتدبير الفداء الذي سوف يسترد كل ما قد فُقد، والذي يقدم لنا الوعد بمستقبل أفضل بكثير من الماضي أو الحاضر.
الدرس الثاني
٢- ٨ تموز (يوليو)
الدرس الثالث
٩- ١٥ تموز (يوليو)
العدل والرحمة في العهد القديم: الجزء الأول
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: ٢٢: ٢١- ٢٣؛ ٢٣: ٢- ٩؛ عاموس ٨: ٤- ٧؛ إشعياء ١: ١٣- ١٧؛ ٥٨: ١- ١٤؛ أعمال الرسل ٢٠: ٣٥.
آية الحفظ: «الْمُجْرِي حُكْمًا لِلْمَظْلُومِينَ، الْمُعْطِي خُبْزًا لِلْجِيَاعِ. الرَّبُّ يُطْلِقُ الأَسْرَى. الرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ الْعُمْيِ. الرَّبُّ يُقَوِّمُ الْمُنْحَنِينَ. الرَّبُّ يُحِبُّ الصِّدِّيقِينَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ الْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ الْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ» (مزمور ١٤٦: ٧- ٩).
منذ سنوات، وفي يوم بارد في مدينة نيويورك، كان هناك صبي في العاشرة من العمر يحدق في نافذة متجر لبيع الأحذية وهو حافي القدمين ويرتجف من شدة البرد. اقتربت سيدة من الصبي وسألته عن سبب تحديقه في نافذة متجر بيع الأحذية؛ فقال لها أنه كان يطلب من الله أن يعطيه زوجاً من الأحذية. أمسكت السيدة بيد الصبي ودخلا إلى المتجر. طلبت السيدة من المستخدم أن يحضر ستة أزواج من الجوارب؛ وطلبت أيضاً أن يؤتى بوعاء مليء بالماء ومنشفة. وأخذت السيدة الصبي إلى الجزء الخلفي للمتجر وخلعت قفازيها وغسلت قدمي الصبي وجففتهما بالمنشفة. ثم أحضر المستخدم الجوارب. ألبست السيدة الصبي الجوارب ثم اشترت له زوجاً من الأحذية. وربتت السيدة على رأس الصبي وسألته عما إذا كان يشعر بأنه أكثر ارتياحاً الآن. وبينما كانت تهم لمغادرة المتجر، أمسك الصبي بيديها وسألها وقد اغرورقت عيناه بالدموع، «هل أنتِ زوجة الله؟» (www.inspirationalstories.com/١/١٩٨.html)
لقد نطق هذا الصبي بالحقيقة التي ربما لم يكن يدركها إدراكاً تاماً. فإن كنيسة الله هي التي تصور في الكتاب المقدس على أنها العروس. إن صفات الله معلنة في آية الحفظ لدرس هذا الأسبوع. وبوصفنا أعضاء مهتدين لكنيسته، يجب علينا أن نعكس صفاته. فإذا كنا حقاً مِلْكاً لله فإننا سنهتم بالفقراء والضعفاء ونوفر لهم احتياجاتهم.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٦ تموز (يوليو). ١٦ نيسان (أبريل).
العدل والرحمة: سمتا شعب الله
منذ البداية كانت «العدالة الاجتماعية» جزءاً من قوانين الله وكانت هي المثال الذي كان يريد الله لشعبه قديماً أن ينتهجه. إن العدالة الاجتماعية هي قصد الله الأصلي للمجتمع البشري: عالم فيه يتم تلبية الاحتياجات الأساسية للبشر حيث يزدهرون وحيث يسود السلام.
اقرأ الآيات التالية ولخّص ما تقوله عن الرحمة والعدل، أو ما يُسمى أحياناً «العدالة الاجتماعية.» خروج ٢٢: ٢١- ٢٣؛ ٢٣- ٢- ٩؛ لاويين ١٩: ١٠؛ أمثال ١٤: ٣١و ٢٩: ٧.
كما يُسلّط الضوء على كل من الرحمة والعدل في القوانين المتعلقة بالسبت والتي أعطاها الله لبني إسرائيل قديماً. وقد حدد الله ثلاثة أنواع من السبوت.
كيف تنعكس فكرة الرحمة والعدل في كل سبت من هذه السبوت؟ خروج ٢٠: ٨- ١٠؛ ٢٣: ١٠و ١١؛ لاويين ٢٥: ٨- ٥٥.
١. كانت التعليمات المتعلقة بحفظ سبت اليوم السابع تتضمن توفير فرص متكافئة للجميع ليستريحوا في السبت، بما في ذلك الخدم والعبيد والحيوانات والغرباء.
٢. كل سبع سنوات، كانت هناك سنة الراحة أو «سَبْتُ عُطْلَةٍ»، وهي الوقت الذي كانت تلغى فيه الديون ويتم إظهار الاهتمام بالفقراء وتحرير العبيد. وقد أعطى الله تعليماته للشعب بأن يشملوا الحيوانات فيما يتعلق بفوائد السنة السابعة التي هي «سَبْتُ عُطْلَةٍ» (انظر لاويين ٢٥: ٦و ٧).
٣. سنة اليوبيل في السَّنَةِ الْخَمْسِين بعد سَبْعَةَ سُبُوتِ سِنِينَ. وكانت الممتلكات التي تم بيعها تُسترد إلى المالك الأصلي؛ وكان يتم إلغاء الديون؛ وكان السجناء والعبيد يتحررون ويعتقون. لقد كان اليوبيل هو الذي يعمل على توازن وتعادل المجتمع وفيه إعادة تمهيد لكي يُعطي الجميع فرصة للبدء من جديد لقد كان اليوبيل «عمل تدبير للحفظ والوقاية من الفقر المدقع والغنى الفاحش» (روح النبوة، خدمة الشفاء، صفحة ١٨٥).
هنا، يمكننا أن نرى في نسيج المجتمع العبري نفسه كيف كان كلاً من العدل والرحمة يعملان معاً لصالح مَن هم أقل حظاً في المجتمع.
شواغل عالمية
اقرأ تكوين ٢: ١- ٣. ماذا يخبرنا هذا عن عالمية وشمولية السبت؟
إذا كنا نحفظ السبت حقاً فإننا لن نبقى مكتفين فقط بالحصول على الراحة (خروج ٢٣: ١٢)، والفداء (تثنية ٥: ١٢- ١٥)، والاسترداد النهائي في الأرض الجديدة (إشعياء ٦٦: ٢٢و ٢٣) دون أن نسعى إلى أن يحصل الآخرون أيضاً على الراحة والفداء والاسترداد. في الواقع، يخبرنا سبت اليوم السابع أن الله هو الخالق وموفر الراحة لجميع مَن يعيشون على هذه الأرض. إن شمولية وعالمية راحة السبت تتضمن قواسم مشتركة بيننا جميعاً، أغنياء أو فقراء. فإنَّ كون الله أباً لنا جميعاً معناه أن هناك مساواة و اِلْتِزَام مشترك مِن جانب كل البشر.
أيضاً، وكما رأينا بدرس الأمس، فإنَّ الحرص على العدالة الاجتماعية يمتد من سبت الراحة الأسبوعي إلى سنة العطلة كل سبع سنين إلى سنة اليوبيل. إن المبادئ الكامنة وراء السبوت الثلاثة مصوّرة في لاويين ٢٣ و٢٥ وهي تنطبق على المسيحيين كذلك. إن سبت اليوم السابع سيظل إلى الأبد يشير إلى الخلق، ويشير كذلك إلى الأمام، إلى الصليب والأرض الجديدة. إن السبت سوف يُعزز علاقتنا مع خالقنا ومخلّصنا الرَؤُوف، وبالتالي يقرّبنا مِن أولئك الذين يحبهم محبة بالغة- أولئك الذين لديهم احتياجات هائلة ويعانون من الفقر والألم والبلوى.
مع ذلك، يرجى ملاحظة أن سنة العطلة وسنة اليوبيل يصوران مبادئ أبدية، لكن هذا لا يعني أنه علينا حفظ هذه الأعياد حفظاً حرفياً الآن، نحن ليس علينا عمل ذلك. فإنّ هذان السبتان، وعلى عكس سبت اليوم السابع الذي تأسس عند الخلق في عالم ما قبل السقوط، هما من بين السبوت الطقسية التي كانت «ظلاً» للأمور العتيدة أن تأتي (كولوسي ٢: ١٦و ١٧) والتي كانت تشير إلى خدمة وذبيحة المسيح، وهي السبوت الطقسية التي انتهت بموت المسيح على الصليب. بدلاً من ذلك، كانت هذه السبوت الطقسية تشير إلى المبدأ المتعلق بكيف ينبغي معاملة الآخرين، خاصة أولئك الذين هم في احتياج. وكان بنو إسرائيل مُلزَمين بأن يكونوا نوراً للعالم، ويُظهروا رحمة الله للآخرين دون أي تحيّز أو محاباة. وكان عليهم أن يقوموا بامتنان بتمثيل صفات الله لأولئك الذين لم يعرفوه.
الصوت النبوي: الجزء الأول
« ‘اِفْتَحْ فَمَكَ لأَجْلِ الأَخْرَسِ فِي دَعْوَى كُلِّ يَتِيمٍ. ٩ اِفْتَحْ فَمَكَ. اقْضِ بِالْعَدْلِ وَحَامِ عَنِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ’ » (أمثال ٣١: ٨و ٩).
كيف يمكننا في أيامنا هذه تطبيق المبادئ الواردة هنا؟
إذاً، لقد لاحظنا في هذا الأسبوع أن الله يريد لشعبه أن يعلنوا عن صفاته المتمثلة في الرحمة والعدل، كجزء من سلوكهم المثالي بوصفهم شعب له. في كثير من الأحيان كان الأنبياء العبرانيون يتكلمون نيابة عن المحتاجين ويدعون شعب الله للتوبة عن عدم اهتمامه بالمهمشين والمظلومين وفقاً لمتطلبات الله بهذا الشأن. في الواقع، إن الله يساوي بين السلوك المتسم بالأثرة ونكران الذات وبين العبادة الحقيقية.
اقرأ إشعياء ١: ١٣- ١٧. ما الذي تقوله هذه الفقرة عن تعريف الله للعبادة الحقيقية؟ كيف يمكننا أخذ ما يُقال هنا، في هذا السياق المباشر، وتطبيقه على أنفسنا اليوم؟ بمعنى، ما الذي يجب لهذه الآيات أن تقوله لنا نحن اليوم؟
على الرغم من أن الكثيرين من أنبياء العهد القديم قد أشاروا إلى أحداث المستقبل التي تخطت الفترة الزمنية التي كانوا يعيشون فيها، إلا أنهم ركزوا بشكل كبير أيضاً على الإصلاح الروحي والأخلاقي وعلى الخدمة غير الأنانية في الوقت الحاضر آنذاك. إن صدى الصوت النبوي لخدام الله كان أعلى عندما كان شعب الله يبذلون جهوداً كبيرة في ممارسة طقوس العبادة لكن دون أن يُظهروا تحنن وإشفاق الله على مَن يعانون مِن حولهم. إنه لا يمكن تصور شهوداً أسوأ من أولئك الذين هم مشغولون جداً «بعبادة» الله لدرجة أنه لا وقت لديهم لمساعدة المحتاجين. أ فلا يمكن أن يكون في عملنا على تلبية احتياجات الآخرين إعلان عن شكلٍ من أشكال «العبادة»؟
الصوت النبوي: الجزء الثاني
يقدم لنا الأصحاح ٥٨ من سفر إشعياء رسالة نبوية خاصة من التوبيخ والرجاء لشعب الله في زمن إشعياء، ولنا نحن اليوم؟
بعد إعلان الله عن أنه غاضب من شعبه (انظر إشعياء ٥٨: ١)، كيف وصف أولئك الذين كان يخاطبهم؟ إشعياء ٥٨: ٢.
على الرغم من أننا لا نعرف «نبرة الصوت» المحددة في الكلمات المعرب عنها هنا، إلا أنه من الواضح أن الله كان يدين مظهرهم الخارجي المتسم بالتقوى والإيمان لأنه كان يعرف مدى زيف كل ذلك. تقول الآية في إشعياء ٥٨: ٢، «وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ.»
اقرأ إشعياء ٥٨: ٣- ١٤. ما هو أيضاً الشيء الذي يقوله الرب لأولئك الناس فيما يتعلق بما هو الخطأ في أشكال عبادتهم (والإشارة في هذه الحالة هي إلى الصوم)؟ ما هي المشكلة الكبرى هنا؟
لاحظ شيئاً حاسماً هنا: في كثير من الأحيان، يمكن للعبادة أن تكون أنانية ومتمحورة على المصالح الذاتية، فنقول على سبيل المثال: يارب أفعل هذا أو ذاك من أجلي. بالطبع، هناك زمان ووقت نلتمس فيه الرب من أجل أن يلبي احتياجاتنا الشخصية. لكن ما يقوله الرب هنا هو أن العبادة الحقة سوف تشمل مد يد العون والمساعدة «للجياع» و «المنكوبين» و «للفقراء والمحتاجين». لكن الشيء المدهش هو أنه عند مساعدة الآخرين لا تتم مباركة المتسلمين للمساعدة فحسب، بل ويُبارَك أولئك الذين يقدمون المساعدة. اقرأ ما تقول الفقرة الكتابية أنه يحدث لأولئك الذين يمدون يد العون لأولئك الذين هم في حاجة. إنه من خلال خدمتنا وعطائنا للآخرين نُبارَك نحن أيضاً. مَن مِنَّا لم يختبر، في وقت ما وبدرجة ما، حقيقة تلك الوعود التي نطق بها الله هنا؟ من منّا لم يرى الفرح والرضا والرجاء الذي يحل على أولئك الذين يساعدون مَن لا يستطيعون مساعدة أنفسهم؟ إنه من الصعب أن نتخيل وسيلة لعكس صفات المسيح للعالم أفضل من العطاء ومساعدة المحتاجين.
