دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الأول 2016 - التَمرُّد والفداء

تحميل قوات الدفاع الشعبي  -    دليل دراسة الكتاب المُقدَّس - الربع الأول 2016 - التَمرُّد والفداء 

مقدمة


١. أزمة في السماء — ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) - ١ كانون الثاني (يناير) ٦


٢. أزمة في عدن — ٢-٨ كانون الثاني (يناير) ١٤


٣. التمرّد العالمي والآباء — ٩-١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٢


٤. النزاع والأزمة: القضاة — ١٦-٢٢ كانون الثاني (يناير) ٣٠


٥. استمرار الصراع (الحرب بين المسيح والشيطان) — ٢٣-٢٩ كانون الثاني (يناير) ٣٨


٦. نصرة في البرّية — ٣٠ تشرين الثاني(يناير) - ٥ شباط (فبراير) ٤٦


٧. تعاليم المسيح والصراع العظيم — ٦-١٢ شباط (فبراير) ٥٤


٨. رفاق في جيش المسيح — ١٣-١٩ شباط (فبراير) ٦٢


٩. الصراع العظيم والكنيسة الأولى — ٢٠-٢٦ شباط (فبراير) ٧٠


١٠. بولس والتمرد — ٢٧ شباط (فبراير) - ٤ آذار (مارس) ٧٨


١١. بطرس في الصراع العظيم — ٥-١١ آذار (مارس) ٨٦


١٢. الكنيسة المجاهدة — ١٢-١٨آذار (مارس) ٩٤


١٣. الفداء — ١٩-٢٥ آذار (مارس) ١٠٢


Editorial Office: 12501 Old Columbia Pike, Silver Spring, MD 20904


Come visit us at our Web site: http://www.absg.adventist.org


Principal Contributor

Martin Pröbstle


Co-contributor

Steven Thompson


Editor

Clifford R. Goldstein


Associate Editor

Soraya Homayouni


Middle East and North Africa Union


Publishing Coordinator

Michael Eckert


Translation to Arabic

Ashraf Fawzy


Arabic Layout and Design

Marisa Ferreira and Olivia Adel


Publication Manager

Lea Alexander Greve


Editorial Assistant

Sharon Thomas-Crews


Pacific Press® Coordinator

Wendy Marcum


Art Director and Illustrator

Lars Justinen


Design

Justinen Creative Group


© ٢٠١٦ المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. جميع الحقوق محفوظة. لا يمكن تعديل أو تغيير أو تبديل أو تحويل أو ترجمة أو إعادة إصدار أو نشر أي جزء من دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار دون الحصول على أذن خطي مسبق من المجمع العام للأدفنتست السبتيين ®. ومصرحٌ لمكاتب الأقسام الكنسية التابعة للمجمع العام للأدفنتست السبتيين ® العمل على الترتيب لترجمة دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس للكبار بموجب مبادئ توجيهية محددة. وتبقى ترجمة ونشر هذا الدليل حقاً محفوظاً للمجمع العام. إن اصطلاح “الأدفنتست السبتيون” وشعار الشعلة هما علامتان تجاريتان للمجمع العالم للأدفنتست السبتيين ® ولا يجوز استخدامها دون الحصول على إذن مسبق من المجمع العام.


إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس هو من إعداد مكتب دليل دراسة الكتاب المقدس للكبار التابع للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. والناشر والمشرف العام على إعداد هذا الدليل هو لجنة مدرسة السبت، وهي إحدى اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الإدارية للمجمع العام للأدفنتست السبتيين. إن دليل مدرسة السبت لدراسة الكتاب المقدس المطبوع هو انعكاس لمساهمات اللجنة العالمية للتقييم، وهو يحظى بموافقة لجنة مدرسة السبت للنشر، وبالتالي فهو لا يعكس بالضرورة وجهة النظر المنفردة للمؤلف(أو المؤلفين).



Sabbath School Personal Ministries



مقدمة


التمرد والفداء


نحن لا نعرف سبب نشأة الخطية في خليقة الله الكاملة. ولكننا نعرف أن الخطية أصبحت نقطة الانطلاق للصراع العظيم (الصراع بين المسيح والشيطان). مع ذلك، نحن نَعْلَمُ شيئاً واحداً عِلْم اليقين: إننا، كبشر، عالقون في خضم هذا الصراع. إنها معركة لا يستطيع أي واحد منا الهرب منها.


مع ذلك، لم يكن من المفترض أن تكون الأمور على هذا النحو في البداية. فقد كانت الخليقة «حسنة جداً» وقد باركها الله. وعلى الرغم من أن الرب هو حافظ ومعيل هذه الخليقة الكاملة، إلا أنه أعطى آدم وحواء مسؤولية الاعتناء بما خلقه من أجلهما. وقد جاء الصراع العظيم إلى الأرض عندما خدع الشيطانُ كلاً من آدم وحواء بالأكاذيب والخدع محوِّلاً ولاءهما ليصبح له بعد أن كان ولاءهما لله. ولو أنهما ظلاً أمينين لما قاله الله لهما وأطاعا وصاياه البسيطة، لما كان العالم يقاسي من كل ما فيه من مآسي وبلايا ومعاناة.


«فمن سياسات الشيطان الثابتة مدى العصور محاولاته الهادفة إلى تشويه صفات الله وجعل الناس يحتضنون تصورات كاذبة عن الخالق، وهكذا ينظرون إليه نظرة الخوف والكراهية بدل المحبة، واجتهاده في جعل الناس يلقون بشريعة الله جانباً إذ يجعلهم يعتبرون أنفسهم أحراراً من كل التزاماتها، واضطهاد من يتجرأون على مقاومة أكاذيبه ومخاتلاته. ويمكن تتبع هذه السياسة في عهود الآباء والأنبياء والرسل والشهداء ورجال الإصلاح» (روح النبوة، الصراع العظيم، صفحة ١٤).


وللتعامل مع هذه المأساة، قام الله الذي كان قد توقع حدوث كل هذا «قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ» (أفسس ١ : ٤)، بوضع خطة الإنقاذ حيز التنفيذ. إنها ما يعرف بخطة الفداء. وقد تم تصوير هذا الفداء في قصة لقاء الله مع إبرام في تكوين ١٥، وذلك حين جاز الله بين قطع لحوم الحيوانات. وكان في هذا الطقس الذي طلب الله من إبرام قديماً القيام به وعداً لإبرام ولنا جميعاً. فقد وعد الله بإنهاء هذه المعضلة التي نجمت عن الخطية.


نعم، لقد تعهد الله بأن يضع على عاتقه المسؤولية الكاملة لتمرد البشر وأن يعاني عواقب كل شر اقترفناه. وبهذه الطريقة فقط يمكن لله استعادة علاقته مع الجنس البشري، وعلاقة البشر ببعضهم البعض، وعلاقة البشر ببقية الخليقة.


وبعكس تلك الخطة نرى رغبة الشيطان لتدمير خليقة الله والقضاء على شعبه الله. إن مخططات الشيطان معلنة في الكتاب المقدس، حيث نجد الصراع بين الخير والشر متجلياً في العائلات والشعوب. ويتجلى هذا الصراع في أوقات الظلم والمجاعة والعبودية والسبي. يحاول الشيطان تدمير الثقة بين الله والإنسان وتشجيعه على عبادة الأوثان.


وفي كل الكتاب المقدس، يقوم الله باستمرار بإحباط مقاصد الشيطان. وقد عمل مجيء المسيح كعمانوئيل، «الله معنا»، على استرداد المنطقة التي سرقت من آدم وحواء. وقد نجح المسيح في ما فشل فيه آدم. فقد أظهر المسيح في خدمته سلطاناً على الخليقة وقوى الشر. وقبل عودته إلى السماء مباشرة، قام بإعادة تكليف أتباعه وقام في يوم الخمسين بتمكينهم من توسيع حدود ملكوته السماوي.


لقد أحرز المسيح انتصاراً حاسماً على الصليب. والتحدي الدائم بالنسبة لنا هو أين نضع ولاءنا، على الجانب الذي فاز وانتصر، أَمْ الجانب الذي سقط وخسر. وعلى الرغم من أنه ينبغي أن يكون الاختيار سهلاً وواضحاً، إلا أن معركة الاستحواذ على قلوبنا وعقولنا لا تزال مستمرة، لأن الصراع لا يزال محتدماً كما أن الضلال والخداع لا يزالان حاضرين وفاعلين.


لذلك فإن رجاءنا وصلاتنا أن تكشف لنا دروس هذا الربع عن بعض الخدع والضلالات وبالتالي تساعدنا ليس على أن نختار المسيح فحسب بل وأن نبقى معه لأنه وعدنا بأن « ‘الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ’ » (متى ٢٤ : ١٣).


ديفيد تاسكر هو سكرتير قسم جنوب المحيط الهادئ، وهو حاصل على دكتوراه في العهد القديم، وقد عمل راعي كنيسة في موطنه الأصلي نيوزيلاندا، وعمل رئيساً للعمل المرسلي في جزر سليمان، ومحاضراً لدراسات الكتاب المقدس في جامعة المحيط الهادئ الأدفنتستية (بابوا نيو غينيا)، وفي معهد الأدفنتست الدولي للدراسات العليا (الفلبين). ولدى ديفيد وزوجته كارول، ابنين متزوجين (ناثان وستيفن) وثلاثة أحفاد.


دليلك في الطريق إلى وطنك السماوي


تواصل مع الله بفعالية أكثر!


إن مبادرة "آمنوا بأنبيائه" هي برنامج مدته خمس سنوات يأخذك في رحلة عبر الكتاب المقدس وقراءات مختارة من مؤلفات الن ج. هوايت. قم بالحصول على قراءات يومية من الكتاب المقدس، وقراءات تفاعلية مع غيرك من القراء، وكذلك بعض المقاطع من مؤلفات روح النبوة.


متحدون في الصلاة: هي مبادرة نلتزم فيها بالصلاة معاً مع الآخرين باستخدام طرق تقليدية أو مبتكرة. احصل على طلبات أسبوعية وشهادات أو أفكار متعلقة بالصلاة من أعضاء كنيستك حول العالم.


قم بالاشتراك في هاتين المبادرتين من خلال التسجيل على الموقع التالي:


http://www.RevivalandReformation.org


وشارك أفكارك والشهادات الخاصة بك.


حلقة عالمية للصلاة


برنامج عالمي لدراسة الكلمة المقدسة


صلاة يومية مع إخوتنا وأخواتنا في المسيح حول العالم


دراسة يومية لكلمة الله ومؤلفات روح النبوة


قم بتحميل


نسختك الإلكترونية المجانية


من دليل دراسة الكتاب المقدس عبر الموقع التالي:


www.menapa.com


 

اشترك في


رسالتنا الإخبارية


المجانية


تزوّد بآخر المعلومات المتعلقة بكل


إصداراتنا الجديدة!


+961 1 690290 | www.menapa.com


شارع الفردوس، السبتية، جديدة المتن، بيروت، لبنان ١٢٠٢٢٠٤٠


جمعية اتحاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للنشر


الدرس الأول


٢٦ كانون الأول (ديسمبر) - ١ كانون الثاني (يناير)


أزمة في السماء






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: إشعياء ١٤ : ٤؛ ١٢ـ١٥؛ حزقيال ٢٨ : ٢ و ١٢ـ١٩؛ يوحنا ١٢ : ٣١؛ رؤيا ١٢ : ٧ـ١٦؛ لوقا ١٠ : ١ـ٢١.


آية الحفظ: « ‘الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ’ » (رؤيا ٧ : ١٠).


«وبما أن شريعة المحبة هي أساس حكم الله، فسعادة كل الخلائق العاقلة تتوقف على التوافق الكامل بين إرادتهم ومبادئ برها العظيمة. والله يطلب من كل خلائقه خدمة المحبة النابعة من تقديرهم لصفاته. إنه لا يسر بالطاعة التي يكره عليها الناس، بل يقدم للجميع إرادة حرة حتى يقدموا له خدمة تطوعية» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ١٤).


لو أقرَّت جميع الكائنات المخلوقة بولاء المحبة لله، لكان هناك انسجام تام في جميع أنحاء الكون. لكن وجود متمرد واحد كان هو كل ما تطلبه الأمر ليتغير كل شيء. فقد اعتقد لوسيفر أن بمقدوره العمل بطريقة أفضل من طريقة عمل الله. لقد أراد لوسيفر المَنْصِبَ وكل ما يتبعه.


إن اشتهاء لوسيفر للسلطة قد نجم عنه «حرب في السماء» (رؤيا ١٢ : ٧). وقد جلب الشيطان تلك الحرب إلى الأرض عن طريق تحايله على آدم وحواء عند الشجرة المحرمة في عدن، وها نحن نعاني من عواقب ما حدث منذ ذلك الحين. إن خطة الخلاص هي وسيلة الله للتعامل مع التمرد واستعادة النظام والتناغم اللذين أعاقهما الشيطان.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢كانون الثاني (يناير).




سقوط في السماء


اقرأ إِشَعْيَاء ١٤ : ٤ و ١٢-١٥. ما هي الأوصاف التي تُعطى لملك بابل وتشير إلى أنَّ الحديث هنا هو عن مخلوق أعظم بكثير من مجرد حاكم بشري؟


لم يحدث على الإطلاق أن مَلِكاً أرضياً سقط من السماء، وهذه حقيقة تشير إلى أن الأعداد ١٢ـ١٥ إنما تُركِّز على مخلوق ما أكبر من المَلك، حتى ولو كان ذلك الملك هو ملك بابل. وعلاوة على ذلك، كان الناس في الشرق الأدنى القديم يعتبرون الصور الوصفية، المتعلقة بالصعود إلى السماء والوقوف في موضع أعلى من الملائكة وترأس الاجتماع المنعقد على الجبل في أقصى الشمال، أوصافاً للألوهية. لذا فإننا نرى هنا أن طموحات الشيطان معلنة بوضوح في هذه الفقرة الكتابية التي هي عبارة عن نبوءة «مزدوجة».


وقد استخدم المسيح طريقة مماثلة عند وصفه لخراب أورشليم (متى ٢٤). وعلى الرغم من أن التلاميذ قد سألوا عن دمار الهيكل، إلا أن المسيح قد وصف في رده كلاً من خراب أورشليم مِن قِبل الرومان في عام ٧٠ ميلادية، وكذلك الحقيقة الأكبر المتعلقة بنهاية العالم. وبالطريقة نفسها، قام أشعياء بوصف ملك أرضي، لكنه قام بتطبيق كل هذا الوصف على شيء أعظم وأكبر بكثير من مجرد ملك بشري.


اقرأ حزقيا ٢٨ : ٢ و ١٢ـ١٩. كيف يُصَوَّر الشيطان هنا؟


يصف حزقيال كائناً كاملاً موجوداً في جنة عدن، وقد كان هذا الكائن مزيَّناً بجميع أنواع الأحجار الكريمة التي ستكون في وقت لاحق موجودة على صُدْرَةِ رئيس الكهنة. وَوُصِف هذا الكائن بأنه «الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ» على عرش الله. مع ذلك، فقد أَفْسَدَ هذا الكائن الكامل نفسه لأَنه تباهى بجماله.


وباستخدام أوجه الشَّبَه البشرية، تتيح لنا هذه اللمحات فرصة فهم واستيعاب الحقائق الإلهية. فقد استخدم الأنبياء ما هو أقرب إلينا وأكثر سهولة في الاستيعاب من أجل أن يفسروا شيئاً قد يكون في حد ذاته صعب الفهم. فإن ما يحدث في السماء قد يكون من الصعب بالنسبة لنا على الأرض أن نفهمه، لكننا جميعاً قادرون على فهم تأثيرات الطموحات السلبية والأنانية التي للحكام الأرضيين. ويُقدِّم لنا كلاً من إشعياء وحزقيال نظرة ثاقبة لتَحَوّل لا يمكن تفسيره في مرحلة ما من التاريخ، وذلك عندما قام الطموح المدمر بتشويه كل ما هو جميل وكامل في خليقة الله.






رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ


اقرأ يوحنا ١٢ : ٣١؛ ١٤ : ٣٠؛ ١٦ : ١١. لماذا يُطلق المسيح على الشيطان لقب رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ؟


عندما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن، عَهِد إليهما بإدارة جنة عدن (تكوين ٢ : ٨ و ١٥)، والاعتناء بكل المخلوقات في المياه وفي السَّمَاءِ وعلى الأرض (تكوين ١ : ٢٦ و ٢٨). وعندما قام آدم بتسمية كل الحيوانات فقد أظهر بذلك وكالته [تَسَلُّطَهُ] عليها. وعادة ما يكون بإمكان الشخص الذي له سلطان على شيء ما أن يمنحه اسماً؛ لذلك، فإن آدم ومن خلال تسميته لكل المخلوقات قد أظهر مكانته بوضوح كحاكم للعالم.


وعندما خسر آدم تلك السيادة، قام الشيطان بسرعة بالغة بملء الفراغ. لذلك، فإن جزءً من عملية استرداد الجنس البشري قد جعلت من الممكن منح آدم وحواء [ونسلهما مِنْ المخلّصين] امتياز الحكم مع الله للأبد بوصفهم «مُلُوكًا وَكَهَنَةً» (رؤيا ١ : ٦؛ ٥ : ١٠).


