-2 دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الأول 2016 - التَمرُّد والفداء


إننا نجد موضوع الصراع العظيم متضمناً في مَثَلِ الزَّارِع الذي نطق به المسيح. فإن في سرد المسيح لردود الأفعال الأربعة على رسالة الإنجيل إشارة إلى أن الناس في العالم هم أكثر من مجرد فئة «جيدة» وفئة «سيئة». فالحياة أكثر تعقيداً من ذلك، ولذا فإننا بحاجة إلى توخّي الحذر بشأن كيفية نظرتنا إلى أولئك الذين قد يبدو أنهم لا يستجيبون للبشارة بالطريقة التي نعتقد أنه ينبغي أن يستجيبوا بها.


اقرأ متى ١٣ : ٣ـ٨ ثم اقرأ متى ١٣ : ١٨ـ٢٣. بأية طرق يمكننا أن نرى بوضوح حقيقة الصراع العظيمة متجلية في هذه القصة؟


إن معركة الاستحواذ على النفوس معركة حقيقية، ويستخدم العدو ما يمكنه من وسائل لصرف الناس بعيداً عن الخلاص. على سبيل المثال، وفي سياق البذار التي سقطت على جانب الطريق، كتبت روح النبوة: «فالشيطان وملائكته يوجدون بين الجماعات التي يُكرز لها بالإنجيل. ففي حين أن ملائكة السماء يحاولون أن يؤثروا في القلوب بكلمة الله فإنّ العدّو متيقظ ليجعل الكلمة عديمة التأثير. فبغيرة تضارع خبثه يحاول أن يعرقل عمل روح الله. وفي حين أن المسيح يجتذب النفس بمحبته فالشيطان يحاول أن يبعد انتباه الإنسان الذي يحركه روح الله ليطلب المخلص» (المعلم الأعظم، صفحة ٣٣).


وقد يتساءل المرء، لماذا لم يتوخَ الزارع الحذر بحيث لا تسقط البذار على الطريق؟ ولماذا لم يكن أكثر اجتهاداً في اقتلاع واستخراج الصخور من التربة حتى لا تعيق نمو البذار؟ ولماذا لم يقتلع المزيد من الأشواك؟


وللإجابة على هذه الأسئلة نقول أن الجهود البشرية، وفيما يتعلق بزرع بذار البشارة، محدودة دائماً. يجب علينا أن نزرع في كل مكان. فنحن ليس لدينا القدرة لنحكم بشأن ما إذا كانت التربة جيدة أو سيئة. وأما ظهور الأشواك فهو ببساطة ليس سوى إشارة إلى أننا غير قادرين على منع الشر من البزوغ في الأماكن التي يكون بزوغ الشر فيها أقل توقعاً. إنَّ ربَّ الحصاد الذي فِي السَّاحَة الخَلْفِيَّة مِنْ الْمَشْهَد هو الذي يضمن خلاص جميع الذين يمكن خلاصهم. فواجبنا هو القيام بعملنا وتعلُّم الثقة بأن الله سيقوم بعمله.






البناء على الصخر


إن مسألة أين نقف في الصراع الكوني، الذي يدور حولنا، تُعتبر مَسْأَلَةً شخصية للغاية في مَثَلِ الرجل الذي يبني بيته على الصخر.


اقرأ متى ٧ : ٢١ـ٢٧. ما هو الشيء المرعب جداً بشأن هذا المَثَلْ؟


ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تتخيل هذه القصة؟ أين الصخر وأين الرمال؟ بالنسبة لبعض الناس، توجد الرمال على الشواطئ فقط. لكن فيما يبدو أن هذه القصة لا تتحدث عن السكن بجوار شاطئ البحر. بل إن المكان الأرجح للبيوت التي يتم الحديث عنها في المَثَل هو التلال بسيطة الانحدار التي كانت تُبنى عليها معظم القرى المجاورة للسهول والوديان. وفي هذا المثل، يصوّر المسيحُ بيتين من البيوت؛ أحدهما بُنِي على سطح الأرض في حين كانت للآخر أساسات محفورة ومعمقة وموضوعة على الصخر. ولم تكن هناك طريقة لمعرفة الفرق بين هذين البيتين، وهما مكتملي البناء، إلا حين بدأ سقوط المطر على التلال وحين بدأت السيول تندفع بسرعة هائلة صوب الوادي. لم تشكّل الأمطار والسيول معضلة بالنسبة لأحد هذين الشخصين الذي بنى كل واحد منهما بيتاً، والسبب في ذلك هو أن بيت هذا الشخص كان راسخاً بثبات؛ أما بالنسبة للشخص الآخر، فقد كانت هناك مشكلة. فإن البيت الذي بُنِي على سطح الأرض من دون أن يؤسس على الصخر كان ضحية سهلة للفيضانات الجارفة.


لقد شارك المسيح هذا المَثَل مع الجموع لأنه كان يعرف مدى خداعنا لأنفسنا. فإن هناك صراعاً جِدِّيّاً يجري، وبدون مساندة خارجية، فإنه ليس لدينا أي إمكانية للنجاة والخروج منتصرين من هذا الصراع. لقد تغلب المسيح على الشر، وهذا هو السبب في أن المسيح يُدعى الصخرة. إنه يمكننا الفوز في هذه المعركة الشخصية ضد الشر، لكن فقط إذا بنينا حياتنا برسوخ على المسيح (الصخرة)، ولا يمكننا البناء على المسيح إلا من خلال طاعتنا له. «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ» (متى ٧ : ٢٤). إن الأمر بهذه البساطة. ومع ذلك، فإن التحلي بكثير من الإيمان هو عنصر بالغ الأهمية. أيضاً، يقول الكتاب المقدس أن الإيمان بدون أعمال «ميت» (انظر يعقوب ٢ : ١٧ و ٢٠ و ٢٦)، ونحن يمكننا في هذا المَثَل أن نرى كيف أن الإيمان بدون أعمال هو ميت حقاً.






لا تدينوا


لقد أعطى المسيح الموعظة على الجبل في الأيام الأولى من بداية خدمته. وتضمنت هذه العظة مواضيع مدهشة. بداية، قال المسيح لعامة الناس أنهم ذات قيمة في نظر الله ومباركون (متى ٥ : ٣ـ١٢) وبأنهم الملح (متى ٥ : ١٣) والنور (متى ٥ : ١٤ـ١٦) وهما سلعتان ذات قيمة لدى الناس. وقد تحدث المسيح عن أهمية شريعة الله (متى ٥ : ١٧ـ١٩) ولكنه حذَّرهم من محاولة التأثير على الآخرين من خلال سلوكهم الحسن (متى ٥ : ٢٠). وقد أشار المسيح أيضاً إلى أن ما يفكر فيه المرء هو ما يحدد نوعية أخلاقه، وليس مجرد الأعمال الظاهرة (متى ٥ : ٢١-٢٨)، على الرغم من أنه يجب أن تكون الأعمال متوافقة مع ما نفكر فيه ونؤمن به (متى ٥ : ٢٩ و ٣٠). وإذ نقرأ موعظة المسيح على الجبل بأكملها فسنجد أن المسيح قد تناول بالحديث كافة جوانب الوجود الإنساني والعلاقات البشرية (انظر متى ٥ـ٧ : ٢٧).


اقرأ متى ٧ : ١ـ٥. بأية طرق نجد حقيقة الصراع العظيم واضحة في هذه الآيات الكتابية؟ بمعنى، كيف يتجلى التفاعل بين الخير والشر هنا؟


« ‘لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا’ (متى ٧ : ١) . لا تحسب نفسك أفضل من غيرك فتقِيِم نفسك قاضيا عليه. وحيث أنك لا تستطيع تمييز البواعث فأنت غير أهل للحكم على الآخرين. أنت يا من تدين أخاك تحكم على نفسك، وأنت بذلك تبرهن على أنك شريك الشيطان المشتكي على الإخوة. والرب يقول: ‘جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ’ هذا هو عملنا وواجبنا.» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٩١).


عندما قال المسيح للْجُمُوع أن لا يدينوا فهو إنما قد أكد بذلك على نقطتين هامتين. النقطة الأولى هي أن السبب وراء إدانتنا للآخرين هو أننا نقوم بعمل نفس الأمور التي ندينها فيهم (متى ٧ : ١ و ٢). فعندما ندين الآخرين فنحن بذلك إنما نحوّل انتباه الناس بعيداً عن انفسنا ونضمن أن جميع مَن حولنا ينظرون إلى الشخص الذي ندينه بدلاً من النظر إلينا وإدانتنا نحن.


والنقطة الثانية التي يؤكد عليها المسيح هي أن المشكلة التي نراها في أخينا أو اختنا هي، في كثير من الأحيان، ليس سوى جزء بسيط من المشكلة التي لدينا، وقد تكون مشكلة نحن غير مدركين لها. فمن السهل جداً بالنسبة لنا أن نرى قطعة من نشارة الخشب في عيون الآخرين ولكننا غير قادرين على رؤية الخشبة الكبيرة في اعيننا نحن.






«وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ»


يختم متى إنجيله بأكثر الكلمات تشجيعاً عندما قال المسيح: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى ٢٨ : ٢٠). ما الذي يعنيه ذلك لنا، في صراعاتنا الخاصة وفي إخفاقاتنا وخيبات أملنا، بل وحتى عندما نشعر أن الله قد تخلّى عنا وتركنا؟


من المثير للاهتمام أن متى قد بدأ إنجيله بكلمات مشابهة. فبعد سرده للأنساب وقصة زيارة الملاك لمريم ومن ثم زيارته ليوسف، يوضِّح متى أن الطفل الذي سيولد سوف يُدعى عمانوئيل، الله معنا (متى ١ : ٢٣).


وقد وعد الله عدة مرات في الكتاب المقدس قائلاً، «هَا أَنَا مَعَكُمْ». فقد وعد بأن يكون مع اسحق (تكوين ٢٦ : ٢٤)، ومع يعقوب (تكوين ٢٨ : ١٥) ومع إرميا (إرميا ١ : ٨ و ١٩) ومع بني إسرائيل (إشعياء ٤١ : ١٠ و ٤٣ : ٥). وكان العديد من هذه الوعود هو في أوقات الشدة والضيق، أي في الأوقات التي كان فيه كلام الله أكثر ملاءمة وارتباطا بالظروف والأحوال.


وهناك آية أخرى تستخدم كلمات مماثلة: « ‘لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ’ » (عبرانيين ١٣ : ٥). وبعد ذلك بعدة آيات يضيف بولس قائلاً، «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ١٣ : ٨). ويتكرر هذه الوعد ايضاً عدة مرات. في الواقع، إن المناسبة التي ذُكر فيها هذا الوعد أول مرة كانت عندما قام موسى بتسليم القيادة ليشوع (تثنية ٣١ : ٦ و ٨)، وقد كرر الله هذه العبارة ليشوع بعد موت موسى، «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» (يشوع ١ : ٥). وعندما قام داود بتسليم المُلْكِ لسليمان، قال هو أيضاً لسليمان أن الله لن يخذله ولن يتركه (١أخبار الأيام ٢٨ : ٢٠).


إن المسيح الذي لا يتغير، الذي هو دائماً معنا، قد أعطى الضمان الأكيد لآبائنا في الإيمان. فعلى الرغم من أنهم قد واجهوا الصعوبات والضيقات وجابهوا أكبر التحديات في حياتهم، إلا أنهم كانوا متيقنين من الحضور الدائم لله.


وبالنسبة لكنيسة المسيح في نهاية الزمان، تُعَد هذه الضمانات والتأكيدات غاية في الأهمية. إن وعد المسيح بأن يكون معنا إلى انقضاء الدهر يأتي في سياق قيامنا بتلمذة الآخرين للمسيح وتعميدهم وتعليمهم. إذاً هدفنا هو خلاص الناس، بمعونة الله، بحيث لا ينتهي بهم الأمر وهم في الجانب الخاسر من الصراع العظيم.




لمزيد من الدرس


كتب المؤلف ليون يسلتير عن ما قال أنه «قصة من أتعس القصص في العالم.» وقد تحدث عن رجل إنجليزي اسمه «س. ب.» كان أعمى منذ ولادته. إلّا أن الأخبار السارة هي أنه قد تم إجراء عملية زرع القرنية لعينيّ س. ب.، الذي كان في الثانية والخمسين من العمر آنذاك، فأصبح قادراً على الإبصار لأول مرة في حياته. ولا بد وأن هذا الأمر كان مدهشاً بشكل لا يصدق بالنسبة له. فقد تمكن أخيراً من رؤية العالم المحيط به، وهو العالم الذي كان «بعيداً عن أنظاره» بكل معنى الكلمة. لكن يسلتير قام بعد ذلك بالاقتباس من الكتاب الذي قرأ فيه قصة س. ب. أول مرة، وفيه يقول مؤلف الكتاب أن س. ب. «قد وجد العالم قاتماً، وكان مستاءً من الطلاء المتساقط والمتقشر من على الحيطان والجدران ومن العيوب والشوائب والبُقَع التي تلطِّخُ الاشياء.... وقد أشار أكثر فأكثر إلى النقائص في كل ما يراه، وكان يتفحص الأخطاء الصغيرة والخدوش في المصنوعات الخشبية وغيرها من أدوات ومُعدات، وهو ما كان مصدر إزعاج وضيق بالنسبة له. فمن الواضح أنه كان يتوقع رؤية عالم أكثر كمالاً. وقد كان يحب الألوان الزاهية في خياله، لذلك كان يُصاب بالاكتئاب عندما تغيب الشمس ويتلاشى الضوء. وهكذا أصبح اكتئابه بالغاً ومُسَيْطِراً. وتدريجياً تخلى س. ب. عن العيش حياة نشطة، ومات بعد ثلاث سنوات.» (www.newrepublic.com/article/١١٣٣١٢).


على الرغم من أن هذا أمر يصعب فهمه، إلا أنه أمر يمكن تصوّره في ضوء ما نراه عالمنا المتضرر. فإن الصراع العظيم كان، ولا يزال، مستعراً هنا على هذه الأرض منذ حوالي ستة آلاف عام. وهكذا فإن حرباً مدتها ستة آلاف عام لا بد وأن تترك وراءها كثيراً من الانقاض والحطام. وعلى الرغم من كل جهودنا ومساعينا إلى جعل هذا العالم عالماً أفضل، إلا أنه لا يبدو أن المنحنى يسير في الاتجاه الصحيح. في الواقع، إن الأمور لن تزداد إلا سوءاً. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى وعد الفداء الذي يأتينا فقط من نصرة المسيح في الصراع العظيم، وهي النصرة التي تحققت عند الصليب ومنحت مجاناً لنا جميعاً.




الدرس الثامن


١٣ـ١٩ شباط (فبراير)


رفاق في جيش المسيح






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: لوقا ٥ : ٦ـ٨ و ١١؛ مرقس ٣ : ١٤؛ متى ٨ : ٢٣ـ٢٧؛ مرقس ٤ : ٣٥ـ٤١؛ ٩ : ٣٣ـ٣٧؛ متى ٢٠ : ٢٠ـ٢٨.


آية الحفظ: «فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: ‘أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟’ » (لوقا ٢٤ : ٣٢).


منذ الأيام الأولى من خدمته، لم يعمل المسيح بمفرده. بل لقد اختار بشراً للمشاركة في التبشير والتعليم والخدمة. وعلى الرغم من أن الأناجيل الأربعة تركّز بشكل أساسي على حياة المسيح وموته وقيامته، إلا أنَّ هذا التركيز غالباً ما كان يظهر في سياق تعاملاته وتفاعلاته مع تلاميذه، الذين كانوا الأقرب إليه.


وهكذا، فإن الصراع العظيم الذي احتدم حول المسيح، احتدم كذلك حول تلاميذه إلى أن جاءت النهاية المريرة وذلك حين صرخ المسيح قائلاً، «قد أكمل.» لقد وجد الشيطانُ أنه من المستحيل جعل المسيح يتعثر ويسقط. مع ذلك، فقد كان تلاميذ المسيح فريسة أسهل بكثير. فقد تمكّن عدوهم الشيطان من استغلال نقائص طباعهم واستخدمها كوسيلة للانقضاض عليهم والإيقاع بهم.


إن الكبرياء والشك والعناد والاعتداد بالذات والأنانية، أو غيرها من العيوب والنقائص قد فتحت الطريق أمام الشيطان للانقضاض على التلاميذ.


لقد كانت مشكلة التلاميذ الاساسية أنهم لم يصغوا إلى ما قال المسيح أنه سيحدث، واحتفاظهم بوجهات نظرهم الخاصة بشأن ما كانوا يعتقدون أنه ينبغي أن يحدث. وهكذا كان أمامهم الكثير من الدروس الصعبة ليتعلموها. ولا شك في أننا نحن أيضاً بحاجة إلى تعلّم تلك الدروس.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٠شباط (فبراير).




دعوة بطرس


عندما ينظر المرء إلى المسألة التي كانت على المحك في الصراع العظيم، فسيجد أنه أمرٌ مدهشٌ أن يستخدم المسيحُ البشر لمساعدته في الخدمة، ولاسيما أولئك الذين اختارهم لأن يكونوا تلاميذاً له على الرغم مما كان لديهم من عيوب ونقائص. وبطبيعة الحال، إذا نحن أخذنا في الاعتبار الحالة الساقطة للبشرية جمعاء، فسنجد أن أياً من أولئك الذين اختارهم المسيح لم يكن كاملاً، على أي حال.