قوة للخير
إن معرفتنا للحق، مهما كانت روعته، لا تكفي. في إشعياء ٥٨، كان شعب الله متحمسين بشأن أشكال عبادتهم وممارساتهم الدينية. ومع ذلك، فقد كانوا ضعفاء في تطبيق إيمانهم بطريقة عملية. يدعو الله كنيسته اليوم إلى أن تكون قوة للخير، مردداً دعوة أنبياء العهد القديم لإظهار وإعلان الحق المتعلق بصفات الله.
اقرأ الفقرات الكتابية التالية. كيف يمكننا، ككنيسة محلية وككنيسة عالمية، أن نسعى إلى القيام بما دُعينا مِن قِبل الله للقيام به في هذا المجال؟
مزمور ٨٢: ٣
إشعياء ١: ١٧
كانت هناك كنيسة حضرية في تقع مجتمع يُعاني من العنف المسلح. وفي عام ٢٠١١، تكلم الصوت النبوي الواضح إلى راعي هذه الكنيسة خلال مؤتمر تبشيري كان يُقام في مدينة كبيرة. وفيما يلي عينة من الأفكار المأخوذة من عظته: «يجب على المسيحيين إيقاف مسيرة الموت!» وكان بذلك يشير إلى القصة الكتابية حين أوقف المسيح موكب جنازة ابن أرملة نايين (لوقا ٧: ١١- ١٧). وأوضح القس كيف أنه لا يمكن للكنيسة أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يتصاعد العنف في الشوارع في مجتمعه. وسأل القس الحاضرين، «هل أنتم مجرد كنيسة تقف لإلقاء بعض كلمات التأبين؟ وعندما نسأل الله قائلين ‘لماذا تسمح بالمعاناة؟’ ألا يقول الله، ‘لماذا تسمحون أنتم بالمعاناة؟’ »
إن هذه الكنيسة هي كنيسة نشيطة جداً في تنمية المجتمع. لمدة سبع سنوات كانت جوقة ترانيم الكنيسة تجوب شوارع البلدة حيث كان أفرادها يقومون بالترنيم وتوزيع النشرات وتقديم الخدمات الكنسية لأولئك الذين لديهم احتياجات. ومن خلال هذا التواصل الذي للكنيسة مع المجتمع المتواجدة فيه، ساعدت الكنيسة المناطق المجاورة لها بالعديد من الطرق التي كان ذات فائدة كبيرة للمحتاجين. ومن خلال العديد من البرامج المختلفة أحدثت الكنيسة تغييراً كبيراً في المجتمع.
إن هذه الكنيسة هي مجرد مثال واحد للعديد من الطرق التي يمكننا من خلالها ككنيسة أن نكون قوة خادمة وشافية في مجتمعاتنا؟
لمزيد من الدرس
اقرأ لروح النبوة، من كتاب «الآباء والأنبياء» صفحة ٢٦٤- ٢٧٣ من الفصل الذي بعنوان «إعطاء الشريعة»، والفصل الذي بعنوان «رعاية الله للفقراء»، صفحة ٤٧٤-٤٧٨.
إن مفهومي العدل والرحمة موجودان في كل أجزاء العهد القديم. على سبيل المثال، انظر تثنية ٢٤: ١٠- ٢٢. انظر إلى التعليمات المحددة المُعطاة في هذه الحالات. يمكننا أن نرى بوضوح اهتمام الله بالفقراء والعمال والمديونين. ولا يتم الإعلان عن الاعتناء بمَن هم أقل حظاً بلغة موجزة ومتعالية؛ بدلاً من ذلك، على الأقل في هذه الفقرة، يُنادى بالاهتمام بالفقراء من خلال تقديم تعليمات ملموسة وعملية حول ما يجب وما لا يجب عمله في حالات معينة. فهناك مثلاً تعليمات واضحة بشأن ما ينبغي عمله مع شخص مديون أو مع عامل فقير. لقد كانت المفاهيم المتعلقة بالعدل والإحسان هامة للغاية لدرجة أن الله قد حددها بشكل واضح ولم يترك مجالاً للاجتهاد الشخصي بشأن تفسير هذه المفاهيم. لاحظ أيضاً كيف لفت الرب انتباه بني إسرائيل إلى ما كانوا عليه قبلاً عندما كانوا بالفعل مِن بين الأقل حظاً. «وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ. لِذلِكَ أَنَا أُوصِيكَ أَنْ تَعْمَلَ هذَا الأَمْرَ» (تثنية ٢٤: ٢٢). وكمسيحيين، وبغض النظر عن ظروفنا المالية، علينا أن نتذكر دائماً النعمة والإحسان غير المُستحَقَين اللذين أنعم الله علينا بهما. وبالتالي، فإنه بفضل ملء نعمة الله وبركاته التي أغدقها علينا (أفسس ٣: ١٩؛ كولوسي ٢: ١٠) نحتاج إلى أن نكون على استعداد لخدمة ومساعدة أولئك الذين يحتاجون الخدمة والمساعدة.
الدرس الرابع
١٦-٢٢ تموز (يوليو)
العدل والرحمة في العهد القديم: الجزء الثاني
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: حزقيال ٣٧: ١- ١٤؛ أفسس ٢: ١٠؛ حزقيا ٤٧: ١- ٨؛ متى ٥: ١٦؛ رؤيا ٢٢: ١و٢؛ إشعياء ٦١: ١- ١١.
آية الحفظ: « ‘وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا. وَيَكُونُ السَّمَكُ كَثِيرًا جِدًّا لأَنَّ هذِهِ الْمِيَاهَ تَأْتِي إِلَى هُنَاكَ فَتُشْفَى، وَيَحْيَا كُلُّ مَا يَأْتِي النَّهْرُ إِلَيْهِ’ » (حزقيال ٤٧: ٩).
إن الحي السكني الذي كان مزدهراً في الخمسينات وفي أوائل الستينات من القرن العشرين قد أصبح مثل ساحة حرب في أواخر الستينات وأوائل سبعينات القرن ذاته. فقد رحلت معظم العائلات عن الحي السكني تاركين وراءهم مساكنهم المهجورة والمدمرة والمحترقة. كما تركت الشركات التجارية المنطقة وانتشرت المخدرات والجريمة في الحي. وهكذا أصبح الحي مكاناً غير مرغوب فيه ومُبْغَضاً.
وفي عام ١٩٨٦، تركت أسرة مسيحية بيتها المريح في ضواحي المدن وانتقل أفرادها إلى هذا المجتمع الحضري الكئيب. وقد انضم إلي هذه الأسرة قس وأسرته من مدينة أخرى. قام أفراد الأسرتين بإعادة بناء مبنيين كان الحريق قد دمرهما وسكنوا فيهما. وكان أفراد الأسرتين يمضيان الوقت في الشوارع ويلتقون بمجموعات من سكان المجتمع المحلي ويختلطون مع أولئك الذين بقوا في المنطقة. كان أفراد هاتين الاسرتين بمثابة حافز استخدمه الله للبدء في تأسيس كنيسة جلبت الشفاء والاهتداء لهذا المجتمع «الميت». ولا يزال عمل وتأثير أفراد الأسرتين مستمراً حتى اليوم. وقد أحدثوا تغييراً كبيراً في حياة الكثيرين هناك.
إنَّ الله يريد لكنيسته أن تلعب دوراً للنهوض بالحالات «الميؤوس منها»، مثل تلك الحالة المذكورة أعلاه. يواصل درس هذا الأسبوع «الإصغاء» إلى صوت جوقة العهد القديم التي تدعو شعب الله إلى أن يعلن للعالم صفات برِّ وإحسان الله.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٣ تموز (يوليو).
حَيٌّ في المسيح
إننا نجد أن نعمة الله التي تجلب الانتعاش الروحي لأولئك الذين هم أموات في المعصية والخطية مُعْلنة بشكل بلاغي واضح في حزقيال ٣٧. ففي رؤيا من الرؤى، انتقل النبي حزقيال بالروح إلى وادٍ مليء بالعظام الميتة واليَابِسَة والمتناثرة. وكانت هذه العظام ترمز إلى كل بيت إسرائيل. ويسأل الله، «يَا ابْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هذِهِ الْعِظَامُ؟» (حزقيال ٣٧: ٣).
وقد اتضحت الإجابة على هذا السؤال عندما بدأ النبي يتنبأ على هذه الْعِظَام.
اقرأ حزقيا ٣٧: ١- ١٤. ما الذي كان سيفعله الله من أجل شعبه؟
بعد أن تنبأ حزقيال على العظام اليابسة التي كانت ترمز إلى بيت إسرائيل كانت النتيجة هي أنهم: (١) «حَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدًّا جِدًّا» (حزقيال ٣٧: ١٠)؛ (٢) جعلهم الله يستقرون في أرضهم (حزقيا ٣٧: ١٤)؛ (٣) واعترف بنو إسرائيل أن الله هو الذي قام بذلك (حزقيال ٣٧: ١٤).
لكن ليس كافياً أن نكون أحياء ومنتعشين. فإنَّ أتباع الله يحيون وينتعشون لمرسلية ولهدف. فقد كان ينبغي للأمة الإسرائيلية قديماً أن تكون نوراً للأمم.
اقرأ أفسس ٢: ١٠. لماذا يتم إحياؤنا- إعادة خلقنا روحياً- في المسيح؟
«إنَّ قبول الله لنا مضمون ومؤكد فقط من خلال ابنه الحبيب، وما أعمالنا الصالحة إلا نتيجة عمل محبته الذي يصفح عن خطيتنا. إنَّ أعمالنا الصالحة ليست رصيداً لنا، وليس هناك ما يُمنح لنا على أساسها بحيث يجعلنا نطالب بأن يكون لأعمالنا الصالحة دور في خلاص نفوسنا.» إن الخلاص هو عطية الله المجانية إلى المؤمن، وهو يُمنح له فقط من أجل استحقاقات المسيح وحده. يمكن للنفس المضطربة أن تجد السلام من خلال الإيمان بالمسيح، وسيكون سلام المرء متناسباً مع إيمانه وثقته. ولا يمكن للمرء أن يقدم أعماله لتكون بمثابة حجة وذريعة لخلاص نفسه.
«لكن، هل الأعمال الصالحة هي دون أي قيمة حقيقة؟» هل ينظر الله إلى الخاطئ الذي يرتكب خطيته كل يوم من غير أن ينال جزاءه، بنفس نظرة الاستحسان التي ينظر بها إلى الشخص الذي يحاول من خلال الإيمان بالمسيح أن يحيا حياة إخلاص وأمانة واستقامة؟ يجيب الكتاب المقدس على هذا السؤال، ‘لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا’ [أفسس ٢: ١٠].
«إن الله في تدبيره الإلهي، من خلال إحسانه غير المُستَحق، قد أوجب أن تكافأ الأعمال الصالحة. إننا مقبولون من خلال استحقاقات المسيح وحدها؛ وما أعمال الرحمة والإحسان التي نقوم بها إلا ثماراً للإيمان» (روح النبوة، رسائل مختارة، مجلد ٣، صفحة ١٩٩و ٢٠٠).
نهر متدفق
اقرأ حزقيال ٤٧: ١- ٨. ما الذي حدث للهيكل الذي رآه حزقيال في الرؤيا؟
يبدو أن الهيكل قد حدث به تسرَّب للمياه. وقد تتساءل هل انكسر انبوب مياه، أَمْ ماذا؟ في هذه الحالة، كان التسرّب شيئاً جيداً.
كانت المياه المتسربة من الهيكل متجهة «نَحْوَ الْمَشْرِقِ.» ويوجد في شرق أورشليم بحر الملح (الذي يعرف أيضاً باسم البحر الميت). يشتهر البحر الميت بكونه أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية. والمسافة بين أورشليم والبحر الميت هي ٢١ ميلاً تقريباً (حوالي ٣٤ كيلومتراً) وهي منطقة صحراوية إلى حد كبير. وتتضمن هذه البقعة منطقة «العربة» التي تُعرف أيضاً باسم «منخفض الأردن والبحر الميت». وكان البحر الميت في حد ذاته شديد الملوحة لدرجة أنه لا يمكن لكائن حي أن يعيش فيه.
ومع ذلك، فإنه عندما كانت تصل المياه من الهيكل إلى هذا البحر فإن مياهه الميتة كانت «تحيا». ويمكن لهذا أن يُفهم رمزياً على أنه كنيسة الله، الهيكل، (١بطرس ٢: ٤ و ٥) التي تمد يدها لتكون مصدراً للصحة والشفاء لأولئك الذين هم أمواتاً في المعصية والخطية.
اقرأ متى ٥: ١٦. ما الذي يقوله المسيح لنا هنا فيما يتعلق بكيفية تمثيلنا له أمام العالم؟
إن نهر «الزمبيزي» في زامبيا بأفريقيا يبدأ كنُهَيْر (يَنْبُوع ماء) ضحل ينبثق من تحت شجرة. وإذ يستمر في التدفق نحو شلالات فيكتوريا فإنه يتحول من كونه غديرا (عمقه بضع سنتيميترات) إلى غدير عمقه قرابة المتر ثم قرابة المترين ثم يتحول إلى نهر عميق من أطول الأنهار في أفريقيا. وبالمثل، فإنه على الرغم من أن النهر الخارج من الهيكل كان صغيراً في البداية، إلا إنه ازداد في الزخم والتأثير وأصبح نهراً «لَمْ أَسْتَطِعْ عُبُورَهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ، مِيَاهَ سِبَاحَةٍ، نَهْرٍ لاَ يُعْبَرُ» (حزقيال ٤٧: ٥).
إن التأثير الشافي لكنيستكم قد يبدأ صغيراً، ولكنه يمكن أن يكبر إلى أن يغيّر مجتمعك! «إن عملنا قد عُرض أمامي وبدا، في بداياته، كما لو كان جدولاً صغيراً جداً» (روح النبوة، شهادات للكنيسة، مجلد ٧، صفحة ١٧١).