تكشف لنا الأصحاحات الأولى من سفر أيوب عن مدى هول الخسارة التي تكبدها آدم. وإذ نلقي نظرة خاطفة على قاعة عرش الكون، فإنه يمكننا أيضاً أن نرى مدى ما أصبح عليه البشر من خضوع للطبيعة منذ السقوط.


اقرأ أيوب ١ : ٦ و ٧ ٢ : ١ و ٢. لماذا قام الشيطان، في إجْتِماع أبناء الله، بتعريف نفسه على أنه مَنْ يقوم بالجولان في الأرض والتَّمَشِّي فِيهَا؟


إن قيام الشيطان «بالجولان في الأرض» أو «التَّمَشِّي فِيهَا» هو ليس درب من دروب السياحة. بل إن مثل هذا التصرف في الكتاب المقدس هو دلالة على الملكية. فعندما أعطى الله الأرض لإبراهيم طلب منه أن يمشي «فِي الأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا» (تكوين ١٣ : ١٧)، وقال الله الشيء ذاته لموسى ويشوع (تثنية ١١ : ٢٤؛ يشوع ١ : ٣). لقد كان الشيطان، بمعنى من المعاني، يتباهى بأنه «إِلهُ هذَا الدَّهْرِ» (٢كورنثوس ٤ : ٤).


إن تَعْرِيفُ الشيطانِ في الأصحاحين الأولين من سفر أيوب يتماشى مع ما حدث في الأصحاح الثالث من سفر التكوين. فقد بدأ الشيطان المشاكل في الجنة ومن ثم ترك ضحاياه من البشر ليعانوا من نتائج فعلته.






حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ


نحن ليس لدينا أدنى فكرة حول ما تعنيه عبارة «حرب في السماء»؛ أي أننا لا نعرف ما هو نوع المعارك التي دارت هناك، باستثناء طرح الشيطان وملائكته من السماء. والحقيقةُ هي أن الكتاب المقدس لا يذكر أي شيء عن الآثار المادية التي ترتبت على هذا الصراع السماوي. بدلاً من ذلك، يتحدث الكتاب المقدس عن النتائج الروحية لهذا الصراع، هنا على الأرض.


اقرأ رؤيا ١٢ : ٧ـ١٦. ماذا تخبرنا هذه الفقرة الكتابية عن الصراع العظيم الذي كان له أثَره في السماء، ثم في الأرض بعد ذلك؟


لاحظ الطريقة الإيجابية التي يتحدث بها يوحنا عن الحرب المستمرة بين «الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا» والغالبين. ويربط يوحنا هذه الحرب بالخلاص ومجيء ملكوت الله (رؤيا ١٢ : ١٠ و ١١). ويتم التأكيد على هذا الموضوع الإيجابي من خلال هذا الأصحاح، وهو جانب هام من الصراع العظيم.


ومن الأهمية بمكان أن ندرس الأصحاح ١٢ من سفر الرؤيا. فإنه يتم وصف ثلاثة تهديدات كبيرة هنا، لكن كل تهديد منها ينتهي بنجاة مذهلة. وقد أُعلن ليوحنا في رؤية مثيرة الصراع بين المسيح والشيطان، وكيف بدا أن هذا الصراع هو صراع غير متكافئ بالمرة.


على سبيل المثال، يتأهب التِّنِّينُ الْعَظِيمُ الأَحْمَرُ (أي الشيطان، رؤيا ١٢ : ٩) لافتراس الطفل (يسوع) الذي كان على وشك أن يولد. وهل مِن طفل يمكنه النجاة من خطر كهذا؟ لكن الطفل نجا وصعد إلى عرش الله. ثم يحاول التنين بعد ذلك اضطهاد الأم (وهي رمز لشعب الله؛ انظر رؤيا ١٢ : ١٣). وكيف يمكن لأم وَلَدَتْ للتو الدفاع عن نفسها ضد تنين؟ لكنها نجت هي أيضاً بمعجزة (عد ١٤).


وفي محاولة ثالثة لتدمير مختاريِّ الله، يتسبب الشيطان في حدوث فيضان يندفع متدفقاً لملاحقة المرأة (عد ١٥). وهل تقوى امرأة على الوقوف في وجه فيضان؟ لكن، مرة أخرى، يتدخل الله وينجيّها (عد ١٦).


وبعد ذلك، يحوّل الشيطان انتباهه إلى بقية نسل المرأة، وهو غاضب، ويشن حرباً ضدهم. ويكشف لنا التاريخ بوضوح كيف أن شعب الله قد طُرد وظُلِم واضطُهِدَ على مر السنين. وفي كثير من الأحيان، نرى استحالة الفوز في الصراع ونتساءل عن كيف يمكن للمخلّصين الصمود والبقاء على قيد الحياة، وننسى أن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. فهي تتواصل في رؤيا ١٤، حيث نرى المخلَّصين واقفين أمام عرش الله؛ وهكذا تتم نجاتهم هم أيضاً.






طرد الشيطان


كما رأينا، لم تقتصر الحرب التي حدثت في السماء على السماء وحدها، بل لقد كان لهذه الحرب تأثيرها على الأرض أيضاً. فإنه، ولبعض الوقت، قد بدا أن الشيطان «المشتكي على إخوتنا» (رؤيا ١٢ : ١٠) كان لا يزال قادراً على الوقوف أمام عرش الله وتوجيه الاتهامات إلى أتباع الله. وقد كان أيوب واحداً من شخصيات الكتاب المقدس الذين عانوا من هذه الإهانة.


اقرأ لوقا ١٠ : ١ـ٢١. ما معنى كلام المسيح عن الشيطان هنا؟


قبل إرسال يسوع للسبعين تلميذاً أمرهم بعدم حمل أي ثياب إضافية أو مال (لوقا ١٠ : ٤) وأوصاهم بأن يطلبوا أن تحل بركات الله على مضيفيهم (عد ٥). وقد لفت انتباههم إلى أنهم كالحملان التي تسير بين الذئاب (لوقا ١٠ : ٣)، وهي مَسْألَة موجودة في رؤيا ١٢ حيث يحاول التنين أن يصنع حرباً مع شعب الله.


ولدى عودتهم بِفَرَحٍ (لوقا ١٠ : ١٧) أفاد التلاميذ بأن الشياطين كانت تخضع لهم، ولا بد وأن سماع ذلك الأمر كان مصدر سعادة هائلة للمسيح (لوقا ١٠ : ٢١). وفي ذلك الحين أدلى المسيح بتَصْرِيحه عن سقوط الشيطان «مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ». وقد حذّر تلاميذه كي لا يبنوا فرحهم على نجاحهم وتفوقهم على القوى الشيطانية، وإنما يجب بالأحرى أن تستند فرحتهم على أن أَسْمَاءَهُم كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ (لوقا ١٠ : ٢٠). يتضح من هذا التذكير أن المسيح وحده هو مخلِّص البشرية. فالمسيح هو الذي هزم العدو، وليس نحن.


مع ذلك، فقد أُعطي أتباع المسيح امتياز أن يشهدوا للخلاص الذي أحرزه المسيح. ويبدو أن هذا الحدث في لوقا ١٠ : ١٧ـ٢٠، يربط بين عمل الشهادة الذي عَهِد به المسيح إلى شعبه وبين التسلّط على الشيطان في الصراع العظيم. إن عمل الشهادة يُضعف القوة التي للشيطان على الناس في هذا العالم ويمنح البشرية فرصة استئناف عملهم الأصلي المتعلق بتوسيع امتداد ملكوت الله.


إن قدرتنا على التسلّط على خصمنا سببها النصرة التي أحرزها المسيح على الصليب. يقول بولس أن المسيح قد «جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ» وانتصر عليها (كولوسي ٢ : ١٥). إن أتباع الله منتصرون في المسيح، كما أن زوال الشيطان مؤكد. وهكذا، فإنه « ‘اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا’ » (يوحنا ١٢ : ٣١) ولا يعود يؤذي شعب الله مجدداً. وبكل تأكيد، نحن يمكننا أن نفرح لأن المعركة للرب!






المعركة المستمرة


يمكن لأفعى سامة مرتعشة بعد موتها حديثاً أن تستدير بجسمها وتدس سمومها في جسدك، لو التقطتها من على الأرض وهي ميتة؛ فإنه هكذا هو الحال مع الشيطان أيضاً، فإن لدغته لا تزال قاتلة ومميتة. ورغم أنه قد هُزم في الجلجثة، إلا أن الخطر لم ينتهِ أو يتلاشى بعد.


اقرأ يوحنا ١٦ : ٣٣. كيف حذَّر المسيح تلاميذه بشأن الصراع المستمر ضد الشر؟


لقد كان المسيح واضحاً في تأكيده على أن أتباعه سوف لن تكون لهم أوقاتاً سهلة، ولكن بدلاً من التركيز على التحديات والمصاعب، ركّز المسيح على الغلبة التي ستكون لهم فيه. وقد تمعن بولس في هذا الضمان ومن ثم أكد للمؤمنين في رومية أن الله سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِهم (رومية ١٦ : ٢٠). كما قال يوحنا الشيء ذاته للكنيسة الأخيرة - مؤكداً لهم أن نصرتهم صارت أكيدة من خلال دم الخروف (رؤيا ١٢ : ١١).


اقرأ عبرانيين ١٢ : ١ و ٢. مَن هم «الشهود»، وكيف يشجعوننا؟ انظر عبرانيين ١١.


يقدم لنا الأصحاح ١١ من سفر العبرانيين لمحة سريعة وموجزة لحياة بعض أبطال الإيمان المشاهير. فقد قدم هابيل ذبيحة كاملة، وهو لم يُنْسَ على الرغم من أنه مَاتَ. «وسارَ أخنوخُ مع اللهِ» وأُخذ للسماء مباشرة ليكون مع الرب. وقد حَذَّر نوح «عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ» وقدَّم الخلاص لعالم غارق في الخطية. وترك ابراهيم أرض الحضارة العظيمة ليذهب إلى أرض الميعاد. وولدت سارة ابناً حسب الوعد، بالرغم من أنها كانت متقدمة جداً في العمر بحيث لا يمكنها إنجاب طفل. واختار موسى أن يعاني مع شعبه بدلاً من العيش في قصر فرعون. وقد شهدت رَاحَابُ لعظمة الله (يشوع ٢ : ٩ـ١١). هؤلاء هم من بين أولئك الذين يشكِّلون سحابة من الشهود، والذين تم الحديث عنهم في عبرانيين ١٢ : ١. إنهم ليسوا شهوداً سلبيين، كأنهم متفرجون يشاهدون مباراة؛ بدلاً من ذلك، هم يشهدون لنا عن أمانة الله الذي رعاهم وحافظ عليهم في مختلف الصراعات التي واجهوها. نحن لسنا وحيدين في هذه المعركة العظيمة.






لمزيد من الدرس


نحن لا نعرف لماذا نشأت الخطية في لوسيفر. تخبرنا روح النبوة أنه «رويداً رويداً تملّكت لوسيفر الرغبة في أن يكون عظيماً» (الآباء والأنبياء، صفحة ١٧). وحقيقة أن هذا الأمر قد حدث بداخل كائن كامل تكشف بطريقة قوية حقيقة الإرادة الحرة وحرية الاختيار كجزء من حكم الله. فلقد خلق الله جميع المخلوقات العاقلة وكانت حسنة؛ وجميعها كانت كائنات أخلاقية تتسم بطبيعة أخلاقية حسنة. ولم يكن بداخل نفوس هذه المخلوقات شيء يميل نحو الشر. كيف، إذن، نشأت الخطية في لوسيفر؟ الإجابة هي أنه ليس هناك إجابة. ليس هناك عذر للخطية. وإذا أمكن إيجاد عذر لها، لكان الله هو المسؤول عنها في نهاية المطاف. إننا كبشر معتادون على العلاقات المبنية على السبب والنتيجة. لكن الخطية ليس لها سبب؛ وببساطة، ليس هناك ما يبررها. فالخطية منافية للعقل وعديمة المعنى. لا يمكن للشيطان أن يبرّر أفعاله، وخصوصاً بوصفه مَن كان مفضلاً جداً مِن قِبل الرب. لقد قام الشيطان بإفساد نفسه، وبعد أن كان «حامل النور» أصبح الشيطان «العدو والخِصم». وعلى الرغم من أن هناك الكثير الذي لا نفهمه، إلا أنه لا بد وأننا نفهم ما يكفي لنعرف مدى ما ينبغي أن نكون عليه من حرص وحذر عند تعاملنا مع العطية المقدسة المتمثلة في حرية الإرادة والاختيار.




أزمة في عدن






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: تكوين ١ : ٢٨؛ رومية ٨ : ١٧؛ متى ٦ : ٢٦؛ تكوين ٢ : ١٥ـ١٧؛ ٣ : ١ـ٧ و ١٠ـ١٩.


آية الحفظ: « ‘وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ’ » (تكوين ٣ : ١٥).


بعد خلق العالم، أعلن الله أن كل شيء «حَسَنٌ جِدًّا» (تكوين ١ : ٣١). مع ذلك، فمن الواضح الآن أن كل شيء في العالم ليس «حسناً جداً.» وعلى الرغم من التقنيات والنظريات التي حاولت على مر القرون تقويم الأمور، إلا أن عالمنا يواصل انحداره نحو الفوضى وانعدام الأمن والعنف والحرب والتلوث والقمع والقهر والاستغلال. وإذا كان القرن العشرون قد بدأ متفائلاً جداً بشأن المستقبل وبشأن ما يمكن للبشر القيام به لتحسين المستقبل، فإن من المؤكد هو أن القرن الحادي والعشرين قد فقد ذلك التفاؤل، ولأسباب مبررة كذلك.


كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ نجد الإجابة في الصراع العظيم والذي على الرغم من أنه قد بدأ في السماء إلا أنه، وللأسف، قد جاء إلى الأرض، بل وفي وقت مبكر جداً من تاريخ الأرض.


سنرى في هذا الأسبوع كيف كان الشيطان قادراً على استغلال حرية الإنسان، وبدأ بالتالي في إحداث الدمار الذي نختبره جميعاً اليوم. وتبقى قصة السقوط بمثابة تذكير قوي لنا بأن أمننا الوحيد كبشر موجود، ليس في تصديق ما يقوله الله لنا فحسب بل، والأهم من ذلك، في إطاعة ما يقوله الله لنا كذلك.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٩كانون الثاني (يناير).




ثلاث بركات


في سياق الخلق، نجد أن عبارة «وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ» تَرِدُ سبع مرات في الأصحاح الأول من سفر التكوين، فهي تَرِدُ عند الحديث عن خلق كل من: النور (١ : ٤)؛ اليابسة والبحر (عد ١٠)؛ العُشْبُ وَالبَقْل الذي يُبْزِرُ بِزْرًا، وَالشَجَرُ ذو الثَمَر والذي يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ» (عد ١٢)؛ الشمس والقمر والنجوم (عد ١٦)؛ المياه التي تعج بالأسماك والسماء المليئة بالطيور (عد ٢١)؛ وُحُوشُ الأَرْضِ وَالْبَهَائِمُ وَجَمِيعُ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ (عد ٢٥). وأخيراً، وعند انتهاء عمل الله، نقرأ عبارة: «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا» (تكوين ١ : ٣١). وبالإضافة إلى إعلان الله بأن كل شيء خلقه كان «حسناً جداً» ذهب الله خطوة أبعد من ذلك و «بارك» خليقته في ثلاثة مجالات محددة.


المجال الأول، بارك الله الكائنات البحرية والطيور. وقال لها، « ‘أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ’ » (تكوين ١ : ٢٢). المجال الثاني، عندما خلق آدم وحواء، باركهما الله أيضاً بتشجيع مماثل قائلاً: « ‘أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ’ » (١ : ٢٨).


اقرأ تكوين ١ : ٢٢ و ٢٨. تبدأ كل بَركة من هاتين البَركتين بنفس الطريقة، لكن ما هو الشيء الإضافي الذي تم إضافته فيما يتعلق بآدم وحواء؟


يشترك البشر مع الأسماك والطيور في الحصول على التشجيع الإلهي بأن يثمروا ويكثروا، ولكن يأتي الفرق عندما يُعطى آدم وحواء مسؤولية الاعتناء بالأرض وجميع مخلوقاتها. وهنا نرى لمحة عن أهمية أن يكون آدم وحواء قد خُلقا على صورة الله. لقد دعا الخالق أبوينا الأولين إلى أن يكونا وصيين «فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ» معه لرعاية العالم المخلوق والاعتناء به (انظر رومية ٨ : ١٧؛ عبرانيين ١ : ٢ و ٣).


أما البركة الثالثة التي أغدقها الله عند الخلق فهي سبت اليوم السابع (تكوين ٢ : ٣). ونجد أن في هذه البركة مزيد من التأكيد على أن البشر يمتازون بشكل كبير جداً عن الحيوانات؛ فلقد خلقوا للتمتع بالشركة مع الخالق بطرق لا تسطيع المخلوقات الأخرى اختبارها. ونجد هنا دليلاً لا لبس فيه، على المكانة الخاصة التي أُعطيت للبشر في الخليقة. وقد أشار المسيح إلى هذه النقطة حين قال: «اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟» (متى ٦ : ٢٦). فقد أكد الله على أن البشر فريدون من نوعهم وَمُتَمَيّزون، وذلك دون التقليل من قدر المخلوقات الأخرى.