وفي أحد الأيام، وبينما كان المسيح يسير على الشاطئ الشمالي لبحر الجليل وجموع الناس تتبعه، لاحظ وجود قاربين للصيد كان أصحابهما يقومان بعملية تنظيف الشباك ومعدات الصيد الأخرى بعد أن أمضوا ليلة غير مثمرة لم يستطيعوا خلالها صيد أية سمكة. وكان هؤلاء الصيادين على عِلم مسبق بالمسيح. فقد علَّم في مجمعهم حيث أبهر الجميع بكلامه (لوقا ٤ : ٣١ و ٣٢). بل لقد أخرج المسيح الشياطين من أحد الأشخاص في مجمعهم، وقد أدهش هذا الأمر الجميع هناك (لوقا ٤ : ٣٣ـ٣٦). كما قد رأوا المسيح في بيت بطرس وهو يشفي حماة بطرس (لوقا ٤ : ٣٨ و ٣٩)، وفي وقت لاحق من ذلك المساء قام المسيح بشفاء كثيرين آخرين (لوقا ٤ : ٤٠ و ٤١).


لذا، فإنه ليس من المستغرب أن تتبع الجموع المسيح وهو يسير على شاطئ البحر. وقد صعد المسيح إلى قارب بطرس وطلب من بطرس أن يبتعد بالقارب قَلِيلاً عَنِ الْبَرِّ حتى يتمكن الجميع من رؤيته [أي المسيح] ثم أخذ يتحدث إلى الْجُمُوعِ (لوقا ٥ : ٣). وَلَمَّا فَرَغَ المسيح مِنَ الْكَلاَمِ قال لبطرس «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ» وطلب منه أن يُلقي هو ومن معه شباكهم، التي كانوا قد أخرجوها من الماء وغسلوها منذ فترة قصيرة. ومن المؤكد أن بطرس اعتقد أن القيام بذلك ليس من شأنه إنجاز أي شيء، ولكنه فعل ما قاله المسيح احتراماً له.


اقرأ لوقا ٥ : ٦ـ٨. ما الذي نتعلمه من خلال ردة فعل بطرس، وكيف يساعدنا ذلك على فهم السبب الذي جعل المسيح يختاره تلميذاً له على الرغم من عيوب بطرس الواضحة؟






«مَعَهُ»


عندما دعا المسيح التلاميذ الأوائل على شواطئ الجليل، كان هؤلاء قد شهدوا بالفعل قدرة المسيح على قهر قوى الشر. وقد رأوه يتحدى الشياطين (لوقا ٤ : ٣٤-٣٦)، ويشفي المرضى (لوقا ٤ : ٣٨ـ٤١)، ويسود على الطبيعة (لوقا ٥ : ٤ـ٦)، ويكشف الخطية ومن ثم يطمئن بطرس بأنه ليس هناك حاجة للخوف (لوقا ٥ : ١٠). وفي وقت لاحق، وبعد أن صلى المسيح اللَّيْلَ كُلَّهُ (لوقا ٦ : ١٢)، «دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا ‘رُسُلا’ » (لوقا ٦ : ١٣). وقبل أن يقوم المسيح بإرسالهم، قضى معهم بعض الوقت وأعطاهم التعليمات (لوقا ٩ : ١ـ٥) التي كانت شبيهة بالتفاصيل التي أعطاها لاحقاً للمجموعة الأكبر التي كانت تتكون من ٧٠ رسولاً (١٠ : ١ـ١٦).


اقرأ مرقس ٣ : ١٤. ما الذي أراد المسيح لتلاميذه أن يقوموا به قبل إرسالهم لِيَكْرِزُوا بمفردهم؟ ما هي الرسالة الهامة هنا لكل واحد منا؟


إن تلاميذ المسيح المعاصرين كثيراً ما يكونوا أكثر تلهفاً للانطلاق والعمل من أجل المسيح بدلاً من قضاء الوقت مَعَهُ؟ والحقيقة ببساطة هي أن في خروجنا لإتمام مَأمُورِيّة البشارة، وفقاً لقائمة المهام الخاصة بنا، هي تجاهل للمسيح مُخَلِّصِ العالم ومحاولة مِن قِبلنا لجعل أنفسنا نأخذ مكانه ونَحلّ مَحَلّه. إنه من السهل أن نعتقد أن أمر خلاص العالم مَتْرُوكٌ لنا وننسى أن المسيح وحده هو المُخَلِّصْ.


إنه ليس من الصعب للمرء أن يرى أن كثيراً من التاريخ المسيحي قد دُنِّسَ مِن قِبل أولئك الذين، رغم اعترافهم باسم المسيح، لم يقضوا وقتاً مَعَهُ ولم يعرفوه ولم يسمحوا له بأن يغيَّرهم. إن آخر شيء يحتاجه عالمنا أو كنيستنا هو أولئك الأشخاص الذين يكرزون باسم المسيح لكنهم لم يعرفوا المسيح أو يكونوا «مَعَهُ». إن من أعظم حيل الشيطان في الصراع العظيم هي قدرته على استمالة أولئك الذين يحملون اسم المسيح لكنهم لا يعرفون المسيح أو يقضون وقتاً معه، ومن ثم يستخدمهم الشيطان في تدنيس هذا الاسم. ولهذا أراد المسيح أن يكون هؤلاء الأشخاص مَعَهُ قبل أن يرسلهم للتبشير، ولا شك في أن السبب في ذلك هو أن يتعلموا منه.






سلطان المسيح على الطبيعة


اقرأ متى ٨ : ٢٣ـ٢٧؛ مرقس ٤ : ٣٥ـ٤١ ولوقا ٨ : ٢٢ـ٢٥. كيف نرى حقيقة الصراع العظيم معلنة في هذه الفقرات الكتابية؟


على الرغم من أننا لا نفهم بشكل تام مدى تأثير الشيطان على عالم الطبيعة، إلا أن الكتاب المقدس يعلن أن له تأثير، كما يتبين من قصة أيوب (انظر أيوب ١ : ١٨ و ١٩). تقول لنا روح النبوة أيضاً أن «الشيطان يسعى الآن إلى إحداث كوارث على البحر والأرض ليَخْتِم مصير أكبر عدد ممكن من الناس.» (في الأماكن السماوية، صفحة ٣٤٨). وهذا هو مؤشر آخر على قوته في هذا المجال. ومن المؤكد أننا، وفي خضم الكوارث الطبيعية التي يبدو أنها لا تنتهي، نرى حقيقة الصراع العظيم متجلية هنا على الأرض.


وفي هذه القصة، وبعد يوم طويل من التعليم وعند اقتراب حلول المساء اقترح المسيح أن يمضي هو والرسل إلى الشاطئ المقابل الذي يتسم بقلة أعداد المتواجدين فيه. وبينما كانوا في منتصف البحر متوجهين إلى الشاطئ الآخر «حَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ» (متى ٤ : ٣٧). وكان المسيح مُجْهَدا ولهذا «كَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا» (عد ٣٨). وكان يبدو أنه غير واعٍ لما كان يحدث.


ولم يلاحظ التلاميذ أن المسيح كان نائماً إلا بعد مرور بعض الوقت، وكان السبب في ذلك هو انهماكهم في مقاومة العاصفة.


ولم يقل يسوع شيئاً عندما أيقظه التلاميذ طالبين أن ينقذهم. ولم يقدم عظة يشرح لهم فيها المأزق الذي كانوا واقعين فيه، كما أنه لم يقترح سُبُلاً يمكن للتلاميذ من خلالها الخروج من هذا المأزق منتصرين. بل إن ما فعله هو أنه قام ورفع يده وقال للريح والأمواج أن تسكت وتبكم وكما لو كانت هذه الرياح مجرد أطفال مشاكسين.


وعندها تملَّك الرعب التلاميذ «فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ‘مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!’ » (مرقس ٤ : ٤١). إن الدروس التي نتعلمها هناك كثيرة، إلا أنه يمكننا من خلال هذه القصة أن نرى مدى قوة المسيح؛ وبالتالي، ندرك حاجتنا إلى الثقة به مهما كانت الظروف.






مَنْ هُوَ أَعْظَمُ؟


اقرأ مرقس ٩ : ٣٣ـ٣٧. ما هو الدرس الذي علَّمه المسيح للتلاميذ هنا، وما هي الرسالة هنا لكل شخص يُعلِن أنه يتبع المسيح؟ انظر ايضاً متى ١٨ : ٣ـ٥.


لا شك في أن هذا النقاش الذي دار بين التلاميذ كان يتعلق بوجهات نظرهم بشأن المستقبل. فقد اعتقدوا أن المسيح كان سيحرر إسرائيل من قبضة الرومان ويسترد مُلْكَ داود ويحكم بوصفه مَلِك إسرائيل الجديد ويُعيد للأمة الأمجاد التي شهدتها في عهد الملك سليمان. وقد اعتقدوا أنه متى حدث ذلك فسيكون لهم دوراً بارزاً وهاماً يقومون به في المملكة المستردة حديثاً، وذلك بوصفهم جزء من الدائرة المقرَّبة من المسيح. ولكن حتى هذا لم يكن كافياً: لقد ارادوا أن يعرفوا مَن سيكون «الأعظم» في الملكوت. وإن لم تكن هذه هي وساوس الشيطان، فماذا عساها تكون؟


اقرأ متى ٢٠ : ٢٠ـ٢٨. كيف رد المسيح على الطلب الذي تقدمت به أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا؟ وماذا كانت النقطة الأساسية التي أكّد المسيح عليها؟


ربما أن الشيء الذي كان مخيباً للآمال بشأن هذا الحدث المثير للشفقة هو السياق الذي ورد فيه. فقد كانوا في طريقهم إلى أورشليم حيث كان المسيح على وشك أن يُصْلَب. وقد كان المسيح قد أوضح لهم للتو أنه على وشك أن يتعرض للخيانة ويُحكم عليه بالموت ويُسْخر منه ويُجْلد ويُصْلب ومن ثم يقوم من الأموات في اليوم الثالث (متى ٢٠ : ١٨ و ١٩). وبمجرد أن انتهى المسيح من قول كل هذا، قام التلاميذ مجدداً بطرح السؤال المتعلق بمَن سيكون الأعظم. إنهم حتى لم يسمعوا ما قاله المسيح. لقد كان من الواضح أنهم لم يصغوا إلى ما يُقال. فإنه بسبب اهتمامهم بطموحاتهم الأنانية المتسمة بضيق الأُفُق، لم يتمكنوا من الالتفات إلى المسائل الكبرى التي كانت على المحك، وركزوا على المفاهيم الخاطئة المتعلقة بملكوت أرضي ما كان ليأتي، وهكذا أغفلوا عن ما كان المسيح يقوله لهم بشأن الملكوت الأبدي الذي كان يقدمه لهم من خلال موته الوشيك.






لقاء إلهي مع الكلمة


كان هذا هو اليوم الثالث بعد موت المسيح. وكان أتباعه لا يزالون تحت تأثير الصدمة. فقد كانوا يعتقدون أن المسيح سَيَسْحَق الرومان، ولكن على ما يبدو أن الرومان قد سحقوه بدلاً من ذلك. وقد اجتمع معاً العديد من التلاميذ والرسل بعد صلب المسيح. كما قامت مجموعة من النساء اللاتي كن مجتمعات بزيارة القبر في وقت مبكر من صباح يوم الأحد. وقد ذكر لوقا ثلاث منهن، لكن كان هناك أخريات جئن مع المسيح من الجليل (لوقا ٢٣ : ٥٥؛ ٢٤ : ١ و ١٠). وقد رَجَعْنَ من القبر الفارغ «وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ» (لوقا ٢٤ : ٩) عن الرجلين اللذين «وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ» (لوقا ٢٤ : ٤).


ويسجّل لوقا في إنجيله أنه في فترة ما بعد ظهر ذلك الأحد كان هناك اثنان من أتباع المسيح يمشيان في رحلة مدتها ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات من أورشليم إلى بيتهما في عمواس (لوقا ٢٤ : ١٣). ومن المرجَّح أنهما كانا منهمكين جداً في مناقشاتهما بشأن ما حدث خلال فترة نهاية الأسبوع لدرجة أنهما لم يلاحظا أن غريباً كان يمشي بالقرب منهما. وربما ما كانا ليلاحظاه لو أنه لم يدخل معهما في الحوار ويسألهما عن سبب حزنهما الشديد (لوقا ٢٤ : ١٧).


وقد عمل هذا السؤال على إثارة الشخص الَّذِي اسْمُهُ كَلْيُوبَاسُ، وتساءل مندهشاً عن كيف يمكن لهذا الغريب أن يكون جاهلاً بكل الأمور التي حدثت. وقد سأل كَلْيُوبَاسُ الشخص الغريبَ قائلاً: «وَمَا هِيَ؟» (لوقا ٢٤ : ١٩).


اقرأ لوقا ٢٤ : ١٩ـ٣٥. ما الذي قاله هذان الرجلان ويُظهر عدم فهمهما لِمَا كان يحدث، وكيف فسَّر لهما المسيح الحق؟


لاحظ أن كل تَشْدِيد وتَرْكِيز المسيح كان على الأسفار المقدسة. فكما لجأ للأسفار المقدسة في معركته مع الشيطان في البرية، لجأ إليها هنا ايضاً من أجل أن يزيل الظلمة التي كانت تكتنف هذين الرجلين. فقط بعد أن رسَّخ المسيح في ذهنيِّ تلميذيِّ عمواس تعاليم الأسفار المقدسة التي تتحدث عنه وعن مرسليته ، قام المسيح بعد ذلك بتقديم بعض الاختبارات القوية للمساعدة على تعزيز وتدعيم تلك التعاليم الكتابية: أولاً، أعلن المسيح عن نفسه لهما، مبيِّناً لهما أنه قد قام بالفعل من بين الأموات؛ ثانياً، «اخْتَفَى عَنْهُمَا» (عد ٣١). وهكذا كان لدى هذين التلميذين الكثير من الأسباب للإيمان، وذلك في ضوء ما قدمه لهما المسيح من دراسة واضحة جداً للأسفار المقدسة فيما يتعلق بالموت الكفاري للمسيح، إضافة إلى ما تلى ذلك من اختبارات قوية تمثَّلت في ظهوره لهما ثم اختفائه عنهما.






لمزيد من الدرس


عندما كان المسيح بالجسد هنا على الأرض كان يطرد الشياطين (لوقا ٦ : ١٨)، ويمنح الرجاء للمساكين واليائسين (لوقا ٦ : ٢٠ـ٢٣)، ويُظهر كيف يمكن أن نُحب الناس محبة غير مشروطة (لوقا ٦ : ٢٧-٤٩)، وقد شفى خادم قائد المئة (لوقا ٧ : ١٢ـ١٦)، وهدأ العاصفة (لوقا ٨ : ٢٢ـ٢٥)، وحرر الرجل الذي كان فيه الرُّوح النَّجِس في كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ من شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ (لوقا ٨ : ٢٦ـ٣٩)، وشفى امرأة كانت مصابة بنزف دم منذ ١٢ سنة (لوقا ٨ : ٤٣ـ٤٨)، وأقام ابنة يايرس من الأموات (لوقا ٨ : ٤١ و ٤٢ و ٤٩ـ٥٦)، بل وأقام لعازر من الموت بعد أن كان قد مات منذ أربعة أيام (يوحنا ١١ : ٣٩ـ٤٤). لقد فعل المسيح كل هذا وغيره الكثير، ومع ذلك كان الناس لا يزالوا يجدون صعوبة في أن يؤمنوا به. «إنه حتى تلاميذ المسيح كانوا بطيئين في التعلم والفهم. فعلى الرغم من محبتهم له وتوقيرهم لشخصه، إلّا أن إيمانهم به بوصفه ابن الله كان إيماناً متذبذباً. وقد أظهرت إشاراتهم المتكررة إلى تقاليد الآباء وسوء فهمهم المتواصل لحواراته ومناقشاته، كم كان من الصعب بالنسبة لهم تحرير أنفسهم من الخرافات» (روح النبوة، مخطوطات صادرة، مجلد ١٨، صفحة ١١٦). إن الإيمان هو عطية من الله ولكنه عطية يمكن للناس مقاومتها. وذلك لأن الشيطان وكما سبق وحُذِّرنا هو حقيقة واقعة، كما أن الصراع العظيم هو أيضاً حقيقة واقعة؛ إضافة إلى أن العدو يعمل بجد ليجعلنا نشك ولا نؤمن. إن أساس الخلاص هو الإيمان بما فعله المسيح من أجلنا؛ ويعلم الشيطان ذلك، ولهذا سيحاول فعل كل شيء بوسعه، ليحيدنا عن هذا الإيمان. لكن الجيد في الأمر، وهو ما يجب أن نتذكره دائماً، هو أن المسيح أقوى من الشيطان دائماً؛ وإذا نحن تمسَّكنا بالمسيح فإن الشيطان لا يمكنه أن يهزمنا.




الدرس التاسع


٢٠-٢٦ شباط (فبراير)


الصراع العظيم


والكنيسة الأولى






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: أعمال الرسل ١ : ٦ـ٨؛ ٢ : ٥ـ١٢؛ تكوين ١١ : ١ـ٩؛ أعمال الرسل ٤ : ١ـ٣٠ و ٧ : ٥٤ و ١٠ : ١٢ـ٢٩.


آية الحفظ: «فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ» (أعمال الرسل ٤ : ١٣).