الكنيسة: مصدر للحياة
«وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا. وَيَكُونُ السَّمَكُ كَثِيرًا جِدًّا.... وَيَحْيَا كُلُّ مَا يَأْتِي النَّهْرُ إِلَيْهِ» (حزقيا ٤٧: ٩).
توضح نبوءة حزقيال أن هناك حياة في كل مكان يجري فيه النهر الذي يتدفق من كنيسة الله. إن الآية في حزقيال ٤٧: ١٠ تقدم صورة مدهشة حقاً. فيا له من مشهد غريب سيكون هذا: فإن ضفاف الجسم المائي الذي يُعرف بأن ليس به أسماك لأنه لا يمكن لكائن حي أن يعيش فيه، تصبح فجأة مكانا يمكن لصيادي الأسماك أن يلقوا بشباكهم في مياه هذا الجسم المائي لأنه يمكن اصطياد الكثير من الأسماك منه.
إن النقطة المراد توضيحها هي أنه يمكن من خلال قوة الله العاملة في شعبه أن توجد حياة في أماكن لم تكن توجد فيها حياة مِن قَبل.
«حيثما الله يعمل لن يكون هناك حالة ميؤوس منها، ولن تكون هناك مجموعة من الناس لا يمكن خلاصها، ولن يكون هناك إرث من الماضي التعيس يمكنه أن يحتم علينا مستقبلاً يائساً» [الكتاب المقدس التفسيري، (ناشفيل: ابينجدون للنشر، ١٩٥٦)، مجلد ٦، صفحة ٣٢٨].
إن نعمة الله المدهشة تفعل أموراً مذهلة لكل شخص يقبلها. وهنا أيضاً نجد تصويراً لرسالة الإنجيل. فإنّه يمكن لله من خلالنا أن يمنح الرجاء لأولئك الذين يشعرون باليأس والإحباط ويعانون من الجفاف والموت روحياً وجسدياً.
قارن حزقيال ٤٧: ١٢ مع رؤيا ٢٢: ١و ٢. ماذا تخبرنا هاتان الفقرتان عن المصير النهائي لأولئك الذين يتم شفاؤهم وإحياؤهم مِن قِبل يسوع من خلال كنيسته؟
في يوم من الأيام سيكون شعب الله- بما في ذلك أفراد المجتمع الذين شفاهم الله وأحياهم من خلال أعضاء كنيسته المنكرين للذات- في الأرض الجديدة حيث سيكون هناك نهر آخر يتدفق من عرش الله. ولن يكون هناك صحارى أو جفاف أو موت.
وفي هذه الأثناء، وبينما نحن ننتظر هذه الحَقِيقَة المباركة، يريد الله لكنيسته أن تكون أماكن يتدفق منها الشفاء وملء الحياة إلى المجتمع. إنه يريد أن يعمل من خلالنا لإحياء وتحويل الصحاري والمنخفضات والبحار الميتة في منطقتنا، ويريدنا أن نقدم للناس ملء الحياة في المسيح (يوحنا ١٠: ١٠)، وهذه هي رسالة كنيسة الأدفنتست السبتيين.
وعود «اليوبيل»
إن العهد القديم زاخر بالفكرة التي مفادها أن أولئك الذين بوركوا مادياً وروحياً سوف يمدون أيديهم ويساعدون أولئك الذين ليسوا كذلك.
اقرأ إشعياء ٦١: ١- ١١. ما الذي يقوله الله لشعبه هنا، وكيف يمكننا تطبيق ما يقال هنا على أنفسنا وعلى دعوتنا مِن قِبل الله؟ انظر كذلك لوقا ٤: ١٨.
يبدأ الأصحاح ٦١ من سفر إشعياء بإعلان أن روح الرب يعمل من خلال مسيحه على تبشير المساكين بالأخبار السارة وعلى تعصيب منكسري القلوب والمناداة للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق (إشعياء ٦١: ١). وكان كل عنصر من عناصر هذا الوعد يتحقق في «سَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ.» وسنة الرب المقبولة هذه هي إشارة إلى سنة اليوبيل، والتي رأينا بالفعل أنها كانت مليئة بمُقْتَضَيات ضرورة تلبية احتياجات الفقراء والمساكين.
وبالتالي، فإن النائحين الذين يتم تعزيتهم وتلبية حاجاتهم والذين يُعطَون «جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ» وأولئك الذين يرتدون «رِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَة» (إشعياء ٦١: ٣) هم ذاتهم الذين سوف يعملون على تغيير المجتمع وسوف «يَبْنُونَ الْخِرَبَ الْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ الْمُوحِشَاتِ الأُوَلَ، وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ» (إشعياء ٦١: ٤). إن عبيد الله يدعون كهنة وخداماً ويُدعمون مِن قِبل ثراء الأمم المحيطة (إشعياء ٦١: ٥و ٦).
إن الصور التي نجدها في إشعياء ٦١ بشأن مسيح الله الذي يقوم بتغيير الشعوب المجاورة من خلال ازدهار أولئك الذين هم في عهد مع الله (إشعياء ٦١: ٨و ٩) تنطبق على أولئك الذين تمت دعوتهم، في وقتنا الحاضر، إلى أن يكونوا كهنة وخداماً في المجتمعات حول العالم. ألا ينبغي أن نشعر بهذا التأثير المغيّر الذي لهذه النبوءة، وذلك عند فرحنا كثيراً بالرب وابتهاجنا بالله ووقوفنا متسربلين بثياب الخلاص والبرّ في وسط مجتمعاتنا (إشعياء ٦١: ١٠و ١١)؟
الكنيسة: عامل تغيير
اقرأ ميخا ٦. ما الذي يدينه الله ويستنكره هنا؟
ينضم ميخا إلى أنبياء العهد القديم الآخرين الذين يشددون على أن الأشكال الظاهرية للدين، والتي تفتقر إلى الإعلان المتواضع والمقصود للعدل والرحمة غير مقبولة بالمرة مِن قِبل الله العادل والرحيم.
ما هي الرسالة الهامّة الواردة في ميخا ٦: ٨؟
«إن الديانة الحقيقية هي ديانة عملية.» ومما لا شك فيه هو أنها تشتمل على الطقوس والشعائر الكنسية، ولكن.... الديانة الحقيقية هي ليست مسألة امتناع عن الطعام بقدر ما هي مسألة مشاركة الطعام مع الجياع. إن التقوى العملية هي الديانة الوحيدة التي سيُعْتَرفُ بها عند حلول دينونة الله [متى ٢٥: ٣٤- ٤٦] (روح النبوة، موسوعة الأدفنتست لتفسير الكتاب المقدس، مجلد ٤، صفحة ٣٠٦).
واليوم، لا يزال الله يرفض ارتداد الديانة الظاهرية التي تستثني التقوى العملية المُعْلَن عنها في ميخا ٦: ٨. إن أشكال ديانتنا ليست غاية في حد ذاتها؛ إنما هي وسائل لتحقيق غاية، وهذه الغاية هي المسيح الذي ينبغي أن يُعلن فينا.
لقد التقينا في مقدمة درس هذا الأسبوع بعائلتين انتقل أفرادهما للعيش في مجتمع «ميؤوس منه» من أجل أن يعملوا على تلبية احتياجات الناس هناك. لقد قامت هاتان العائلتان بتكوين مجموعة صغيرة في إحدى غرف معيشتهما مع أصدقاء جدد من الحي. وقد صلى أعضاء هذه المجموعة المتنامية بلجاجة من أجل أن يعلن لهم الله كيف يعملون على إنعاش مجتمعهم. وقد تشاركوا مع وكالة تنمية مسيحية وبدأوا في توظيف متطوعين للانضمام إليهم في إعادة بناء المساكن المتهدمة من حولهم.
وإذا قمت بزيارة هذه المنطقة السكنية اليوم، فستجد مجتمعاً جديداً مزدهراً حاله أفضل بكثير من ذي قبل. لقد أصبح ذلك حقيقة واقعة لأن كنيسة صغيرة كانت عازمة على إعلان محبة المسيح بطريقة عملية، وهو ما عمل على تغيير مجتمعهم للأفضل. إنَّ ما يظهره هذا العمل هو مجرد طريقة عملية وقوية كان فيها المسيح قادراً على العمل من خلال شعبه للوصول إلى الآخرين وخدمتهم وتلبية احتياجاتهم.
لمزيد من الدرس
اقرأ إرميا ٢٢: ١- ١٦؛ حزقيال ١٦: ٤٩؛ زكريا ٧: ٩و ١٠.
«قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ» (ميخا ٦: ٨). وهل يمكن للرب أن يكون أكثر وضوحاً فيما يتعلق بما يطلبه من شعبه؟ لقد أعلن لنا الله «مَا هُوَ صَالِحٌ». وهذه الكلمة هي مرادف لكلمة «حَسَن» التي تكررت مراراً وتكراراً في الأصحاح الأول من سفر التكوين للإشارة إلى الخليقة قبل السقوط. وبالتالي، فإننا نُوجَّه بشكل ضمني إلى الأمور المثالية وإلى ما كان هو قصد الله لنا في الأساس قبل السقوط، وإلى ما سوف يسترده لنا بعد عودة المسيح ثانية. إن العبارة المترجمة «وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ» تعني: ماذا يطلب الرب مِنَّا بوصفنا شعبه المفدي والمُغَطّى بنعمة المسيح؟ ويظهر الجواب في كيفية تعاملنا مع الآخرين ومع الله. أولاً، يجب علينا أن نتصرف بعدل. وهذه نقطة ملائمة ومناسبة جداً نظراً لموضوع دراستنا لهذا الربع وهو الذي يدور حول كيفية معاملتنا لأولئك الذين هم في كثير من الأحيان عاجزين وعُرضة لأن يكونوا ضحايا للظلم والإجحاف. ثانياً، يجب علينا أن نحب الرحمة. إننا نعيش في عالم يمكن له في بعض الأحيان أن يكون عديم الرحمة. وسنكون شهادة قوية إذا نحن أحببنا الرحمة وأظهرناها نحو الآخرين في حياتنا. ثالثاً، يجب أن نسلك متواضعين مع إلهنا. فإذا كان الرب في ميخا ٦: ٤ قد أشار في حديثه إلى بني إسرائيل قديماً، وإلى حدث إنقاذهم من مصر، كسبب يجعلهم يكونون متواضعين وأمناء أمامه، فكم بالحري ينبغي أن يكون تواضعنا نحن أكثر بكثير كوننا قد اُفتدينا بدم المسيح؟ إن حقيقة الصليب، وما تكلفه أمر فدائنا، يجب أن يجعلنا دائماً متواضعين أمام إلهنا؟
الدرس الخامس
٢٣- ٢٩ تموز (يوليو)
المسيح وخدمة المجتمع
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: لوقا ٤: ١٦- ١٩و ١٠: ٢٥- ٣٧؛ متى ٥: ١٣؛ إشعياء ٢: ٨؛ يوحنا ٤: ٣٥- ٣٨؛ متى ١٣: ٣- ٩.
آية الحفظ: «وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْب» (متى ٤: ٢٣).
كان روبرت لويس ستيفنسون مؤلف قصة المغامرات التي بعنوان «جزيرة الكنز» صبياً مريضاً لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة بانتظام. وفي النهاية قام والداه بالتعاقد مع معلّم ليقوم بتعليمه في البيت ومُربّية لتساعد في تلبية احتياجاته الشخصية. وفي إحدى الليالي، عندما جاءت المربية للاطمئنان عليه قبل أن يذهب إلى الفراش، لم يكن روبرت في فراشه وإنما كان يقف بجوار النافذة وأنفه ويداه تلامس الزجاج. فطلبت منه المربية أن يعود إلى فراشه قبل أن يتجمد في عروقه من البرد.
قال لها روبرت، «تعالي إلى النافذة وانظري إلى ما أراه.»
جاءت المربية لتنظر، فرأت في الشارع الشخص الذي يقوم بإشعال مصابيح الشوارع يقوم بعمله ويضيء المصابيح. قال روبرت، «انظري، هناك شخص يثقب ثقوباً في الظلام!» [مارغريت دافيس، لا تخافوا! هل من شيء عَصيٍ على الله (كتب أسبيكت)، صفحة ٣٣٢].
لقد ألقينا نظرة موجزة إلى ما يقوله الكتاب المقدس عن مساعدة المحتاجين. سننظر الآن إلى ما يقوله العهد الجديد حول هذه المسألة. وهل هناك أفضل من البدء بما قاله وفعله المسيح؟ ومن تعاليم المسيح المعروفة جيداً هناك التعليم المتعلق بوجوب أن نكون «نور العالم» (متى ٥: ١٤). ومن خلال قيامنا بذلك، سنعكس المسيح الذي هو النور الحقيقي للعالم (يوحنا ٨: ١٢). إن تعاليم المسيح التي جسّدها في خدمته الأرضية توفر لنا تعليمات قوية حول كيف يمكننا من خلال المسيح أن نثقب ثقوباً في الظلام.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٣٠ تموز (يوليو).
بيان مرسلية المسيح
أصبح المسيح، ذلك المعلم الشاب من الناصرة، صاحب شعبية كبيرة في منطقة الجليل (لوقا ٤: ١٥). وعندما تكلم «بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ» (متى ٧: ٢٨و ٢٩). وفي أحد الأيام، وعندما دُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ قرأ المسيح أول آيتين من الأصحاح ٦١، وقد توقف عن القراءة في منتصف الجملة، وذلك قبل العبارة التي تقول، «وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا» (إشعياء ٦١: ٢).