الاختبار الذي عند الشجرة


لقد خلق الله كل شيء من خلال سلسلة من الفواصل مع وضع حدود واضحة المعالم لكل شيء من الاشياء التي خلقها: النور والظلمة، الْمِيَاهِ الَّتِي تَحْتَ وَالْمِيَاهِ الَّتِي فَوْقَ، اليابسة والبحر، الليل والنهار، مخلوقات كَجِنْسِهِا، يوم منفصل عن بقية الأيام، المرأة منفصلة عن الرجل، شجرة منفصلة عن بقية الأشجار.


اقرأ تكوين ١ : ٤ و ٦ و ٧ و ١٤ و ١٨ و ٢١ و ٢٤ و ٢٥. ما أهمية قيام الله بوضع حدود واضحة المعالم لكل شيء، حتى قبل خلق الكائنات البشرية؟


بالإضافة إلى قيام الله بخلق الإنسان والحيوانات والطيور مِنَ الأَرْضِ (تكوين ٢ : ٧ و ١٩)، قام الله كذلك بجعل أشجار جميلة ذات ثمار لذيذة «تنبت» من الأرض (عد ٨ و ٩). كما اختار الله أيضاً قطعة مميزة من الأرض وَغَرَسَ فيها جَنَّةً. ويمكننا فقط أن نتخيل جمال تلك الجَنَّة؛ فلا بد وإن الحدائق الرائعة التي نراها اليوم هي بالتأكيد انعكاس باهت لما كانت عليه جنة عدن. وفي وسط هذه الحديقة المغروسة خصيصاً في عدن (والمنفصلة عن بقية الأَرْضِ) كان هناك شجرتان فريدتان من نوعهما - شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. وكان ينبغي عدم أكل ثمر الشجرة الثانية، وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة (تكوين ٢ : ١٧).


اقرأ تكون ٢ : ١٥ـ١٧. كيف تتضح فكرة الانفصال هنا، في الاختبار المتعلق بطاعة آدم وحواء لله؟


إن الانفصال واضح وملموس: فقد قال الله لآدم وحواء بأن يأكلا من كل الأشجار الأخرى، ولكن ليس من هذه الشجرة المميزة، والتي كانت منفصلة عن بقية الأشجار الأخرى. لم يكن في كلام الله لبس أو غموض. لقد خُلق آدم وحواء ككائنين ذو أخلاق رفيعة، ولا يمكن للأخلاقيات أن توجد بدون حرية. وقد كانت الشجرة اختباراً لمعرفة ما الذي سيفعله آدم وحواء بهذه الحرية. «وكانت شجرة المعرفة قد جعلت امتحانا لطاعتهما ومحبتهما لله . فرأى الرب مناسبا أن ينهاهما عن أمر واحد فيما يختص باستعمال كل ما في الجنة . ولكن إذا عصيا إرادته في هذا الأمر الواحد فلا بد أن يوجبا على نفسيهما جرم العصيان» (الآباء والأنبياء، صفحة ٣٤).






السقوط: الجزء الأول


إن الْحَيَّةَ التي وُصِفَت بأنها «أَحْيَلَ» جَمِيعِ الحَيَوَانَاتِ (تكوين ٣ : ١)، أصبحت رمزاً قوياً عبر تاريخ الكتاب المقدس. فقد «صنع مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ» (سفر العدد ٢١ : ٥ـ٩)، وذلك كي لا يموت الشَّعْبُ من لدغات الْحَيَّاتِ الْمُحْرِقَةَ أثناء الخروج من مصر. وقد أصبحت هذه الحية النحاسية نفسها وثناً ومُمَارَسَةً غامِضة، وقد تم تدميرها مِن قِبل الملك حزقيا بعد صنعها بسبعمائة عام (٢ملوك ١٨ : ٤). وفي سفر الرؤيا، يتم بوضوح تعريف «الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ» على أنها «إِبْلِيسَ أو الشَّيْطَانَ» (رؤيا ١٢ : ٩).


اقرأ تكوين ٣ : ١ـ٥. ما هو الأسلوب الذي استخدمه الشيطان في محاولته لخداع حواء؟


كانت أول كلمات نطقت بها الحية هي كلمات تهكَم وشَكٍّ: « ‘أَحَقًّا قَالَ اللهُ...؟’ » (تكوين ٣ : ١). وبدلاً من أن تتساءل حواء عن السبب الذي جعل الحية تتحدث إليها، انجذبت على الفور إلى حوار تهكمي مدمرٍ للإيمان. وعندما سأل الشيطان « ‘أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟’ » (تكوين ٣ : ١)، فإن ما كان يعنيه ذلك القول ضمناً (وفقاً للغة الاصلية التي كُتب بها سفر التكوين) هو أن الله قد منع آدم وحواء من الأكل من كل شجر الجنة، في حين أن الله في الواقع لم يمنعهما من عمل ذلك.


وهنا نجد أن صفات الله كانت موضعاً للتساؤل والتَشْكِيك. فقد كان ذلك هجوماً مباشراً على الله. ولا بد وأن الحية قد أربكت حواء وشوشت تفكيرها، لأن ردها على الحية كان يشتمل على إضافات لم يكن الله، وفقاً للكتاب المقدس، قد نطق بها إلى آدم وحواء: « ‘مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا’ » (تكوين ٣ : ٢ و ٣)؛ قارن ٢ : ١٧). لقد أضافت حواء العبارة المتعلقة بعدم لمس الشجرة، وربما كان السبب في ذلك هو شعورها بالارتباك.


وقد عمل نجاح الشيطان حتى هذه اللحظة على جعله جَريئاً؛ لذلك تحدى سلطان الله تحدياً مباشراً: « ‘لَنْ تَمُوتَا!’ » (تكوين ٣ : ٤). وحقيقة كون الشيطان قد لمس ثمر الشجرة وبقي على قيد الحياة جعلت تصريحاته قابلة للتصديق. ثم قام بعد ذلك بطرح فكرته النهائية: « ‘بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ’ » (تكوين ٣ : ٥). لقد جعل المجرِّب الأمر يبدو وكأن الله غير أمين، بل ويحجب عن آدم وحواء شيئاً فيه صالحهما.






السقوط: الجزء الثاني


عندما قرر الله خلق آدم وحواء، قال أنهما سيخلقان على صورة الله وشبهه (تكوين ١ : ٢٦). وكان الطُعْم الذي في «صنارة» المجرِّب هو إذا هما أكلا من الثمرة المحرمة فإنهما سيصبحان «كَاللهِ». والحقيقة هي أنهما قد خُلقا على صورة الله بالفعل. لكن ما حدث هو أنهما، في غمرة الإغواء، قد أغفلا الانتباه إلى هذه الحقيقة المقدسة.


بالإضافة إلى ذلك، كان الله هو الموفِّر الأصلي لطعامها، لكن جزءاً من العصيان تضمن اختيار آدم وحواء لشيءٍ آخر يأكلانه من خارج الحدود التي وضعها الله لهما. وهذا الأمر يشبه كما لو أنك دُعيت إلى بيت شخص ما لتناول وجبة طعام، لكنك وبدلاً من أن تأكل مما يقدمونه لك على مائدة الطعام قمت بالذهاب إلى خزانة الطعام أو البراد (الثلاجة) الخاص بهم وأخذت منه شيئاً جذب انتباهك. إن أمراً كهذا ليس من شأنه أن يكون بمثابة إهانة لمضيفيك فحسب ولكنه سيُظهر أيضاً أنك لا تضع قيمة أو تقديراً لعلاقتك معهم.


اقرأ تكوين ٣ : ٤ـ٧. لقد أكد المجرِّب لحواء أن عينيها ستنفتحان من خلال الأكل من ثمر الشجرة. ما الذي رآه كل من آدم وحواء عندما انفتحت أعينهما، وما الذي يرمز إليه هذا الإبصار الجديد؟


لقد اصبحت حواء مُسْتَحْوَذةً مِن قِبل حواسها (تكوين ٣ : ٦). فقد كانت الشجرة بَهِجَةً لِلْعُيُونِ وشَهِيَّةً لِلنَّظَرِ؛ وإذ غرزت حواء أسنانها في قطعة الثمر تصورت أنها دخلت إلى مرحلة أسمى من الوجود. وعندما شاركت اختبارها مع آدم، انفتحت أعينهما بالفعل (عد ٧)، لكنهما خجلا مما رأياه.


وثمة مسألة أساسية هنا ألا وهي رفض المرء لله بوصفه المعطي والمُقَدِّم كل شيء جيد، واختيار حلول من صنع البشر لتلبية احتياجاتنا. (وبالنسبة لآدم وحواء في هذا الموقف، كانت الرغبة في تناول الطعام هي ما دفعهما إلى تجاهل تعليمات الله). وقد كان الله في وقت سابق قد طمأن آدم وحواء بشأن غذائهما ووفر لهما ما يلزمهما من مأكل. وقد كان في أكلهما من الشجرة المحرمة خروجاً عن هذا التدبير وإظهارا لانعدام الثقة، وهما الأمران اللذان لم يكن لهما ما يبررهما، خاصة في ظل الظروف الفريدة التي كان آدم وحواء متواجدَين فيها.






العواقب


نحن قد لا نستطيع الآن أن نفهم مدى الضرر الذي نجم عن ذلك الاختبار الذي وقعت أحداثه عند شجرة معرفة الخير والشر، وربما لن نستطيع فهم ذلك إلا في الأبدية. فنتيجة لما حدث، بدأ كل ما عمله الله في اسبوع الخلق بالتحلل والتفكك. وقد تصدعت العلاقات التي أسسها الله بينه وبين البشر (فقد أختبأ كل من آدم وحواء من الله)، وتصدعت كذلك العلاقات بين البشر بعضهم البعض (حيث ألقى آدم باللوم على حواء ورأى أنها المتسببة في مشاكله)، وبين البشر والبيئة (حيث أصبحت الحية عدواً، وكانت الأرض من الآن فصاعداً ستخرج الشوك والحسك، وكانت ستُعطي قوتاً وطعاماً فقط بعد الكثير من العرق والجهد البشريين).


اقرأ تكوين ٣ : ١٠ـ١٩. ما الذي تظهره ذرائع آدم وحواء عن مدى ما أصبحا عليه من فساد وتدني؟


لاحظ كيف تعامل الله مع هذه الذرائع. فقبل أن يتمكن الله من فدائهما، كان على آدم وحواء أن يتحملا المسؤولية عن ما قد عَمِلاه؛ لذلك أوضح الله لهما بعناية نتائج تصرفاتهما الفردية. مع ذلك، فقد لُعِنت الحية أولاً وكان طعامها من الآن فصاعداً سيكون تراب الأرض وستكون ممقوتة مِن قِبل المرأة ونسلها وسيسحقون رأسها (تكوين ٣ : ١٤ و ١٥).


ثم أخبر الله حواء بأنها ستعاني من آلام مبرحة في الولادة (تكوين ٣ : ١٦). هذا في حين كان على آدم أن يكدح ويعرق للحصول على قوت يومه بدلاً من العيش كمَلك (تكوين ٣ : ١٧ـ١٩).


وقد كان على آدم وحواء أن يختارا إما الاستمرار في التمرد أو الرجوع لله. وكان اعترافهما بتصرفهما الخاطئ هو أول خطوة نحو الرجوع لله، لكن حتى هذا الاعتراف لم يكن كافياً لحل المعضلة التي سببها سقوط البشر في الخطية.


كان لا بد من وجود وسيلة أخرى لضمان مستقبل الجنس البشري. لذلك، قام الله بتوفير ذبيحة حيوانية لترمز إلى المُخلِّص (تكوين ٣ : ٢١). وكانت الحية هي المخلوق الذي أوقع بهما في الخطية والهلاك وتسبب في فصم العلاقات بينهما وبين الله وبينهما وبين بعضهما البعض وبينهما وبين البيئة. وكان الحَمْلُ هو المخلوق الذي كان من شأنه أن يرمز إلى المخلِّص العتيد أن يأتي والذي سيقوم باسترداد آدم ونسله ويعمل على تحقيق المصالحة بينهم وبين الله ويضمن لهم مستقبلاً أبدياً ( انظر تكوين ٣ : ١٥). ومع ذلك، فقد تغيرت الأمور، وبدلاً من أن يكون البشر متسلطين على الأرض أصبحوا معتمدين عليها وعلى بعضهم البعض كما لم يحدث من قبل. «إن آدم كان قبلاً يقف بين الخلائق الدنيا كمَلك، وطالما ظل على ولائه لله اعترفت كل الطبيعة بسلطانه، ولكن عندما تعدى وعصى خسر هذا المُلك وهذا السلطان» (روح النبوة، التربية الحقيقية، صفحة ٣٠).






لمزيد من الدرس


على الرغم من أن مدة زمنية طويلة تفصلنا عن جنة عدن، عن الخليقة الأصلية، إلا أنه لا يزال هناك في الخليقة الكثير الذي يتحدث إلينا عن الإِحْسَانِ والخير الإلهيين. انظر حولك: فنحن لا يمكننا أن نرى جمالاً مذهلاً فحسب لكننا نرى تصميماً مذهلاً كذلك، وهذا كله يشهد على محبة الخالق لنا. على سبيل المثال، فكِّر في شيء مثل التفاح والبرتقال واليوسفي والفراولة والبطيخ واللوز والبقان والكمثرى والخوج والجزر والبازلاء والموز والأناناس والرمان والقرنبيط والكرنب وبراعم البروكسل، والبصل والتوت والكرز والكرفس والبابايا والباذنجان والراوند والسبانخ والشمام، وما إلى هناك. أهو فقط من قبيل الصدفة أن كل هذه النباتات لذيذة الطعم ومفيدة جداً بالنسبة لنا (وإن كان هناك مَن لا يحبون أنواعاً معينة من هذه!)؟ وهل من قبيل الصدفة أيضاً أنها تبزر بزراً كجنسها؟ بالطبع لا. ورغم وفرة هذه النعم، إلا أن الفيضانات والمجاعات والأوبئة لا تجعل من الممكن لكل إنسان التمتع بهذه الخيرات، وهكذا يبقى الكثير من الناس جياعاً. وهذا، بطبيعة الحال، دليل على مدى ما أصبح عليه عالمنا من تضرر وتلف هائلَين بسبب الخطية. لكن إذا استطعنا للحظة التغاضي عن الضرر الذي أحاق بالخليقة، والنظر إلى الخليقة في حد ذاتها فإننا سننبهر بجمالها وروعتها. فالخليقة هي دليل قوي على محبة الله. علينا فقط أن نتذكر الآتي: إن رجاءنا ليس في الخليقة نفسها وإنما رجاءنا هو فقط في الخالق نفسه (يسوع المسيح).




الدرس الثاني


٢ـ٨ كانون الثاني (يناير)


الدرس الثالث


٩ـ١٥ كانون الثاني (يناير)


التمرد العالمي والآباء






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: تكوين ٤ : ١ـ١٥؛ تكوين ٣ : ٩ و ١٠؛ ٤ : ٩؛ تكوين ٦ : ١ـ١٣؛ مزمور ٥١ : ١؛ تكوين ٢٢ : ١ـ١٩؛ تكوين ٢٨ : ١٢ـ١٥.


آية الحفظ: « ‘وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ’ » (تكوين ٢٨ : ١٥).


إن القصص التي تلت السقوط كان طابع مواضيعها هو الخداع والتصدع في العلاقات، وكانت جنة عدن هي أول مكان يتجلى فيه مثل هذا الأمر على مستوى أعمق. ففي ذلك الوقت كان الصراع ينتشر على سطح الكرة الأرضية.


ففي قصة قايين وهابيل أصبحت متطلبات العبادة هي الدافع وراء الفتنة والموت، وهو موضوع متكرر عبر التاريخ. وتُظهر قصة الطوفان كيف تسبب كلا من التمرد والخطية في تفكك وانهيار كل شيء خلقه الله. فإن الخطية لا تشوه الخليقة فحسب لكنها تدمرها أيضاً.


ويمثِّل اختبار إبراهيم تشجيعاً لنا في الصراع، حيث أعلن الله استعداده لأن يضع عواقب التمرد على عاتقه هو، وكان المسيح سيموت بدلاً منا.


ثم نرى في قصص يعقوب وعيسو ويوسف وأخوته التفاعل المستمر للعلاقات المتصدعة التي يستخدمها الشيطان كوسيلة لتدمير الأُسر ومجموعات الناس.


ورغم كل هذا، تتواصل أمانة الله إذ يحفظ ويقوت أبناءه الذين يتعرضون للضيقات والمحن.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٦كانون الثاني (يناير).




قَايِينُ وهَابِيلُ


اقرأ تكوين ٤ : ١ـ١٥. ماذا يخبرنا هذا عن مدى ما أصبحت عليه الخطية من تأصل ورسوخ في نفوس البشر؟


عند ولادة قابيل، شعرت حواء بنشوة غامرة. فقد أعربت عن اقتناعها الكامل بأنها أنجبت للتو المخلّص الموعود به في تكوين ٣ : ١٥. «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ» (تكوين ٤ : ١). إن أبسط ما يُفصح عنه قول حواء هو أنها اعتقدت اعتقاداً راسخاً أنها قد أنجبت مَنْ كان الرب قد وعد به (تكوين ٣ : ١٥).


لا يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن سنوات الفرح للصبي قايين وعن فرحة الوالدين الجدد، آدم وحواء، وهما يستمتعان بفخر بنمو طفلهما الأول. وهكذا نجد سرد القصة يقفز بنا بسرعة إلى الولادة الثانية ثم إلى الشابين اليافعين وهما يتعبدان. مع ذلك، وكما نرى في كثير الأحيان، فقد أدت الاختلافات في العبادة إلى حدوث مأساة.