لقد كان أعظم عائق واجهه المسيح عند تعامله مع أتباعه هو آراءهم السابقة. فإن التلاميذ لم يكونوا يهتموا إلا قليلاً بكل ما كان المسيح يقوله إذا لم يكن متوافقاً مع افكارهم السابقة فيما يتعلق بمَن ينبغي أن يكون المسيح بالنسبة لهم وبالنسبة للأمة اليهودية. فإنه إلى أن جاء وقت صعود المسيح إلى السماء كان التلاميذ يسألونه بشأن قيامه بتحرير الأمة اليهودية من الرومان.


إلا أنه بعد عشرة أيام من الصلاة والشركة الوثيقة في حضور الله بدأت هذه الأفكار السابقة السائدة تُسْتَبْدَلُ بالحق أخيراً، وعندها كان التلاميذ على استعداد لسماع ما قاله الله لهم. وقد مهَّد ذلك الأمر الطريق أمام الأحداث المدهشة التي حصلت في يوم الخمسين، بعد موت وقيامة وصعود المسيح.


وبطبيعة الحال، كانت الكنيسة لا تزال تواجه العديد من التحديات، خصوصاً من القادة الدينيين المحليين، الذين كان البعض منهم عازماً على التخلّص من التلاميذ كما تخلَّصوا من المسيح.


وهكذا، فإننا سنرى في درس هذا الأسبوع موضوع الصراع العظيم معلناً بطرق مختلفة. وسنرى هذا الصراع متجلياً بشكل علني من خلال سعي أولئك الذين في السلطة، وبإيعاز من الشيطان، إلى قمع الحق. ولكننا سنجد أيضاً الصراع العظيم مستعراً في مكان غير ملحوظ ولكنه أكثر أهمية: إنه مستعر في أعماق القلب البشري.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٧شباط (فبراير).




بداية البداية الجديدة


بعد قيامته من الأموات، قضى المسيح ٤٠ يوماً مع التلاميذ للتأكيد على القيامة وليساعدهم على أن يفهموا ملكوت الله بشكل أفضل (أعمال ١ : ٣؛ ١كورنثوس ١٥ : ٤ـ٧). مع ذلك، فإنه وحتى أثناء تجمعهم وقبل أن يغادر المسيح إلى السماء بوقت قليل، كان الشيء الذي يستحوذ على عقول التلاميذ هو ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لأن يقهر المسيح الرومان أخيراً (أعمال ١ : ٦).


لقد كانت أفكارهم الخاصة بشأن ما ينبغي أن يحدث قوية للغاية لدرجة أنهم ببساطة لم يصغوا إلى ما كان يقوله المسيح لهم. وحتى بعد ثلاثة أعوام ونصف من تلقّي التعليم (ما يعادل شهادة جامعية) على يد أفضل وأعظم معلم عرفه العالم، كان لا يزال لدى التلاميذ العديد من المفاهيم الخاطئة التي كان عليهم نبذها.


اقرأ أعمال ١ : ٦ـ٨. كيف جاوب المسيح على سؤال التلاميذ الذي كان يدل على جهلهم وعدم إدراكهم لحقيقة مرسليته؟


لقد ركّز المسيح على المسألة الرئيسة، بدلاً من إضاعة الوقت، في محاولة تصحيح كل سوء فهم لديهم. فبالنسبة له، كان العمل على جعلهم مملوئين ومخولين من الروح القدس أكثر أهمية بكثير من المناقشات السياسية.


وبعد أن رأى التلاميذُ المسيحّ يصعدُ في السّحب ويختفي عن أنظارهم لاحظوا وجود شخصين يقفان إلى جوارهم. وقد أخبرهما الرجلان أن المسيح سيعود. وكما تم قبوله في السماء كمَلك منتصر فإنه سيعود مرة أخرى بوصفه الملك والمنتصر الذي كانوا يحلمون به عندما سألوه عن رَدِّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ. لكن ذلك اليوم سوف يفوق حتى أعظم أحلامهم، وذلك لأن المسيح سيأتي بوصفه مَلك كل الخليقة، وليس مجرد مَلك على قطعة من الأرض في الشرق الأوسط. عاد الاحد عشر تلميذاً من جبل الزيتون إلى أورشليم ، وكانت رؤوسهم مليئة بالذكريات وكانت قلوبهم متوهجة بالحقائق التي أعلنها المسيح لهم (على الأقل عندما فهموها). لكنهم كانوا بحاجة إلى شيء أكثر من ذلك. لقد طلب منهم المسيح الانتظار لبضعة أيام إلى أن يعتمدوا من الروح القدس (أعمال ١ : ٤ و ٥)، لأنه على الرغم من أن العدو قد هُزم، إلا أنَّ أمره لم ينتهِ بعد. لذلك كانوا بحاجة إلى قوة من الأعالي لكي يتمكنوا من القيام بما دعاهم المسيح إلى القيام به.






يوم الخمسين


لمدة عشرة أيام، كان أتباع المسيح يُصَلُّون ويقيِّمون اختباراتهم مع المسيح في ضوء الأسفار المقدسة، وكانوا يُظهرون تواضعاً وتقبلّاً لواحدهم الآخر، وأخيراً سمحوا للروح القدس بأن يطبع الحق على قلوبهم. وكما كان رُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ في بداية عملية الخلق، رَفَّ روح الله كذلك على كل واحد من التلاميذ «وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ» (أعمال ٢ : ٢ و ٣). وقد كان ذلك بمثابة بداية جديدة، خلق جديد.


اقرأ أعمال ٢ : ٥ـ١٢. ما أهمية ما حدث كما هو معلن في هذه الفقرات الكتابية؟ قارن ما جاء في هذه الفقرة مع ما جاء في تكوين ١١ : ١ـ٩.


في وقت ما بعد الطوفان، قرر سكان الأرض بناء برج يصل إلى السماء (تكوين ١١ : ١ـ٩). ولمنعهم من مواصلة هذا المسعى المتغطرس والأحمق (وكذلك الشرور الجديدة التي كانوا يبتكرونها، تكوين ١١ : ٥ و ٦)، قام الله ببلبلة ألسنتهم «فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ» (تكوين ١١ : ٧ـ٩).


وفي يوم الخمسين، قام الله بعمل العكس. فهنا يمكننا أن نرى مجموعة من الناس لا يبنون برج بابل جديد ولكنهم كانوا مستعدين لإعلان الأخبار السارة بأنه في يوم ما سيتلاشى الشر إلى الأبد.


في ذلك اليوم كان يسكن في أورشليم أناس» أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ» (أعمال ٢ : ٥)؛ قارن ذلك بالتشتت الذي حدث عند برج بابل)، وقد اجتمع كل هؤلاء وهُم في حالةٍ من الذهول والدهشة لأن كل واحد منهم سمع التلاميذ يتحدثون بلغته الخاصة (أعمال ٢ : ٦ـ١١).


وقد رأى بطرس في ذلك فرصة سانحة لمخاطبة هؤلاء الناس. وقد تحدث عن انسكاب الروح القدس الذي مِن شأنه إعداد الناس لملاقاة الرب (أعمال ٢ : ١٧ـ٢١). وقد أشار إلى مرسلية المسيح لفدائنا، ووبّخ الناس على صلبهم للمسيح (أعمال ٢ : ٢٣). ولما سمع الناس ذلك «نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ» (أعمال ٢ : ٣٧)، واعتمد ٣.٠٠٠ شخصاً وانضموا إلى التلاميذ (أعمال ٢ : ٤١).






مواجهة الصدوقيين


اقرأ أعمال ٤ : ١ـ٣٠. كيف يتجلى الصراع العظيم هنا؟ بأية طرق يعد ذلك مجرد مثال واحد حول كيف أن هذا الصراع كان ولا يزال محتدما على مر التاريخ؟ كيف نرى الشيطان يعمل هنا، وكيف نرى الرب يعمل، كذلك؟


«وقد رأى الكهنة والرؤساء أن المسيح قد تمجد أكثر منهم. أما الصدوقيون، الذين لم يكونوا يؤمنون بالقيامة، فإذ سمعوا الرسل يعلنون أن المسيح قد قام من الأموات غضبوا، متحققين أنه إذا سُمح للرسل بأن يكرزوا بالمخلص المقام ويصنعوا معجزات باسمه فإن جميع الناس سيرفضون العقيدة التي تنكر القيامة وسرعان ما تستأصل شيعة» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٦١).


إن ما أغضب هؤلاء القادة بشكل خاص هو الشفاء الذي أجراه الرب من خلال بطرس (أنظر أعمال الرسل ٣ : ١ـ١٠). لكن التلاميذ لم يتزعزعوا عندما تم معارضتهم مِن قِبل هؤلاء القادة. لم يتوقع القادة أن يقوم «إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ» بهذا العمل (أعمال ٤ : ١٣). وبعد أن أمر القادة بخروج التلاميذ خارج المجمع، تباحثوا في الأمر وظنوا أنه لو أنهم أمروا التلاميذ بعدم التعليم باسم المسيح فإن التلاميذ سيمتثلون للأمر بخضوع (أعمال ٤ : ١٨). ولكنهم كانوا على خطأ.


فبدلاً من ذلك، عاد التلاميذ وانضموا للآخرين وسبحوا الله (أعمال ٤ : ٢٤). وقد صلوا من أجل أن يمنحهم الله المزيد من الشجاعة ومن أجل أن يمد يده بمزيد من الشفاء (أعمال ٤ : ٢٩ و ٣٠). ولم يكونوا بحاجة إلى الانتظار لفترة طويلة. فإنه نظراً لشعبية التلاميذ المتزايدة كان الناس يحضرون مرضاهم إلى الشوارع «حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ» (أعمال ٥ : ١٥). وقد جاءت الجموع من المدن المحيطة وتم شفاء جميع مرضاهم (أعمال ٥ : ١٦).


ويمكننا في كل هذا أن نرى الصراع العظيم يتضح ويتجلى: فقد كان القادة، عديمو الضمير يسعون إلى قمع الحق؛ وكان الناس الصادقون يقرأون الأسفار المقدسة ويصلّون من أجل الحصول على القوة الإلهية وشفاء الأمراض وربح النفوس. وعلى الرغم من أنه يبدو لنا أن الأمور لا تسير معنا بشكل جيد دائماً كما حدث مع التلاميذ هنا، إلا أنه يجب علينا ألا ننسى أبداً كيف سينتهي الصراع العظيم في نهاية المطاف، وكيف أن نصرتنا النهائية مؤكدة، وذلك بسبب ما أنجزه المسيح من أجل البشرية جمعاء.




رجم اسْتِفَانُوسُ


لم يكن التلاميذ وحدهم هم الذين كانوا يَلْقَونَ معارضة مِن قِبل المؤسسة الدينية في فترة الأيام الأولى للكنيسة. فقد قام القادة الدينيون بمحاورة استفانوس الذي كان ممتلئاً «إِيمَانًا وَقُوَّةً، [و] كَانَ يَصْنَعُ عَجَائِبَ وَآيَاتٍ عَظِيمَةً فِي الشَّعْبِ» (أعمال ٦ : ٨). وكانت شهادته مقنعة جداً لدرجة أن خصومه قد قاموا في الواقع بتلفيق قصص كاذبة ضده وقاموا على أثرها بخطفه وإحضاره إلى المجمع (أعمال ٦ : ٩ـ١٤).


وفي أعمال ٧ : ٢ـ٥٣، يقدم اسْتِفَانُوسُ رسالة قوية لأولئك الذين اتهموه. اقرأ أعمال ٧ : ٥٤، التي تقول أنهم «حَنِقُوا بِقُلُوبِهِمْ»؛ بمعنى أنهم اُدِينوا بكلامه. ونقرأ في أعمال ٢ : ٣٧ أن آخرين قد اقتنعوا (نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ) أيضاً بعد سماع بطرس يُشير باتهام مماثل ضدهم. ماذا كان الفرق في الردود على الإدانات، وماذا يُخبرنا هذا عن مدى أهمية أن يكون لدى المرء قلباً خاضعاً لله؟


كان الرسل قد استطاعوا حتى الآن التعامل مع القادة الدينيين والرد على مجادلاتهم دون التعرّض لأذية بالغة، لكن عندما حاول استفانوس عمل الشيء ذاته تم قتله من قِبل الحشود الغاضبة. وقد أعلن موت استفانوس عن بداية جهود مكثفة مِن قِبل الشيطان لمحو الحركة الجديدة. فإنه حتى هذه المرحلة كان أتباع المسيح يتعرضون للمضايقة والتهديد، لكن استفانوس كان أول من تم قتله من بين أتباع المسيح.


لكن، هل كانوا يتوقعون غير ذلك؟ فإذا كان الشيطان قد أوعز إلى بعض القادة بقتل المسيح، فمن المؤكد أن أتباعه لم يتوقعوا شيئاً أقل لأنفسهم؟


وبالطبع، يعمل الله طيلة الصراع العظيم على إحراز الغلبة في خضم ما يبدو في كثير من الأحيان أنه هزيمة. ولم يكن الأمر مختلفاً هنا فيما يتعلق بمقتل استفانوس.


«وبعد موت استفانوس اختير شاول ليكون عضواً في مجمع السنهدريم تقديراً للدور الذي قام به في تلك المأساة . وقد ظل بعض الوقت أداة قوية في يد الشيطان لإتمام تمرده علق ابن الله . ولكن بعد ذلك بقليل كان هذا المضطهد الذي لا يرحم مزمعاً أن يستخدم في بناء الكنيسة التي كان الآن يهدمها . إن سيداً أقوى وأعظم من الشيطان قد اختار شاول ليأخذ مكان استفانوس الشهيد ليكرز ويتألم لأجل اسم المسيح وينشر في كل الأماكن القاصية والدانية أخبار الخلاص بدمه الكريم» (روح النبوة، أعمال الرسل، صفحة ٨٢).






تغيير المواقف


لم يكن التلاميذ يصارعون مع أفكارهم السابقة فحسب، وهي الافكار التي منعتهم من فهم ما علمه المسيح لهم، لكنهم كانوا ايضاً يتشاركون مع بقية أبناء وطنهم في النعرات والتحيزات القومية. وأحد الأمثلة على ذلك هو قصة المرأة السامرية التي طلب المسيح منها أن تعطيه بعض الماء ليشرب. لقد تفاجأ التلاميذ وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ الْمَرْأَةُ السامرية عند الْبِئْرِ (يوحنا ٤ : ٢٧).


وقد اتضحت التحيّزات القومية أيضاً في قصة كَرْنِيلِيُوسَ، قائد مئة روماني كان مقره في قيصرية. وقد كان كَرْنِيلِيُوسُ «تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ» (أعمال ١٠ : ٢)، وكان يحظى باحترام كبير مِن قِبل السكان المحليين (عد ٢٢). وقد طلب منه الملاك أن يرسل في طلب بطرس من يافا (عد ٢٢؛ انظر أيضاً الأعداد ٣ـ٨). وفي الوقت نفسه كان بُطْرُسُ في يافا وقد صَعِدَ عَلَى السَّطْحِ لِيُصَلِّيَ (عد ٩). وفي ظل احتمائه من أشعة الشمس المحرقة وتعرّضه لنسيم البحر البارد، استرخى بطرس قليلاً وبدأ يشعر بالجوع، وبينما كان بطرس في انتظار وجبة الغداء التي كان يعدها له مضيفوه، رأى رُؤْيَا غريبة. فقد انفتحت السماء ونزل منها شيء يشبه الملاءة الضخمة «مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَّلاَةٍ عَلَى الأَرْضِ». وفي داخل هذه الملاءة كانت هناك مجموعة متنوعة من الكائنات التي كانت تعتبر بالنسبة له «دَنِسَةً أَوْ نَجِسًةً»، وقد طُلب منه في الرُّؤْيَا أن يذبح ويأكل (أعداد ١١ـ١٤).


ماذا كان رد فعل بطرس عندما طُلب منه أن يأكل طعاماً «دنساً»، وما الذي تعنيه الرؤيا؟ أعمال ١٠ : ١٢ـ٢٩.


إن الله في هذه الرؤيا كان يعلّم بطرس درساً هاما. يعتقد بعض الناس في يومنا هذا أن هذه الرؤيا التي رآها بطرس كانت إيذاناً بالوقت الذي قام الله فيه بتغيير النظام الغذائي للإنسان والسماح للناس بأن يأكلوا ما يحلو لهم. مع ذلك، فإن هذا ليس هو ما فهمه بطرس من الرؤيا. فقد تساءل في بداية الأمر عن ما تعنيه هذه الرؤيا؛ فإن معناها لم يكن واضحاً في البداية (أعمال ١٠ : ١٧). وعندما جاء رجال كَرْنِيلِيُوسَ وشرحوا مهمتهم، شعر بطرس بضرورة العودة معهم (أعما ل١٠ : ٢٢ و ٢٣). وعندما التقى بطرس بكرنيليوس كان بمقدوره إخبار كرنيليوس بمعنى الرؤيا. فقد أدرك بطرس من خلال الرؤيا أن المسيح هو مخلّص العالم أجمع، وبأن الاشخاص من الأُمَمِ هم أيضاً نفوساً ثمينة مات المسيح لأجلها (أعمال ١٠ : ٣٤-٤٨). لقد كان بطرس يتعلّم درساً نحن جميعاً لا نزال بحاجة إلى تعلّمه. ففي المسيح تحطمت كل الحواجز؛ وكل تمييز بين اليهود والأمم، وبين جميع الناس، لم يعد موجوداً، «بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، الَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ الْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ» (أعمال ١٠ : ٣٥).