اقرأ لوقا ٤: ١٦- ١٩. أين سمعنا هذه الكلمات مِن قَبل؟ (انظر إشعياء ٦١: ١و ٢). ما الذي كان المسيح يعلنه من خلال قراءته لهذه الفقرات الكتابية؟
كما سبق ورأينا، يتم تعريف عبارة «سَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ» على أنها سنة اليوبيل (انظر لاويين ٢٥). عند زيارة المسيح للناصرة أقتبس فقرة كتابية تتحدث عن المسيا وأكد للسامعين «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لوقا ٤: ٢١). وفي موعظته على الجبل، أعلن المسيح عن نفسه بوصفه الممسوح الذي يبشّر بالأخبار السارة للمساكين وينادي بالإطلاق للمأسورين وللعمي بالبصر وليرسل المنسحقين في الحرية وَليَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. تصف هذه القائمة بشكل جيد خدمة المسيح الأرضية التي كانت تركّز على التعليم والشفاء وخدمة الآخرين، خاصة مَن هم في حاجة.
لماذا لم يكْمِل المسيح قراءة الآية الموجودة في إشعياء ٦١: ٢؟
ربما لم يقرأ المسيح العبارة التي تقول «وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا» لأنه لم يكن يريد أن ترتبط خدمته بالمفهوم السائد الذي كان يرى أن المسيح سيأتي لقيادة الجيوش لدحر وقهر مضطهدي بني إسرائيل وإخضاعهم تحت سلطة إسرائيل. وقد كان هذا مفهوماً زائفاً من شأنه أن يحول دون أن يتمكن بنو إسرائيل من معرفة حقيقة المسيح وحقيقة مرسليته التي تختلف اختلافاً تاماً عن ما قد يُفهم من هذه العبارة. بدلاً من ذلك ركّز المسيح على ما سيفعله لأولئك الذين كانوا يحتاجون إلى ما كان لديه ليقدمه لهم في اللحظة والتو بغض النظر عن الوضع السياسي آنذاك.
محبة قريبك
«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ» (لوقا ١٠: ٢٧).
اقرأ لوقا ١٠: ٢٥- ٣٧. ما هي الرسالة المقدمة لنا هنا فيما يتعلق بمجمل السؤال المتعلق بمساعدة المحتاجين؟
إن النَامُوسِيّ كان يدرك أن كل الوصايا تدور حول محبتنا لله بكل جوارحنا، ومحبة «قريبك مثل نفسك». أما السؤال الذي كان لا يزال بحاجة إلى جواب فهو: «مَنْ هُوَ قَرِيبِي؟»
نظراً لأن الفكر السائد في زمن المسيح كان يعزز تفضيل المرء لأقربائه ويقضي بإقصاء كل الآخرين بوصفهم غرباء، سعى هذا الناموسي إلى أن يجعل المسيح يوضح هذه المسألة. ويُظهر المثل الذي رواه المسيح منظوراً مختلفاً تماماً عن الفكر السائد آنذاك. فإن قريبنا هو أي شخص نقابله ويكون في احتياج إلى المساعدة. أن تكون قريباً معناه أن تلبي احتياجات القريب. لقد كان كلاً من الكاهن واللاوي منشغلين بشأن وجوب عدم تدنيس نفسيهما وحماية وظائفهما الإلهية من الدنس. لقد كانت هذه وسيلة من قِبلهما لاستخدام الديانة كذريعة لعدم الموت عن الذات من أجل مساعدة شخص لم يكن، على الأرجح، قادراً على رَدّ مَعْرُوفهما وجَمِيلهما.
في المقابل، نظر السامري إلى هذا «الغريب» و «العدو» على أنه قريبه، وقد عمل السامري بِشَكْل رَحِيم على تلبية احتياجات ذلك الغريب بدلاً من العمل على تلبية احتياجاته هو. النقطة المراد توضيحها هي أنه بدلاً من أن نسأل «مَن هو قريبي؟» نحن بحاجة إلى أن نسأل «مَن سيكون قريباً للمضطهدين والمظلومين؟» ليس المهم معرفة مَن هو هذا الشخص: إن الشخص المحتاج هو الشخص الذي ينبغي أن نساعده دون قيد أو شرط.
«إنّ الله لا يعترف بأي تمييز من ناحية القومية أو الجنس أو الطبقات. فهو خالق كل الجنس البشرى فالجميع هم أفراد أسرة واحدة بالخلق والجميع واحد بالفداء. ولقد جاء المسيح لينقض كل حائط فاصل، وليفتح كل أقسام الهيكل لكي يمكن لكل نفس أن تقترب إلى الله بحرية. إنّ محبته عريضة جدا وعميقة جدا وكاملة جدا بحيث تنساب في كل مكان» (روح النبوة، المعلم الأعظم، صفحة ٣٨٨).
الوصفة الكاملة
« ‘أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ’ » (متى ٥: ١٣).
في هذه الفقرة الكتابية، يدعو المسيح أتباعه إلى أن يكونوا «ملحاً» والملح هو عامِلٌ مُحُوِّل. إنّ الكنيسة «مِمْلَحَةٌ» أي تحتوي على «ملح الأرض.» فما هو أو مَن هو الذي ينبغي لهذا «الملح» أن يختلط معه؟ هل ينبغي أن نختلط بأنفسنا فقط، أو مع مكونات مختلفة عنّا؟
يمكنك فهم الإجابة على هذا السؤال على نحو أفضل إذا ملأت قالب صنع الخبز بالملح فقط وملأت قالباً آخر بالخبز الذي يحتوى على الملح كأحد مكوناته. في القالب الأول يكون الملح هو الوصفة بأكملها؛ وسيكون ما في هذا القالب بلا طعم وغير صالح للأكل. وفي القالب الثاني، يكون الملح جزءا من الوصفة وهو ممتزج مع مكونات أخرى مختلفة عنه. وعلى هذا النحو، يقوم الملح بتحويل رغيف الخبز الذي بلا طعم إلى رغيف خبز لذيذ المذاق. إن الملح يكون أكثر فائدة عندما يختلط ويمتزج مع عناصر أخرى غير ذاته. والشيء نفسه ينطبق على المسيحيين. فإننا لن نكون ذات فائدة وفعالية إذا نحن بقينا مستريحين في الكنيسة «المِمْلَحَة».
وبالتالي، هناك نقطة لا ينبغي أن تغيب عن أذهاننا. يمكننا بطرق عدة أن نكون أخلاقيين، بحيث لا ندخن أو نعاقر الخمر أو نلعب القمار أو ننخرط في ارتكاب الجرائم. هذه كلها أمور هامة. لكن المسألة الأساسية هي ليست مجرد ما لا نفعله من أمور. بدلاً من ذلك، المسألة الأساسية هي ما هو الذي نفعله ونقوم به؟ وما يعنيه ذلك هو: ما الذي نفعله لمساعدة مجتمعنا وأولئك الذين في احتياج؟
اقرأ متى ٥: ١٣ مرة أخرى، مع التركيز على بقية الآية. كيف يمكن للملح أن يفقد ملوحته؟
«ولكن إن فسد الملح وصار بلا ملوحة ولم يبق غير الاعتراف بالتقوى دون محبة المسيح فلا توجد قوة لعمل الخير. ولا يمكن للنفس أن تبذل مجهوداً أو تأثيراً لخير العالم» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٤١٧).
دعونا نعود إلى رمزية الوصفة. كما رأينا، إذا كان كل ما لدينا هو الملح، فلن تكون هناك فائدة. في الواقع، يمكن لكثرة الملح في الطعام أن تكون سامة. يجب للملح أن يختلط ويمتزج مع ما هو مختلف عنه. وبالتالي، إذا كنت مثل العالم تماماً، أو كنا مشابهين للعالم كثيراً، فإننا لن نحدث فرقاً فيه. ولن يكون هناك ما نقدمه للعالم. وعندها يصبح الملح عديم الجدوى والفائدة. وما الذي قال المسيح أنه سيحدث للملح عندما يصبح على هذه الحالة؟
ومع ذلك، فإننا عندما نتشرب بنَكْهَة ومذاق محبة المسيح فسنرغب في الاختلاط مع الآخرين كي نكون عوامل تغيير، ولنكون شيئاً من شأنه أن يحدث تأثيراً إيجابياً في حياتهم وبالتالي يقود الآخرين إلى ما هو مهم حقاً في الحياة: الخلاص بيسوع المسيح.
فيما يتعلق بأن تكون مزارعاً
اقرأ يوحنا ٤: ٣٥- ٣٨. ماذا يخبرنا المسيح هنا عن الخطوات المختلفة اللازمة للوصول إلى النفوس وتبشيرها؟
إن عمل الزارعة متعدد الأوجه. فإنه للحصول على حصاد وفير لا بد من القيام بأنواع أخرى من الأنشطة الزراعية (متى ٩: ٣٥- ٣٨). ففيما يتعلق بحقل حصاد الرب، الحاجة ليست إلى حصّادين فحسب وإنما هناك حاجة كذلك إلى فعلة يقومون بأعمال أخرى سابقة لعمل الحصاد. هل يمكنكم أن تتخيلوا أحد الزارعين يقول لعمال الزراعة في موسم الحصاد ما يلي، «ها قد حان وقت الحصاد، لذلك يجب علينا البدء في زرع البذور»؟ إن الحصاد يكون أفضل بعد أن تكون قد عملت بجد في كل مراحل الزرع السابقة لموسم الحصاد.
يتضمن عمل الزراعة إعداد التربة، لأن ليس كل تربة تكون جيدة للزراعة في البداية. (اقرأ متى ١٣: ٣- ٩). ما الذي يمكن لكنيستك عمله في المجتمع لتليين «الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ» وإزالة «الحجارة» و «الشوك»؟
إن فعلة الزراعة يقومون بأعمال صعبة قبل الحصاد، ويقوم فعلة آخرون بجني فوائد عملهم. في بعض الأحيان، تركِّز استراتيجيات الكرازة على الحصاد أكثر من تركيزها على الأعمال التحضيرية للزراعة. هذه ليست الطريقة التي ينبغي بها القيام بهذا العمل. فإنه ينبغي إعداد التربة قبل فترة طويلة من الشروع في الكرازة والتبشير آملين في جني حصاد.
يجب علينا النظر إلى العمل في حقل الحصاد باعتباره عملية متعددة المراحل بحيث تشمل: اختبار التربة، استصلاح وإعداد التربة، غرس البذور، الإرواء، التسميد، مكافحة الآفات، الانتظار، الحصاد، والمحافظة على الحصاد.
إن جني الحصاد هو جزء واحد فقط من هذه العملية. وفي الكنيسة، يمكن لعملية «الزراعة» أن تشتمل على أنشطة خاصة باختبار التربة، مثل مسوحات (تَقَصِّيَات) تقييم احتياجات المجتمع المحلي، دراسة الخصائص السكانية، وإجراء مقابلات مع قادة المجتمع. ويمكن أن تكون هناك أنشطة إعداد وتحضير للتربة مثل تلبية الاحتياجات الملموسة في المجتمع، والتي تم الكشف عنها من خلال عمليات تقييم المجتمع؛ انشطة لغرس البذور، مثل الندوات ودراسة الكتاب المقدس والمجموعات الصغيرة؛ والصلاة من أجل المطر - الروح القدس. قليلون هم الأشخاص الذين يربحون للمسيح من مجرد جلسة واحدة معهم. إننا بحاجة إلى رعايتهم من خلال عملية تتكون من عدة لقاءات وتعاملات وهو ما يزيد من احتمالية أن يكونوا على استعداد للحصاد. إذا كنا سنعتمد فقط على أحداث متفرقة فمن غير المرجح أن تبقى النباتات الجديدة على قيد الحياة إلى أن يحين موسم الحصاد.
تأسيس الكنائس
اقرأ متى ١٠: ٥- ١٠. لماذا أرسل المسيح تلاميذه إلى المدن والقرى المحيطة دون أية موارد أو إمدادات؟
يبدو غريباً أن تلاميذ المسيح قد تلقوا أوامر مباشرة بالدخول إلى مناطق خدمتهم وهم لا يأخذون معهم سوى القليل لإعالة أنفسهم. على ما يبدو أن المسيح قد وضع تلاميذه في هذه الحالة ليعلّمهم الاعتماد على الله، ويعلّمهم أيضاً أهمية تكوين صداقات من خلال تقديم خدمات للسكان المحليين. وعندها سيقدّر السكان المحليون الخدمات التي يقدمها التلاميذ ومن ثم يوفرون لهم ما يدعم عملهم التبشيري.
طلب الحقل الكنسي المحلي من القس فرانك أن يؤسس كنيسة في منطقة تابعة لمدينة كبيرة لا وجود تقريباً للأدفنتست السبتيين فيها. ومبدئياً، لم يكن لدى القس فرانك ميزانية للقيام بذلك. قام بدراسة الخريطة وتحديد حدود هذا القسم من المدينة، كما درس التركيبة السكانية للناس هناك. ثم أوقف سياراته في الجزء الأكثر ازدحاماً من الحي السكني وبدأ في التوجّه من متجر إلى متجر وهو يطرح أسئلة متعلقة بالحياة في هذه المنطقة. ثم قام بزيارة القادة في مجال السياسة والأعمال والهيئات الاجتماعية وهو يطرح أسئلة عن أشد الاحتياجات في ذلك المجتمع. تصادق القس فرانك مع بعض السكان المحليين الذين دعوه إلى الانضمام إلى النادي المحلي. وهناك استطاع التعرّف على قادة آخرين ساعدوه في استئجار الكنيسة المشيخية المحلية المجاورة للنادي. وقد تبرع أعضاء النادي ببعض المال لشراء الطلاء وأدوات التنظيف لتجديد المرفق ليُستخدم في تقديم خدمات للمجتمع. وقد أشارت المقابلات مع قادة المجتمع المحلي إلى أن هناك حاجة ماسة إلى بعض الخدمات الصحية في المجتمع. لذلك قام القس فرانك بتجميع فريق من المتطوعين الذين قاموا بإدارة برامج مختلفة للفحص الطبي وعقد اجتماعات متابَعة لسكان المجتمع المحلي في المرفق المجاور. ودفع الذين استفادوا من الفحوصات والبرامج الطبية رسوماً مالية ساعدت في تغطية النفقات. وبعد فترة وجيزة، تم افتتاح فرع لمدرسة السبت هناك وبدأ بعض السكان المحليين حضور تلك الأنشطة.