اقرأ تكوين ٣ : ٩ و ١٠؛ ٤ : ٩. قارن بين رد فعل آدم ورد فعل قايين عندما سأل الله كل واحد منهما عقب اقتراف كل منهما الخطية؟ ما هي أوجه الشبه بين رد فعليهما؟ وما هي أوجه الاختلاف؟


لاحظ الاختلاف في عواطف آدم مقارنة بتلك التي لقايين. فقد بدا آدم مرتبكاً وخائفاً وشاعراً بالخزي (تكوين ٣ : ١٠)، أما قايين فقد كان غاضباً (تكوين ٤ : ٥)، ومتهكماً ومتمرداً (تكوين ٤ : ٩). وبدلاً من أن يعطي عذراً واهياً كما فعل آدم، نجد قايين ينطق بكذبة جريئة.


مع ذلك، فقد كان هناك قدر من الرجاء والتفاؤل في خضم اليأس والقنوط. فعند ولادة شيث اعتقدت حواء مرة أخرى أنها أنجبت ابن الموعد (تكوين ٤ : ٢٥). ومعنى كلمة «شيث» هو «أن تضع»، وهي نفس الكلمة المستخدمة في تكوين ٣ : ١٥ للإشارة إلى المخلّص الذي سيوضع ليتحدى الحية ويسحق رأسها. وفي مزيد من التوازي لتكوين ٣ : ١٥، تصف حواء ابنها المولود حديثاً قائلة بأنه كان «نَسْلاً آخَرَ عِوَضًا عَنْ هَابِيلَ». وهكذا فإنه حتى في خضم اليأس والمأساة، وإذ تواصلَ انتشار الصراع العظيم بين الخير والشر، كان الناس لا يزالون متشبثين برجاء الفداء. وهل من شيء يمكننا فعله من دون هذا الرجاء؟






الطوفان


اقرأ تكوين ٦ : ١ـ١٣. بأية طرق نرى الصراع العظيم بين الخير والشر معلناً هنا، بل وبشكل مكثف أكثر من ذي قبل؟


إننا نرى في الطوفان بعض الأحداث الخاصة التي كانت قبل الخليقة قد عادت ثانية بعد الطوفان؛ فإن الكثير من الاشياء التي كان الله قد فصلها عن بعضها البعض عادت واتحدت معاً. فقد اختلطت معاً المياه التي فوق مع المياه التي في الأسفل واختلطت كذلك البحار مع اليابسة، واختلطت اسماك البحر وطيور السماء وكل المخلوقات التي كانت تدب على الارض، كل هذه اختلطت ببعضها البعض. وبدا أن الأرض كانت تعود إلى ما كانت عليه قبل الخلق حيث كانت الأرض «خَرِبَةً وَخَالِيَةً» (تكوين ١ : ٢).


وعلى الرغم من هذا الانتصار الظاهِرِيّ لقوى الشر، كانت عبقرية الله الخلاقة لا تزال تعمل. فقد بدأ الله خليقة جديدة من خلال قيامه مجدداً بالفصل بين العناصر المختلفة. أولاً، قام الله بفصل نوح (كرجل بارٍ وبلا لوم) عن الناس في ذلك العصر، الذين كان شرهم عظيماً وكانت كل أفكارهم شريرة وفاسدة وعدوانية (قارن تكوين ٦ : ٨ و ٩ والأعداد ٥ و ١١ـ١٣). ثم قام الله بعد ذلك بتكليف نوح بمهمة بناء فلْكٍ ضخم. ثم فصل الله مجموعة صغيرة من الناس والطيور والحيوانات ووضعها في سفينة السلامة حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة عندما يأتي الطوفان. واستناداً إلى نعمة الله، استمرت الحياة وظهر عالم جديد من بقايا العالم القديم. لقد كانت هناك خليقة جديدة. لكن عالم ما بعد الطوفان كان بالكاد مثالياً وكاملاً. فإنه بعد الطوفان بفترة من الوقت، وإذ كان نوح وعائلته يعملون على إعادة استقرار أوضاعهم مرة أخرى، يتم تذكيرنا بهَشَاشَة وضَعْف الصلاح البشري. فحدث ذات مرة أن نوحاً أصبح في حالة سُكْرٍ وعندها حدثت أمورٌ مخزية (تكوين ٩ : ٢٠ـ٢٧). وهكذا نجد أن نوحاً، أحد أبطال الإيمان (عبرانيين ١١ : ٧)، كانت له هفواته وسقطاته في بعض الأحيان. إن الصراع العظيم لا يمتد على نطاق واسع فحسب لكنه يستعر أيضاً في قلوب الأفراد.






إبراهيم


في حين أن إبراهيم (الذي كان يُدعى إبرام في السابق) معروف بأمانته وإخلاصه لله، إلا أن اختبارات حياته هي بالأحرى إعلان عن أمانة الله تجاه إبراهيم.


فقد أكّد الله لإبراهيم مرتين بأنه [أي إبراهيم] سيرزق بابن. وقد أخبره الله ذلك أول مرة عندما كان إبراهيم يبلغ من العمر ٧٥ عاماً (تكوين ١٢ : ٢)، وبعد ذلك بنحو عشرة أعوام، أخبر الله إبراهيم بالأمر ذاته، ألا وهو أن إبراهيم سيكون لديه ابناً.


وفي نهاية المطاف، وحتى بعد الكثير من التعثر من جانب إبراهيم، وُلِدَ ابنُ الميعاد – ابنُ العهدِ. وهكذا أُعلنت أمانة الله لخادمه الذي كان مُتَذَبْذِباً وَمُتَرَدّداً في بعض الأحيان (انظر تكوين ١٧ : ١٩ و ٢١؛ تكوين ٢١ : ٣ـ٥).


اقرأ تكوين ٢٢ : ١ـ١٩. أي رجاء يتم إعلانه هنا فيما يتعلق بموضوع الصراع العظيم بِرُمّتِهِ؟


«إن الله لكي يطبع على عقل إبراهيم حقيقة الإنجيل ولكي يختبر إيمانه أمره أن يقدم ابنه ذبيحة . إن الآلام النفسية الهائلة التي جاز فيها في تلك الأيام المظلمة ، أيام التجربة المخيفة سمح الله بها لكي يفهم إبراهيم من واقع اختباره شيئا عن عظمة الذبيحة التي قدمها الله غير المحدود لفداء الإنسان ، لم يكن أي امتحان آخر ليسبب لإبراهيم مثل ذلك العذاب النفسي الذي اختبره عند الشروع في تقديم ابنه ذبيحة ، ولقد بذل الله ابنه ليموت موت العذاب والعار . والملائكة الذين شاهدوا اتضاع ابن الله و آلامه لم يسمح لهم بالتدخل كما كانت الحال مع إسحاق ، لم يكن هنالك صوت يقول : ‘كفى’ فلكي يخلص جنسنا الساقط بذل ملك المجد حياته . فأي برهان أعظم يمكن تقديمه على شفقة الله ومحبته غير المحدودتين ؟ ‘اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ ؟’ (رومية ٨ : ٣٢) .»


«إن الذبيحة التي كانت مطلوبة من إبراهيم لم تكن فقط لأجل خيره هو ولا لأجل فائدة الأجيال القادمة دون سواها، بل أيضا لأجل تعليم الخلائق الطاهرة البارة في السماء وفي العوالم الأخرى، فإن ميدان الحرب بين المسيح والشيطان - الميدان الذي تم فيه تدبير الفداء هو السِّفر الذي يتعلم منه الكون ، فلأن إبراهيم كان يعوزه الإيمان بمواعيد الله اتهمه الشيطان أمام الله وأمام ملائكته بأنه أخفق في إتمام شروط العهد، وأنه غير مستحق لبركات ذلك العهد ، فأراد الله أن يثبت ولاء عبده أمام كل السماء ليبرهن على أنه لا شيء أقل من الطاعة الكاملة يمكن قبوله، وليعلن أمامهم تدبير الخلاص كاملا» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ١٢٩ و ١٣٠).




يعقوب وعيسو


إن الصراع بين مقاصد الله وتمرد الأفراد يتجلى أكثر في قصة يعقوب وعيسو. لقد كان من المعتاد في العصور القديمة أن يحصل الابن البكر على بركات أبيه (حقوق البكورية) وذلك قبل موت الأب. وكانت هذه البركات تشتمل على معظم ثروة العائلة؛ لذلك، كان الابن الأكبر يصبح مسؤولاً عن رعاية الأسرة.


كره عيسو شقيقه يعقوب بعد أن خدعه يعقوب وانتزع منه هذا الشرف العظيم المتعلق بالبكورية. وخطط عيسو لقتل يعقوب بعد موت أبيهما (تكوين ٢٧ : ٤١). وقد قامت رِفْقَةُ بإبعاد يعقوب حفاظاً على حياته ظناً منها أن كل الأمور ستكون على ما يرام مجدداً بعد مرور بضعة أيام (تكوين ٢٧ : ٤٣ و ٤٤). لكن تبين أن هذه الأيام القليلة قد تحولت إلى ٢٠ عاماً، ولم ترَ رِفْقَةُ يعقوب مرة أخرى.


اقرأ تكوين ٢٨ : ١٢ـ١٥. ما هو الرجاء العظيم الموجود في حُلم يعقوب؟


إن الله، ومن خلال تكراره للوعود التي قطعها لإبراهيم، قد أكد ليعقوب أن المخططات الإلهية كانت على المسار الصحيح. وعلى الرغم من أن تصرفات يعقوب قد بدا فيها تجاهلاً لخطة الله، إلا أن الله كان لا يزال مع يعقوب ويحفظه. مع ذلك، فقد كان على يعقوب أن يحتمل ٢٠ عاماً تعرض خلالها للخداع مِن قِبل حميه، مرة عندما خدعه في زواجه وأخرى في أجرة عمله (تكوين ٢٩ : ٢٠ و ٢٣ و ٢٥ و ٢٧؛ ٣١ : ٧). ومع ذلك، وفي تطور غريب، بدت كل تلك السنوات التي خدم فيه يعقوب للحصول على زوجته كَأَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، وتلك هي الفترة الزمنية التي اعتقدت رفقة أنها ستكون أَيَّامًا قَلِيلَةً يكون فيها يعقوب بعيداً عنها (تكوين ٢٩ : ٢٠).


وعندما قرر يعقوب العودة إلى بيت والده، قام لاَبَانُ بملاحقته في البداية (تكوين ٣١ : ٢٥ و ٢٦)، ثم قام عيسو بإعداد ٤٠٠ رجل لملاقاة يعقوب. لقد كان هذان الموقفان مهددان للحياة بالنسبة ليعقوب، وكان على الله أن يتدخل مرتين لإنقاذه؛ في المرة الاولى، ظهر الله في حلم للابان ليخبره بعدم إيذاء يعقوب (تكوين ٣١ : ٢٤)؛ ثم ظهر الله شخصياً ليتصارع مع يعقوب ويسبب له إعاقة جسدية (تكوين ٣٢ : ٢٤ـ٣٠). ولا بد وأن منظر يعقوب وهو يعرج متكئاً على عصا كان قد أثّر في عيسو وجعله يشعر بأن يعقوب لا يشكّل أي تهديد. وقد بدا أن الهدايا التي أرسلها يعقوب مسبقاً إلى أخيه عيسو، بالإضافة إلى الطريقة الحذرة التي تكلم بها معه، قد عملت على رأب الصدع بين الأخوين. وكانت آخر مرة يَرِدُ ذِكْرُ اسمهما معاً هي عندما قاما كلاهما بدفن أبيهما إِسْحَاقَ (تكوين ٣٥ : ٢٩)؛ وهكذا، فإن أي خطط سابقة كانت لدى عيسو بشأن قتل يعقوب قد تم التخلي عنها بعد تشييع جثمان أبيهما.






يوسف وإخوته


وكما استحق يعقوب من أخيه عيسو ما هو أسوأ بكثير مما حدث له بسبب الطريقة التي عامل بها يعقوب أخاه أسحق، فإننا نرى شيئاً مشابهاً في قصة يوسف وإخوته.


هنا، مجدداً، نرى أخاً يكره أخاه لأن أحدهما كان يلقى محبة أكثر من الآخر (تكوين ٣٧ : ٣ و ٤). إن القميص متعدد الألوان لم يكن مصنوعاً من قماش رخيص كهذا الذي تصنع منه مُلاَءَة الأفرشة. إن الكلمة في اللغة الأصلية تعني أن ذلك القميص كان رداءً باهظ الثمن كتلك الثياب التي يرتديها أفراد الأسرة الملكية وكان مكسواً بتطريزات ملونة ونفيسة، وعادة ما يستغرق صنع مثل هذا الرداء عاماً كاملاً.


وبعد أن أخبر يوسف إخوته عن أحلامه (تكوين ٣٧ : ٥ـ١١)، عمل ذلك على توليد مزيد من الكراهية والغيرة في نفوسهم نحوه. لذلك، فقد خططوا للتخلّص منه في أقرب فرصة (تكوين ٣٧ : ١٩ و ٢٠). ولابد وأن الإخوة قد هنأوا أنفسهم كيف كان أمر تخلّصهم من يوسف سهلاً. ومع ذلك، فإن أياً منهم لم تكن لديه أدنى فكرة حول كيف كان الله سيستخدم هذا الأمر لإنقاذ حياتهم بعد سنوات لاحقة.


اقرأ تكوين ٤٥ : ٤ـ١١. ما هي النقطة الأساسية التي كان يفكر فيها يوسف عندما التقى بإخوته في مصر، وما هي الصورة الأكبر التي كان يضعها في الاعتبار واتضحت من خلال الطريقة التي عامل بها يوسف إخوته حِينَ عَرَّفَهم بِنَفْسِه؟


فكر فيما يمكن أن يكون قد مر بذهن يوسف عندما كان صبياً مقيداً بالسلاسل وهو يسير خلف جمل ويتطلع صوب بيت صباه الذي فوق التلال التي أخذت تتوارى وتختفي عن الأنظار. وفكر كذلك فيما يمكن أن يكون قد مر بذهنه عندما تم وضعه في سوق بيع العبيد بالمزاد العلني حيث كان التجار الفضوليون ينخزونه ويهينونه أثناء فحصهم الدقيق له قبل المناقصة والمزايدة على شرائه. لقد تخلى كثيرون عن الإيمان بسبب ما لاقوه من إذلال ومعاناة أقل بكثير مما تعرض له يوسف.


كان يمكن ليوسف أن يشعر بالمرارة الشديدة وأن يكون مناهضاً لله، لكنه اختار بدلاً من ذلك الحفاظ على إيمانه في خضم هذا الصراع المروع. لقد كان الصراع العظيم مستعراً في حياته بطريقة مثيرة. وبعد فترة قصيرة، قام يوسف بالتكيف مع الأعمال الروتينية المنزلية لواحد من أهم الرجال العسكريين في البلاد. وبنعمة الله، سرعان ما استطاع يوسف اكتساب ثقة هذا الرجل المهم ووجد نعمة في عينيه (تكوين ٣٩ : ١ـ٤). وفي نهاية المطاف، أصبح العبد حاكِماً في مصر.






لمزيد من الدرس


كما تُظهر هذه القصص، ليس هناك شك في أن الحياة على هذه الأرض، وفي خضم الصراع العظيم، لا تعطينا كل ما نُحب ولا تكون منصفة معنا دائماً. على سبيل المثال، لم يتصور آدم وحواء، وهما يحملان كل مولود جديد من أولادهما قايين وهابيل أن أحدهما سيقتل الآخر. ومن المؤكد أن صفورة لم تحظَ، عند زواجها من موسى، بالمستقبل الذي كانت تتصوره. أو هل تعتقدون أن الحياة الزوجية التي اختبرتها ليئة هي الحياة التي كانت تحلم بها عندما كانت فتاة صغيرة؟ وماذا عن الشاب إرميا؟ فإنه أياً كانت آماله وطموحاته، إلا أنه حتماً لم يكن يتصور أن يلقى التوبيخ والانتقاد، وأن يُنظر إليه على أنه خائن لأمته. أَوَلَمْ يكن داود وبثشبع يفضلان أن يرد ذكرهما في قصة أفضل من تلك التي وردت في الكتاب المقدس (لا شك في أن أوريا كان يفضِّل ذلك)؟ وماذا عن المسيح الذي كان إلهاً وإنساناً معاً؟ بالطبع، جاء المسيحُ ليموتَ نيابةً عَنَّا، ذلك كان هو المغزى. ولكن من المؤكد هو أن المسيح الإنسان لم يكن يأمل في أن يختبر كل ما اختبره من ألم ومعاناة. ونحن نتحدث هنا عن المسيح الذي ارتدى ثوب بشريتنا، المسيح الذي صرخ في جَثْسَيْمَانِي قائلاً، «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ» (متى ٢٦ : ٣٩)، المسيح الذي جُلد واُحتقر وسُخر منه وصُلب في سن الثالثة والثلاثين. ليس هناك شك في أن الحياة يمكن أن تقسو علينا، بل وتقسو علينا بالفعل. لكن لا ينبغي أن يكون ذلك أمراً مستغرباً، أليس كذلك؟ أوهل نتوقع أن تكون الأرض الساقطة الآثمة جنة وفردوس؟ بالطبع لا، فإن جنة عدن قد اختفت منذ فترة طويلة، لكنها سوف تعود. وعندها ستتغير حياتنا وسنحظى بكل ما يفوق تصوراتنا وتطلعاتنا.