لمزيد من الدرس


كتب المؤلف الروسي فيودور دوستويفسكي عن عودة المسيح إلى الأرض، ولكنه لم يكتب عنها بالطريقة الواردة في الكتاب المقدس. بدلاً من ذلك، ووفقاً لقصة دوستويفسكي المختلقة عن ما يرد في الكتاب المقدس، فقد عاد المسيح عندما كانت «محاكم التفتيش» في أوج قوتها وعندما كان القادة الدينيون يستخدمون قوتهم ونفوذهم للشر. ووفقاً لدوستويفسكي، فقد أمر المحقق الكبير في محاكم التفتيش بالقبض على المسيح، الذي جاء كفلاح متواضع حيث تم الزج به في زنزانة. وفي تلك الليلة قام المحقق بزيارة المسيح في السجن وانتقده لأنه منح الحرية للبشر. وقال المحقق للمسيح، «بدلاً من أن تنتزع حرية البشرية عنهم قمت بجعل هذه الحرية أكبر من أي وقت مضى! هل نسيت أن الإنسان، وفيما يتعلق بمعرفة الخير والشر، يفضّل السلام بل، وحتى الموت، على حرية الاختيار؟ إنه ليس هناك ما هو أكثر إغراء للإنسان من حرية الضمير، لكن ليس هناك ما هو أكثر مدعاة للمعاناة من تلك الحرية.» وعلى الرغم من جرأته وسخريته، إلّا أن رجل الدين هذا كان محقاً إلى حد ما. فانظر إلى ما فعله الناس بحريتهم. فإن أموراً مثل الألم والشر والخطية والمعاناة والموت قد نتجت عن الحرية أو عن سوء استخدام الحرية. لكن الله خلقنا ككائنات مُحِبَّة، والطريقة الوحيدة التي كان يمكننا أن نحب من خلالها هي أن نُخْلَق أحراراً. الكثير مما يدور الصراع العظيم حوله في هذا العالم قد تأثر بما فعله الناس وما زالوا يفعلونه بالعطية المقدسة التي للحرية، وهي عطية ثمينة ومكلِّفة جداً (ويعلن الصليب مدى كلفة هذه العطية). وكما رأينا هذا الأسبوع، فإن بعضاً ممن سمعوا عن البشارة تابوا واعطوا حياتهم للمسيح؛ وآخرون قاموا بقتل الرسول الذي حمل البشارة إليهم. إن الحرية هي عطية ثمينة، ولكننا بحاجة إلى نكون حذرين جداً بشأن ما نفعله بهذه الحرية.




الدرس العاشر


٢٧ شباط (فبراير) - ٤ آذار (مارس)


بولس والتمرُّد






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رومية ٥ : ١٢ـ٢١؛ ١كورنثوس ٣ : ١٢ـ١٧؛ ١كورنثوس ١٢ : ١٤ـ٢٦؛ أفسس ٦ : ١١ـ١٧؛ ١كورنثوس ١٥ : ١٢ـ١٨.


آية الحفظ: «وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ‘بْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ’ » (١كورنثوس ١٥ : ٥٤).


إن كتابات بولس زاخرة بموضوع الصراع العظيم. لا شك في أن بولس لم يؤمن بأن الشيطان حقيقة واقعة فحسب، ولكنه كان يؤمن أيضاً بأن أعمال الشيطان المتعلقة بالخداع والموت هي حقيقة واقعة أيضاً. وفي أماكن عدة من كتاباته، يحذّر بولس من «مَكَايِدِ» الشيطان (أفسس ٦ : ١١)، ويحذر كذلك من مخادعات الشيطان القوية (٢كورنثوس ١١ : ١٤)، بل وحتى من قواه الخارقة للطبيعة (٢تسالونيكي ٢ : ٩).


لكن أي شخص قرأ كتابات بولس يعرف أن تركيزه كان دائماً على المسيح وعلى الانتصار التام الذي أحرزه المسيح من أجلنا. ومهما نجح الشيطان في التغلب على عهد الله مع شعبه عبر العصور، إلا أن الشيطان قد انهزم تماماً أمام المسيح. وقد تحققت في المسيح كل وعود العهد، وهكذا تم ضمان الخلاص لجميع مَن يطالبون به بالإيمان والطاعة، سواء كانوا يهوداً أَمْ أمميين. كما أن أمانة المسيح تضمن أيضاً إبادة الشيطان بالموت إبادة تامة (عبرانيين ٢ : ١٤) وتضمن كذلك نهاية الصراع العظيم.


سننظر في هذا الاسبوع إلى بعض الصور والاستعارات التي استخدمها بولس لتوضيح واقع وحقيقة المعركة ولتوضيح كيف ينبغي أن نحيا عاملين معاً لما فيه خير الكنيسة كلها، ومجتمع المؤمنين المنخرطين في هذا الصراع الكوني.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٥آذار (مارس).




آدم والمسيح


وفي حين يشتهر بولس بشرحه الواضح للبشارة، إلا أن شرحه لمسألة الصراع العظيم هو أيضاً في غاية الأهمية. وفي غمرة تعاليم بولس المتعلقة بالأخبار السارة، نجده يقوم بتلخيص نقاطه الرئيسية محور النقاش فيقول أننا «قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ... بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية ٥ : ١)؛ وبأنه صار بمقدورنا الوصول المباشر إلى الله، وبأننا «نَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ» (عدد ٢)؛ وبأن الضيقات والمحن لم تعد تقلقنا (عدد ٣ـ٥). وهو ايضاً يعطينا الوعد بأنه «لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (عدد ٨)، وبأننا الآن «مخلصون» بحياة المسيح وموته نيابة عنا. كما أننا قد أُنقذنا أيضاً من دينونة الله الأخيرة ضد الخطية (عدد ٩ و ١٠)، ونحن نفرح لأننا قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ (عدد ١١).


اقرأ رومية ٥ : ١٢ـ٢١. كيف يتضح الصراع العظيم في هذه الفقرات الكتابية؟


بعد الحديث عن كل ما قام به المسيح من أجلنا، يقوم بولس بشرح كيف فعل المسيح ذلك. فإنه ما لم يتم تصحيح الاضرار التي نجمت عن آدم عند الشجرة في جنة عدن، كما كان هناك رجاء في مستقبل أبدي، ولكان الشيطان سينتصر في الصراع العظيم. لقد جلب آدم الموت على جميع الناس بسبب ما فعله (رومية ٥ : ١٢). ولم يكن بمقدور الوصايا العشر التي أُعطيت على جبل سيناء مَنْعْ معضلة الموت والخطية. فإن الناموس لم يستطع سوى إظهار ما هي الخطية. ولم يكن الناموس وسيلة للتعامل مع الخطية أو الرد عليها. ولم يكن حل معضلة الخطية والموت ممكناً إلا من خلال ذبيحة المسيح الكفارية. لقد سدد المسيح الدّين من خلال بذل حياته لأجلنا (رومية ٥ : ١٥ و ١٦).


والآن صار بالإمكان استرداد الجنس البشري. فكما «مَلَكَ» الموت بسبب خطية آدم، يمكن الآن لـكلاً من «فَيْضَ النِّعْمَةِ» و «عَطِيَّةَ الْبِرِّ» أن يملكا بسبب أمانة المسيح (رومية ٥ : ١٧). ليس من العدل اننا خسرنا الجنة بسبب آدم. فإننا لم نشترك معه في اختياره الخاطئ آنذاك ولكننا نعاني عواقب ما فعله. ومع ذلك، فإنه ليس من العدل أيضاً أن نسترد الجنة. فنحن لا فضل لنا فيما قام به المسيح منذ ٢٠٠٠ عام. ويلخّص بولس مناقشته في رومية ٥ : ١٨ـ٢١ بقوله أن آدم الأول قد جلب الإدانة والموت؛ أما آدم الثاني فقد جلب المصالحة والحياة.






«بناء» الكنيسة


«إن كنيسة المسيح، رغم ما قد تبدو عليه من وهن وعيوب، هي المَوْضِع الوحيد على الأرض الذي يمنحه الله فائق عنايته واهتمامه» (روح النبوة، في الأماكن السماوية، صفحة ٢٨٤).


إننا نجد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس أفضل تفسير لعبارة روح النبوة أعلاه. ففي الاصحاح الثالث من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يشبّه بولس الكنيسة بالبذار التي يقوم عدة اشخاص بزرعها: فهناك شخص يقوم بغرس البذار، وهناك آخر يقوم بسقيها، لكن الله نفسه هو الكفيل بنموها ونضجها (١كورنثوس ٣ : ٤ـ٩).


ويواصل بولس شرح نقطته فيصف الكنيسة بالبناء. فهناك مَن يضع الاساس، ثم يقوم أشخاص عديدون آخرون بالبناء فوق هذا الأساس (١كورنثوس ٣ : ١٠). ولأن الأساس هو المسيح ولا شيء آخر (١كورنثوس ٣ : ١١)، لذلك فإن أولئك الذين يقومون بالبناء فوق هذا الأساس يجب أن يكونوا حذرين بشأن ما يستخدمونه من مواد للبناء. وستعمل الدينونة القادمة على التمييز بين «مواد البناء» الرديئة والجيدة (١كورنثوس ٣ : ١٢ـ١٥).


اقرأ ١كورنثوس ٣ : ١٢ـ١٥. قارن هذه الفقرة بالفقرة التي في متى ٧ : ٢٤ـ٢٧. ما هما الشيئان اللذان يوضحان إلى أي جانب من جانبي الصراع العظيم نقف عليه حقاً؟


والآن أنظر إلى ما يلي: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» (١كورنثوس ٣ : ١٦ و ١٧).


إننا نحتاج إلى ملاحظة شيئين: الأول هو أن هذا الأصحاح يتحدث عن الكنيسة وعن كيف يتم بناؤها. فالحديث هنا ليس عن الصحة في المقام الأول. إن الله لا يدّمر أولئك الذين يسيئون إلى أجسادهم من خلال اختيارهم لنمط حياة سيئ؛ فأولئك هم مّن يدمرون أنفسهم. (يتحدث بولس لاحقاً، في ١كورنثوس ٦ : ١٥ـ٢٠، عن أجسادنا كونها هيكلاً للروح القدس، وذلك فيما يتصل بخياراتنا الأخلاقية).


الشيء الثاني هو أن الضمير المستخدم في هاتين الآيتين هو ضمير الجمع المخاطب. فإن الحديث ليس موجّهاً إلى فرد وإنما إلى مجموعة. لذلك، فإن أي شخص يفعل أي شيء لتدمير الكنيسة سيكون في مشكلة خطيرة. إن الله يحذّر من أنه سوف يدمّر الشخص الذي يحاول تدمير الكنيسة.






الكنيسة باعتبارها جسد


يتم في ١كورنثوس ١٢ توضيح دور ومهام الكنيسة بشكل رائع. فإننا نجد هنا أن الكنيسة مشبّهة بالجسد، ونجد كذلك أن دور كل عضو من أعضاء هذا الجسد محدد بوضوح وبأن كل هذه الأعضاء تعمل معاً كمَجْمُوعة متناغمة (١كورنثوس ١٢ : ١٢).


اقرأ ١كورنثوس ١٢ : ١٤ـ٢٦. ما هي الرسالة الاساسية لهذه الفقرة الكتابية؟


يتحدث بولس بطريقة يبدو فيها بعض السخرية، وهو يتساءل عن ما سيحدث لو أن القدم أو الأذن قد أعلنتا أنهما ليستا جزءا من الجسد. ثم يواصل بولس حديثه ويتساءل عن ما سيحدث لو أن الجسد كله كان عبارة عن عين أو أذن (١كورنثوس ١٢ : ١٧). تخيل أذناً كبيرة تشق طريقها عبر الغرفة لتقول لنا «مرحباً»! وبقدر ما يبدو ذلك سخيفاً، إلا أن هذا هو في الواقع ما يحدث عندما يحاول الناس التحكم في الكنيسة وكما لو كانت مُلكاً لهم.


وكان بولس، في أصحاحات سابقة، قد حدد الأنشطة المختلفة في الكنيسة واشار إلى كل نشاط منها بوصفه عطية من الروح القدس. فهناك مَن يتكلمون بالحكمة، وهناك آخرون ممن لديهم معرفة كبيرة جداً بالكتاب المقدس (١كورنثوس ١٢ : ٨). وهناك أولئك الذين يُعد إيمانهم مصدر إلهام للجميع، وهناك أولئك الذين لديهم لمسة الشفاء بقوة الروح القدس (١كورنثوس ١٢ : ٩). وهناك مَن يُجرون معجزات، وهناك أناس ذو بصيرة نبوية، وهناك أولئك الذين يمكنهم التمييز بوضوح بين الخير والشر، وأولئك الذين يستطيعون كسر حواجز اللغة (١كورنثوس ١٢ : ١٠). لاحظ أن الأشخاص المعنين ليسوا هم مَن يقررون مقدراتهم. بدلاً من ذلك، الروح القدس هو مَن ينتقي كل واحد منهم بعناية من خلفيات مختلفة من أجل العمل على بناء ووحدة الجسد، أي الكنيسة (١كورنثوس ١٢ : ١١ـ١٣). وللتأكيد على هذه الحقيقة الهامة، قام بولس بتكرار ما قاله: الله هو الذي يقرر أين يصلح كل عضو من أعضاء الجسد (١كورنثوس ١٢ : ١٨).


والأهم من ذلك هو أنه على الرغم من وجود العديد من الأعضاء إلا أنه لا يوجد سوى جسد واحد؛ وكل عضو من الأعضاء مرتبط ارتباطاً حيوياً بغيره من الأعضاء، حتى أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم ذات قيمة كبيرة (١كورنثوس ١٢ : ٢٠ـ٢٤). إن هذا الترابط والاعتماد المتبادل بين الأعضاء وبعضها البعض هو شيء متضمن داخل الجسد من أجل ضمان سلامة وصالح كل عضو. ويتم تجلي هذا الترابط من خلال اشتراك الأعضاء مع بعضها بعضاً في الألم والفرح (١كورنثوس ١٢ : ٢٦).






سِلاَحُ اللهِ


إن حقيقة الصراع العظيم، وحقيقة أننا في حرب حرفية وفعلية مع عدو حقيقي (أفسس ٦ : ١١)، تتجليان من خلال استخدام بولس للصور المجازية المتعلقة بالحرب في أفسس ٦.


اقرأ أفسس ٦ : ١١ـ١٧. ماذا تخبرنا هذه الآيات الكتابية عن كيف أن معركتنا مع الشر وأجناده هي معركة حقيقية وشخصية؟


إن ما يهم هنا هو ليس أجزاء السِلاَحِ المختلفة وإنما ما يهم بالأحرى هو ما تمثِّله هذه الأجزاء المختلفة التي يتكون منها السِلاَح. لاحظ أن بولس يشدد على وجوب حمل سلاح الله بأكمله، وليس مجرد أجزاء متفرقة منه وذلك من أجل أن «نثْبُتَ» (أفسس ٦ : ١٣)، وهي استعارة تستخدم في الكتاب المقدس لوصف الوقوف وإثبات البراءة عندما يكون هناك محاكمة وإدانة (قارن مع مزمور ١ : ٥). وبعبارة أخرى، هي إشارة إلى أننا سوف نكون منتصرين.


إن ما يعمل على ترابط السلاح وتماسكه هو الحزام (أو المِنْطَقَةُ)، الذي هو كناية عن الحق (أفسس ٦ : ١٤). إذاً، فالحق هو ما يعمل على تماسك كل دفاعتنا الروحية. وقد تحدث المسيح كثيراً عن الحق (يوحنا ١ : ١٤ و ١٧؛ ٤ : ٢٤؛ ٨ : ٣٢؛ ١٤ : ٦). ويَعْقُبُ دِرْعُ الْبِرِّ «المِنْطَقَةَ» في قائمة الأجزاء التي يتكون منها سلاح الله الذي يتحدث عنه بولس (افسس ٦ : ١٤)؛ كما أننا نجد أن «الْبِرَّ» هو كلمة رئيسية أخرى في حوارات وتعاليم المسيح (على سبيل المثال، متى ٥ : ٦ و ١٠؛ ٦ : ٣٣). وفي العهد القديم، كان يُنْظر إلى الْبِرِّ على أنه تحقيق العدالة والتأكّد من أن الجميع يعاملون معاملة عادلة ومُنصفة.


أما الحذاء العسكري (أفسس ٦ : ١٥) فيمثِّل بشارة السلام، وهو تعبير مستعار من إشعياء ٥٢ : ٧، حيث كان الحديث يدور عن الأشخاص الذين مشوا لمسافات طويلة ليخبروا الشعب الذي في الأسر أن أورشليم قد أعيد بناؤها وبأن الله قد استرد حرية شعبه. وهي طريقة أخرى لقول أن جزءاً من المحاربة ضد الشر هو أن تجعل الناس يعرفون أن الله قد انتصر في المعركة بالفعل، وبأنه يمكنهم الآن العيش في سلام مع أنفسهم ومع الآخرين ومع الله.


يعمل تُرْسُ الإِيمَانِ (أفسس ٦ : ١٦) على منع «السِهَامِ الْمُلْتَهِبَةِ» من الوصول إلى هدفها المقصود والتسبب في دمارها التام. وتتوازى خُوذَةُ الْخَلاَصِ (أفسس ٦ : ١٧) مع الإِكْلِيلِ الذي يشاركه المسيح معنا (رؤيا ١ : ٦؛ ٢ : ١٠)، أما سيف الروح (كلمة الله) فهو سلاحنا الوحيد للدفاع عن النفس، ويجب علينا استخدامه كما فعل المسيح عندما جُرِّب مِن قِبل الشيطان (متى ٤ : ٤ و ٧ و ١٠).