وسرعان ما عرف القس فرانك أن أفضل الطرق لتأسيس كنيسة هو القيام أولاً بتأسيس خدمة تعمل على تلبية احتياجات المجتمع، ومن ثم إنشاء كنيسة من خلال هذه الخدمة. وقد عملت هذه الخدمة التي كان هدفها تلبية احتياجات المجتمع على تأسيس كنيسة أدفنتستية سبتية بها أكثر من ١٤٠ عضواً.
توضح قصة القس فرانك ما يمكن أن يحدث عندما نتبع تعاليم المسيح فيما يتعلق بالوصول إلى المجتمع وتبشيره. كيف عاش المسيح تعاليمه المتعلقة بالخدمة؟ سنبدأ في الأسبوع القادم في استكشاف طريقة المسيح في الخدمة وهي الطريقة التي «تعطي لنا النجاح في الوصول إلى الشعب» (روح النبوة، آفاق عيش أفضل، ١٣٥).
لمزيد من الدرس
اقرأ تعاليم المسيح الأخرى التي تعرفك بالدور الذي ينبغي أن تقوم به أنت وكنيستك في المجتمع: متى ٧: ١٢؛ ٢٣: ٢٣؛ ٢٥: ٣١- ٤٦؛ مرقس ٤: ١- ٣٤؛ ٦: ١- ١٣؛ لوقا ٦: ٣٦؛ ١١: ٤٢؛ ١٢: ١٣- ٢١؛ ١٤: ١٦- ٢٤؛ ١٦: ١٣؛ ١٨: ١٨- ٢٧؛ ١٩: ١- ١٠؛ يوحنا ١٠: ١٠؛ ١٢: ٨؛ ١٧: ١٣- ١٨. اقرأ لروح النبوة الفصل الذي بعنوان «كأس ماء فقط»، صفحة ٦٠٥- ٦١٠، في كتاب الصراع العظيم.
«ما لم تكن الكنيسة نور العالم، إذاً فهي ظلام» (روح النبوة، علامات الأزمنة، ١٣أيلول/سبتمبر، ١٨٩٣). هذه فكرة قوية. وهي تذكرنا بكلمات يسوع القائلة، «مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ» (متى ١٢: ٣٠). إن المسيح واضح في تأكيده على أنه ليس هناك حل وسط أو منطقة محايدة في الصراع العظيم. فنحن إما على جانب المسيح أو جانب الشيطان. وهكذا فإنه عندما نعطى الكثير من النور ولا نستخدمه فإننا بذلك نعمل ضد ما تسلمناه من نور. لقد دُعينا إلى أن نكون نوراً في العالم؛ وما لم نكن نوراً، فإننا ظلام. وعلى الرغم من أن السياق المباشر مختلف، إلا أن المبدأ هو نفسه: « ‘فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!’ » (متى ٦: ٢٣). وربما يمكن تلخيص كل هذا في عبارة: «فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ» (لوقا ١٢: ٤٨).
الدرس السادس
٣٠ تموز (يوليو)- ٥ آب (أغسطس)
اختلط المسيح بالناس
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: متى ١: ٢٢و ٢٣؛ يوحنا ١: ١٤؛ لوقا ١٥: ٣- ٢٤؛ متى ٩: ١٠- ١٣؛ مزمور ٥١: ١٧؛ ١يوحنا ٢: ١٦؛ فيلبي ٢: ١٣- ١٥.
آية الحفظ: «وَكَانَ جَمِيعُ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ. فَتَذَمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ قَائِلِينَ: ‘هذَا يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ!’ » (لوقا ١٥: ١و ٢).
كان شماس الكنيسة المحلية يقود سيارة تأخذ الشبيبة إلى دار لرعاية المسنين حيث تعقد فيها خدمات العبادة كل شهر. في الأسبوع الأول، وبينما كان الشبيبة يقودون الخدمة، كان هناك رجل مسن يجلس على كرسي متحرك ويمسك بيد الشماس طوال فترة العبادة. حدث هذا شهراً بعد شهر. وفي أحد المرات، وعندما جاءت مجموعة الشبيبة إلى المكان لم يكن الرجل المسن موجوداً. قال العاملون بالمبنى إنه طريح الفراش وقد يفارق الحياة في تلك الليلة. ذهب الشماس إلى غرفة الرجل المسن الذي كان يرقد على فراشه ويبدو أنه كان فاقد الوعي. أمسك الشماس بيد الرجل المسن وصلى للرب من أجل أن يرقد هذا الرجل على رجاء القيامة وأن يكون له نصيبا في الحياة الأبدية. وعندها قام الرجل المسن الذي كان يبدو فاقداً للوعي بالضغط على يد الشماس بقوة، وأدرك الشماس أن صلاته قد سمعت. وخرج الشماس من الغرفة والدموع تملأ عينيه. وأثناء خروجه من باب الغرفة التقى بسيدة قالت له، «أنا ابنته. لقد كان بانتظارك. قال أبي، ‘مرة كل شهر، يأتي المسيح ويمسك بيدي. وأنا لا أريد أن أموت إلى أن أحظى بفرصة لمس يد المسيح مرة أخرى أخيرة’ » [مقتبسة من «هؤلاء الأصاغر»، فيديو من إنتاج أولد فاشوند بيكتشرز (٢٠٠٤)، اُستخدم بإذن من المنتج.]
المسيحية هي أن تصبح أنت «المسيح» بالنسبة لشخص ما. سنركز في العديد من الدروس القادمة على الجوانب المتعلقة بطريقة المسيح وفي الخدمة، وكيف يمكن لكنيسته أن تتبع طريقته في الخدمة.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٦ آب (أغسطس).
طريقة المسيح وحدها
إن الفقرة الشهيرة المأخوذة من كتاب آفاق عيش أفضل تلخّص ما فعله المسيح للوصول إلى الناس وجلبهم إلى الخلاص. (انظر أيضاً متى ٩: ٣٥و ٣٦).
«إن طريقة المسيح وحدها هي التي تعطي لنا النجاح في الوصول إلى الشعب. لقد اختلط المخلّص بالناس كمَن كان يحب لهم الخير. وبرهن لهم على عطفه وخدم حاجتهم وظفر بثقتهم. ثم أمرهم قائلاً لكل منهم ‘اتبعني’ » (روح النبوة، آفاق عيش أفضل، صفحة ١٣٥.)
دعونا نحلل هذه الفقرة قليلاً.
١. لقد اختلط المسيح بالناس كمَن كان يحب لهم الخير. (قام بفتح شبكات اتصال.)
٢. تعاطف المسيح مع الناس (قام ببناء علاقات وارتباطات.)
٣. خدم المسيح حاجتهم (هذا أيضاً كان من شأنه بناء علاقات وارتباطات.)
٤. وعندما جمع المسيح بين العنصر الأول والثاني والثالث ظفر بثقة الناس.
٥. «ثم أمرهم قائلاً لكل منهم ‘اتبعني’ » (أن يصبح كل واحد منهم تلميذاً للمسيح.)
إن ما نراه هنا هو نموذجاً شُّمُوْلِيّاً للإنجيل. وسوف تقودنا طريقة الخدمة هذه إلى إعلان بشارة الإنجيل على نحو أكمل. إنّ المسيح لم يفصل الجوانب الاجتماعية (أرقام ١- ٤، أعلاه) عن الدعوة لإتِّباعه (رقم ٥، أعلاه)، وهكذا فإنه لا ينبغي لنا أن نفعل ذلك. فإن كل هذه الخطوات معاً سوف تعطي «نجاحاً حقيقياً.» سيركِّز درس هذا الأسبوع على أول خطوة في طريقة المسيح للخدمة. وستركز الدروس من ٧- ١١ على بقية الخطوات.
ما الذي تقوله الآيات الكتابية التالية عن اختلاط الله الابن بنا؟ (متى ١: ٢٢و ٢٣؛ يوحنا ١: ١٤.)
جميعنا تأذينا بعمق وتضررنا من الخطية. لكن كل ما حدث من انحراف في العالم بسبب الخطية يتم التعامل معه ومعالجته مِن قِبل مصالحة الله مع البشرية من خلال خدمة المسيح الشمولية عند تجسده. فإنَّ المسيح قد اختلط بالناس وأراد الخير الشامل لكل شخص وللبشرية جمعاء، وقد خدم أولئك الذين كانوا يُعتبرون في الثقافة السائدة آنذاك «الأسوأ.»
ضالاً فوجد
يسرد المسيح ثلاثة أمثال في لوقا ١٥، وذلك كرد مباشر على اتهامات الفريسيين ومعلمي الشريعة التي كانت تزعم أن المسيح «يَقْبَلُ خُطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ» (لوقا ١٥: ٢).
اقرأ الفقرات الكتابية التالية ولاحظ مَغْزى رد المسيح على هذه الاتهامات.
لوقا ١٥: ٣- ٧
لوقا ١٥: ٨- ١٠
لوقا ١٥: ١١- ٢٤
يبدأ كل مَثل من هذه الأمثال بشيء فُقِد وينتهي باحتفال، تعبيراً عن محبة الله لنا واهتمامه الزائد بخلاصنا.
كان هناك قس يقوم بزيارة أسرة كان أفرادها يدرسون دروس «روح النبوة» بالمراسلة، وقد اكتشف أن جميع أفراد الأسرة كانوا يبدون اهتماماً بدراسة الكتاب المقدس ما عدا شخصاً واحداً. وقد قَبِل كلاً من الأم والأب والابنة الصغرى المسيح وكانوا متحمسين لاستقبال القس في بيتهم بصورة منتظمة. تمرد الابن الأكبر ضد المسيحية ولم يرد أن تكون له أية علاقة بها. وفي كل مرة كان القس يزور فيها ذلك البيت، كان الابن الاكبر يغادر الغرفة ولا يشارك في دراسة الكتاب المقدس. وبعد ستة أسابيع من دراسة الكتاب المقدس بصورة جادة ومثمرة، طلب القس الشاب من الأفراد الثلاثة الذين يدرسون الكتاب المقدس معه بأن يفكروا في المعمودية. فكان لدى كل واحد منه سببه الخاص الذي يجعله يرغب في الانتظار لبضعة أشهر قبل أن يقرر ذلك. وبشكل غير متوقع، دخل الشاب غرفة الطعام التي كانت تنعقد فيها دراسة الكتاب المقدس وأعلن أنه يريد أن يعتمد في أقرب وقت يرى فيه القس أن ذلك الشاب مستعدٌ للمعمودية. وما حدث هو أن ذلك الشاب كان يجلس في غرفته ويتابع دراسة الكتاب المقدس المنعقدة في غرفة الطعام، وكان قد اشترى الكتاب المقدس من متجر لبيع الكتب المستخدمة وذلك بعد أول درس شاركه القس مع أفراد الأسرة الثلاثة الآخرين. ومنذ ذلك الحين، تزايدت لدى الشاب القناعة بوجوب التصريح بإيمانه بشكل علني. وقد اعتمد بعد أسبوعين من إعلان رغبته في المعمودية، كما اعتمد باقي أفراد الأسرة بعد معموديته بشهر واحد. وبالنظر إلى ما قرأناه في الأمثال التي نطق بها المسيح، يمكننا أن نتصور أنه كان هناك فرح في السماء إزاء تلك القرارات التي اُتخذت في ذلك البيت.
إن المسيح تعمد التواصل مع أشخاص مثل المرأة السامرية عند البئر وقائد المئة الروماني والمرأة «الآثمة» التي سكبت على قدميه طيباً غالي الثمن تساوي قيمته راتب عام كامل. وقد تواصل أيضاً مع أشخاص كثيرين لم يرد ذكرهم في الكتاب المقدس، ممن كان يُنظر إليهم على أنهم «غير مستحقين» مِن قِبل أولئك الذين اعتبروا أنفسهم قديسين جداً بحيث لا يليق بهم التواجد مع أشخاص من هذا القبيل.
الأكل مع الخطأة
اقرأ متى ٩: ١٠- ١٣. ما هي الرسالة الهامة التي ينبغي لنا كأفراد استخلاصها من جواب المسيح على منتقديه؟ اقرأ هوشع ٦: ٦.
لقد اتكأ المسيح على موائد الطعام وأكل مع مَن كان المجتمع آنذاك ينظر إليهم على أنهم «غير مرغوب فيهم.»
مَن هم الناس الذين تنظر إليهم كنيستك على أنهم «غير مرغوب فيهم»؟
عندما انتقد الفريسيون اختلاط المسيح بمَن كانوا يعتبرونهم أشخاصاً وَضِيعين، طلب المسيح من الفريسيين أن يتعلموا معنى الرحمة على النقيض من الذبيحة « ‘فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ’ » (متى ٩: ١٣). كم هو محزن أن المسيح كان عليه أن يطلب من القادة الدينيين أن يتعلموا حقيقة هي مِن أهم الحقائق المتعلقة بديانتهم.
إننا نرى مجدداً نفس المشكلة التي رأيناها تحدث في أزمنة العهد القديم، وهي أن أشكال العبادة والطقوس قد أصبحت في أذهان الناس أكثر أهمية من المسألة المتعلقة بكيفية معاملتهم للآخرين. وكم هو مثير للاهتمام أن المسيح اقتبس من العهد القديم (هوشع ٦: ٦) لتوضيح وجهة نظره.
«إن آلاف الناس يرتكبون نفس الخطأ الذي قد أرتكبه الفريسيون الذين وبخهم المسيح في وليمة متى. كثيرون من الناس بدلا من التخلي عن رأي يعتزون به أو طرح عقيدة قديمة يعتبرونهـا صنما يعبدونه يرفضون نور الحق الذي ينبثق من عند أبي الأنوار. إنهم يثقون بأنفسهم ويعتمدون على حكمتهم ويصدقون حقيقة كونهم فقراء روحيا....»