الدرس الرابع


١٦ـ٢٢ كانون الثاني (يناير)


النزاع والأزمة: القضاة






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: قضاة ٤؛ قضاة ٦؛ قضاة ١٤؛ عبرانيين ١١ : ٣٢؛ ١صموئيل ٢ : ١٢ـ٢٥؛ ٨ : ١ـ٧.


آية الحفظ: «فَصَلَّتْ حَنَّةُ وَقَالَتْ: ‘فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ’» (١صموئيل ٢ : ١).


كانت فترة القضاة في التاريخ المقدس فترة تسودها الفوضى. فقد فعل الشعب الشر في عيني الرب، «فَبَاعَهُمُ» الرَّبُّ بِيَدِ شخص ظالم ومستبد. وقد صرخ الشعب إلى الرب فأقام لهم منقذاً جلب السلام إلى الأرض، وذلك قبل أن يعود الشعب إلى طرقهم القديمة، ليكرروا بذلك نفس الدورة الحزينة حيث التخلي عن الرب وفعل الشر في عينيه. كانت دبورة قاضية من قضاة إسرائيل قديماً. وقد عُرفت بقدرتها على زرع الثقة في نفوس مَن حولها. وقد كانت هي وياعيل بطلتان في الوقت الذي كان فيه الرجال بحاجة إلى التشجيع بسبب تهيّبهم وجبنهم وعدم إيمانهم. كما أن هناك موضوعاً فرعياً متكرراً في الصراع العظيم يتجلى في قصة جدعون، وذلك عندما واجه شعب الله ظروفاً صعبة لا تطاق. كان شمشون واحداً من آخر القضاة في إسرائيل. وقد انزلقت الأمة من بعده إلى حالة من الفوضى واليأس. لقد كان شمشون بطلاً متردداً، وكان اهتمامه بمطاردة النساء أكبر من اهتمامه بإتباع الله، وهو ما يشبه ما كان يقوم به بنو وطنه الذين كانوا أكثر اهتماماً بعبادة الأوثان بدلاً من خدمة الرب. ثم جاء صموئيل ليجلب الرجاء للأمة. ففي ظل فترة عمله كقاضٍ لإسرائيل تم تأسيس كيان قيادي جديد كان يتعين فيه وجود ملوك يحكمون الأمة، وكان من بين آخر الأعمال التي قام بها صموئيل هو مسح الملك المستقبلي داود.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٣كانون الثاني (يناير).




دَبُورَةُ


إن قصة دبورة تضيف تفاصيل مثيرة للاهتمام بشأن الموضوع المتعلق بالصراع العظيم. فإننا نرى شعب الله هنا يعانون من الظلم ويواجهون ظروفاً صعبة لا تطاق. ويتوازى ذلك مع ما لاحظناه في رؤيا ١٢ فيما يتعلق بالمنافسة غير العادلة بين التنين ذي السَبْعَةِ رُؤُوسٍ والطفل حديث الولادة (انظر درس يوم الثلاثاء بالأسبوع الأول من هذا الربع).


تشتمل الشخصيات الرئيسية في هذه القصة على كل من يَابِين مَلِكِ كَنْعَانَ وسِيسَرَا رَئِيسُ جَيْشِهِ وَدَبُورَةُ التي كانت نَبِيَّةً و قَاضِيَةً (وهي التي كانت تعمل على فض المنازعات بين الأطراف المتحاربة)، والتي كانت تتمتع بدرجة غير عادية من السلطة والنفوذ، بالنسبة لامرأة في ذلك الوقت.


اقرأ قضاة ٤. بأي طرق نرى الصراع العظيم متجلياً هنا؟ وفي النهاية، مَن الذي جلب النصرة لبني إسرائيل قديماً، على الرغم من عدم استحقاقهم؟


إن بطلة القصة هي يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ، التي لم تخشَ من التعاطف مع شعب الله، والتي لعبت دوراً حاسماً في هزيمة إعداء الله. إنه ليس من السهل الحكم على تصرفاتها من وجهة نظرنا اليوم. ومع ذلك، فإن ما لا ينبغي القيام به أبداً هو الاستشهاد بأعمالها لتبرير استخدامنا للخداع والعنف من أجل تحقيق أهدافنا وغاياتنا، بغض النظر عن ما قد تكون عليه تلك الأهداف والغايات مِن حَقٍ وصَوَابٍ.


وفي المناقشات التي أدت إلى النزاع، أكدت دبورة لبَارَاقَ أن المعركة للرب وبأن الرب سينتصر في هذه المعركة (ومن المؤكد أن تلك المعركة كانت انعكاساً للصراع العظيم). وقد تم استخدام فعلين اثنين لوصف الكيفية التي سيفعل الله بها ذلك. فإنه سوف «يَجْذِبُ» سيسرا (وتشير هذه الكلمة إلى صيد السمك بشبكة) إِلَى نَهْرِ قِيشُونَ، حيث «سيدفعه» الرب ليد باراق. وتعمل ترنيمة الشكر التي ترنمت بها دبورة (قضاة ٥) على إضفاء بعض التفاصيل. فقد عَلِقَتْ مركبات سيسرا في الممرات الضيقة بالقرب من نهر قِيشُونَ بسبب الأمطار الغزيرة. فقد «قَطَرَتْ» السماوات والسحب، وتَزَلْزَلَتِ الجبالُ (قضاة ٥ : ٤ و ٥) مما نجم عنه فيضان جارف أهلك العديد من جنود العدو (٥ : ٢١)، وهكذا نجا بنو إسرائيل.






جِدْعُونُ


اقرأ قضاة ٦ : ١. ما الذي يحدث هنا؟ انظر قضاة ٦ : ١٠.


بعد دبورة، نعمت الأرض بالسلام مدة أربعين عاماً، ولكن سرعان ما وقع بنو إسرائيل في أيدي طغاة وظالمين مرة أخرى. وفي هذه المرة كان الطغاة هم الْمِدْيَانِيُّونَ الذين قاموا مع حلفائهم بدخول إسرائيل وتدمير كل المحاصيل المزروعة حديثاً وسرقة المواشي (قضاة ٦ : ٣ـ٥). وافتقرت إسرائيل جداً وصرخ الشعب إلى الرب (قضاة ٦ : ٦ و ٧). وقد أدرك الشعب أن آلهتهم المصنوعة لا تُجدي نفعاً.


اقرأ قضاة ٦ : ١٢ـ١٦. ما الذي قاله ملاك الرب لجدعون، وماذا كان رد فعل جدعون؟ أَمَا كان ينبغي أن يكون جدعون على علم بأن ما كانوا يواجهونه من ظلم وطغيان كان بسبب تمردهم وابتعادهم عن الرب؟ انظر قضاة ٦ : ٧ـ١٠.


على الرغم من شكوى جدعون، التي لم يكن لها مبرر (لأنهم كانوا عصاة؛ ولهذا كانوا يتعرضون للقمع)، إلا أن الله كان على استعداد لأن ينجيهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة عن طريق جدعون. والمثير للاهتمام هو أن الله قد دعا جدعون «جَبَّارَ الْبَأْسِ»، على الرغم من أن جدعون كان ينظر إلى نفسه على انه شيء آخر تماماً، «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي» (قضاة ٦ : ١٥). ومن غير شك، كان العنصر الهام من عناصر قوة جدعون هو إحساسه بعدم الأهمية وإحساسه بالضعف.


لاحظ أيضاً ما طلبه جدعون من الرب في قضاة ٦ : ٣٦ـ٤٠. فإنه بسبب إدراكه لقوة أعداء أمته وكذلك لضعفه الشخصي، سعى جدعون إلى الحصول على تأكيد خاص على حضور الله. وهكذا نجد أمامنا هنا رجلاً مدركاً إدراكاً تاماً اعتماده الكامل على الرب. ويمكننا أن نقرأ في قضاة ٧ عن النجاح المذهل الذي حققه جدعون ضد مضطهدي بني شعبه وعن إنقاذ الله لبني إسرائيل قديماً.






شمشون


إننا نجد في قصة شمشون أن خطوط المعركة بين الخير والشر غير واضحة المعالم. فقد بدأت حياة شمشون بطريقة مثيرة للإعجاب وذلك بإعلان من ملاك الرب بأن شمشون سيَكُونُ نَذِيرًا للهِ مِنَ الْبَطْنِ. وقد أرشد الملاك والدا شمشون بشأن كيفية إعداد نفسيهما فيما يختص بطفلهما النذير. وقد طلب ملاك الرب من الأم عدم شرب الكحول وعدم تناول الطعام النَجِس (قضاة ١٣ : ٤ و ١٣ و ١٤؛ انظر كذلك لاويين ١١). لقد كان لدى الله بالفعل خططاً خاصة لشمشون؛ لكن للأسف، لم تجرِ الأمور كما كان ينبغي.


«إن شمشون عند بلوغه سن الرجولة ، حين كان يجب عليه أن يتمم رسالة الرب - الوقت الذي كان ينبغي أن يكون أمينا لله أكثر من أي وقت آخر ، في ذلك الوقت اندمج بين أعداء إسرائيل . إنه لم يسأل هل كان يمكنه أن يمجد الله بصورة أفضل متى اقترن بتلك التي قد اختارها ، أو إذا كان بذلك يضع نفسه في وضع لا يستطيع فيه أن يتمم غرض الله في حياته . لقد وعد الله أن يمنح الحكمة لمن يطلبون إكرامه قبل كل شيء أما أولئك الذين يريدون أن يرضوا أنفسهم فلا وعد لأجلهم» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٥٠٣ و ٥٠٤).


اقرأ قضاة ١٤ : ١ـ٤. هل يمكن أن يكون الله قد استخدم ضعف شمشون تجاه النساء كذريعة لأنه [أي الله] «كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟» (عد ٤).


لقد «ثار» شمشون ضد الفلسطينيين بعدة طرق، وكان كل تحرك من تحركاته الثائرة هذه عبارة عن رد فعل غاضب نتيجة تعرّضه لازدراء وإهانة شخصيين. وكان أول ما فعله هو أنه قتل ٣٠ رجلاً وأخذ ملابسهم إلى وليمة زفافه لسداد دين (قضاة ١٤ : ١٩). ثم دمر محاصيلهم عندما أٌعطيت زوجته لِصَاحِبِهِ. ثم قتل شمشون عدداً كبيراً من الفلسطينيين انتقاماً لقتلهم زوجته وأبيها (قضاة ١٥ : ٦ و ٧ و ٨). وعندما حاول الفلسطينيون الانتقام نتيجة لهذا العمل (قضاة ١٥ : ٩ و ١٠)، قتل شمشون ١.٠٠٠ شخصاً بِلَحْيِ حِمَارٍ (قضاة ١٥ : ١٤ و ١٥). وفي النهاية، قام شمشون بهدم معبدهم وقتل ٣.٠٠٠ شخصاً لأن الفلسطينيين كانوا قد قَلَعُوا عَيْنَيْهِ (قضاة ١٦ : ٢١ و ٢٨ و ٣٠).






راعوث


بدلاً من الحديث عن جيوش العدو الغفيرة التي كانت تهدد شعب الله، تتحدث قصة راعوث عن شيء أقل أهميةً، ألا وهو الحديث عن عائلة كادت تنقرض، لكنه تمَّ إحياؤها بدلاً من ذلك. وفي حين تتضمن هذه القصة موضوعين عظيمين - تَعَرُّض خليقة الله للدمار وتَعَرُّض شعبه للتهديد - إلا أن قصة راعوث تخبرنا عن الصراع العظيم على المستوى الشخصي؛ وهو في حقيقة الأمر المستوى الذي دائماً ما يَنْشَبُ فيه الصراع العظيم.


ولم يكن من المستغرب أن تُعاني أرض يهوذا من المجاعة خلال فترة القضاة (راعوث ١ : ١؛ تثنية ٢٨ : ٤٨ و ٣٢ : ٢٤؛ انظر كذلك قضاة ١٧ : ٦؛ ٢١ : ٢٥). فقد كانت هذه علامة على أن شعب العهد قد تركوا الرب. فقد عملا كلاً من الخطية والتمرد على ضمور الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً لتتحول إلى وعاءٍ ترابيٍ قاحلٍ. ولكننا نجد في سفر راعوث أن الله «قَدِ افْتَقَدَ» الأرض وأعاد لها الحياة مجدداً و «لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزًا»، مُجَدّداً (راعوث ١ : ٦). إن أليمالك وزوجته نُعْمِي وابنيهما الصغيرين قد ذهبوا إلى موآب لأنهم كانوا يريدون مستقبلاً. لقد قدمت لهم أرض العدو إغاثة مؤقتة. لكن عندما مات زوج نُعْمِي وابناها، قررت أخيراً العودة إلى موطنها.


اقرأ راعوث ١ : ٨ و ١٦ و ١٧. ما هو مغزى وأهَمّيّة رغبة راعوث في الذهاب مع نُعْمِي؟


كانت راعوث من أُمَّةٍ مُعادية لِأُمَّةِ نُعْمِي، وقد حاولت هذه الأُمَّة في مناسبات عديدة تدمير إسرائيل، لكن راعوث اختارت الانتماء إلى شعب الله وعبادة إلههم. إضافة إلى ذلك، وجدت راعوث نعمة في عيون المكان الذي اتخذته وطناً جديداً لها، ليس فقط مِن قِبَل بوعز (راعوث ٢ : ١٠) ولكن مِن قِبل أولئك الذين سمعوا عنها وعن كل ما فعلته بحماتها (راعوث ٢ : ١١). وقد كان بوعز متيقناً من أن راعوث قد وجدت نعمة في عيني الله كذلك (راعوث ٢ : ١٢)، وقد خطا بوعز بإعجابه براعوث خطوة أخرى إلى الأمام ووافق على الزواج منها (راعوث ٣ : ١٠ و ١١).


مع ذلك، فقد كان لراعوث قريب [أي وَلِيٌّ] أقرب من بوعز وكان يحق له المطالبة بأرض زوج راعوث المتوفي في حال تزوج هذا الْوَلِيُّ من راعوث. مع ذلك، لم يكن الْوَلِيُّ مهتماً بالزواج من زوجة أخرى لأن ذلك كان من شأنه تعقيد خططه المالية (راعوث ٤ : ٦). وعند هذه النقطة، قامت جماعة الشهود بمباركة راعوث، مشبهين إياها بالنساء العظيمات في تاريخ إسرائيل (راعوث ٤ : ١١ و ١٢)، وهو ما تحقق عندما جاء المسيا من نسلها (راعوث ٤ : ١٣ و ١٧؛ متى ١ : ٥ و ٦).


وقد عاشت أسرة نعمي في سعادة دائمة بعد ذلك. لكن وللأسف، لا يوجد الكثير من هذه القصص في الكتاب المقدس. وبالطبع ليس هناك الكثير منها خارج الكتاب المقدس، أيضاً. ومع ذلك، فإنه يمكننا هنا أيضاً أن نرى كيف أن مشيئة الله سوف تنتصر؛ وهذه بمثابة أخبار سارة بالنسبة لجميع الذين يحبون الله ويثقون به.




صموئيل


ما هي علاقة ما وَرَدَ في بداية سفر صموئيل بالصراع العظيم؟ إننا لا نرى في هذه المقاطع الكتابية من سفر صموئيل أي تهديد صريح لنظام الخلق، كما أنه لا يَرِد ذكر لوجود جيوش غفيرة على الحدود. لكن هجوم الشر في هذه المرة كان غير ملحوظ لدرجة كبيرة. ومع ذلك، فقد كان ما يدور من أحداث هو عبارة عن صراعٍ حقيقيٍ بالفعل.


اقرأ ١صموئيل ٢ : ١٢ـ٢٥. كيف نرى حقيقة الصراع بين الخير والشر متجلية في هذه الآيات الحزينة؟


«ولكن مع أنه [أي عالي] قد أقيم ليحكم على الشعب لم يكن يحكم على بيته وعائلته . لقد كان عالي أبا مفرطا في حبة لأولاده . وحيث أنه كان محبا لحياة السلام والراحة لم يستخدم سلطانه في تقويم عادات أولاده وأهوائهم الشريرة ، بل بدلا من أن يصدهم أو يعاقبهم رغب في الاستسلام لهم . وتركهم يسيرون في الطريق الذي اختاروه لأنفسهم» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٥١٦).


وعلى النقيض من هؤلاء، نرى صبياً صغيراً يرتدي زي كاهن (١صموئيل ٢ : ١٨ و ١٩)، وقيل عنه ما قيل عن المسيح لاحقاً، وهو أنه قد «تَزَايَدَ نُمُوًّا وَصَلاَحًا لَدَى الرَّبِّ وَالنَّاسِ أَيْضاً» (١صموئيل ٢ : ٢٦).


وبالطبع، فإن الصبي صموئيل قد نما ليصبح قائداً قوياً وأميناً في إسرائيل. «وَعَرَفَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ أَنَّهُ قَدِ اؤْتُمِنَ صَمُوئِيلُ نَبِيًّا لِلرَّبِّ» (١صموئيل ٣ : ٢٠).