آخر عدو


من الواضح أن بعض الأشخاص في كنيسة كورنثوس كانوا متحيّرين بشأن مسألة القيامة. وقد عمل بولس بعناية فائقة على شرح أهمية القيامة بوصفها عنصراً أساسياً من عناصر البشارة (١كورنثوس ١٥ : ١ـ٤). فيبدو أنه كان هناك بعض الجزع والشَكّ إزاء المؤمنين الذين ماتوا (١كورنثوس ١٥ : ٦)، وقد أشار البعض إلى أن أولئك الذين ماتوا لن يتمكنوا من رؤية المسيح عندما يجيء ثانية(١كورنثوس ١٥ : ١٢). وقد كانت هذه الحالة شبيهة بالحالة التي في تسالونيكي (١تسالونيكي ٤ : ١٣ـ١٧).


اقرأ ١كورنثوس ١٥ : ١٢ـ١٨. ماذا يعني «إنكار قيامة الأموات»؟


يختتم بولس حجته بقوله «إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ» (١كورنثوس ١٥ : ١٩). بل على العكس من ذلك، فقد قام المسيح حقاً «وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ» (١كورنثوس ١٥ : ٢٠).


ثم يقارن بولس بين المسيح وآدم: «لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ» (١كورنثوس ١٥ : ٢٢)، وهو يحدد متى ستكون هذه القيامة العامة: «فِي مَجِيئِهِ» (١كورنثوس ١٥ : ٢٣). وفي فقرة لاحقة من هذا الأصحاح يواصل بولس المقارنة بين آدم الأول وَآدَم الأَخِير (١كورنثوس ١٥ : ٤٥ـ٤٩). فقد خُلق الإِنْسَانُ الأَوَّلُ من تراب الأرض، اما الإِنْسَانُ السَّمَاوِيِّ فهو من السماء؛ وهكذا فإن الإِنْسَانَ السَّمَاوِيِّ سوف يغيرنا في يوم من الأيام. ونجد شرحاً لما يعنيه هذا الأمر من خلال الوصف الذي يقدمه بولس لما يحدث عند المجيء الثاني للمسيح، فإنه: «فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ» (١كورنثوس ١٥ : ٥٢ و ٥٣).


وعلى الرغم من أن آدم قد خُلق في البداية ليحيا إلى الأبد، إلا أن الجنس البشري قد تدهور بسرعة لدرجة أنه أصبح يعيش لفترة زمنية قصيرة نسبياً. وإذا كان لنا أن نرث الحياة الأبدية، فسيتم إعدادنا بطريقة نتمكن من خلالها من العيش إلى الأبد، وهذا ما سوف نُعطى إياه.






لمزيد من الدرس


«إن الأرض أيضاً، وليس الإنسان فحسب، قد خضعت لسيطرة الشرير بسبب الخطية وكان ينبغي استردادها هي أيضاً من خلال خطة الفداء. وعندما خُلق آدم، فقد أُعطي سلطانٌ على الأرض. ولكن عند الرضوخ للتجربة، وُضع الإنسان تحت سلطان الشيطان، وانتقلت السيادة التي كان يتمتع بها إلى خصمه وقاهره. وهكذا أصبح الشيطان ‘إله هذا العالم.’ لقد اغتصب الشيطان تلك السيادة على الأرض والتي كانت في الأصل قد أُعطيت لآدم. لكن المسيح، ومن خلال ذبيحته وسداده لعقوبة الخطية، لم يفدِ الإنسان فحسب ولكنه استعاد له السيادة التي كان قد تم مصادرتها مِن قِبل الشيطان. فإن كل ما كان قد فُقد من خلال آدم الأول سوف يتم استعادته واسترداده بواسطة آدم الثاني» (روح النبوة، علامات الأزمنة، ٤تشرين الثاني/نوفمبر، ١٩٠٨). مع ذلك، فإنه من السهل جداً، وعند النظر حولنا في العالم، أن ننسى الحقيقة الهامة التي مفادها أن الشيطان قد هُزم وبأن «لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً» (رؤيا ١٢ : ١٢). يسود كلاً من الشر والموت والمعاناة هذا العالم، لكننا قد وُعِدنا بأنه سيتم استئصال كل هذه الأمور بسبب ما فعله المسيح من أجلنا. أيضاً، يجب أن يكون واضحاً لنا الآن أن أموراً مثل الشر والموت والمعاناة لا يمكن استئصالها بواسطة أي شيء نقوم به كبشر إلاّ إذَا دمرنا الأرض وكل ما عليها تماماً، وهو ما كنا سنفعله لو أننا أُعطينا الوقت الكافي، ولو أن الله لم يمنعنا من القيام بذلك. لهذا، فإن التدخّل الإلهي الخارق هو وحده الذي سوف يحرز التغييرات التي وُعدنا بها. فنحن بالتأكيد لا يمكننا التعامل مع المشكلات بأنفسنا.




الدرس الحادي عشر


٥ـ١١ آذار (مارس)


بطرس في الصراع العظيم






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: ١بطرس ٢ : ٩ و ١٠؛ تثنية ١٤ : ٢؛ ١بطرس ٤ : ١ـ٧؛ ٢بطرس ١ : ١٦ـ٢١؛ ٢بطرس ٣ : ٣ـ١٤؛ دانيال ٢ : ٣٤ و ٣٥.


آية الحفظ: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (١بطرس ٢ : ٩).


إن كتابات بطرس زاخرة بالحديث عن موضوع الصراع العظيم. وربما السبب في ذلك هو أن بطرس قد عرف من واقع اختباره، وبطريقة تفوق معرفة معظم الناس، مدى سهولة السقوط في ضلالات الشيطان. ولهذا كان بطرس يدرك إدراكاً تاماً كم أن هذا الصراع هو صراع حقيقي وواقعي. فعلى كل حال، كان بطرس هو مَن قال: «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (١بطرس ٥ : ٨).


يرى بطرس الصراع متجلياً بطرق مختلفة. فهو يرى الصراع دائرا في الكنيسة، وهو ما يتمثل في أولئك الذين كانت لهم ذات مرة شراكة مع المؤمنين ولكنهم اصبحوا الآن ساخرين ورافضين الله ورافضين كذلك أي مُعْتَقَدٍ ينادي بعودة المسيح. ويتحدث بطرس بقوة وبشدة ضد المستهزئين لأنه إذا تبدد الإيمان بالوعد المتعلق بعودة المسيح، فأي رجاء سيبقى لنا؟


ومرة أخرى نقول أنه ربما كانت إخفاقات بطرس هي السبب وراء تأكيده على الدور الإيجابي الذي يقوم به الإيمان في حياة الإنسان. فقد اختبر بطرس معنى أن تسخر وتُنكر وتحاول مجاراة الحشود في تصرفاتهم حتى لا يدينك الآخرون لكونك من أتباع المسيح. ومن هنا جاء تأكيده على مدى أهمية أن يعيش المؤمنون حياة تعكس حياة المسيح وتكون جديرة بالدعوة السامية التي تلقوها من الرب لأن يكونوا شهوداً له وعاكسين لصورته.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٢آذار (مارس).




من الظلمة إلى النور


اقرأ ١بطرس ٢ : ٩ و ١٠. كيف يُرى الصراع العظيم في هاتين الآيتين؟


تأتي هاتان الآيتان من خروج ١٩ : ٦، « ‘مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً’ »؛ وتثنية ٧ : ٦، (وتتكرر في تثنية ١٤ : ٢) «شَعْبٌ مُقَدَّسٌ،» «اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ» و «شَعْبًا خَاصًّا». بالطبع، أُعطيت هذه التأكيدات أثناء الخروج من مصر عندما أُطلق سراح الشعب من العبودية وكانوا في طريقهم إلى أرض الموعد. وقد رأى بطرس تشابهاً بين شعب الله أثناء الخروج من مصر وبين الكنيسة في عصره.


وبالتالي، فإن كلمات بطرس ليست وصفاً للناتج النهائي ولكنها بالأحرى وصفاً لعمل مستمر. نعم لقد تم اختيارنا وانتقاءنا مِن قِبل الله، وعلينا أن نسبِّحَه جهاراً من أجل أنه أخرجنا من الظلمة التي أغرق الشيطانُ العالمَ فيها. لكن هذا لا يجعلنا كاملين ولا يعني أننا بطريقة او بأخرى نلنا ما نصبو إليه (انظر فيلبي ٣ : ١٢). بل على العكس من ذلك، فإنَّ إدراكنا لإثمنا وضعفاتنا هو مما يعنيه إتِّباع المسيح والشعور بحاجتنا إلى بِرِّهِ في حياتنا.


«بهذه الكيفية يمكن لكل خاطئ أن يأتي إلى المسيح ‘لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­ خَلَّصَنَا’ (تيطس ٣ : ٥) . فعندما يأتيك الشيطان قائلا لك إنك خاطئ ولا رجاء لك في الحصول على بركة الله قل له أن المسيح قد أتى إلى العالم ليخلِّص الخطاة . إننا لا نملك شيئا به يمكننا أن ننال حظوة لدى الله ، ولكن الحجة التي يمكننا أن نقدمها الآن وفي كل وقت هي حالتنا ، حالة العجز التام التي تجعل قوته الفادية أمرا لازما لنا كل اللزوم . فإذ نطرح عنا كل اعتماد على الذات يمكننا أن نشخص إلى صليب جلجثة قائلين: ‘لا ليس بيدي مال أقدمه ولكني فقط أتعلق بصليبك’ » (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٩٤).


وهناك طريقة واحدة مؤكدة نعلم من خلالها أننا قد دُعينا «مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ» (١بطرس ٢ : ٩) وهي إدراكنا مدى اعتمادنا على المسيح «الَّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» (١كورنثوس ١ : ٣٠).






ضغوط المجتمع


اقرأ ١بطرس ٤ : ١ـ٧. لماذا تُعَدْ الخيارات التي نُقْدِم عليها في حياتنا خيارات ذات أهمية، وكيف تؤثر على استعدادنا لعودة المسيح؟


يشير بطرس إلى ان المؤمنين قد أمضوا، بما فيه الكفاية، من حياتهم وهم يقومون بالأمور التي ضغط عليهم المحيطون بهم للقيام بها (١بطرس ٤ : ٣). لكن الأحوال قد تغيرت الآن، ويمكن أن يُنظر للمؤمنين على أنهم «غريبون» لأنهم لا ينضمون إلى الحشود فيما يفعلونه، وهو ما قد ينجم عنه تعرّض المؤمنين للنميمة الخبيثة والقيل والقال (١بطرس ٤ : ٤). وبالتالي، فإن الشيطان قد يستخدم حتى الأصدقاء السابقين في محاولة إحباطنا في سيرنا مع الله.


ويشجع بطرس المؤمنين على أن لا يكترثوا لتلك الاعتداءات. فإنه سوف يتعين على «الأمميين» أن يُعطوا حساباً عن أنفسهم لله الذي هو وحده الديّان، ولذلك ليس هناك حاجة للقلق بشأن ما يفكّرون فيه بخصوصنا (١بطرس ٤ : ٥).


والنقطة التي يشدد عليها بطرس هي نقطة هامة جداً. فكم هو عدد الناس الذين تعرفهم ممن استسلموا وخضعوا لوجهات نظر أشخاص آخرين وحاولوا أن يكونوا وفق آراء هؤلاء الأشخاص، بدلاً من الثبات والرسوخ في ما يؤمنون به؟ ويتجلى هذا الأمر بصورة خاصة بين الشبيبة، الذين يعانون مما يعرف بأنه «ضغط المجتمع».


وبدلاً من اهتمامنا بأن نكون مقبولين مِن قِبل الآخرين وموافقين على آرائهم ومطالبهم وتوقعاتهم مِنَّا، ينصح بطرس المؤمنين أن يكونوا لطفاء ومحبين لأولئك الذين يتعاملون معهم (١بطرس ٤ : ٨ و ٩). ولا ينبغي أن يكون التحلّي بهذه الصفات عملاً إضافياً علينا إدراجه ضمن قائمة ما ينبغي على المسيحي عمله. بدلاً من ذلك، يجب أن يكون هذا هو أهم شيء نقوم به وأهم طريقة للتفاعل مع الناس من حولنا. وربما هذا هو السبب وراء إشارة بطرس إلى أننا بحاجة إلى أن نكون جادين في صلواتنا (١بطرس ٤ : ٧)، وذلك لأن الله يَعْلَم أنه يمكن لنا في بعض الأحيان أن نكون أكثر جدياً بشأن إسعاد وإرضاء «الأمم» بدلاً من التعامل بمحبة ولطف مع أولئك القريبين مِنَّا. ونحن لسنا بحاجة إلى الصلاة من أجلهم فحسب، ولكننا بحاجة أيضاً إلى أن نسمح لله بأن يجعلنا أكثر حساسية لهمومهم. فإننا «كأمة مختارة» قد دُعينا للتأثير عليهم فيما هو لصالحهم بدلاً من السماح لهم بأن يؤثروا علينا لما فيه ضررنا. فإن التاريخ المأساوي لبني إسرائيل هو خير دليل على ذلك: فإنه بدلاً من أن يكون لبني إسرائيل تأثير إيجابي وجيّد على الوثنيين، قام الوثنيون بالتأثير سلباً على بني إسرائيل ودفعوهم للشر.






كلام النبوة المؤكد


اقرأ ٢بطرس ١ : ١٦ـ٢١. ما الذي يقوله بطرس عن النبوة ويُعد غاية في الأهمية؟


لقد شَهِد بطرسُ العديد من الأمور في زمانه، وقد سرد بعضاً منها في هذه الفقرة الكتابية: تَجلِّي المسيح على الجبل (٢بطرس ١ : ١٨)، والتأكيد على النبوات المتعلقة بالمسيح (٢بطرس ١ : ١٩). وقد كان لكل أمر من هذه الأمور تأثيره على بطرس؛ ومع ذلك، فقد صرف بطرس المزيد من الوقت في الحديث عن النقطة الأخيرة المتعلقة بالنبوات. وربما تكون إخفاقاته كتلميذ هي السبب وراء تركيزه على هذه النقطة. فعلى سبيل المثال: كم مرة لم يصغَ بطرس إلى ما كان المسيح يقوله لاعتقاده [أي بطرس] أنه يعرف بالفعل ما سوف يُقال؟ وكم مرة تنبأ المسيح بشأن المعاملة التي كان سيلقاها على يد رؤساء الكهنة في أورشليم؛ ومع ذلك، وعندما حدثت الأمور تماماً على النحو الذي قال المسيح أنها ستحدث عليه تبين في عدد من المناسبات المختلفة أن بطرس لم يكن مستعداً للتعامل مع ما واجهه من مواقف؟ وقد كان السبب في ذلك هو عدم إصغائه لما كان يقوله المسيح. وربما كان أكثر هذه «الإخفاقات» إيلاماً هو عندما تنبأ المسيح بأن بطرس سوف ينكره. وقد كان بطرس على يقين من أن ذلك لا يمكن أن يحدث. ولا بد وأن بطرس كان في أدنى حالات اليأس في حياته عندما أنكر المسيح.


وربما هذا هو السبب في أن يهدف بطرس إلى توضيح كيف يمكن أن يكون المرء تابعاً أميناً للمسيح. وهو يذكّر أتباع المسيح بـ «الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ» التي يمكنهم من خلالها أن يصيروا «شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ» (٢بطرس ١ : ٤) على نقيض أولئك المأسورين مِن قِبل «الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.» ومن أجل التأكيد على أن المؤمنين قد هربوا بالفعل من الفساد، يدرج بطرس قائمة بعدد من الصفات المترابطة التي تميّز نمط الحياة المسيحية: الإيمان، الفضيلة، المعرفة، التَّعَفُّفِ، الصبر، التقوى، الْمَوَدَّةُ الأَخَوِيَّةُ ، والمحبة (٢بطرس ١ : ٥ـ٨). وتعمل كل صفة من هذه الصفات على دعم الصفة الأخرى بحيث تعمل جميعها على تشكيل وحدة متناغمة، تماماً كالمكونات المحددة التي تستخدم في صنع كعكة لذيذة الطعم. ويدعو بولس هذه الصفات نفسها «ثمر» وليس ثمار (٥ : ٢٢ و ٢٣)، لأنها تشكّل مع بعضها البعض وحدة لا يمكن الفصل بين مكوناتها.


ويضيف بطرس قائلاً أن المؤمنين لن يتعثروا إذا هم جعلوا هذه القيم جزءاً من حياتهم، وهو يطلب منهم أن يعملوا باجتهاد على أن يجلعوا دعوتهم واختيارهم «ثَابِتَيْنِ» (٢بطرس ١ : ١٠).


تَذَكَّرْ أن بطرس يوجّه رسالته إلى أعضاء مسيحيين ثابتين في الإيمان. وهو لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى أن الالتزام بمجموعة خاصة من المتطلبات من شأنه أن يضمن للإنسان الحصول على تذكرة إلى السماء. بل إن ما يفعله بطرس ببساطة هو أنه يقارن بين هذه السمات وبين مواقف وسلوكيات العصر ويحث المسيحيين على بذل جهودهم في القيام بأمور إيجابية بدلاً من الأمور السلبية.