«فالصوم أو الصلاة التي تسوق الإنسان إليها روح تبرير الذات هي رجس قدام الله» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٥٥).
إنه لمن السهل أن نحكم على أفعال الآخرين مستخدمين تفضيلاتنا الخاصة كمعيار ومقياس. علينا أن نتعلم أن نقوم بكل تواضع بوضع النفس جانباً والسماح للروح القدس أن يحوِّل مفهوم الرحمة لدينا إلى قناعة تجعلنا نضع هذه الرحمة حيّز التنفيذ.
الاختلاط بحكمة
طلب أحد الوعاظ من أفراد مجموعة من الأدفنتست أن يخبروه بعدد الأصدقاء غير الأدفنتست الذين لدى كل واحد منهم. فوقف شخص يجلس في الجزء الخلفي من القاعة وأعلن بزهو، «أنا فخور بأن أقول أنه ليس لدي أي أصدقاء غير أدفنتست!» ربما لم يكن قصد الرجل سيئاً، لكن كلماته أفصحت عن أنه لم يكن نوراً للعالم كما ينبغي.
وكما سبق ورأينا، تقول الآية في متى ٥: ١٣ أننا ملح الأرض، ولكنه يمكن لهذا الملح أن يفقد طعمه ويفسد. قام تاجر في مدينة صيدا بتخزين الكثير من الملح في مخازن كانت أرضيتها ترابية غير مبلطة. ولأن الملح كان ملامساً للأرض ملامسة مباشرة فقد طعمه ومذاقه. ولهذا طُرح الملح خارجاً واستخدم في تعبيد الطرق. وبنفس الطريقة، نحتاج إلى أن نكون حذرين عند اختلاطنا بالعالم: هل نسمح للعالم بأن يسلب مِنَّا مذاقنا الفريد؟ هل قِيَمنا هي نفس قِيَم العالم؟
ما الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه القصص حول الطرق التي لا ينبغي لنا أن نختلط مع العالم من خلالها؟ تكوين ١٣: ٥- ١٣؛ ١٩: ١٢- ٢٦؛ سفر العدد ٢٥: ١- ٣، انظر أيضاً ١يوحنا ٢: ١٦.
توضح هذه الأمثلة الكتابية الحاجة إلى الحذر عند الاختلاط مع الناس الذين يعيشون وفقاً للقيم الواردة في ١يوحنا ٢: ١٦. إننا سنخدع أنفسنا إذا كنا نعتقد أنه لا يجب أن نتوخى الحذر، أو إذا كنا نعتقد أنه ليس هناك مخاطرة الاِنْغِماس في المبادئ الساقطة التي للعالم. في الوقت ذاته، ماذا ستكون فائدتنا للعالم إذا كنا سنخفي ونحجب أنفسنا عن الآخرين كي لا نتأثر سلباً بطرقهم؟
تأمل هذه النصيحة الحكيمة: «الآن، هل يتعين على المسيحيين المعترفين أن يرفضوا الاختلاط بغير المهتدين ويسعون إلى أن لا يكون لهم أي تعامل معهم؟ لا، بل يتعين أن يكونوا معهم، وأن يكونوا في العالم ولكن ليس من العالم، لكن لا يجب مشاركة غير المهتدين في طرقهم، وعدم التأثُّر بهم أو بعاداتهم وممارساتهم. وينبغي أن يكون تواصل المسيحيين واختلاطهم بالآخرين بهدف جذبهم إلى المسيح» (روح النبوة، رسائل مختارة، مجلد ٣، صفحة ٢٣١).
في وسط جيل أعوج وملتو
لا شك في أن العالم يحتاج إلى ما أُعطينا إياه في المسيح. ولا شيء فينا نحن أنفسنا يجعلنا ذات أهمية بالغة. بل إنَّه بفضل ما تسلمناه من المسيح يتوجب علينا الوصول إلى الآخرين ومشاركة ما تسلمناه معهم. ولأننا قد أُعطينا الكثير، لذا فنحن مدعوون إلى الوصول إلى مَن ليس لديهم ما لدينا ومشاركته معهم. « ‘مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا’ »
اقرأ فيلبي ٢: ١٣- ١٥. ما الذي يُقال هنا، وكيف يتناسب مع دعوتنا للوصول إلى الأخرين دون أن ننزلق في طريق الخطأ؟
علينا أن نكون حذرين بشأن سعينا إلى حماية أنفسنا من العالم لدرجة أننا لا نتواصل مع النفوس الموجودة فيه. إنه من السهل جداً البقاء في منطقة راحتنا الروحية واللاهوتية ونصبح انطوائيين روحياً. يمكن لهذه الانطوائية أن تتحول إلى ديانة محورها الذات. على سبيل المثال، كم من الوقت تمضيه الكنيسة المحلية في التنازع بشأن أنماط العبادة أو العقيدة، بدلاً من أن تقضيه في الوصول إلى عالم يحتضر؟
في كتابه الذي بعنوان «تمكين الفقراء» (صفحة ٢١- ٣٠)، يصف روبرت نثكوم ثلاثة أنواع من الكنائس. (١) الكنيسة التي في المدينة (المجتمع). هذا الكنيسة ليس لديها أي اتصال بالمجتمع تقريباً. والجزء الأكبر من تركيزها ينصب على تلبية احتياجات الأعضاء. (٢) الكنيسة التي للمدينة (المجتمع). يَعْرف أعضاء هذه الكنيسة أنه لا بد لهم من الانخراط في خدمة المجتمع. وهم يُخَمِّنُون ما هي احتياجات المجتمع دون التشاور مع المجتمعات التي يخدمونها، وهكذا تقوم مثل هذه الكنيسة بتقديم برامجها للمجتمع. لكن هناك مخاطرة أن تكون خدمات هذه الكنيسة غير مناسبة للمجتمع الذي تخدمه لأنه لم يكن للمجتمع قول في ما تقدمه من برامج. (٣) الكنيسة التي مع المدينة (المجتمع). تقوم هذه الكنيسة بعمل تحليل للتركيبة السكانية لأجل فهم أولئك الذين تخدمهم. يختلط أعضاء هذه الكنيسة بقادة وسكان المجتمع المحلي، ويسألونهم عن احتياجاتهم الحقيقية. ومن المرجَّح أن تكون خدماتهم للمجتمع أكثر ملائمة وتُسْتَقبلُ استقبالاً حسناً مِن قِبَله لأن أفراد المجتمع كانت لهم مساهماتهم المتعلقة بالبرامج المقترحة وهم يثقون في عملية تنفيذها. وينضم أعضاء هذه الكنيسة إلى المجتمع في كفاحهم من أجل تقرير نوع المجتمع الذي يريدونه، ويكونون شركاء مع المجتمع نحو تحقيق هذا الهدف. وتنخرط هذه الكنيسة مع مؤسسات المجتمع، ويمكنها مساعدة المجتمع على توفير ما يفتقر إليه من خدمات. وهكذا نجد أن هناك أهدافاً متبادلة وقبولاً للشراكة من أجل العمل على تلبية الاحتياجات الحقيقية للمجتمع.
لمزيد من الدرس
اقرأ لروح النبوة الفصل الذي بعنوان «مثالنا»، صفحة ١٣- ٢٢، في كتاب آفاق عيش أفضل؛ والفصل الذي بعنوان «لاوي-متى»، صفحة ٢٤٧- ٢٥٦ ، في كتاب مشتهى الأجيال.
إن مرسلية الكنيسة هي مرسلية للعالم وليس إلى الكنيسة نفسها. قامت كنيسة مِن مجتمع ديني آخر بوضع لافتة عند نهاية الممر الذي يبدأ من مبنى الكنيسة ويصل وينتهي عند الشارع العام. تقول اللافتة: «المدخل إلى الخادم.» إن هذه العبارة تلخّص الأمر كله، أليس كذلك؟
«لا يمكن للمرء مخالطة الآخرين دون أن يمضي وقتاً معهم.» لقد كان المسيح شديد الاختلاط بالناس، وتشير روح النبوة إلى أنه يجب على كنيسة الله اليوم أن تكون مخالطة للناس هي أيضاً. إن أعضاء الكنيسة هم الملح ولا بد لهم من أن يتخللوا المجتمع.
«لا توجد دعوة هنا إلى السبات في البرية والكرازة إلى الأرانب البرية. هناك دعوة رائعة مقدمة من نبي الرب للاختلاط بالمبغوضين والفقراء والضالين، تماماً كما فعل المسيح. لقد كان المسيح ‘يَقْبَلُ خُطَاةً’ وكان يحضر حفلاتهم- ويلتقي بهم حيثما كانوا. لم يساوم المسيح على إيمانه أبداً، لكنه كان يحب الذهاب إلى حيث كان هناك خطأة. لقد كان الخطأة هم أكثر الناس شعوراً بالراحة وهم حول المسيح، بينما كان مَن يُدعَون «قديسين» هم أكثر الناس عدم شعوراً بالراحة وهم حوله. لكن المسيح لم يولي ذلك انتباهاً، لأنه كانت لديه أولوياته الواضحة. فقد جاء ليخلّص الخطأة. تلك كانت مرسليته، وينبغي لها أن تكون مرسليتنا نحن أيضاً، حتى وإن كنا سنتسبب في جعل بعض «القديسين» يشعرون بالضيق....
«لوقت طويل، عزل الأدفنتست أنفسهم في المعازل والملاوذ الآمنة وكما لو أن باقي العالم لم يكن موجوداً. إن هذا الوقت قد انتهى. نحن لا يمكننا، بل لا نجرؤ على العيش في الارتداد بعد الآن. لقد حان الوقت لدخول المجتمع، كأفراد وككنيسة» [راسيل بوريل، كيف تنمّي كنيسة أدفنتستية (فولبروك، كاليفورنيا: هارت للنشر، ٢٠٠٩)، صفحة ٥٠].
الدرس السابع
٦- ١٢ آب (أغسطس)
المسيح أحب الخير لهم
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: يوحنا ٣: ٤- ٤: ٦؛ لوقا ١٩: ٣٨- ٤٢؛ متى ٥: ٤٣- ٤٧؛ ١كورنثوس ١٣؛ مرقس ٨: ٢٢- ٢٥؛ فيبلي ٢: ٣- ٥؛ يعقوب ٢: ١٤- ١٧.
آية الحفظ: «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا» (متى ٢٣: ٣٧).
في صباح يوم السبت، أثناء فترة مدرسة السبت وخدمة العبادة، غالباً ما يُرى المتزلجون على الجليد وهم يتزلجون أمام الأبواب الرئيسية للكنيسة المحلية للأدفنتست السبتيين.
لماذا؟ لأن هذه الكنيسة تجتمع في مركز للشبيبة مجاور لمنتزه للتزلج. وإذا كنت تعتقد أن أولئك المتزلجين هم مصدر إزعاج غير متوقع، فلا بد لك من أن تعيد التفكير مجدداً، ذلك لأن وجود الكنيسة في هذا المكان كان أمراً مدروساً ومخططاً له.
فإنّه في محاولة للحد من معدل الجرائم المرتفع لدى الشبيبة في هذه المدينة قامت الحكومة ببناء منتزه لتوفير مكان للشبيبة لينخرطوا في ممارسات ترويحية شاملة ترفه عنهم وتجدد نشاطهم. وعندما تم الانتهاء من بناء مركز الشبيبة ومنتزه التزلج أرادت الحكومة أن تكون هناك كنيسة تعقد خدمات العبادة في مرفق مركز الشبيبة. فقد شعر قادة المجتمع أن وجود كنيسة سيكون له تأثير أخلاقي إيجابي على الشبيبة الذين يستخدمون المتنزه. وقد قاموا بدعوة العديد من الكنائس من مختلف الطوائف، ولكن كنيسة واحدة قبلت الدعوة، إنها الكنيسة التي كانت تعقد مدرسة السبت وخدمة العبادة في صباح كل سبت.
لقد كان أعضاء الكنيسة السبتية الأدفنتستية هؤلاء متحمسين للانتقال إلى مركز التزلج لأن المتزلجين كانوا جزءاً من المجموعة التي كانت الكنيسة تريد الوصول إليهم وتبشيرهم. إنَّ
تعريف الكنيسة المحلية لكلمة «كنيسة» هو: مجتمع لا يعيش لنفسه. ينبغي أن يكون ذلك هو تعريف كل كنائسنا أيضاً.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٣آب (أغسطس).
يونان في نينوى
اقرأ يونان ٣: ٤- ٤: ٦. ما هي المشكلة السلوكية الخطيرة التي كانت لدى هذا النبي؟
نجد في الأصحاح الثالث من سفر يونان أن النبي يونان كان يجلس شرقي المدينة العظيمة نينوى. وكان قد أبلغ رسالة الهلاك التي أوكله الله بإبلاغها. وفي رحلته إلى نينوى، يظهر يونان تردده في الذهاب إلى هناك ومخططاته للتملص من القيام بما أمره الله به. ونجد كذلك إصرار الله على إعادة يونان للقيام بالمهمة، ونتعرف على حادثة بقاء يونان في جوف السمكة لمدة ثلاثة أيام والرحلة الطويلة التي قطعها من ساحل البحر إلى داخل مدينة نينوى. وكان سبب عدم رغبة يونان في إبلاغ الرسالة هو معرفته بأن الله قد يُظهر نعمته نحو أولئك الناس الذين كانوا في نظر يونان أناساً حقيرين ودنيئين. وعندما أبلغ الرسالة تاب أهل نينوى. لكن يونان شعر بالخيانة والإهانة، وشعر كذلك بأنه قد أُسْتُغِلَّ. فقد كان يأمل في أن يُظْهر دمار هذه المدينة الوثنية، التي كان يعيش بها أكثر من ١٢٠.٠٠٠ شخصاً، تفضيل الله لشعبه المختار ويبَرَّر كراهية يونان لأهل نينوى.