مع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الأمور قد سارت على ما يرام. فقد واجهت الأمة حرباً مع الفلسطينيين، وقد قتل اثنان من أبناء عالي؛ وقد استولى الْفِلِسْطِينِيُّونَ على تابوت الله، ومات عالي، البالغ ٩٨ عاماً من العمر، عندما سمع الخبر (١صموئيل ٤ : ١٤ـ١٨). وللأسف، كان على صموئيل أن يواجه نفس المشكلة التي واجهها عالي، فإنَّ ابنا صموئيل لم يسيرا في خُطى أمانته وإخلاصه (١صموئيل ٨ : ١ـ٧).


وكان صموئيل بمثابة نقطة تحوّل في تاريخ شعب الله. فقد كان آخر قضاة إسرائيل، كما كان شخصية رئيسية في النزاع العظيم المُتَزَايِد والمُتَأَجّجِ. وقد عمل نفوذه المُتَوازِن على توجيه الناس في الأوقات الحرجة. ومن المؤسف أن اِبْنَيِّهِ لم يسيرا في خطاه، لكن الله لا يعتمد على السلالات البشرية. وكنتيجة لارتدادهما، طلب الشيوخ أن يكون لهم ملكاً، وقد أثبت التاريخ أن هذا لم يكن أفضل اختيار.






لمزيد من الدرس


يتميز الكتاب المقدس بعدم تغاضيه عن خطايا وشرور البشر. فكيف يمكنه التغاضي عن ذلك إذا كان من شأنه تصوير الحالة الإنسانية بدقة؟ على سبيل المثال، نجد في ١صموئيل ٢ : ١٢ـ٢٥ تصويراً مفصّلاً وقوياً للشر البشري وذلك عندما تم مقارنة التصرّفات المشينة لأبناء عالي باستقامة وأمانة الشاب صموئيل. نقرأ في ١صموئيل ٢ : ١٢ الآتي، «وَكَانَ بَنُو عَالِي بَنِي بَلِيَّعَالَ، لَمْ يَعْرِفُوا الرَّبَّ.» بداية، لاحظ التناقض: كان النسب يلعب دوراً هاماً في حياة الشخصيات الكتابية. وفي هذا النسب، أُطلق على «بني عالي» لقب «بَنِي بَلِيَّعَالَ». وتحمل كلمة بليعال معانٍ كثيرة، وهي تستخدم في عدة أشكال وسياقات سلبية في مجملها تقريباً. في الواقع، ترتبط كلمة «بليعال» بالكلمات العبرية التي تعني «لا» أو «ليس» أو «بدون». أما كلمة بليعال في حد ذاتها فتعني «عديم القيمة» أو «عديم الفائدة». وتستخدم في أماكن أخرى بنفس الطريقة التي اُستخدمت بها فيما يخص أبناء عالي. فقد كان هناك أشخاص آخرون أُطلق عليهم اسم «بني بليعال» (٢أخبار الأيام ١٣ : ٧؛ ١ملوك ٢١ : ١٣). وفي أمثال ٦ : ١٢، تتساوى كلمة بليعال مع كلمة «الشرير». (وفي الأعمال الأدبية الأخرى للشرق الأدنى القديم، تُعتبر كلمة بليعال اسما آخراً للشيطان نفسه.) وفي كل مرة تقريباً تستخدم فيها كلمة «بليعال» في الكتاب المقدس نجد أنها تَرِدُ في سياق سلبي. وككائنات بشرية، خُلقت على صورة الله، كان ينبغي لأولئك الناس أدراك أنهم قد خلقوا لغرض ما ولكي يكون لحياتهم مغزى؛ ومع ذلك، ووفقاً للكتاب المقدس، كان أولئك الناس عديمو الفائدة لقد كانوا «بني التَفَاهَة». يا له من إهدار مأساوي للحياة. فنحن إما للرب، بحيث نعمل من أجله أموراً ذات معنى وهدف، أو أننا عديمو الفائدة ولا مغزى لحياتنا. ويبدو ذلك منطقياً باعتبار أن الله وحده هو مصدر وجودنا كله وهدفنا في الحياة.




الدرس الخامس


٢٣ـ٢٩ كانون الثاني (يناير)


استمرار الصراع (الحرب بين المسيح والشيطان)






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: ١صموئيل ١٧ : ٤٣ـ٥١؛ ٢صموئيل ١١ : ١ـ١٧؛ ١ملوك ١٨ : ٢١ـ٣٩؛ ٢ملوك ١٩ : ٢١ـ٣٤؛ أستير ٣ : ٨ـ١١؛ نحميا ١.


آية الحفظ: «وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ، وَأَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي، فَقَالُوا: ‘لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ’. وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ» (نحميا ٢ : ١٨).


عندما نقارن حياة كلاً من داود وإيليا وحزقيا وأستير ونحميا فسنجد أن هناك مواضيع متشابهة في حياة كل هؤلاء. فقد كان الله قادراً على استخدام أشخاص «بُسطاء ومُتَوَاضِعين» لوضع حد للشر. ومن خلال بعض هذه القصص يمكننا أن نرى أنه، وعلى الرغم من العقبات الهائلة، ليس هناك حاجة إلى القلق بشأن الشر المتفشي. بدلاً من ذلك، يمكننا الوقوف ثابتين ولكن فقط بقوة الله الأمين لوعود عهده، وهي الوعود التي تحققت من أجلنا في المسيح. وعندما يصمد شعب الله ويثقون في عظمة الله، فسيدركون أن قوى الشر ليست قوية بما فيه الكفاية لتسود وتغلب في نهاية المطاف.


وما ينبغي أن يكون محور تركيزنا، والتحدي الذي أمامنا، هو أن نفرح بخلاص الرب لنا. وقد لا يبدو هذا الأمر منطقياً دائماً في سياق التحديات الهائلة التي تواجهنا أحياناً، فهي تحديات تفوق قدرتنا الشخصية بكثير. إن الفرح بخلاص الرب، قبل أن يأتي هذا الخلاص، هو عمل من أعمال الإيمان والعبادة. إنه عمل إيمان يستطيع النظر إلى ما هو أبعد من مجرد النتائج المنطقية لما يحدث من حولنا. ومن ناحية أخرى، وبسبب ما فعله المسيح من أجلنا، تعد الثقة في أمانة الله هي في واقع الأمر الشيء المنطقي الوحيد الذي يمكننا القيام به.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٣٠كانون الثاني (يناير).




داود وجُلْيَات وبَثْشَبَعُ


إن الحياة معقدة، والسبب في ذلك هو أننا مُعقَّدِونَ كبشر. فنحن كائنات خُلقت على صورة الله، خالق الكون. لكننا أفسدنا أنفسنا وسقطنا في الخطية. ولا عجب في أن إمكاناتنا ومقدراتنا سواء لعمل الخير أو لعمل الشر يمكن أن تبلغ مستويات غير عادية. ولا يمكن القول أن هناك أشخاصاً يبلغون مستويات هائلة من «الصلاح والاِسْتِقَامَة» في حين ينحدر أشخاص آخرون إلى أقصى درجات الفساد والإنْحِرَاف. بل إنه يمكن لكلا النقيضين أن يتجليا في نفس الشخص! والأخبار السارة هي أن بعض الذين كانوا في وقت ما قد بلغوا أقصى مستويات الفساد، قد اهتدوا وقاموا بنعمة الله بعمل أمور عظيمة من أجل الله ومن أجل البشرية. وبالطبع، يمكن أن يحدث العكس، أيضاً: فإنه يمكن لمَن هم في أعلى مستويات التقوى والصلاح أن يهبطوا إلى أعماق الفساد. فالشيطان حقيقي والصراع العظيم حقيقي، وما لم نبقى متصلين بالرب فحتى أفضل واحد فينا، يمكن أن يسقط فريسة في يد عدونا (١بطرس ٥ : ٨).


اقرأ ١صموئيل ١٧ : ٤٣ـ٥١. ما هي الكلمات التي خرجت من فم داود وتعتبر ذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بفهمه لِسِرِّ انتصاره؟ في المقابل، اقرأ ٢صموئيل ١١ : ١ـ١٧. ما هو التناقض الصارخ الذي نراه هنا في نفس الشخص؟ ما الذي أحدث الفرق؟


إن داود الذي هزم جليات الجبّار هو نفسه داود الذي هُزم بسبب شهوته وغطرسته. ورغم ما كان لدى داود من زوجات، إلا أنه نظر إلى امرأة أخرى متزوجة. وفجأة نسي أن «الْحَرْبَ لِلرَّبِّ» (١صموئيل ١٧ : ٤٧) أو «أَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ لإِسْرَائِيلَ» (١صموئيل ١٧ : ٤٦). إذا كان هناك وقت كان فيه داود بحاجة، ليس فقط إلى إدراك أن الْحَرْبَ لِلرَّبِّ بل والقتال في تلك الحرب متسلحاً بدرع الرب، فإن هذا الوقت لم يكن أثناء تواجده في ساحة القتال في وَادِي الْبُطْمِ وإنما حين كان الصراع العظيم يتأجج في دهاليز قلبه عندما نظر إلى بَثْشَبَعَ زوجة أُورِيَّا الْحِثِّيِّ وقرر أن يأخذها لنفسه.


فعندما عاد داود إلى صوابه بعد هذا السقوط المروّع مع بَثْشَبَعَ، تملَّكه الحزنُ والشعورُ بالذنب اللذين لازماه مدى الحياة. وقد دفع به حزنه إلى كتابة مزمور ٥١، الذي يتوسل فيه إلى الرب طلباً في الحصول على قلبٍ نَقِيٍّ (عد ١٠) واسترداد شركته الروحية مع الله (أعداد ١١و ١٢). فإنه فيما يتصل بالصراع الكوني العظيم، نجد أن عظماء الأشخاص وجبابرة البأس هم عُرضة لخطر السقوط في الخطية تماماً مثل الأشخاص الذين هم في أدنى المستويات والمراتب؛ ومع ذلك، فإن الله مستعد للعمل مع كل مَن يتوبون توبة حقيقية.






أن يَرُدُّوا قَلْوبهم


إن إِيلِيَّا التِّشْبِيّ قد يكون واحداً من أكثر الشخصيات المَلِيئة بِالحَيَوِيَّة في الكتاب المقدس. وأول لقاء لنا به هو عندما وقف أمام ملك مذهولاً وأخبره أنه لن يكون هناك أي مطر خلال الثلاث سنوات المقبلة (١ملوك ١٧ : ١). ولم يكن الاقتراب من الملك أو الهرب منه أمراً سهلاً، ولكن هذا الرجل الأَشْعَر المُتَمنطِّق بِمِنْطَقَةٍ مِنْ جِلْدٍ عَلَى حَقْوَيْه (٢ملوك ١ : ٨) تمكن من الإفلات من الحرّاس وإبلاغ رسالة الله للمك ثم هروبه مسرعاً إلى الجبال على بعد حوالي ١٢ كيلومترا.


كانت تلك أوقات محزنة بالنسبة للمملكة الشمالية لإسرائيل. فقد ترك معظمهم الرب (١ملوك ١٩ : ١٠) وكانوا بدلاً من ذلك يتعبدون للبعل. فالقول بأنه لن يكون هناك مطر كان تحدياً مباشراً للبعل الذي كان يُعتقد أنه يجلب المطر لضمان خصوبة المحاصيل والمواشي، وهو ما يعمل على ثراء المزارعين. وقد كانت الشعائر الدينية السائدة تركز على الخصوبة والدخل المادي.


وعلى مدى السنوات الثلاث التي تلت ذلك، كانت آلهة الخصوبة عاجزة تماماً. ثم واجه إيليا الملك مرة أخرى وطلب أن تكون هناك مناظرة بينه وبين كل أنبياء البعل وإلاهة «عشيرة» (إلاهة الخصوبة). وهكذا وقف رجل واحد ضد ٨٥٠ رجلاً (١ملوك ١٨ : ١٧ـ٢٠).


وعندما جاء اليوم الموعود وتجمعت الحشود في أعلى جبل الكرمل، خاطب إيليا الشعب قائلاً: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟» (١ملوك ١٨ : ٢١). وقد تم اختيار وإعداد الثيران التي ستُقدم ذبيحة، وانتظر الناس ليروا مَن هو الإله الأقوى ليستجيب بنار من السماء. وكان الثور هو الرمز الأقوى بالنسبة لديانات الخصوبة القديمة. ولهذا كان يُعتقد أنه من المؤكد أن آلهة الخصوبة ستُظهر قوتها.


اقرأ ١ملوك ١٨ : ٢١ـ٣٩. حقاً لقد كان الصراع العظيم هو الموضوع الأساسي، ما الذي أراد إيليا أن يرى حدوثه حقاً في إسرائيل، ولماذا يعد ذلك أمراً ذات صلة كبيرة جداً بنا نحن اليوم؟


إن الآية في ١ملوك ١٨: ٣٧ تلخّص الأمر كله. فإن المعجزة، وعلى الرغم من روعتها الشديدة، لم تكن هي المسألة الرئيسية، بل المسألة الرئيسية كانت تتعلق بأمانة بني إسرائيل للعهد (إتفاق بين الله وشعبه). لاحظ كذلك مَنْ الذي رَدَّ قلوبَهم. لقد كان الرب نفسه هو من فعل ذلك، حتى قبل أن تتجلى المعجزة نفسها. لكن الله لا يُجبر القلوب على الرجوع إليه. إن ما يفعله الله هو أنه يرسل الروح القدس إلى الناس، وعندما يستجيبون للروح القدس ويختارون الرجوع إلى الرب فعندها فقط يستطيعون، بقوة الرب، أن يتصرفوا بناءً على ذلك الاختيار. والأمر لا يختلف اليوم. إن قوة الله وحدها هي التي تحفظ أرواح الناس وتبقيهم على قيد الحياة، لكن الله لا يُجبر أي شخص على أن يتبعه.




المواجهةُ والتحدي


كان حزقياً ملكاً على مملكة يهوذا عندما قامت القوى العظمى الجديدة، آشور، بغزو واحتلال مملكة إسرائيل الشمالية وتشتيت سكانها في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين (٢ملوك ١٨ : ٩ـ١٢). «فما لم يتمكّن من عمله بواسطتهم في أرض آبائهم حاول إتمامه بتشتيتهم بين الوثنيين. إنّ خطته لأجل خلاص جميع الذين يختارون الانتفاع بالغفران بواسطة مخلّص الجنس البشري ينبغي أن تتم. وفي البلايا التي حلّت على إسرائيل كان يعدّ الطريق لإعلان مجده بين أمم الأرض» (روح النبوة، الأنبياء والملوك، صفحة ٢٤٨).


وبعد سنوات قليلة، حوَّل الملك الآشوري سَنْحَارِيبُ انتباهه إلى مملكة يهوذا واستولى على كافة مُدنها الحصينة وفرض جزية ثقيلة (٢ملوك ١٨ : ١٣ـ١٥). وعلى الرغم من أن الملك حزقيا قد أفرغ الهيكل والقصر من خزائنهما إلا أن الملك الآشوري لم يكن قانعاً وأرسل مسؤولين للتفاوض بشأن إسْتِسْلاَم أورشليم.


وعندها سخر الآشوريون من شعب مملكة يهوذا محذرين إياهم قائلين أن آلهة الأمم المحيطة لم تستطع إنقاذ شعوبها من يد مملكة آشور، فما الذي يجعل اليهود يعتقدون أن إلههم سوف يكون أفضل حالاً من بقية الآلهة وينجيهم من يد آشور؟ (انظر ٢ملوك ١٨ : ٢٨ـ٣٠ و ٣٠ـ٣٥). ثم قام حزقيا بعمل الشيء الوحيد الذي بمقدوره عمله، ألا وهو الصلاة (٢ملوك ١٩ : ١٥ـ١٩). وكان الله قد سبق واستخدم إشعياء لتشجيع حزقيا (٢ملوك ١٩ : ٦). وها هو الآن يرسله إليه مرة أخرى.


اقرأ ٢ملوك ١٩ : ٢١ـ٣٤، خصوصا الأعداد ٢١ و ٢٢. ماذا كانت رسالة الله إلى شعبه في ظلِّ هذه الأزمة الرهيبة؟


وقد شوهدت نتائج هذه الأزمة الرهيبة عندما قام الجيش الآشوري الضخم بنصب خيامه حول أسوار أورشليم. وفي صباح أحد الأيام، استيقظ السكان الخائفون في المدينة المحاصرة، لا ليروا الأعمال النهائية التي يقوم بها جيش الاحتلال وهو على وشك تمزيق واختراق قوات الدفاع عن المدينة المحاصرة، بل ليروا على مرمى البصر جنود العدو جثثاً ميتة متناثرة على الأرض (٢ملوك ١٩ : ٣٥).


ذهب الملك الآشوري المكبل بالخزي والعار إلى البيت ليواجه نهايته ويلقى مصرعه على يد اثنين من أبنائه (٢ملوك ١٩ : ٣٦ و ٣٧).






مَرْسُومُ الموت


إنه من الصعب جداً بالنسبة لنا اليوم (ولا شك في أن ذلك هو أيضاً الحال مع كل الناس من مختلف الثقافات وعبر القرون) فهم عادات وتقاليد الإمبراطورية الفارسية القديمة، حيث تجري أحداث قصة أستير. ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد وهو أن الرب قد استخدم تلك الإمبراطورية في عملية إتمام وتحقيق وعود العهد الخاصة بالأمة اليهودية، وهي الوعود التي تعود جذورها إلى إبراهيم (انظر تكوين ١٢ : ١ـ٣؛ إشعياء ٤٥ : ١؛ ٢أخبار الأيام ٣٦ : ٢٣).