المُسْتَهْزِئُون


اقرأ ٢بطرس ٣ : ٣ـ٧. ما الذي يقوله بطرس هنا عن الماضي ويساعدنا على التعامل مع الأمور في الحاضر، وكذلك في المستقبل؟


يبدو أن المعركة بين النور والظلمة، بين أتباع المسيح والمروجين للشر، قد بلغت ذروتها. فإن الشيطان، الذي يشبه الأسد الجائع الذي يبحث عن وجبته التالية (١بطرس ٥ : ٨)، يُدْعَمُ مِن قِبل مجموعة من «المستهزئين». ويحاول هؤلاء المستهزئون، من خلال مجادلاتهم «العقلانية» و «العلمية» (٢بطرس ٣ : ٣ و ٤) أن يعملوا على إبطال إيمان المؤمنين. ويشير بطرس إلى أن ما يحفزهم على عمل ذلك هو رغبتهم في الاحتفاظ بنمط حياتهم الشهواني (٢بطرس ٣ : ٣؛ انظر أيضاً يهوذا ١٨). والسبب وراء اعتقادهم أن المسيح لن يأتي، هو أن كل شيء باقٍ على حاله كما كان دائماً دون أن يتغير.


والشيء المثير للقلق جداً بشأن هذا الاستهزاء هو أن المسيح قد قال «آتِي أَيْضًا» (يوحنا ١٤ : ١ـ٣)، بينما هم يقولون ما معناه أن «المسيح لن يأتي ثانية» (٢بطرس ٣ : ٤). وهذا هو ترديد لصدى ما حدث في عدن حين قال الله، « ‘وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ’ » (تكوين ٢ : ١٧). ومع ذلك فإن الشيطان، ومن خلال الحية، قد قال « ‘لَنْ تَمُوتَا!’ » (تكوين ٣ : ٤). وهنا نجد تعارضاً مباشراً لكلمة الله. وفي هذه المرة، لا ينطق صوت واحد بهذا التعارض، كما كان هو الحال في عدن، وإنما تنطق به مجموعات من الأصوات في كل مكان. والشيء الإيجابي بشأن هذه الأكذوبة هو أن بطرس قد تنبأ بحدوثها. ففي كل مرة نسمع فيها أشخاصاً يهزؤون من فكرة المجيء الثاني للمسيح، يصبح هؤلاء أنفسهم تتميماً آخر للنبوة.


وعلى الرغم من أن التاريخ قد شهد تدميراً سابقاً للأرض بواسطة طوفان كارثي، إلا أن المستهزئين لا يريدون أن يعرفوا عن ذلك الأمر. إنهم لا يريدون أن يعترفوا أن الله مكترث بخيارات الحياة التي يقدمون عليها. كما أنهم يريدون أيضاً تجنّب الحقيقة التي مفادها أن الله الذي اختزن المياه ليُغرق الأرض بالطوفان يقوم بالمثل باختزان النار التي ستجتاح الأرض وتدمّرها في يوم الدينونة العظيم (٢بطرس ٣ : ٥ـ٧). وأملهم الخاطئ هو أن الطبيعة سوف تواصل العمل بالطريقة التي تعمل بها دائماً.






تعجيل يوم المجيء


على الرغم من أنه يبدو أن انتظارنا للمجيء الثاني لا ينتهي ابداً، إلا أن نظرة الله للوقت تختلف عن نظرتنا نحن له. «أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ» (٢بطرس ٣ : ٨). ونجد في كافة أجزاء الكتاب المقدس أن النهاية دائماً قريبة، سواء كان فيما يتعلق بـ «يوم الرب» في العهد القديم أو فيما يتعلق بـ «عودة المسيح» في العهد الجديد.


اقرأ ٢بطرس ٣ : ٨ـ١٤. ما هو الرجاء طويل الأمد المقدم لنا هنا؟ انظر أيضاً دانيال ٢ : ٣٤ و ٣٥ و ٤٤.


تخبرنا النبوات الرائعة المتعلقة بالأوقات والأزمنة أن هناك حدوداً للمدة الزمنية التي يُسمح فيها للشر بالاستمرار، كما تخبرنا كذلك عن المدة الزمنية التي سوف ينتظر فيها الله إلى أن يقيم مملكته التي لن تنقرض أبداً. وفي النبوات، يقوم الله بتوضيح خطته لإنهاء الخطية والمعاناة واستعادة الأرض إلى كمالها الأصلي.


إن كيفية نظرتنا لنهاية كل الأشياء، كما نعرفها، سوف تؤثر في كيفية عيشنا الآن (٢بطرس ٣ : ١٢). فإذا كنا سنتمرد ضد فكرة أن الله سوف يتدخل في شؤون عالمنا الصغير، فعندها سنميل إلى أن نكون متهكمين فننضم بذلك إلى صفوف المستهزئين. ومن ناحية أخرى، فإذا نظرنا إلى ما سيقوم به الله على أنه تدخل مِن قِبل الله الرحيم لتطهير الفساد البغيض، ووضع نهاية لانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية من حولنا، فعندها يمكننا بكل ثقة أن «نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ» (٢بطرس ٣ : ١٣). ومرة أخرى، يعرب بطرس عن قلقة إزاء مواقفنا وسلوكنا الشخصي. وهو يحثنا على أن نجتهد وأن نكون «بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ» (٢بطرس ٣ : ١٤). ولولا الآية التالية لاعتقدنا أن بطرس يروّج لديانة «الأعمال»، لكنه يقوم بتدارك سوء الفهم المحتمل هذا بعبارة، «وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا» (٢بطرس ٣ : ١٥).


إن هدفنا هو أن نكون بلا عيب. فقد وُصِف أيوب بأنه بلا عيب لأنه كان «يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أيوب ١ : ١). كما أن المسيح سيحضرنا بِلاَ لَوْمٍ أمام الآب (١كورنثوس ١ : ٨؛ كولوسي ١ : ٢٢؛ ١تسالونيكي ٣ : ١٣؛ ٥ : ٢٣). وفي العهد القديم، كان ينبغي أن يكون حمل الذبيحة صَحِيحًا وبِلاَ عَيْبٍ (على سبيل المثال، خروج ١٢ : ٥؛ لاويين ١ : ٣)، وهذا هو ما كان عليه المسيح (عبرانيين ٩ : ١٤؛ ١بطرس ١ : ١٩)، كما أن المسيح سيحضر الكنيسة أمام الله وستَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ، كذلك (أفسس ٥ : ٢٧).






لمزيد من الدرس


يحذر بطرس من أن المستهزئين سيقولون: « ‘كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ’ » (٢بطرس ٣ : ٤). ولم يكن ذلك شيئاً جديداً؛ فإنه قد تم إبداء نفس هذه المشاعر قبل الطوفان. «فلما مرت أيام طويلة ولم يحدث أي تغيير في الطبيعة فبعض الناس الذين سبق وارتجفت قلوبهم خوفا بدأوا يشعرون بالأمان . قالوا كما يقول كثيرون اليوم إن الطبيعة تسمو على إله الطبيعة وأن قوانينها ثابتة بحيث لا يستطيع الله نفسه أن يغيرها. ثم قالوا: إذا كانت رسالة نوح صحيحة فلابد من أن تخرج الطبيعة عن مألوف عادتها وقوانينها . وأقنعوا الناس بأن تلك الرسالة هي تضليل وخدعة هائلة ، وبرهنوا على احتقارهم لإنذار الله بكونهم عملوا نفس ما كانوا يعملونه قبل تقديم الإنذار إليهم. ... وتوهموا أنه إذا كان ما قاله نوح صادقا فإن الحكماء والفهماء والرجال العظماء المشهورين سيفهمون الأمر» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٧٤ و ٧٥). واليوم، يقول «الرجال العظماء» شيئاً مشابهاً: إن قوانين الطبيعة ثابتة وراسخة، وتواصل جميع الأشياء عملها كما في السابق. وهذا هو، بمعنى آخر، ما تعلِّمه نظرية التطور التي تزعم أن الحياة قد نشأت عن طريق عمليات طبيعية يمكن تفسيرها، على الاقل من حيث المبدأ، من خلال عمل القوانين الطبيعة التي سيتمكن العِلم في يوم ما من تفسيرها لنا تفسيراً تاماً. وترى هذه النظرية أن كل ذلك يمكن أن يحدث من دون أي حاجة إلى ألوهية. لقد كان «الرجال العظماء» مخطئين آنذاك؛ وهم مخطئون الآن، كذلك. ولا عجب في أن بولس قد كتب يقول: «لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ» (١كورنثوس ٣ : ١٩). وقد كانت كذلك في زمن الطوفان، وفي زمن بطرس، وهي لا تزال «جهالة» في عصرنا نحن، كذلك.




الدرس الثاني عشر


١٢ـ١٨ آذار (مارس)


الكنيسة المجاهدة






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رؤيا ٢ : ١ـ٧؛ هوشع ٢ : ١٣؛ رؤيا ٢ : ٨ـ١٧؛ رؤيا ٢ : ١٨ـ٣ : ٦؛ إشعياء ٦٠ : ١٤؛ رؤيا ٣ : ١٤ـ٢٢.


آية الحفظ: «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا ٣ : ٢٠).


كان يوحنا آخر من مات من بين الاثني عشر رسولاً. وبالإضافة إلى كتابة الإنجيل الذي يحمل اسمه، قام يوحنا أيضاً بكتابة سفر الرؤيا، وهو السفر الذي يساهم كثيراً في فهمنا للصراع العظيم. ومع ذلك، فإن تركيزنا سوف يكون على وصف يوحنا للكنائس السبع. وسوف نقوم بدراسة هذه الكنائس من منظور المتسلمين الأصليين لسفر الرؤيا وذلك لكي نتمكن من استخلاص أكبر قدر ممكن من أقوال المسيح الواردة هنا والاستفادة منها في حياتنا اليومية.


والشيء البارز هو أن المسيح يتبع النهج الشخصي عند توجيه حديثه إلى كل كنيسة من الكنائس السبع. فجميع هذه الكنائس لديها احتياجات مختلفة، ويعمل المسيح على تلبية احتياجات كل واحدة منها.


ويبدو أن التحدي الذي كانت تواجهه هذه الكنائس هو أن كل كنيسة منها كانت تعاني من المسألة المتعلقة بالهَوية، تماماً كما نعاني نحن من الأمر ذاته اليوم. فهل كان اعضاء تلك الكنائس يقفون إلى جانب المسيح ويلبّون دعوته المتعلقة بالشهادة إلى عالم ميت، أَمْ أنهم كانوا يتأرجحون بين الجانبين محاولين أن يظهروا كأنهم مسيحيين بينما كانوا في السِّر يشعرون براحة أكثر في تواجدهم مع قوى الظلام؟ وعلى الرغم من أننا ننظر إلى أنفسنا على أننا آخر كنيسة من هذه الكنائس، إلا أنه من الواضح أننا وبطرق عديدة نواجه نفس التحديات التي واجهتها كل هذه الكنائس عبر العصور، بغض النظر عن اختلاف الظروف.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٩آذار (مارس).




الكنيسة في أفسس


في رؤيا ٢ : ١، يُصَوَّرُ المسيح، عند حديثه إلى الكنيسة التي في أفسس، على أنه الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ والْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ. وتشير هذه الرموز إلى حقائق ملموسة. فالسبع المناير هي الكنائس، والسبعة الكواكب هي الملائكة المكلفين برعاية الكنائس (رؤيا ١ : ٢٠). وبعبارة أخرى، هناك علاقة وثيقة بين الكنائس وبين عرش الله في السماء. إن للكنائس دوراً هاماً تقوم به في الصراع العظيم.


اقرأ رومية ٢ : ١ـ٧. بأية طرق يمكننا أن نرى الصراع العظيم دائراً في هذه الفقرات الكتابية.


تبدأ الرسالة إلى كنيسة أفسس بتقديم وصف لصفات هذه الكنيسة. ويدرك المسيح تماماً نقاط القوة والضعف في هذه الكنيسة. وهو يثني عليهم بسبب أنشطتهم وصبرهم ومثابرتهم وعدم احتمالهم للمعلمين الكذبة في وسطهم (رؤيا ٢ : ٢ و ٣ و ٦)، وهو تحذير واضح بأنه يجب عدم التغاضي عن وجود معتقد خاطئ في الكنيسة. ويبدو أن الكنيسة في أفسس، وهي الكنيسة التي قد اُختيرت في الاصل مِن قِبل الله في الصراع ضد الظلمة، وقد عانت من هجوم مُعاكس مِن قِبل الشيطان. وقد جاء هذا الهجوم في شكل رسل كذبة كانوا أتباع «نُّقُولاَ»، الذي ربما كان واحداً من الشمامسة السبعة الأصليين (أعمال ٦ : ٥) ولكن من الواضح أنه شكَّل حركة انفصالية. وقد كَرِهَ المسيحُ بدعتهم، أياً كانت تلك البدعة (رؤيا ٢ : ٦).


كانت المشكلة مع الكنيسة في أفسس تكمن في أن هذه الكنيسة قد تركت محبتها «الأُولَى» (رؤيا ٢ : ٤). وهذا وصف مشابه جداً للغة المستخدمة مِن قِبل أنبياء العهد القديم الذين شبهوا ارتداد إسرائيل بشخص يذهب وراء عشَّاق (مُحِبِّين) غير مشروعين (على سبيل المثال، هوشع ٢ : ١٣). قد يبدو الوضع ميؤوسا منه، لكن المسيح متخصص في التعامل مع الأوضاع الميؤوس منها واستعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التدهور والتدني. أولاً، يشجّع المسيحُ شعبه على تذكّر من أين سقطوا، ومن ثم يحثهم على التوبة والقيام بالأعمال الأولى التي كانوا يقومون بها قبل سقوطهم (رؤيا ٢ : ٥). وهذه ليست دعوة للرجوع بالزمن والعودة إلى الوراء إلى «الأيام القديمة الجيدة»؛ وإنما المقصود في هذه الحالة هو استخدام التجارب السابقة للاسترشاد بها في المستقبل.






كنيستا سِمِيرْنَا وبَرْغَامُسَ


يتم تقديم المسيح إلى كنيسة سِمِيرْنَا على أنه « ‘الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ’ » (رؤيا ٢ : ٨؛ انظر رؤيا ١ : ١٨). وإلى الكنيسة التي في بَرْغَامُسَ، يُوصَفُ المسيح على أنه مَن يَمْسِك بأسنانه سيفاً مَاضٍ ذا حدين (رؤيا ١ : ١٦؛ ٢ : ١٢).


ما هي أهمية الطريقة التي يتم بها وصف المسيح لكل كنيسة من هاتين الكنيستين؟


اقرأ رؤيا ٢ : ٨ـ١٧. يتميز أعضاء الكنيسة في سِمِيرْنَا أيضاً بعملهم الدؤوب؛ ومع ذلك، لم يكن لديهم الكثير الذي يظهرونه، ربما نتيجة لوجود «مَجْمَع الشَّيْطَانِ» في وسطهم (رؤيا ٢ : ٩). وبالمثل، فإنه يبدو أن أعضاء الكنيسة في برغامس متشبثين بإيمانهم على الرغم من أن «كُرْسِيّ الشَّيْطَانِ» في وسطهم (رؤيا ٢ : ١٣). وهكذا نجد أن حقيقة الصراع العظيم متجلية هنا.


يتم تحذير الكنيسة في سميرنا من أن هناك أوقاتاً عصيبة قادمة عليها، بما في ذلك التعرّض للسجن بل وربما الموت (رؤيا ٢ : ١٠). أما في كنيسة برغامس، فقد كان هناك شخص قد قُتل بالفعل من أجل إيمانه (رؤيا ٢ : ١٣). من المهم ملاحظة أن الأوقات الصعبة لها حد زمني تنتهي عنده؛ معنى ذلك أنه لا يسمح للشر بالاستمرار بعد نقطة معينة (رؤيا ٢ : ١٠).


ومما يثير القلق هو أن الله كان عنده على الكنيسة في برغامس «بضع ملاحظات» (رؤيا ٢ : ١٤ـ١٦). فعلى ما يبدو أنهم كانوا يسمحون بوجود اشخاص في وسطهم ممَّن هم «مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ» وممَّن يتمسكون بِتَعْلِيمِ «النُّقُولاَوِيِّينَ» (رؤيا ٢ : ١٤ و ١٥).


«يبدو أن نُقُولاَ وبلعام هما مصطلحان متوازيان: فإن نقولا هي كلمة يونانية مركّبة تعني ‘الشخص الذي ينتصر على الناس.’ أما كلمة بلعام فيمكن أن تشتق من كلمتين عبريتين تعنيان ‘تدمير الشعب’ » [رانكو ستيفانوفيتش، رؤيا يسوع المسيح: تعليق على سفر الرؤيا (بيرين سبرينغز، ميشيغان: مطبعة جامعة أندروز، ٢٠٠٢)، صفحة ١١١]. ويُحذِّر المسيحُ الكنيسة كلها من أنه إذا استمرت بدعتهم فإنه سيأتي شخصياً ويحارب ضدهم بالسيف الذي في فمه (رؤيا ٢ : ١٦).


مع ذلك، فإنه حتى في ظل هذه التحذيرات يُقدِّم المسيح تشجيعاً عظيماً لهاتين الكنيستين (رؤيا ٢ : ١١ و ١٢).