اقرأ لوقا ١٩: ٣٨- ٤٢. ما الذي يحدث هنا، وما هو موقف المسيح من مدينة أورشليم؟
بعد ثماني مائة عام من زمن يونان، ركب المسيح على ظهر جحش فوق قمة تل يطل على مدينة أورشليم. وكانت هناك هتافات تقول « ‘سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!’ » (لوقا ١٩: ٣٨). وفي خضم هذا الدخول الانتصاري للمسيح إلى مدينة أرشليم نجده يتوقف ويبكي قائلاً، « ‘إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ!’ » (لوقا ١٩: ٤٢).
لاحظ التباين، فقد أطاع يونان على مضض ما أمره الله بالقيام به، وكان قليل الاكتراث بما هو لخير سكان نينوى. أما المسيح فقد اقترب من أورشليم وقلبه مثقل وتوّاق إلى أن يقبل الناس الخلاص الذي يقدّمه، وهو الخلاص الذي كانت تكلفته باهظة للغاية.
مدينتان: نينوى وأورشليم. مُرْسلان: يونان والمسيح. والفرق واضح. يجسد المسيح الموقف المتسم بنكران الذات والاهتمام، وهو الموقف الذي يروم إلى ما هو لخير وصالح الناس. ليتنا، بنعمة الله، نتحلى بنفس الموقف الذي تحلى به المسيح تجاه الضالين.
مبدأ «عَلَى أَيَّةِ حال»
اقترب رجل أبرص من المسيح وتوسل إليه طلباً في أن يشفيه من مرضه. كانت الأعراف التقليدية تقضي بأن يكون هذا الإنسان منعزلا عن الآخرين. لكن قام المسيح الطاهر بشفاء الرجل عَلَى أَيَّةِ حال (متى ٨: ١- ٤). أنكر بطرس المسيح ثلاث مرات أثناء محاكمته (يوحنا ١٨). لكن المسيح بعد قيامته، وبعد فحصه لقلب بطرس، أعاد بطرسَ للخدمة الرعوية عَلَى أَيَّةِ حال. وفي كورنثوس كانت كنيسة الله غير مُقدِّرةٍ لسلطان ونفوذ بولس، ولكنه عمل على خدمتهم عَلَى أَيَّةِ حال (٢كورنثوس ١٢: ١٤و ١٥).
إن مبدأ «على أي حال» أو «على الرغم من» هو مبدأ ضروري لإعلان صفات المسيح الذي أحب الخير للناس.
«هناك ملايين وملايين من النفوس البشرية الموشكة على الهلاك وهي مقيدة بسلاسل الجهل والخطية، ولم تسمع قط عن محبة المسيح لها. فلو تبدلت حالنا فصارت كحالهم فما الذي كنا نشتهي أن يفعلوه لأجلنا؟ إننا ملزمون بأن نفعل لهم كل هذا طالما نحن قادرون على عمله لأجلهم» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٦٠٨و ٦٠٩).
إن هذه «القاعدة الذهبية» محورية جداً بالنسبة لعقلية الخدمة التي تفكر أولاً في ما هو لخير أولئك الذين نخدمهم بدلاً من التفكير في ما يفيدنا نحن.
اقرأ متى ٥: ٤٣- ٤٧؛ لوقا ٦: ٢٧و ٣٥؛ ٢٣: ٣٤. ما هي النقطة الهامة التي أعلنها المسيح لنا هنا فيما يتعلق بموقفنا تجاه فئة معينة من الناس؟
يدعونا المسيح إلى إظهار محبتنا وعطفنا تجاه الناس «على الرغم من» حقيقة أنهم يكرهونك أو يناصبونك العداء. لاحظ أيضاً أن المسيح يربط بين هذه الأعمال والمواقف، وبين صفات الله نفسه الذي يدعونا قائلاً: « ‘أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ’ » (لوقا ٦: ٣٥).
المحبة لا تسقط أبداً
وفقاً للمسيح، أعظم وصيتين هما محبة الإنسان لله ومحبة الإنسان لقريبه (لوقا ١٠: ٢٧و ٢٨). وقد أظهر المسيح لنا مَن هو قريبنا (لوقا ١٠: ٢٩ - ٣٧). لا شك أيضاً في أن حياة المسيح من البداية إلى النهاية كانت تعبيراً عن محبة الله المُطْلَقة، فالله نفسه محبة (١يوحنا ٤: ١٦). وبالتالي، إذا أردنا أن نعكس صفات الله، إذا أردنا أن نساعد في إعلان حقيقة الله وطبيعته، فعلينا أن نتحلى بالمحبة.
فكر في الأمر بطريقة أخرى. إنَّ أكبر «الأعذار» التي استخدمها الناس لرفض المسيح والمسيحية ككل كانت تتمثل في المسيحيين المعترفين أنفسهم وما يتسمون به من سلوكيات ومواقف تتناقض بشكل صارخ مع المسيح وتعاليمه.
ما هي بعض الأمثلة التي تجدها في التاريخ، بل وحتى في عصرنا الحالي، حول كيف قام المسيحيون، أو على الأقل مَن يحملون لقب «مسيحيين» بارتكاب أعمال فظيعة، وفي بعض الأحيان كانوا يقومون بذلك مستغلين اسم المسيح؟ أَ وَلَم يحذرنا سفر دانيال بشأن هذا الأمر؟ (انظر دانيال ٧: ٢٤و ٢٥ أو رومية ٢: ٢٤).
فلا عجب في أن الكثير من الناس على مر العصور، بل وحتى في أيامنا الحالية، قد عزفوا عن المسيحية ككل. وبالتالي، فإنّه يجب أن يكون التزامنا بإعلان المسيح للآخرين من خلال حياتنا وتصرفاتنا، أقوى من أي وقت مضى. ولا شيء يمكنه القيام بذلك بِقُوَّة أكثر من المحبة التي أعلنها المسيح نفسه، وهي المحبة التي تُعْلَنُ وتتجلى في حياتنا نحن أيضاً.
اقرأ ١كورنثوس ١٣. وفقاً لما يقوله بولس هنا، ما هي المحبة؟ وما الذي لا يُعْتَبَرُ محبة؟ ووفقاً لما يقوله بولس هنا أيضاً، ما الذي تفعله المحبة؟ وما الذي لا تفعله؟ باختصار، كيف ينبغي للمحبة أن تُعْلَن في حياتنا كمسيحيين، وكيف تتناسب تلك المحبة مع الطريقة التي ينبغي أن نكون شهوداً للمجتمع من خلالها؟ والأهم من ذلك، ما هي التغييرات التي تحتاج إلى القيام بها من أجل أن تتجلى مثل هذه المحبة في حياتنا؟
اللمسة الثانية
اقرأ مرقس ٨: ٢٢- ٢٥. ما هو الدرس الروحي الذي نتعلمه من حقيقة أن لمسة المسيح الشافية الأولى لم تشفِ الرجل الأعمى شفاء كاملاً؟
بعد أن «تَفَلَ» المسيح على عيني الرجل، لمسه وسأله ما إذا كان قد أَبْصَرَ شَيْئًا؟ (مرقس ٨: ٢٣). لماذا «تَفَلَ» «المسيحُ» على عينيه؟ يشير الأدب القديم إلى امثلة اُسْتُخْدِمَ فيها اللُّعاب مِن قِبل الأطباء. تشبه هذه المعجزة إلى حد ما معجزة شفاء الرجل الأبكم والأصم في «فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ» التي كان المسيح قد أجراها قبل ذلك بوقت قصير. (اقرأ مرقس ٧: ٣١- ٣٧). ومع ذلك، فإنّه وخلافاً لمعجزات الشفاء الأخرى التي أجراها المسيح، فقد تم شفاء هذا الرجل الأعمى على مرحلتين.
اقرأ مرقس ٨: ٢٣و ٢٤. كيف تفهم جواب الرجل على السؤال، « ‘هل ترى شيئاً؟’ »
« ‘أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ’ » (مرقس ٨: ٢٤). معنى هذا أن الرجل كان قادراً على التمييز بين الناس والأشجار فقط من خلال حركتهم. وبالمعنى الروحي، كيف يمكننا أن نطبّق هذا الحدث على حياتنا؟ نحن قد لا نُسترد كلياً بعد أن يمنحنا المسيح البصيرة الروحية. وربما نرى الناس «كالأشجار»، مجرد أجسام. وقد يعني ذلك أننا لا نزال عمياناً عن النظر إليهم كأشخاص حقيقين ذوي احتياجات حقيقية. إنهم بالنسبة لنا مجرد بنود وأرقام وأجسام نريد انضمامها للكنيسة، ربما للتباهي بعدد ما أجريناه من معموديات، أو لنشعر بالرضا عن أنفسنا ولنَظهر بمظهر لائق. لكن المرجح هو أن الناس لن يبقوا في كنيسة مِن هذا القبيل، حيث يتسم موقف أعضائها بروح خدمة المصالح الذاتية.
اقرأ مرقس ٨: ٢٥. في هذه الحالة، ماذا عساه كان السبب الذي جعل المسيح يقوم عمداً بشفاء الرجل على مرحلتين؟
قبل الدخول في سياق قصة الشفاء هذه، كان المسيح يتعامل مع نوع آخر من العمى: فإن تلاميذه لم يفهموا معنى عبارته حين طلب منهم أن « ‘انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ’ » (مرقس ٨: ١٥). وقد اعتقدوا أن المسيح قال ذلك لأنه لم يكن لديهم ما يكفي من خبز لرحلتهم التي كانوا سيقطعونها بالسفينة. وقد وصفهم المسيح بالعميان: « ‘أَلَكُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ...؟’ » (مرقس ٨: ١٨).
إن لمسة المسيح الشافية لا يحتاج إليها مَن هم خارج الكنيسة فحسب، بل هناك عمى داخل الكنيسة أيضاً. إنَّ أعضاء الكنيسة الذين يبصرون بشكل جزئي وينظرون إلى الناس على أنهم إحصاءات وأجسام، لن يهتموا أو يلاحظوا أن الكثير من الأطفال الجّدد في المسيح يخرجون من الباب الخلفي للكنيسة. إنَّ مثل هؤلاء الأعضاء يحتاجون إلى لمسة المسيح الثانية كي يروا كل شيء بوضوح أكثر، وكي يحبوا الآخرين بالطريقة التي يحبهم بها المسيح.
الكنيسة التي تضع الآخرين محور تركيزها
«لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا» (فيلبي ٢: ٣ - ٥).
بأية طرق يجب للمبادئ المعلنة هنا أن تحكم حياتنا وتؤثر في كيفية تواصلنا ليس مع أعضاء الكنيسة فحسب ولكن في كيفية تواصلنا مع مجتمعنا ككل؟
عندما كان المسيح على الأرض بالجسد، لم يفكر في نفسه. فقد كان جدول أعماله يتمحور حول عمل الخير للآخرين. وكان الكثير من خدمته يتألف من الاستجابة لمَن يأتيه ويوقف مسيره طلباً في العون والشفاء. فعلى سبيل المثال، أتى إليه يايرس ملتمساً منه أن يتوجه إلى بيته ليشفي ابنته المحتضرة. وفي نفس تلك اللحظة التي أوقفه فيها يايرس بمطلبه، أتت امْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وأوقفته بلمسة إيمانها (اقرأ مرقس ٥: ٢١- ٤٣).
إن كنيسة المسيح هي قلبه ويداه على الأرض. لقد أحب المسيح الناس أكثر من أي شيء آخر، وأي كنيسة تابعة للمسيح حقاً ستفعل الشيء نفسه.
للكنائس برامجها واهدافها، وهذا أمر جيد. لكن محبتنا غير المشروطة للبشر سوف تقودنا في بعض الأحيان إلى الخروج عن برامجنا المسبقة، خصوصاً إذا كانت تلك البرامج تشغلنا عن التعبير عن محبتنا للآخرين. إن المعمودية بالنسبة للعديد من الكنائس هي مِن أهم البرامج التي يضعونها على جدول أعمالهم. ولكن ما هو دافع كنيستكم وراء التعميد؟ أهو لخدمة المصالح الذاتية؟ أهو لجعل الكنيسة تظهر بمظهر لائق ولتجلب الجوائز التقديرية والأوسمة لراعي الكنيسة؟ أَمْ أنّ الدافع وراء المعمودية هو أن الكنيسة ترغب حقاً في أن يستمتع الناس في المجتمع بالحياة الوفيرة التي يجدونها من خلال قبولهم للمسيح (يوحنا ١٠: ١٠) وترغب كذلك في أن يقبل الناس كل شيء يقدمه المسيح؟ هل دافع كنيستك وراء المعمودية هو أنها تريد الأفضل للناس؟
كان هناك كنيسة تدير مطبخاً لتقديم الحساء لأهالي منطقة من أشد المناطق بؤساً وفقراً في المدينة. وقد سُمِعَ القسُ يقول، «يجب علينا إغلاق مطبخ الحساء هذا لأننا لا نجني أي معموديات منه.» وكانت هناك مجموعة أخرى من المؤمنين قامت ببناء كنيسة جديدة وكانوا فخورين جداً بها. وعندما اقترح القس دعوة أهل المجتمع إلى الكنيسة للمشاركة في أنشطة مثل مدرسة الكتاب المقدس الصيفية أو لإجراء الفحوصات الصحية، وذلك من أجل أن يتعرف الناس على طبيعة وأجواء الكنيسة، كان أول ما فكر فيها أعضاء الكنيسة هو خوفهم من أن يتسخ سجاد الكنيسة الجديد وأن يتشوه مظهر الحمامات الجديدة. قارن هاتين الكنيستين بالكنيسة التي كانت تجتمع في منتزه التزلج.
لمزيد من الدرس
اقرأ لروح النبوة الفصل الذي بعنوان «مثالنا» صفحة ١٣- ٢٢، في كتاب «آفاق عيش أفضل»؛ والفصل الذي بعنوان « ‘يعوزك شيء واحد’ » صفحة ٤٨٨- ٤٩٢، في كتاب «مشتهى الأجيال».