وجدت الفتاة اليهودية الشابة أستير نفسها مَلِكةً. وعلى الرغم من أن مسار صعودها كان مختلفاً عن مسار صعود يوسف في مصر أو دانيال في بابل، على سبيل المثال؛ إلا أنها كانت (كما كان يوسف ودانيال) في المكان الذي أراد الله لها أن تكون متواجدة فيه، وقد اُستخدمت مِن قِبل الرب بطريقة قوية وفَعّالة، وهي طريقة تُظهر كيفية عمل الصراع العظيم في التاريخ.


اقرأ أستير ٣ : ٨ـ١١. مع الأخذ في الاعتبار مخططات الله للشعب اليهودي، وخاصة فيما يتعلق بمجيء المسيا، ما هي العواقب التي كان من شأنها أن تنجم عن نجاح تطبيق هذا المرسوم؟


«ولم يكن الملك يدري العواقب البعيدة المدى التي تترتب على تنفيذ هذا المرسوم. وكان الشيطان المحرض على تلك المكيدة والمتخفي وراءها، يحاول أن يحرر الكرة الأرضيّة من أولئك الذين يحفظون معرفة الإله الحقيقي» (روح النبوة، الأنبياء والملوك، صفحة ٤٨٩). ومن هذا الشعب نفسه، ايضاً، كان سيأتي مُخلِّص العالم.


والأمر المثير للاهتمام هو أن مسألة العبادة ورفض مجموعة معينة من الناس إتباع قوانين وأعراف مَن هم في السلطة كانا هما السبب وراء صدور هذا المرسوم (انظر أستير ٣ : ٥ و ٨). وعلى الرغم من أن السياق سيكون مختلفاً في زمن المنتهى، إلا أن واقع الصراع العظيم بين المسيح والشيطان سيظل هو نفسه، وسيواجه أولئك الذين يَسْعَون إلى أن يكونوا أمناء لله شيئاً مشابهاً لما واجهه بنو إسرائيل في هذه الحالة. وقد تم تحذيرنا من أنه سيتم في المشاهد الختامية لتاريخ الأرض إصدار مرسوم يعلن أن «جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُونَ» (رؤيا ١٣ : ١٥). وبالرغم من أن التاريخ يعيد نفسه، إلا أننا لا نتعلم من التاريخ الدروس التي يجب أن نتعلمها.






نَحَمْيَا


تدور أحداث قصة نَحَمْيَا أيضاً في وقت لم تكن فيه الأمة اليهودية موجودة ككيان سياسي وإنما كانت عبارة عن بقية مشتتة عبر الأراضي الأجنبية. مع ذلك، فإن الله وكما هو الحال دائماً، كان أميناً لوعود عهده، حتى عندما أخفق الشعب في العيش وفقاً لشروط هذا العهد.


اقرأ نَحَمْيَا ١. ما هي خلفية صلاة نَحَمْيَا هنا؟ بأية طرق تذكرنا صلاته بصلاة دانيال في دانيال ٩ : ٤ـ١٩؟ وفي كلتا الحالتين، ماذا كانت القضية محور الاهتمام وكيف تتماشى مع مجمل أحداث قصة الصراع العظيم؟


مُنحَ نَحَمْيَا، بمباركة من الملك، الإذن بالعودة لإعادة بناء أورشليم. ولدى عودته، قضى نَحَمْيَا الأيام القليلة الأولى في النظر والتفرس. فقد حاول تفقُّد المدينة ليلاً لكنه وجد أن أكوام الركام كانت كثيرة وممتدة جداً لدرجة أنه لم يتمكن من رؤية الكثير من المدينة (نَحَمْيَا ٢ : ١٤)؛ لذلك، خرج نَحَمْيَا إلى خارج أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ ليتَفَرَّسَ في أسوارها من الخارج (نَحَمْيَا ٢ : ١٥).


اقرأ نَحَمْيَا ٢ : ١٦ـ١٨. في اعتقادك، كيف أقنع نَحَمْيَا القادة بالبدء في عمل شيء كانوا يعتقدون أنه مستحيل؟ ما الذي يمكن لكنيستنا اليوم أن تتعلمه مما ورد في سفر نَحَمْيَا؟


على الرغم من أن نحميا لم يخبر القادة في البداية عن سبب مجيئه إلى أورشليم، إلا أنه كان هناك بعض الأشخاص الذين لم يسعدهم أمر إعادة بناء أورشليم وفعلوا كل ما في وسعهم لمنع القيام بأي عمل لتحسين أورشليم (نحميا ٢ : ١٠ و ١٩ و ٢٠). وعندما بدأ العمل على إصلاح الأسوار (نحميا ٣) اغْتَاظَوا كَثِيرًا (نحميا ٤ : ١) وَهَزَأَوا من الجهود المبذولة (أعداد ٢و ٣). وعندما رأوا أن شعب الله كانوا جادين بشأن عملهم (عد ٦)، غضبوا وتآمروا على مهاجمة أورشليم ومحاربتها (أعداد ٧و ٨).


وقد كان من السهل جداً بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يعملون على إعادة بناء أورشليم التراجع عن هذا العمل؛ ومع ذلك، وبالرغم من كل أنواع المكائد التي كانت تدبّر ضد عملهم، إلا أنهم ثابروا واستمروا. وقد وثق نحميا في الرب ووضع تهديدات العدو في يد الله بينما استمر هو ومن معه في إعادة بناء أسوار أورشليم (نحميا ٦ : ١٤ و ١٥).






لمزيد من الدرس


لاشك في أن كلمة الله، وكما درسنا هذا الأسبوع، تبين لنا مراراً وتكراراً أمانة الله لشعبه. وبطبيعة الحال، فإن هذه الأمانة لم تكن دائماً متجلية أو ظاهرة وقت الأزمة. فقد كان بمقدورنا في القصص التي درسناها أن نرى الأحداث من البداية إلى النهاية؛ وهي الأمور التي لم يكن بمقدور بعض الشخصيات المتضمنة في هذه القصص معرفتها، كأوريا الحثي على سبيل المثال. واليوم نحن أنفسنا مغمورين في الصراع العظيم تماماً كأولئك الأشخاص الذين درسنا عنهم. وليس هؤلاء فحسب، بل كان هناك كثيرون آخرون ممن لم ترد قصصهم في الكتاب المقدس، ولكنهم هم أيضاً لم يعيشوا ليروا نهاية الأمور ونُصرة الأبرار. ولهذا فإنه من المهم جداً بالنسبة لنا، كمسحيين، وخصوصاً في الأوقات الصعبة (وهذا هو الحال في كثير من الأحيان)، أن نتذكر كلمات بولس الرائعة: «لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ» (٢كورنثوس ٤ : ١٦ـ١٨). يسعى بولس هنا إلى توجيهنا إلى شيء يتخطى المتاعب اليومية والنواقص ونقاط الضعف البشرية، ويسعى كذلك إلى توجيهنا إلى الرجاء الوحيد الذي يجعل الحياة هنا ليست أكثر من مجرد مسرحية هزلية قاسية.




الدرس السادس


٣٠ تشرين الثاني (يناير) - ٥ شباط (فبراير)


نُصرة في البرية






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: متى ١ : ٢٠ـ٢٣؛ يوحنا ٩ : ٣٩؛ متى ٣ : ٧ـ١٢؛ ٤ : ١ـ١٠؛ تثنية ٣٤ : ١ـ٤؛ رؤيا ٢١ : ١٠.


آية الحفظ: « ‘لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ’ » (لوقا ١٩ : ١٠).


«وحين سمع الشيطان أنه ستقوم عداوة بينه وبين المرأة وبين نسله ونسلها أيقن أن عمله في إفساد الجنس البشري سيتعطل ويتوقف، إذ أن الإنسان ، بوسيلة أو بأخرى ، سيكون قادرا على مقاومة سلطانه . ولكن حين أعلن تدبير الخلاص كاملا فرح الشيطان وجنوده لكونه ، إذ تسبب في سقوط الإنسان ، أمكنه أن ينزل ابن الله من مرتبته ومقامه العظيم ، وأعلن أن خطته ، حتى ذلك الحين ، قد نجحت في الأرض ، وأن ابن الله حين يتخذ طبيعة بشرية قد ينهزم هو أيضا ، وهكذا لن يتم فداء الجنس الساقط» (روح النبوة، الآباء والأنبياء، صفحة ٤٧).


في درس هذا الأسبوع، وإذ ننظر إلى موضوع التجارب التي تعرّض لها المسيحُ مِن قِبل إبليس في البرية فإنه يمكننا أن نرى الصراع العظيم الدائر علناً بين المسيح والشيطان بوضوح غير مسبوق في الكتاب المقدس. وكان الشيطان قد زَعَمَ أن العالم مِلْكَاً له، وقد جاء المسيح ليسترده. وكانت خطة الخلاص أمراً محورياً في عملية استرداد المسيح للعالم. فبعد أن فشل الشيطان في قتل المسيح بعد ولادته، حاول الشيطانُ استعمال وسيلة أخرى لإفشال تدبير فداء البشرية. وهذا ما نراه متجلياً في التجارب التي تعرّض لها المسيح مِنْ قِبَل الشيطان في البرية.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٦شباط (فبراير).




عمانوئيل يأتي للنجدة


اقرأ متى ١ : ٢٠ـ٢٣. ما هو معنى اسم «عِمَّانُوئِيلَ» الذي أعطي ليسوع؟


لماذا جاء المسيح إلى الأرض ليكون «معنا»؟


أولاً، جاء المسيح لاستعادة السيادة التي خسرها آدم (رومية ٥ : ١٢ و ١٥). ويمكننا إلقاء نظرة سريعة على الجانب الملوكي للمسيح (أي سُلْطَانُ المسيح) وذلك عندما عمل حضوره على إلهام الحشود (حيث أراد نحو ٥.٠٠٠ شخصاً تتويجه ملكاً)، وكذلك عندما أنشد الأطفال مهللين «أوصنا، أوصنا» (وهو شكل من أشكال التسبيح الموجّه إلى الشخص الذي من شأنه أن ينجّي الشعب من أعدائهم). ونرى أيضاً سلطان المسيح على الخليقة، مثل قدرته على استعادة البشر المنسحقين إلى كائنات كاملة مجدداً (على سبيل المثال، الرجل المولود أعمى والمرأة التي كانت تنزف لمدة ١٢ عاماً) ونرى سلطان المسيح كذلك في قدرته على الطبيعة، ومثال على ذلك هو عندما هدأ العاصفة وأمر الريح والأمواج أن «تبكم».


ثانياً، أتى المسيح «لِدَيْنُونَةٍ» ولتقويض أعمال الشيطان (يوحنا ٩ : ٣٩ و ١يوحنا ٣ : ٨). كم هو عدد المرات التي نتساءل ونتعجب فيها عن سبب ازدهار الشر؟ لقد جاء المسيح لوضع حد للظلّم وليطمئننا بأن النهاية اقتربت. وقد اعترفت الشياطين بأن للمسيح سلطان عليهم. وفي كثير من الأحيان، كانوا يصرخون معلنين هوية المسيح الحقيقية بوصفه ابن الله، حتى قبل أن يعلن المسيح ذلك في بعض الأحيان. وقد ألقى المسيح سلاماً في نفوس المسكونين بالأرواح الشريرة، وذلك بعد طرد تلك الأرواح واسترداد أولئك الأشخاص إلى حالة التعقّل والرزانة، هذا في الوقت الذي كان فيه الناس يفرّون خوفاً من أولئك المسكونين بالأرواح الشريرة.


ثالثاً، أتى المسيح إلى العالم ليطلب وليخلّص الهالكين (لوقا ١٩ : ١٠)، وأن يحمل خطاياهم (يوحنا ١ : ٢٩). لقد صار المسيح «في شبه الناس» و «وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ» (فيلبي ٢ : ٧، ٨)، «لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا» (عبرانيين ٢ : ١٧) ويستردنا إلى الله. «لقد كان كلاً من التعامل مع الخطية وخلاص البشر منها وحصولهم على النعمة والمغفرة والتبرير والتمجيد هو الهدف من العهد الوحيد منذ البداية، وهو العهد الذي تحقق الآن في يسوع المسيح.» [ن. ت. رايت (٢٥أيلول/سبتمبر ٢٠٠٩)، التبرير: خطة الله ورؤيا بولس (كيندل لوكاشينز ١٤٦٢-١٤٦٣: دار إنتر فاريستي للنشر. طبعة كيندل) ].


وأخيراً، أتى المسيح ليظهر لنا صفات الله وليعلن لنا وللكون المُتَفَرّج ما هي حقاً صفات الله وطبيعته (يوحنا ١٤ : ٩).






معمودية المسيح


لا بد وأن يكون ظهور يوحنا المعمدان قد خلق نوعاً من الحماس في جميع أنحاء المنطقة. فقد كان يبدو في مظهره مثل النبي إيليا (متى ٣ : ٤، ٢ملوك ١ : ٨). وقد كان يوحنا أول صوت نبوي سمعه الشعب بعد فترة صمت نبوي دامت ٤٠٠ عاماً. ولم يسبق لله أبداً أن ظل صامتاً لفترة طويلة من قبل. ومع ظهور يوحنا المعمدان، بدأ الرب في التحدث للشعب مرة أخرى. وكان من الواضح أن شيئاً هاماً كان على وشك أن يحدث.


اقرأ متى ٣ : ٧ـ١٢. لماذا قام يوحنا المعمدان، عند تَعْرِيفِه للمسيَّا، بالحديث ايضاً عن أمور مثل الدينونة - الغضب الآتي (عد ٧)، الْفَأْسُ التي قَدْ وُضِعَتِ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ (عد ١٠)، التنقية الدقيقة للبيدر (عد ١٢)، وحرق التِّبْن بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ (عد ١٢).


كان الناس في زمن يوحنا المعمدان يعتقدون أنهم يعيشون في الأيام الأخيرة من تاريخ الأرض. وقد رأوا يوحنا المعمدان يأتي من البرية ويشجعهم على المرور عبر مياه نهر الأردن من خلال المعمودية. وكان ذلك أشبه بخروج جديد كخروج أسلافهم من مصر في وقت سابق، وكان الابتلال بالماء (بدلاً من السير عبر قاع النهر وهو جاف) لازماً للتطهير والاستعداد لأرض الميعاد الجديدة، حيث يقودهم المسيا نفسه من النُّصرة على الرومان إلى ملكوت الله الأبدي الذي تكلم عنه الأنبياء. كان ذلك، على الأقل، هو ما يعتقده الكثيرون من الأشخاص. لكن أياً من يوحنا أو المسيح لم يكن يقود حركة سياسية؛ وإنما كان ما يقومان به متعلقاً بالخلاص. إن التفسير الذي يعطيه لوقا لما كان يقوم به يوحنا المعمدان هو اقتباس مأخوذ من سفر إشعياء، وفيه نجد كيف أن الله سيقوم بإعداد طريق لعودة المسبيين إلى أرض الميعاد (لوقا ٣ : ٣ـ٦). ويوضح إرميا سبب إعداد هذا الطريق الخاص، كي يتمكن أضعف أفراد المجتمع - العُمي، العرج، الحوامل، الأمهات اللاتي لديهن أطفالاً صغارا ً- وتمكين جميع الأشخاص الآخرين الذين كانوا يرغبون في العودة إلى أرض الميعاد من القيام بذلك (إرميا ٣١ : ٧ـ٩). ولا عجب في أن الناس قد توافدوا على يوحنا؛ فقد اتقد رجاؤهم في أن بإمكانهم هم أيضاً الاستعداد لمجيء يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الذي سيأتي عليهم قريباً.


مع ذلك، فقد جاء يوم الرب بطريقة لم يكن معظمهم يتوقعها، وليس السبب في ذلك هو أن أحداً لم يخبرهم، بل كان السبب هو عدم فهمهم لمعنى ما ورد في الكتاب المقدس بشأن المسيَّا ومجيء يوم الرب (لوقا ٢٤ : ٢٥ـ٢٧).






تحويل الحجارة إلى خبز


اقرأ متى ٤ : ١ـ٣. ما الذي يحدث، ولماذا؟ كيف نرى رَحَى الصراع العظيم دائرة هنا؟


«إن يسوع عندما اقتيد إلى البرية لكى يجرب كان منقادا بروح الله . إنه لم يداعب التجربة . لقد انطلق إلى البرية لينفرد بنفسه ، ليتأمل في رسالته وعملة . وإذ صام وصلى كان عليه أن يعد نفسه للسير في الطريق المخضب بالدم الذي كان عليه أن يسلكه . ولكن الشيطان علم أن المخلص قد ذهب إلى البرية فظن أن هذا أنسب وقت فيه يقترب منه» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٩٥).