كنيستا ثَيَاتِيرَا وسَارْدِسَ


اقرأ رؤيا ٢ : ١٨ـ٣ : ٦. ما هي بعض الأمور التي كانت تجري في هذه الكنائس، وبأية طرق نتصارع نحن، ككنيسة وكأفراد، مع نفس الأمور؟ كيف يتجلى الصراع العظيم في هذه الصراعات؟


إن الطريقة التي يتم بها تقديم المسيح إلى كنيسة ثياتيرا (رؤيا ٢ : ١٨) تكشف عن أن شعب الله كانوا يَمرّون بوقت محيّر وفي غاية الصعوبة بشكل متزايد. كما أن الاستعارة المجازية المتعلقة بالعيون النارية والاقدام المصقولة كالنحاس أو البرونز لا تظهر في رؤيا ١ : ١٤ و ١٥ فقط ولكنها توجد أصلاً في دانيال ١٠، حيث يرى دانيال مَن كانت عيناه «كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ» ورجلاه «كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ» (دانيال ١٠ : ٦). وفي زمن المنتهى، سوف يظهر المسيح وينقذ شعبه. عندما تكون الظروف صعبة وقاتِمة بالنسبة لشعب الله، فإن الله نفسه سوف يتدخل بشكل مباشر ليُنجّي أولئك الذين أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ (دانيال ١٢ : ١).


ويتم تقديم المسيح بشكل مماثل إلى الكنيسة في ساردس وذلك بوصفه من له السبعة أرواح الله والسبعة الكواكب (رؤيا ٣ : ١؛ ٥ : ٦). وهنا مجدداً نرى مخلِّصَاً يعمل بفعالية وراء الكواليس ويحشد قوى السماء لضمان أمن وسلامة كنيسته.


إن الوصف المقدم لهاتين الكنيستين يبعث على القلق العميق. ففي كنيسة ثياتيرا، وعلى الرغم من أن الأمور كانت تتحسن، كان الأعضاء يشبهون الأمة الإسرائيلية في زمن الملكة إيزابل. وكان الأمر على نحو مماثل في كنيسة ساردس، حيث كانوا أمواتاً روحياً (رؤيا ٣: ١).


وعلى الرغم من كل هذه المشكلات، يشجِّع المسيح الكنائس. فهو يَذْكُر الكثيرين في ثياتيرا « ‘الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا أَعْمَاقَ الشَّيْطَانِ’ » ويشجّعهم المسيح على أن يتمسكوا به إلى أَنْ يجيء (رؤيا ٢: ٢٤و ٢٥). وهناك أيضاً «أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ» في ساردس ممن «لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ» (رؤيا ٣: ٤).


إن هؤلاء الأمناء هم الذين يَعِدَهَم المسيح ببركة خاصة. فإنه يَعِد بأن يعطي كنيسة ثياتيرا «كَوْكَبَ الصُّبْحِ» (رؤيا ٢: ٢٨)، وهو الكوكب الذي يُعرِّفه المسيح على أنه إشارة إليه هو نفسه (رؤيا ٢٢: ١٦)، ويَعِدُ كنيسة ساردس بمكان مضمون في السماء ويَعِدُ بأنه سيعترف بأسمائهم «أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ» (رؤيا ٣: ٥).






الكنيسة في فيلاديلفيا


اقرأ رؤيا ٣: ٧. بأية طرق يتم تقديم المسيح إلى هذه الكنيسة؟ ماذا تخبرنا هذه الأوصاف عنه؟


يتم مدح هذه الكنيسة لحفظها كلام المسيح ولعدم إنكارها لاسمه، على الرغم من أنه يبدو أن لهذه الكنيسة «قُوَّةً يَسِيرَةً» (رؤيا ٣: ٨). ويُعطي المسيح وعداً مثيراً للاهتمام، وهو أن أعضاء «مجمع الشيطان» سرعان ما سيأتون ليقدموا التبجيل للكنيسة في فيلاديلفيا (رؤيا ٣: ٩). وهذه العبارة مأخوذة من إشعياء ٦٠: ١٤ عندما كان يتم وصف مضطهدي شعب الله وهم يَسْجُدُونَ في خضوع، في تناقض مباشر مع كل المعاملات القاسية التي كانوا يعاملون بها شعب الله في السابق. ويمكننا من خلال هذا الربط بين الآيتين أن ندرك أن «مجمع الشيطان» كان يجعل الحياة صعبة بالنسبة للمسيحيين الأوائل. وكما رأينا، فإن بعضاً من الكنائس السابقة كانت تصارع مع أولئك الذين كانوا يعلّمون تعاليم كاذبة ويسبِّبون المشاكل، وهي إحدى الطرق التي يعمل بها الشيطان ضد الكنائس. وعلى ما يبدو أن فيلاديلفيا هي التي ستخلِّص الكنيسة أخيراً من مصدر الشر هذا.


اقرأ رؤيا ٣: ١٠. كيف تفهم مثابرة كنيسة فيلاديلفيا؟ كيف وعد المسيح أن يحد من محنها؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لنا اليوم؟


يبدو من الواضح أن الكنيسة في فيلاديلفيا قد مرت بأوقات صعبة وقاسية تماماً كتلك الأوقات التي مرت بها الكنائس السابقة، لكن يبدو أن موقف أعضاء هذه الكنيسة كان مختلفاً. فهذه هي أول كنيسة لا يشير إليها المسيح على أن لديها تقصيراً تحتاج إلى العمل على تلافيه. فقد تم ملاحظة إيمانهم وتعاونهم مع الله وقد لاقى ذلك تقديراً مِن قِبل المخلِّص، هذا على الرغم مما لهم من «قُوَّةً يَسِيرَةً» (رؤيا ٣: ٨).


وتتضمن الوعود التي من نصيب الغالب في هذه الكنيسة أن يكون عَمُودًا فِي هَيْكَلِ الله بحيث «لاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ» (رؤيا ٣: ١٢). فمع الاسماء الجديدة التي سيُعْطَون إياها سيتم تعريفهم على أنهم ينتمون لله تماماً، ربما لأنهم كانوا أمناء ومخلصين للرب في كل جوانب حياتهم في الماضي.






كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ


ويتم تعريف كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ ايضاً ببعض أوصاف المسيح: « ‘هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ’ » (رؤيا ٣ : ١٤). إن هذه الأوصاف هي من الجوانب الرئيسية لألوهية المسيح. فمصطلح «الأمين» هو إشارة إلى إشعياء ٦٥ : ١٦، حيث تترجم كلمة «آمين» لتعني «الله، إله الحق»، وهي كلمة مرتبطة بالعهد. فالمسيح هو الله الحافظ العظيم للعهد، إنه الله الذي يحفظ وعوده المتعلقة بالخلاص والاسترداد. المسيح هو ايضاً الشاهد الأمين الذين يشهد لشعبه عن صفات الله وطبيعته (رؤيا ١ : ٥و ٢٢ : ١٦، يوحنا ١ : ١٨ و ١٤ : ٨ـ١٠). وهو أيضاً الخالق (كولوسي ١ : ١٦ و ١٧).


اقرأ رؤيا ٣ : ١٤ـ٢٢. ما الذي يطلب المسيح من هذه الكنيسة عمله؟ ما الذي تعنيه هذه الكلمات بالنسبة لنا اليوم؟


بعد أن تُخَبِّر هذه الفقرات الكتابية «مَن هو المسيح حقاً»، يكون من الضروري توضيح مَن هي هذه الكنيسة حقاً. وبعبارة أخرى، نحن يمكننا أن نَعْرِفَ أنفسنا حقاً إذا نحن عَرِفْنَا الله أولاً. لقد كان الناس في هذه الكنيسة يخدعون أنفسهم لدرجة أن ما كانوا يفكّرون فيه بشأن أنفسهم كان في الحقيقة مناقضاً لما هم عليه حقاً (رؤيا ٣: ١٧). ثم يناشدهم المسيح بعد ذلك باتخاذ الخطوات اللازمة للحصول على وضوح الرؤية المطلوبة ليروا الأشياء كما هي عليه حقاً؛ وناشدهم أيضاً بأن يتغيروا لأنهم كانوا بحاجة إلى أن يتغيروا (رؤيا ٣: ١٨).


أما البديل عن عمل ذلك فهو الدينونة الإلهية ذات المرحلتين. أولاً، قد يكون من الضروري القيام بقليل من التأديب الأبوي من الطراز القديم (رؤيا ٣: ١٩)؛ وإلى جانب ذلك هناك إمكانية أن يقوم الله «بتقيؤهم» من فهمه، كما لو كانوا جرعة من الماء الآسن الذي تفوح منه رائحة كريهة (رؤيا ٣: ١٦).


ومع ذلك، فإن أعظم وعود إلهية تُعطى لهذه الكنيسة التي هي قريبة جداً من أن تُطرح خارجاً بعيداً عن حضور الرب. فإن المسيح يريد أن يتناول وجبة طعام معهم (رؤيا ٣: ٢٠)، وهو شيء مخصص للأصدقاء المقربين فقط. ثم يَعِدَهم بفرصة وامتياز الجلوس معه في عرشه (رؤيا ٣: ٢١).


ومن المثير للاهتمام ملاحظة كيف قام شعب الله في الكنائس السبع بتنمية ظاهرة الفتور والابتعاد عن الرب. كيف يحدث هذا؟ يبدو أنه على الرغم من أنه قد تم الفوز في المعركة، إلّا أن بعض الناس لا يزالون متشبثين على الدوام بالشر وبقوى الظلام. ليس هناك شك في أنه إذ ننظر عبر تاريخ هذه الكنائس فإنه يمكننا أن نرى الصراع العظيم واضحاً ومتجلياً فيها. وبالتالي، سيستمر هذا الصراع العظيم إلى المجيء الثاني للمسيح.




لمزيد من الدرس


تطرقت دراسة يوم الخميس إلى مسألة ألوهية المسيح. لماذا تعد هذه المسألة ذات أهمية كبرى؟ كتبت روح النبوة الآتي: «بما أن الناموس الإلهي هو بنفس قداسة الله نفسه، فإن مَن هو مساوٍ لله هو وحده الذي يمكنه التكفير عن التعدي الذي تم على الناموس مِن قِبل البشر. لا أحد سوى المسيح يمكنه تخليص الإنسان الساقط من لعنة الناموس وجعله في تناغم مع السماء مجدداً. وكان على المسيح أن يأخذ على عاتقه ذنب وعار الخطية، وهي الخطية البغيضة جداً في نظر الله القدوس لدرجة أنه كان يتحتم إنفصال الآب عن ابنه. وكان على المسيح الوصول إلى أعماق الشقاء لإنقاذ الجنس البشري الهالك.» (روح النبوة، نعمة الله المذهلة، صفحة ٤٢). إنه منطق بسيط: الناموس قدوس كقدسية الله؛ لذلك، لم يكن بمقدور أحد التكفير عن التعدي على الناموس سوى كائن قدوس بنفس قدسية الله. ورغم أن الملائكة بلا خطية، إلا أنها ليست بنفس قداسة خالقها، لأنه كيف يمكن لأي شيء مخلوق أن يكون بنفس قداسة الذي خلقه؟ لا عجب، إذن، في أن الكتاب المقدس يعلّم مراراً وتكراراً أن المسيح هو الله نفسه. وبمعنى من المعاني، ترتكز ذبيحة المسيح على قداسة ناموس الله. فبسبب الناموس، بل بالأحرى بسبب التعدي على الناموس، كان أمر خلاصنا يتطلب أن يموت المسيح من أجلنا. في الواقع، إنه يمكن إدراك مدى قسوة الخطية من خلال الذبيحة التامة وغير المحدودة التي كانت لازمة للتكفير عنها؛ وتعرب تلك القسوة في حد ذاتها عن مدى قداسة الناموس نفسه. فإذا كان الناموس قدوساً للغاية لدرجة أن ذبيحة الله نفسه كانت هي وحدها القادرة على الوفاء بمتطلباته، إذن فنحن لدينا جميع الأدلة التي نحتاج إليها بشأن مدى رفعة الناموس.




الدرس الثالث عشر


١٩ـ٢٥ آذار (مارس)


الفداء






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: رؤيا ٢٠ : ١ـ٣؛ إرميا ٤ : ٢٣ـ٢٦؛ ١كورنثوس ٤ : ٥؛ رؤيا ٢٠ : ٧ـ١٥؛ فيلبي ٢ : ٩ـ١١؛ ٢بطرس ٣ : ١٠.


آية الحفظ: « ‘وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ’ » (رؤيا ٢١ : ٤).


كثيراً ما يسأل الناس السؤال التالي: لماذا نشأ الشر أساساً؟ وعند الإجابة على هذا السؤال، نجد أن الحرية الأخلاقية هي أمر جوهري. فهذه الحرية الأخلاقية تتضمن المخاطرة، لأنه إذا كان الأشخاص (أو الكائنات) أحراراً حقاً، فعندها لا بد وأن يكون لديهم إمكانية اختيار ارتكاب الخطأ.


حسناً، ولكن السؤال التالي يطرح نفسه: لماذا، إذن، لم يقم الله بمحو أولئك الأشخاص أو تلك الكائنات عندما ارتكبوا الخطأ، وتخليصنا من النتائج الرهيبة للتمرد؟


وتقودنا الإجابة على هذا السؤال إلى صميم الصراع العظيم؟ وكما سنرى هذا الأسبوع، فإنه على الرغم من الغموض الذي يظلل الكثير من الأمور المتعلقة بالله وبطرقه، إلا أن الله سيقوم بالتعامل مع موضوع الصراع العظيم بطريقة سوف تجيب بشكل نهائي على كل التساؤلات المتعلقة بتضحيته وصلاحه وعدله ومحبته وشريعته.


في الواقع، إننا سنُعطى ألف سنة للحصول على إجابات، على الأقل تلك الإجابات المتعلقة بمصير الهالكين (وسيكون لدينا الأبدية كلها للحصول على ما تبقى من إجابات على ما لدينا من تساؤلات تتعلق بالأمور الأخرى). فبعد المجيء الثاني، سيعيش المفديون ويحكمون مع المسيح لمدة ألف سنة. بل والأمر المدهش أكثر هو أنه سيكون لديهم دوراً فاعلاً في الدينونة. دعونا نلقي نظرة على الخطوات النهائية في أحداث الصراع العظيم الطويل الأمد.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٦آذار (مارس).




تقييد الشيطان


اقرأ رؤيا ٢٠ : ١ـ٣. ما الذي يتم وصفه هنا، وما هو الرجاء الذي يقدّمه لنا؟


يتم استخدام مصطلح التقييد، أو أن تكون مقيداً، بعدد من الطرق في الكتاب المقدس. وعلى أبسط مستوى، ينطبق التقييد على السجين. وقد حرّر المسيح الكثيرين ممن كانوا مقيدين مِن قِبل الشيطان. وعلاوة على ذلك، يُستخدم فعل التقييد لوصف القوة التي يعطيها الله للكنيسة للتغلّب على الشر، وهو ما يجعل تلك القوة رمزاً للدينونة.


عندما يتم القبض على مجرم خطير فسيكون من الضروري تقييده. ومع ذلك، فإننا نجد في الكتاب المقدس العديد من المرات التي يتم فيها تقييد الناس وهم ليسوا بالمجرمين تماماً. فقد أُوثِقُ يوحنا المعمدان بسلاسل لأنه ندّد وأدان الشرور الأخلاقية للمَلِك (متى ١٤ : ٣ و ٤). وقد أُوْثِقَ المسيحُ في بستان جيسثماني (يوحنا ١٨ : ١٢)، وعند محاكمته (يوحنا ١٨ : ٢٤) وفي الموت (يوحنا ١٩ : ٤٠). كما قُيَّدَ كلاً من بولس (أعمال ٢١ : ٣٣) وبطرس (أعمال ١٢ : ٦).


كما أمضى المسيح أيضاً الكثير من الوقت وهو يتعامل وجهاً لوجه مع أشخاص كان الشيطان قد قيّدهم. وقد كان هناك إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، والسلاسل والقيود التي كانت حول معصميه وكاحليه كانت مُكسَّرة ومُقطعة (مرقس ٥ : ٣ و ٤). فقبل أن يحرره المسيح من الروح النجس لم يستطع أحد كبح جماح الشر في حياته. كما التقى المسيح بامرأة كان الشيطان قَدْ رَبَطَهَا «وكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ» ، فقام المسيح بحلها من ضعفها «فَفِي الْحَالِ اسْتَقَامَتْ» (لوقا ١٣ : ١١ و ١٢ و ١٦). كما قام المسيح أيضاً بحَلِّ لعازر من القبر ومن أكفان القبر (يوحنا ١١ : ٤٣ و ٤٤). ثم كان هناك الْمُسَمَّى «بَارَابَاسَ» الذي وعلى الرغم من أنه كان مُوثَقًا إلا أنه قد أُطْلِقَ سراحه لِيُصْلَبَ المسيحُ، وليس بَارَابَاس (مرقس ١٥ : ٧ـ١٥). وفي جميع هذه الحالات، نحن نرى الشيطان إما أنه يحاول الإبقاء على الناس مسجونين بالبلايا والضيقات أو يحاول تقييد الأبرياء لكي يسمح للشر بأن يتفشى ويزدهر. لكننا نرى أيضاً المسيح يحطّم قيود الموت لكي يجلب الإطلاق والحرية لعالم بائس ومقيّد مِن قِبل إبليس. وفي نهاية المطاف، سيتم تقييد الشيطان وطرحه في الظلمة الخارجية (رؤيا ٢٠ : ١ـ٣).


أيضاً، جزء من مرسلية المسيح هي تحرير الذين قيدهم الشيطان، ومنح القوة لأتباعه. فقد أكد المسيح لهم أن الشيطان («الرجل الْقَوِيّ») يمكن ربطه ونَهْب أَمْتِعَتَهُ (متى ١٢ : ٢٦ـ٢٩). وبعبارة أخرى، ليس لدى الشيطان قوة للوقوف ضد المسيح وضد أتباعه لأن المسيح قد أطلق وحرر شعبه من قيود إبليس.