«إنه من أجل الوصول إلى جميع فئات وطبقات الناس علينا أن نلتقي بهم حيث هم متواجدون؛ لأنهم نادراً ما يسعون إلينا مِن تلقاء أنفسهم. إن قلوب الناس لا تُلمس بالحق الإلهي من فوق المنابر وحدها. بل لقد أيقظ المسيح اهتمامهم من خلال التواجد بينهم كمَن كان يحب لهم الخير. لقد سعى إليهم بينما هم يمارسون هوايتهم اليومية وأظهر اهتماماً صادقاً بشؤونهم الدُنْيَوِيّة» (روح النبوة، حياتي اليوم، صفحة ١٨٦). كم هو صحيح أنَّ كثيراً من الناس اليوم، ولأسباب مختلفة «نادراً ما يسعون إلينا من تلقاء أنفسهم.» وكما جاء المسيح ووصل إلينا حيثما نحن متواجدون، نحتاج إلى عمل الشيء نفسه للآخرين. من ناحية، لا ينبغي أن يكون هذا صعباً جداً. هناك الكثير من الناس الذين لديهم الكثير من الاحتياجات. إنّ العالم مكان متضرر ومنكسر وبه أناس متضررون ومنكسرون، وهم في بعض الحالات يتوقون إلى شخص يصغي إليهم، إلى شخص يتحدثون معه، إلى شخص يهتم بهم ويرعاهم. وبالطبع، علينا كهيئة كنسية أن نكون قادرين إلى حد ما على أن نمنحهم المساعدة المادية التي يحتاجونها. نحن بحاجة إلى أن نكون حذرين من أن لا نكون مذنبين بارتكاب ما حذرنا منه يعقوب، وهو أن يكون لدينا الإيمان لكن دون أن يكون لدينا الأعمال التي تعلن وتظهر هذا الإيمان. المثير للاهتمام هو أن هذا التحذير لا يتم الإعراب عنه في سياق النظام الغذائي أو اللباس أو السلوك الشخصي، وإنما في سياق مساعدة المحتاجين. (انظر يعقوب ٢: ١٤- ١٧). يمكن لأي شخص أن يقول أن لديه إيمان. أما كيفية تعاملنا مع «قريبنا» فهي المقياس الحقيقي لذلك الإيمان.
الدرس الثامن
١٣- ١٩ آب (أغسطس)
المسيح برهن على عطفه
السبت بعد الظهر
المراجع الأسبوعية: ٢ملوك ١٣: ٢٣؛ خروج ٢: ٢٣- ٢٥؛ لوقا ٧: ١١- ١٦؛ ١يوحنا ٣: ١٧؛ يوحنا ١١: ٣٥؛ رومية ١٢: ١٥؛ ٢كورنثوس ١: ٣و ٤.
آية الحفظ: «فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أَبْصَرَ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ» (متى ١٤: ١٤).
كانت هناك فتاة تبلغ من العمر ١٧ عاماً، وكانت هذه الفتاة تصارع مع ما تصارع معه الفتيات في عمرها من تحديات ومشكلات، إلّا أنّ حياتها كانت ثمناً لهذا الصراع. ومَن يمكنه أن يتخيل ما أصاب الوالدين من مرارة وألم؟
جاء قس الكنيسة التي يتعبدون بها إلى المنزل. وجلس في غرفة المعيشة بجانب الوالدين لفترة طويلة ولم يقل شيئاً على الإطلاق. كل ما فعله هو أنه عاش معهم أحزانهم. وبعد ذلك بدأ القس ينتحب. وأخذ يجهش بالبكاء إلى أن جفت دموعه. ثم، ودون أن ينبس ببنت شفة، نهض واقفاً وغادر البيت.
وبعد ذلك بفترة، أعرب والد الفتاة للقس عن مدى تقديره لما فعله القس في يوم الجنازة. فإن هذا الأب وزوجته لم يكونا في ذلك اليوم بحاجة إلى كلمات، ولم يكونا بحاجة إلى وعود، ولا بحاجة إلى مشورة. بل إن ما كانا يحتاجانه في ذلك الحين هو التعاطف والتحنن الخالصين.
قال الأب للقس، «أنا لا يمكنني أن أقول لك مدى ما كان يعنيه تحننك بالنسبة لنا.»
إن التحنن يعني «الشفقة» و «الرثاء» وهو مرتبط بالعطف والرِّقّة والحزن على الآخرين ومواساتهم. إنه يعني أن تكون «مع» شخص ما ولكن بطريقة عميقة تعكس مدى اكتراثك ورغبتك الصادقة في تخفيف آلامهم وأحزانهم. فإنَّ إظهار الحنان تجاه الآخرين في أحزانهم ومآسيهم يعطي مفهوم «الاختلاط» بالآخرين بُعداً جديداً ومستوى أعلى.
لقد كان التحنن أيضاً وسيلة هامة من وسائل وصول المسيح إلى الناس وتواصله معهم وعمله على تخفيف آلامهم وأوجاعهم.
*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٠أب (أغسطس).
سماع الأنين
يمكن للكون أن يبدو وكأنه مكان مخيف جداً. ففي ظل اتساعه وبرودته وضخامته نشعر بضآلتنا وتفاهتنا ونحن نعيش فيه. وقد أصبح هذا الخوف أكثر انتشاراً مع ظهور العلوم الحديثة التي كشفت تلسكوباتها العملاقة عن وجود كون أكبر وأوسع بكثير مما يمكن لخيالنا أن يدركه بسهولة. أضف إلى ذلك المزاعم المتطرفة لنظرية «داروين» التي تنفي فكرة وجود الخالق. ومِن هنا يمكن للناس أن يصارعوا مع الشعور باليأس في وسط كون شاسع يبدو أنه لا يهتم بنا على الإطلاق.
وبطبيعة الحال، يقدّم لنا الكتاب المقدس وجهة نظر مختلفة تماماً فيما يتعلق بمكاننا ومكانتنا في الكون.
ماذا تعلّمنا النصوص التالية عن تحنن الله تجاه خليقته الساقطة والمتصدعة هنا على الأرض؟
قضاة ٢: ١٦- ١٨
٢ملوك ١٣: ٢٣
إشعياء ٥٤: ٧و ٨و ١٠
على عكس الفكرة الشائعة عن الله في العهد القديم بوصفه إلهاً صارماً ولا يرحم ولا يتحنن، خصوصاً عند مقارنته بالمسيح وكيفية تقديمه في العهد الجديد، نجد أن هذه الآيات أعلاه ليس سوى عدد قليل من الآيات الكثيرة في العهد القديم التي تبين تحنن الله على الإنسانية
ماذا تعلمنا الآية في خروج ٢: ٢٣- ٢٥ عن كيف يتعامل الله مع الذين يعانون ويتعذبون؟
إن الله يهتم اهتماماً فائقاً بشؤون الناس (انظر يعقوب ٥: ١١). وهذا موضوع رئيسي نجده في الكتاب المقدس كافة.
«وقلبه المحب يتأثر من أحزاننا.... ولا يستصغر أمراً ما حتى لا يعيره التفاتاً... ولا تصيب أحد أولاده الأصاغر نكبة.... إلا ويعلم بها أبونا السماوي ويهتم لهم بها» (روح النبوة، طريق الحياة، صفحة، ٨٥).
مخلّصنا الحنون المتعاطف
بينما كان المسيح يختلط مع الناس أثناء خدمته الأرضية، واجه حالات أظهرت تحننه وتعاطفه مع أصحابها المتألمين. «فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أَبْصَرَ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ» (متى ١٤: ١٤).
اقرأ متى ٩: ٣٥و ٣٦ ولوقا ٧: ١١- ١٦. ماذا تعلّمنا هاتان الفقرتان الكتابيتان عن كيفية إظهار التحنن والتعاطف الحقيقيين تجاه الآخرين؟
إن كلمة «تحنن» تحضر إلى الذهن أيضاً كلمات ذات صلة مثل التعاطف والشفقة والرقة. ووفقاً لقواميس مختلفة، فإنَّ كلمة تحنن تعني الإشفاق والتعاطف. والإشفاق هو حزن متعاطف مع معاناة الشخص. والتعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتهم آلامهم وأوجاعهم.
إن التحنن والتعاطف يعنيان أننا لا ندرك فقط ما يعاني منه الآخرون بل يعنيان كذلك أننا نريد المساعدة في تخفيف ومداواة معاناتهم.
ما هي ردة فعلك عندما تسمع عن أمور محزنة تحدث للناس في مجتمعك، كاحتراق بيوتهم أو حدوث وفاة في الأسرة؟ هل تكتفي بأن تأسف على ما حدث، ثم تنسى الأمر برمته، وهو الشيء الذي من السهل جداً عمله؟ أَمْ أنَّ مشاعر التعاطف لديك تنتفض وتدفعك إلى التحنن والشفقة عليهم؟ إن التحنّن الصادق سوف يقودك إلى العمل على تعزية أصدقائك والغرباء كذلك بطرق فاعلة وعمليَّة. ويمكن القيام بذلك من خلال إرسال بطاقة تعرب فيها عن تعاطفك مع الآخرين، أو بإظهار تحنن أعمق من خلال زيارتك لهم والمساعدة في تلبية احتياجاتهم العاجلة. إن المحبة العاملة هي النتيجة الواضحة للتحنن الحقيقي.
من الجيد أن الأفراد ومنظمات الإغاثة تميل إلى أن تستجيب للكوارث الكبيرة برحمة وإشفاق. ومع ذلك، فإننا في بعض الأحيان قد لا نُولي اهتماماً كبيراً بالمصائب والكوارث «الأصغر» التي تؤثر بشدة في شخص ما.
إن المسيح لم يكتفِ بإظهار التعاطف والتحنن بل أخذ التحنن إلى المستوى التالي: القيام بأعمال نابعة عن تحننه. وبطبيعة الحال، نحن مدعوون إلى القيام بعمل الشيء نفسه. فإنه بإمكان أي شخص أن يشعر بالحزن أو التعاطف مع شخص آخر يمر بمحنة أو مصيبة. لكن السؤال هو: ما الذي يدفعنا تحننا إلى القيام به تجاه الأشخاص الذين يمرون بالمحن والضيق؟
الشعور بالآخرين
اقرأ كولوسي ٣: ١٢؛ ١بطرس ٣: ٨؛ ١يوحنا ٣: ١٧. ما الذي تقوله هذه الآيات الكتابية لنا، وكيف يمكننا إظهار مثل هذه الشفقة والرأفة في حياتنا؟
إن كلمة التحنن أو الشفقة تأتي من الكلمة اللاتينية التي تعني أن «تعاني مع.» فكما عانينا نحن أنفسنا من أمور في حياتنا فإنه يمكننا أن نتفهم معاناة الآخرين؛ وبلا شك، فإنه كما نتوق إلى أن يبدي الناس تحنناً وإشفاقاً علينا في معاناتنا، ينبغي أن نكون على استعداد لفعل الشيء نفسه للآخرين عند معاناتهم.
رأينا في درس سابق قصة السامري الصالح. وقد قال المسيح عند حديثه عن السامري، «وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ» (لوقا ١٠: ٣٣). إن هذا التحنن قد دفع المسافر السامري إلى أن يتصرف نيابة عن المجني عليه مِن قِبل اللصوص الذين تركوه جريحاً بين حي وميت. ومن المرجح أن كلاً من الكاهن واللاوي قد سأل كل واحد منهما نفسه قائلاً، «ماذا سيحدث لي إذا أنا ساعدت هذا الرجل؟» ومن المرجح أن يكون السامري قد سأل نفسه قائلاً، «ماذا سيحدث لهذا الرجل إذا لم أساعده؟» إن السامري في هذه القصة قد وضع نفسه مكان المجني عليه مِن قِبل اللصوص وتصرّف على هذا الأساس. لقد خاطر بسلامته وماله من أجل شخص غريب. وبعبارة أخرى، كون المرء مسيحياً قد ينطوي عليه التعرّض للمخاطر في بعض الأحيان، بل ومحتمل أن يكون الأمر مكلفاً للغاية كذلك.
انظر إلى قصة الابن الضال من هذا المنظور كذلك (لوقا ١٥: ٢٠- ٣٢). فما الذي فعله والد الابن الضال وجعله عُرضة للانتقادات والنزاع الأسري؟ إنَّ عناق التحنن ورداء الانتماء وخاتم الثقة ونعل الحرية والدعوة إلى الاحتفال جميعها تعكس الفرح غير الأناني مِن قِبل الأب الذي كان على استعداد للتضحية بكل شيء من أجل استعادة واسترداد ابنه الضال. إن كلمة الضال تعني مُبَذّر ومتهور ومسرف وغير منضبط. من المؤكد أن هذا السلوك يصف مسار الابن في هذه القصة. لكن توقف للحظة وفكر في الأمر هكذا: فإنه ردَّاً على عودة الابن الضال يمكن للمرء أن يزعم، وله ما يبرره في ذلك، أن الأب في هذه القصة قد تخلى عن كرامته كلياً وقام بتهور بمنح كل ما لديه لابنه الفوضوي. وقد كان الأب في نظر ابنه الأكبر مسرفاً ومهدراً وغير منضبط. وهكذا أصبح الأب ضالاً عند رؤيته لابنه الذي كان ضالاً وتاب. وقد دفعه قلبه المتسم بالتحنن والشفقة إلى التخلي عن كافة ما لديه من أجل أن يسترد ابنه الضال.
إن هذا المستوى من الشفقة والتحنن يتضمن التخلي عن الذات، ويمكنه أن يجعلنا عُرضة لكل الانتقادات المترتبة على أعمالنا بينما نحن نعاني مع شخص ما ونسعي إلى استرداده. وباختصار، قد يكون أمر إظهار التحنن والشفقة والتعاطف مكلفاً.