وكما لاحظ بولس فإن «كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ» (٢تيموثاوس ٢ : ٩). إنها الوسيلة التي من خلالها أسكت المسيح الشيطان (متى ٤ : ٤ و ٧ و ١٠)، ويمكننا نحن أيضاً استخدام نفس القوة لمقاومة الشيطان.






عندما نسأل: لماذا؟


تصف الآيات الافتتاحية لسفر التكوين الأرض بأنها كانت «خربة وخالية» (تكوين ١ : ٢). ويتم تكرار هذه العبارة نفسها في سفر إرميا لوصف الأرض بعد أن دُمرت مِن قِبل الضربات السبع الأخيرة والمجيء الثاني، حيث «نُقِضَتْ» كل مدينة على الأرض «مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ» (إرميا ٤ : ٢٦). وفي الأوصاف التي يعطيها إرميا نجد أنه ليس هناك إنسان (إرميا ٤ : ٢٥)؛ أما في قصة يوحنا فنجد أن الشيطان غير قادر على أن يُضِلَّ أي شخص (رؤيا ٢٠ : ٣).


إن التأثيرات المثيرة والكونية للمجيء الثاني يمكن أن تفسّر ما يحدث هنا في سفر الرؤيا. أولاً، يَعِد المسيح أن يأخذ أتباعه إلى مكان كان المسيح قد ترك الأرض من أجل أن يُعِدَّها لهم (يوحنا ١٤ : ١ـ٣). ويضيف بولس التفاصيل فيشير إلى أن أولئك الأتباع يتضمنون الأحياء وأولئك الذين قاموا من قبورهم (١تسالونيكي ٤ : ١٦ و ١٧). ويضيف يوحنا تفاصيل أخرى: فإنه في القيامة الأولى، عند المجيء الثاني، سيبقى بقية الأموات أمواتاً إلى أن تنتهي فترة الألف سنة (رؤيا ٢٠ : ٥).


اقرأ رؤيا ٢٠ : ٤. ما الذي يتم وصفه في هذه الآية؟


«وَأُعْطُوا حُكْمًا». كيف يمكنهم أن يُعطَوا حكماً دون الحصول على مزيد من المعلومات التي تفوق ما لديهم من معلومات الآن؟ قبل أن يتم دمار الأشرار دماراً نهائياً، ستُتاح للمخلصين فرصة الحصول على أجوبة للعديد من الأسئلة التي تبدأ بكلمة «لماذا؟» أي الأسئلة التي تستفسر عن الأسباب. والشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أن المفديين سيكون لهم دور في الحكم على الهالكين.


«فاذ يكونون متحدين مع المسيح سيدينون الاشرار اذ يقيسون اعمالهم على كتاب الشريعة، الكتاب المقدس، ويحكمون في كل قضية بموجب الاعمال التي عملوها وهم في الجسد. وحينئذ يكال للاشرار النصيب الذي يجب ان يقاسوه بحسب اعمالهم وهو مسجل امام أسمائهم في سفر الموت» (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ٧١٣).


وأثناء فتح السجلات، سنرى عدد المرات التي لا تحصى والتي كان صوت الله الهادئ يتوسل إلى الهالكين بكلمات من اللطف والمحبة. وسنرى كيف ثابر الله بأناة، وكيف عجز الناس عن الإصغاء إلى توسلاته بسبب صخب الأمور التي يتباهى بها هذا العالم ويُنظر إليها على أنها أمور مستحسنة ومرغوب فيها. وقد كان الله ينتظر في صمت ويتوق إلى فرصة يدركون فيها أنه هو الذي دفع ثمناً غير محدود لتكون لهم حياة، ولكنهم اختاروا الموت بدلاً من ذلك. هل هناك أي شيء في حياتك يمنعك من سماع صوته؟ فهو لا يزال في انتظارك بصبر وأناة. اختر الحياة.






الدينونة الأخيرة


في أزمنة الكتاب المقدس كان هناك مكانان للحكم: بوابة المدينة وأمام عرش الملك. وكان الشيوخ عند بوابة المدينة يصدرون أحكامهم بشأن جميع القضايا الصغيرة، لكن المَلِك كان يُصدر أحكامه بشأن كل القضايا الكبيرة. وكان للمَلك الكلمة النهائية في ضمان العدالة. وعلى نحو مماثل، يصور الكتاب المقدس الله جالساً على العرش بوصفه مَلك الكون ليضمن تحقيق العدالة في نهاية المطاف (رؤيا ٢٠ : ١١ـ١٥).


اقرأ رؤيا ٢٠ : ٧ـ١٥. كيف لنا أن نفهم تلك الأحداث بالغة الاهمية؟


يتحدث الأصحاح ٢٠ من سفر الرؤيا عن كل ما يتعلق بفترة الألف سنة؛ وهكذا نجد أن هذه الدينونة المعينة تَحدُث في هذا الإطار الزمني. وهو ليس نفس المشهد الموصوف في عد ٤ حيث كان هناك العديد من العروش؛ فإننا نجد في عد ١١ أن هناك عرشاً واحداً. كما أن مشهد هذا العرش الواحد لا يظهر في بداية الألف سنة وإنما في نهايتها، وذلك بعد القيامة الثانية (رؤيا ٢٠ : ٥)، وبعد أن يُجنّد الشيطان حشود غير المُخلَّصين بمحاصرة المدينة المقدسة (رؤيا ٢٠ : ٧ـ٩). وفي تلك المرحلة، نرى أن العرش الأبيض العظيم الخاص بالله موجوداً فوق المدينة. ويحضر أمام هذا العرش جميع البشر بلا استثناء؛ لكن بعضهم يكون داخل المدينة بينما يكون آخرون خارجها. وهذا هو الوقت الذي تحدّث عنه المسيح عندما قال أنه سيكون هناك بعض الناس الذين سيسألون عن سبب عدم تمكّنهم من دخول ملكوت الله (متى ٧ : ٢٢ و ٢٣). وهو أيضاً الوقت الذي تحدّث عنه بولس عندما قال أنه في يوم من الأيام ستنحني كل ركبة أمام المسيح، «مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ ... وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ» (فيلبي ٢ : ٩ـ١١).


إن الهدف من هذه الدينونة هو ليس لجعل الله يَعْلَم بأي شيء لم يكن يعلمه بالفعل، لأن الله يَعْلَم ويعرف كل شيء بالفعل. إنما الهدف هو التأكّد من أن يعرف الجميع حق المعرفة لماذا حَكَمَ الله بالطريقة التي حكم بها. فسيكون بمقدور كل إنسان، وكل ملاك أن يقول، «عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا» (رؤيا ١٦ : ٥). فإن كلاً من المخلَّصين والهالكين، من البشر والملائكة، سوف يرون عدالة وبِرِّ الله.


وسيكون آخر عمل في هذه الأحداث هو هلاك «الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ» بالإضافة إلى «كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ» (رؤيا ٢٠ : ١٤ و ١٥). ويُمسك المسيح أيضاً بمفاتيح الموت والهاوية (رؤيا ١ : ١٨). ولن يكون للموت أو الهاوية أي قوة علينا بعد الآن. وبدلاً من أن يواجه الهالكون العذاب الأبدي، كما هو التعليم الشائع، فإنهم يُدَمَّرون إلى الأبد. فإنهم سيتلاشون من الوجود إلى الأبد، وذلك على العكس من الحياة الأبدية.




سماء جديدة وأرض جديدة


إن كلاً من الخطية والتمرّد هما دخيلين غير مرغوب فيهما. ولم يكن المقصود لهما أن يكونا متواجدين. وقد تسببا في إلحاق ضرر هائل. أما وبعد زوال سبب ذلك الضرر، فسيكون الوقت قد حان لاستعادة كل شيء إلى الكمال. ولن ينتهي الصراع العظيم إلا عندما يحدث ذلك.


أقرأ رؤيا ٢١ : ١ و ٢ و ٩ و ١٠؛ ٢٢ : ١ـ٣. ما هي المَلاَمِح الرئيسية للأوصاف التي يقدّمها يوحنا؟ ما الذي تعنيه هذه الأوصاف؟


عندما وصف يوحنا السماء الجديدة والأرض الجديدة فهو إنما كان يكرر ما قاله بطرس: «تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (٢بطرس ٣ : ١٠). وكما نعلم جيداً، فإن الأرض في حاجة ماسة إلى ما هو أكثر من مجرد تغيير. فإن كل شيء هنا سوف يدمّر تماماً من أجل إفساح المجال أمام وجود جديد.


ويتحدث يوحنا عن عدم وجود البحر فيما بعد (رؤيا ٢١ : ١). وقد كتب يوحنا ذلك وهو في سجن يقع على جزيرة (بطمس) حيث منعه البحر من الهرب. فإنه حتى بالقوارب الحديثة يتطلب أمر الذهاب إلى الجزيرة، التي كتب يوحنا هذه الكلمات من داخل السجن الواقع على أرضها، أكثر من ساعة. وهكذا فإنه في الأرض الجديدة لن يكون هناك أي شكل من أشكال الحواجز التي تمنع المفديين من التحرّك والتنقل بحُرية، أو من رؤية أحبائهم.


وتبدو أورشليم الجديدة رائعة بشكل لا يصدق. وقد تم وصف هذه المدينة باللغة المستخدمة لوصف المدن في أزمنة الكتاب المقدس، لأن ذلك كان هو كل ما يعرفه يوحنا من أوصاف للمدن. ومع ذلك، فإن انطباعات الرسّامين، التي تصوّر هذه المدينة مع وضع العمارة الرومانية للقرن الأول في الاعتبار، تسيء كثيراً إلى هذه المدينة السماوية التي «الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ» (عبرانيين ١١ : ١٠).


إن عقولنا بالكاد تستطيع إدراك هذه الأوصاف. ومع ذلك، فإنه من الممتع أن نسمح لخيالنا بأن يسبح في تصوّر ما أعده الرب للمفديين في المدينة السماوية. وإذا نحن فعلنا ذلك، فإنه بالكاد يمكننا تصوّر ما يتم الحديث عنه فيما يتعلق بهذه المدينة. وبناءً على الأبعاد الهائلة للمدينة، يمكننا معرفة أنه لن يكون هناك نقص في الأماكن وبأن المدينة ستتسع للجميع.






وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ


اقرأ رؤيا ٢١ : ٣ـ٥. ما الذي تعنيه الدموع هنا؟


جميعنا يعرف، من واقع الاختبار، ما معنى البكاء. كما أننا على دراية أيضاً بعملية مسح الدموع من عيون شخص آخر: كأن تقوم أم بطمأنة طفلها برقة وحنان؛ أو أن يقوم صديق مقرب بتعزية رفيقه؛ أو أن يقوم أحد الوالدين بمواساة الآخر في غمرة ظروف محزنة أو مأساوية. ونعرف ايضاً أننا لا نسمح لكثير من الأشخاص أن «يلمسوا» وجوهنا ويتعرفوا على مآسينا. إذاً، فمعنى أن يلمس الله وجوهنا هو أنه ستكون لدينا رابطة حميمة مع خالقنا.


إنه من الصعب أن نتصور عالمنا بدون موت أو حزن أو بكاء. فإن أموراً مثل الألم والعرق والدموع والموت كانت هي العُرف السائد للجنس البشري منذ السقوط (تكوين ٣ : ١٦ـ١٩). ومع ذلك، فإن الله قد أكّد للبشر منذ ذلك الحين أن الفشل والخسارة ليسا هما كل ما ينبغي أن يتطلعوا إليه. فقد أعطى الله على طول الطريق بعض المؤشرات الصغيرة التي تفيد بأنه في يوم ما سيفدينا ويباركنا بحضوره.


ومن بين هذه المؤشرات، هناك الوعد بقدوم مخلّص (تكوين ٣ : ١٥)؛ ثم ضمان حضوره في الْمَسْكَنِ (خروج ٢٥ : ٨)؛ ثم هناك حقيقة الكلمة الذي صار جسداً وحلَّ بيننا (يوحنا ١ : ١٤)؛ وأخيراً، سيباركنا الله بحضوره وذلك بأن يضع عرش الكون في وسطنا «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ» (رؤيا ٢١ : ٣).


وتُعطي العديد من آيات الكتاب المقدس مُلخَّصَاً لهذا العهد المتعلّق بضمان حضور الله في وسطنا ومباركتنا، حيث يتم استخدم عبارات مثل، «وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا» و «هُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا» و «هُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ» ومن الأمثلة على ذلك: « ‘إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا’ » (٢كورنثوس ٦ : ١٦).


لقد جاء المسيح أول مرة لإبطال مفعول آثار العهد المكسور. وقد وصف إرميا عواقب العهد المكسور بهذه الطريقة: « ‘«مَا بَالُكِ تَصْرُخِينَ بِسَبَبِ كَسْرِكِ؟ جُرْحُكِ عَدِيمُ الْبَرْءِ، لأَنَّ إِثْمَكِ قَدْ كَثُرَ، وَخَطَايَاكِ تَعَاظَمَتْ، قَدْ صَنَعْتُ هذِهِ بِكِ»’ » (إرميا ٣٠ : ١٥). لكن بفضل المسيح أصبحت هذه الأمور في عِداد الماضي. وتُعد الآية في رؤيا ٢١ : ٣ بمثابة تتويج لعهود الكتاب المقدس. فربما سيكون سبب ذرفنا للدموع هو بكاؤنا على الإبادة النهائية للهالكين، لكن الله نفسه سيمسح دموعنا، وعندها «لاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا ٢١ : ٤).






لمزيد من الدرس


فكر في مدة الألف سنة وفي فهمنا لها. فعلى الرغم من أننا لا نجد الكثير من التفاصيل بشأنها، إلا أن هناك ما يكفي لمعرفة بعض الأمور. أولاً، تقع الألفية قبل الدمار النهائي للهالكين. ثانياً، وقبل هذا الدمار النهائي للهالكين، سيقضي المُخلَّصُون هذا الوقت في الحصول على أجوبة للكثير من الأسئلة. وسيكون ما يحصلون عليه من أجوبة كافياً جداً لدرجة أنهم هم أنفسهم سيشتركون في هذه الدينونة. معنى هذا أنهم سيقومون هم أنفسهم بالحُكْمِ. «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ الْعَالَمَ؟» (١كورنثوس ٦ : ٢). ونقرأ أيضاً: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟» (١كورنثوس ٦ : ٣). أيضاً، وكما قرأنا في درس هذا الأسبوع، فإنهم «أُعْطُوا حُكْمًا» (رؤيا ٢٠ : ٤)؛ والمقصود هنا هم القديسون. وبالتالي، فإن هاتين النقطتين تكشفان معاً حقيقة هامة: لن يواجَه أي من الهالكين دماراً نهائياً إلا بعد فترة الألف سنة. وعندها، لن يكون المخلّصون قد أدركوا سبب هلاك الأشرار فحسب، بل وسيقومون بدور في إصدار الحُكم عليهم. فكر فيما يقوله لنا ذلك عن طبيعة الله وعن مدى انفتاح حكمه: فإنه قبل أن يُواجِه أي شخص مصير الهلاك الأبدي سيتمكن المفديون من أن يروا بوضوح تام عدالة وإنصاف حكم الله النهائي علي الهالكين. من المؤكد أن أمر الدمار النهائي للهالكين سيكون مؤلماً؛ ولكن عندما ينتهي الأمر فإننا، وكما رأينا بالفعل، سوف نهتف قائلين: « ‘عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا’ » (رؤيا ١٦ : ٥).




دليل دراسة الكتاب المقدس للربع الثاني ٢٠١٦


موضوع دراستنا للربع الثاني، من تأليف آندي ناش، يتناول قصة المسيح كما وردت في إنجيل متى. كان متى واحداً من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، وكان واحداً من تلاميذ المسيح الأوائل. ويروي متى قصة المسيح من منظوره الشخصي، ولكن بإلهام من الروح القدس. وعلى الرغم من القواسم المشتركة بين إنجيل متى وأناجيل كلاً من مرقس ولوقا ويوحنا، إلّا أن الموضوع الذي يركّز عليه متى بصورة خاصة هو تجسّد وحياة وموت وقيامة وصعود المسيح. ويركّز متى بقوة أيضاً على حقيقة أن المسيح هو المسيا المنتظر. لقد أراد متى لقرائه أن يعرفوا أن خلاص إسرائيل كان بواسطة المسيح الذي تحدث عنه الأنبياء والذي كانت جميع رموز العهد القديم تشير إليه. وعلى الرغم من أن جمهور متى كان يهودياً في المقام الأول، إلا أن رسالته الخاصة بالرجاء والفداء تتحدث إلينا نحن أيضاً؛ فإننا أشخاص مثل رِيكي هُوُيِت بحاجة إلى شخص يفعل من أجلنا ما لا يمكننا أبداً القيام به لأنفسنا. ونقرأ في إنجيل متى قصة المسيح وهو يقوم بذلك العمل من أجلنا.




إنجيل مَتَّى


المحتويات


١. ابن داود


٢. بداية الخدمة


٣. الموعظة على الجبل


٤. « قُمْ وَامْشِ!» الإيمان والشفاء


٥. الحرب المنظورة والحرب غير المنظورة


٦. الراحة في المسيح


٧. رب اليهود والأمم


٨. بطرسُ والصَّخرةُ


٩. أوثان النفس (ودروس أخرى من المسيح)


١٠. المسيح في أورشليم


١١. أحداث زمن المنتهى


١٢. أيام المسيح الأخيرة، قبل الصليب


١٣. صُلِبَ وقَامَ