هناك أوجه تشابه جوهرية بين قصة التجارب التي تعرّض لها المسيح في البرية وبين اختبار بني إسرائيل وَتَجْوالهم بعد الخروج من مصر. فبعد الخروج من الماء مضى المسيح إلى البرية حيث لم يأكل شيئاً مدة أربعين يوماً، وحيث جُرب طوال هذا المدة. وبالمثل، اِجْتَازَ بنو إسرائيل المياه (مياه البحر الأحمر) ودخلوا البرية حيث لم يكن لديهم طعام، وبقوا هناك لمدة ٤٠ عاماً. لاحظ كيف تم وصف ذلك الأمر في تثنية ٨ : ٢و ٣. « ‘وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟ فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ’ »


ونقرأ في إنجيل متى أنه بعد أربعين يوماً جاع يسوع (متى ٤ : ٢). وعندها جاء أحدهم بمشورة «مفيدة»، وهو أشبه في مشورته بأولئك الذين جاءوا لمواساة أيوب. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الشيطان كما لو أنه يأتي «لمساعدة» شخص ما يمر بأزمة. فنجد في الأصحاح الثالث من سفر زكريا قصة رئيس الكهنة في زمن إعادة بناء أورشليم بعد السبي البابلي. فبينما كان زكريا يقف قُدَّامَ الرب في رؤيا، ظهر شخص عن يمين زكريا. وكان الشخص الذي ظهر عن يمنيه هو الصديق الموثوق به جداً لحمايته وللتصدي لأي مهاجم محتمل. لكن الشخص الموثوق به في زكريا ٣ لم يكن سوى «المشتكي» وهو يتظاهر بأنه صديق موثوق به ومؤتمن.


وقد حدث الشيء نفسه ليسوع في البرية. فإن الشخص الذي جاء «للمساعدة» كشف عن نفسه حين قال، «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا» (متى ٤ : ٣). فلو أن هذا المخلوق كان ملاكاً من عند الله لما شكَّ في ألوهية المسيح.


مرة أخرى، لاحظ كيف ردَّ المسيح (متى ٤ : ٤)، فسنجد أن ردَّه كان اقتباساً مرتبطاً بحدث خروج بني إسرائيل من مصر. «وَأَطْعَمَكَ [اللهُ] الْمَنَّ الَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلاَ عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِكَيْ يُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ» (تثنية ٨ : ٣).






تجربة أخرى


تتوازى التجربة الأولى مع حدث الخروج من مصر، لكن جذورها تعود إلى حدث السقوط في جنة عدن. فإن المسيح، ومن خلال جعل الأمانة لله أولوية بدلاً من الاستسلام للشهية، قد استعاد ما خسره آدم عند شجرة معرفة الخير والشر. مع ذلك، فإنه كان ينبغي أن يتعرض المسيح لتجربتين أخريين من أجل أن يسد بشكل تام الفجوة التي أنحدر إليها الجنس البشري منذ زمن آدم. ووفقاً لإنجيل متى، كانت التجربة الثانية تتعلق بقيام الشيطان بأخذ المسيح إلى أعلى جزء من الهيكل، ويفترض أن يكون هذا الجزء هو الزاوية الجنوبية الشرقية من الهيكل والتي كانت تطل على وادٍ شديد الانحدار. ومرة أخرى نطق الشيطان بعبارته التهكمية، « ‘إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ’ » التي أظهرت أن المجرّب لم يكن صديقاً ليسوع.


ما الذي كان يهدف الشيطان إليه حقاً؟ ما الذي كان الشيطان سيبرهنه لو أن المسيح قد قفز بالفعل؟ (متى ٤ : ٥ـ٧).


لم يكن يسوع يرغب في تمثيل مسرحي رخيص. لقد كانت ثقته بالله حقيقية وصادقة ولم تكن شيئاً مفتعلاً لمجرد إقناع الآخرين. لقد تجلت ثقة المسيح التامة بأبيه من خلال تركه للسماء وتجسّده «آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ»، وتجلت كذلك من خلال تحمّله لسخط الشعب وادعاءاتهم الكاذبة عليه وإذلالهم العلني له (انظر فيلبي ٢ : ٥ـ٨). تلك كانت مهمة المسيح التي أخلى نفسه لأجلها، وقد كان المسيح على استعداد تام للقيام بتلك المهمة. وكان مهمته هي استعادة العالم الذي خسره كلاً من آدم وذريته. وفي المسيح، كان يجب أن تتحقق لك وعود العهد وحصول العالم على فرصة للخلاص.


ومرة أخرى أجاب يسوع بعبارة « ‘مكتوب’ » مقتبساً من سفر تثنية مجدداً ليربط مرة أخرى اختباره بحدث خروج بني إسرائيل من مصر: « ‘لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ. احْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمْ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا’ » (تثنية ٦ : ١٦). وكانت «مسَّة» هي المكان الذي تذمّر فيه بنو إسرائيل بمرارة بشأن نقص المياه، وهناك قام موسى بضرب الصخرة لتوفير المياه. ولدى تقييم موسى لهذا الاختبار، قال أن الشعب قد جربوا الرب « قَائِلِينَ: ‘أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟’ » (خروج ١٧ : ٧). وبالطبع، كان المسيح مدركاً للأمور بشكل أفضل ولم تنْطَلِ عَلَيْهِ الحِيلَةُ، على الرغم من أن الشيطان في هذه المرة قد استخدم عبارة « ‘لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ’ » (متى ٤ : ٤ و ٦).






السجود للشيطان


وفقاً لإنجيل متى، نجد أنه في حين ركَّزت التجربة الأولى على الشهية، ركَّزت التجربة الثانية على التحايل على الله، وكانت التجربة الثالثة تحدِّياً مباشراً للمسيح نفسه ولمكانته كمَلِكٍ سماوي ولمرسليته على الأرض.


اقرأ متى ٤ : ٨ـ١٠، تثنية ٣٤ : ١ـ٤ ورؤيا ٢١ : ١٠. ما هو المغزى وراء قيام الشيطان بأخذ المسيح «إِلَى جَبَل عَال جِدًّا»؟


وفقاً للدلالة التي يعطيها الكتاب المقدس لمسألة الصعود إلى قمة جبل عالٍ للنظر إلى الأمم، يمكننا أن نرى أن رحلة المسيح إلى أعلى الجبل لم تكن جولة لمشاهدة المعالم السياحية. فقد كانت هناك رؤية نبوية مرتبطة بهذا التصرُّفِ. فقد رأى موسى من على جَبَلِ «نَبُو» أرض الميعاد التي كان بنو شعبه سيحصلون عليه في وقت لاحق. كما رأى يوحنا الْمَدِينَةَ المستقبلية، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ. وبالمثل، رأى المسيح أكثر من مجرد الأمم التي كان يتكون منها العالم الروماني قديماً. لاحظ أنَّ الشيطان قام بإظهار كل شيء في أبهى صوره. فقد أظهر الثراء والجانب البراق وليس الجريمة والمعاناة والظلم.


ثم قال الشيطان بعد ذلك، « ‘أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي’ » (متى ٤ : ٩). وبنفس الطريقة التي خدع الشيطان بها آدم وحواء ليرغبا في أن يصبحا مثل الله (هذا في حين أنهما كانا على صورة الله بالفعل)، أدعى الشيطان أنه هو الله وبأنه المالك الحصري لكل أمم الأرض، وبأن بمقدوره بسهولة إعطاء هذا كله للمسيح، مقابل قيام المسيح بتقديم فروض الطاعة والولاء والإجلال له (انظر لوقا ٤ : ٦؛ قارن مزمور ٢ : ٧ و ٨).


لقد كان مدلول هذه التجربة مرتبطاً بمسألة الولاء. فمَن ذا الذي ينبغي للجنس البشري تقديم الولاء التام له؟ وفي عدن، منح آدم وحواء ولاءهما الأساسي للشيطان بعد أن أصغيا للحيَّة، وقد انتشرت هذه العدوى بسرعة في كل جيل من الأجيال المتعاقبة. فلولا التدخل الإلهي المباشر لكان الصراع العظيم قد حُسِمَ لصالح الشيطان. وعندها ما كان يمكن للجنس البشر، بل وربما للحياة على الأرض، الاستمرار. لقد كانت المخاطرة كبيرة إلى هذا الحد.


لاحظ أن المسيح، مثل يوسف عند تعامله مع الموقف المتعلق بزوجة فوطيفار، لم يسمح للشر بالبقاء على مقربة منه. لقد أمر المسيح الشيطان بأن ينصرف ويبتعد عنه. ولم يكن بمقدور يوسف عمل ذلك، لهذا قام هو بإبعاد نفسه عن مشهد الشر المحتمل (تكوين ٣٩ : ١١ و ١٢). يا له من درس بسيط يجب علينا نحن أيضاً تعلُّمَه.






لمزيد من الدرس


على الرغم من أنه يمكن للمرء أن يجد كُتَّابَاً ومؤلفين عبر العصور ممن تعرضوا بالبحث والنقاش للموضوع المتعلق بالصراع العظيم، وعلى الرغم من أن بعض الإنجيليين يدرسون هذه الفكرة اليوم بتمعن أكثر، إلَّا أن لا أحد لديه نظرة متعمقة عن مسألة الصراع العظيم تفوق تلك التي لكنيسة الأدفنتست السبتيين. فإن الحديث عن صراع حقيقي ومادي ومعنوي وروحي بين المسيح والشيطان هو في الواقع السِّمة المميزة الهامة للمُعْتَقَد الأدفنتستي. ولا عجب في ذلك، فإننا نجد في كافة أجزاء الكتاب المقدس ما أطلق عليه أحد الكُتَّاب الإنجيليين اسم «موضوع الحرب الكوني» (الحرب بين الله والشيطان). وفي بعض الأحيان، وكما هو الحال في درس هذا الأسبوع المتعلق بالتجارب التي تعرّض لها المسيح في البرية، يتجلى هذا الموضوع بصورة صارخة وعلنية جداً. ويمكن لفكرة الصراع بين الخير والشر أن تُرى حتى خارج السياق الديني المتميِّز. فقد كتب الشاعر ت. س. إليوت ما يلي: «إن العالم يتبدَّل ويتغيَّر، لكن هناك شيئاً لا يتغير. في كل سنوات عمري، لاحظت أن هناك شيئاً واحداً لا يتغير، إنه الصراع الدائم بين الخير والشر.» [القصائد والمسرحيات الكاملة، ١٩٠٩-١٩٥٠ (نيو يورك: كاركورت بريس آند كومباني، ١٩٥٢)، صفحة ٩٨.] كتب الملحد الألماني فريدريك نيتشه الآتي، «خلاصة القول هي: أن القيمتين المتعارضتين ‘الجيد والسيء’، ‘الخير والشر’ كانتا ولا تزالان منخرطتين في صراع مريع على الأرض لآلاف السنين.» [نحو علم أنساب الأخلاق وهُوَذَا الإِنْسَانُ أو ‘أصل الأخلاق وفصلها’ (طبعة فانتاج بوك: شركة راندوم هاوس، ١٩٦٧)، صفحة ٥٢]. كما أن أسفار الكتاب المقدس، وكذلك كتابات روح النبوة، تعلن بشكل لا مثيل له الطبيعة الحقيقة لهذا الصراع، وكذلك المسائل الابدية المعرضة للخطر في هذا الصراع.




الدرس السابع


٦ـ١٢ شباط (فبراير)


تعاليم المسيح والصراع العظيم


(الحرب بين المسيح والشيطان)






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: متى ١١ : ٢٩؛ رومية ٤ : ١ـ٦؛ متى ١٣ : ٣ـ٨ و ١٨ـ٢٣؛ متى ٧ : ٢١ـ٢٧؛ يعقوب ٢ : ١٧؛ متى ٧ : ١ـ٥.


آية الحفظ: « ‘تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ’ » (متى ١١ : ٢٨).


عندما نفكر في موضوع الصراع العظيم، فإننا نميل إلى التفكير فيه كشيء مدهش وشامل. معنى هذا أننا ننظر إليه نظرة شمولية. ويمكن أن يُطلق على هذه النظرة اسم «رواية ما بعد الرواية»، وهي قصة تغطّي وتشرح جزءاً كبيراً من الواقع، وذلك على نقيض الرواية الموضعية أو القصة التي تشرح شيئاً محدداً وواقعياً. على سبيل المثال، يُعتبر حدث بول ريفير الشهير، وهو الحدث الذي قاد فيه بول ريفير جواده لينذر أهل ماساتشوستس بقدوم البريطانيين، حدثاً محلياً، وذلك على نقيض حدث «الثورة الأمريكية» نفسها، الذي هو حدث أعظم وأكبر بكثير من حدث بول ريفير الذي قاد فيه جواده ليحذِّر أهل ماساتشوستس من قدوم البريطانيين.


ومع ذلك، فإنه وبغض النظر عن مدى ما لموضوع الصراع العظيم من شمولية واتساع في النطاق، ومهما كان هول المسائل المتضمنة في الصراع العظيم، إلا أن هذا الصراع يحدث يومياً هنا على الأرض، في حياتنا وكذلك فيما يتعلق بكيفية تعاملنا مع الله ومع التجربة ومع غيرهما من أمور. وكما تتأثر، إلى درجة كبيرة أحياناً، الحياة اليومية للمرء بالأحداث السياسية والاقتصادية الهامة والهائلة، فإن الشيء ذاته يحدث لنا كذلك نتيجة الصراع العظيم الدائر بين المسيح والشيطان وبين الخير والشر.


وفي درس هذا الأسبوع، سوف نلقي نظرة على بعض من تعاليم المسيح فيما يتعلق بالأمور الواقعية والعملية المتعلقة بهذا الصراع، وذلك إذ نسعى جميعاً جاهدين إلى معرفة مشيئة الله، والعمل وفقاً لهذه المشيئة، في خضم الصراع العظيم.


*نرجو التعمق في موضوع هذه الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ١٣شباط (فبراير).




أنواع عديدة من الراحة


« ‘اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ’ » (متى ١١ : ٢٩).


كيف يمكن لحملنا نير المسيح أن يجلب الراحة لنفوسنا؟


إن هذا العرض يشير إلى البُعد الشخصي في ظل البُعد الأوسع نطاقاً، وهو البعد المرتبط بمأمورية المسيح المتعلقة بتحرير الناس من العدو. إن كلمات المسيح في الآية أعلاه هي في الواقع مقتبسة من سفر إرميا وذلك حين قدّم إرميا، مسوقاً من الروح القدس، الوعد للناس بأنهم سوف يجدون راحة لنفوسهم إذا هم عادوا إلى دين آبائهم، بدلاً من التمسّك بالعبادات الوثنية التي للأمم المحيطة بهم (إرميا ٦ : ١٦).


إن مفهوم الراحة واسع جداً في الكتاب المقدس. ويَرِدُ أول ذِكْر للراحة مرتبطاً بالله نفسه. فقد استراح الله عندما فرغ من عمل الخلق (تكوين ٢ : ٢). وكان في راحته إعلان عن راحة السبت التي بدأ الاحتفال بها بصفة أسبوعية منذ ذلك الوقت فصاعداً. كما أنه كان يتم الاحتفال بالراحة خلال العام وذلك أثناء الأعياد السنوية (على سبيل المثال لاويين ١٦ : ٣١)، وكل سبع سنوات حين يَكُونُ لِلأَرْضِ «سَبْتُ عُطْلَةٍ» (لاويين ٢٣ : ١١)، وكل ٥٠ عاماً في اليوبيل، عندما كان يتم عتق العبيد والإعفاء من الدّين (لاويين ٢٥ : ١٠).


وكان الناس يتمتعون بالراحة عندما يكون الله حاضراً مع شعبه (خروج ٣٣ : ١٤)، حيث لم يكن هناك « ‘خَصْمٌ وَلاَ حَادِثَةُ شَرّ’ » (١ملوك ٥ : ٤)، أو أَعْدَاء (تثنية ٢٥ : ١٩). كما اُسْتُمْتِعَ بالراحة في الأرض التي أعطاها الله لشعبه (يشوع ١ : ١٣)، خصوصاً عندما عاد الشعبُ من الأسر والاغتراب (إرميا ٣٠ : ١٠). وقد تم مشاركة الراحة مع الغرباء أيضاً من خلال إظهار كرم الضيافة نحوهم (تكوين ١٨ : ٤)، وكان الناس يجدون راحتهم في التمتع بحياة أُسرية مستقرة (راعوث ١ : ٩ و أمثال ٢٩ : ١٧).


مع ذلك، فإن الراحة كانت غائبة عن شعب الله في الأسر (خروج ٥ : ٤ و ٥؛ مراثي إرميا ١ : ٣). إن الراحة تفارق الأشرار الذين لا يمكنهم الراحة والهدوء كالبحر المضطرب (إشعياء ٥٧ : ٢٠). إن الراحة الوحيدة التي يمكن لمثل هؤلاء الناس التطلُّع إليها هي الموت والقبر (أيوب ٣ : ١١ و ١٣ و ١٦ و ١٧ و ١٨). كما أن الآية في رؤيا ١٤ : ١١ تقدم تحذيراً قوياً فيما يتعلق بعدم الراحة بالنسبة لأولئك الذين يقفون على الجانب الخاطئ من الصراع العظيم في آخر الأيام.


إن الراحة التي يقدّمها المسيح هي عبارة عن عطية سخية جداً. وهي تتضمن عطية السبت التي تتيح لنا فرصة قضاء الوقت مع الخالق. إن في الراحة التي يقدّمها المسيح لنا إدراك من جانبه لحالتنا الضالة وعمله على استردادنا. وعندما نعثر (كما نفعل دائماً) فإنه لا يزال لدينا اليقين في وجود مكان للراحة بجانب مُخَلِّصِنَا.






الزرع والحصاد


إننا نجد موضوع الصراع العظيم متضمناً في مَثَلِ الزَّارِع الذي نطق به المسيح. فإن في سرد المسيح لردود الأفعال الأربعة على رسالة الإنجيل إشارة إلى أن الناس في العالم هم أكثر من مجرد فئة «جيدة» وفئة «سيئة». فالحياة أكثر تعقيداً من ذلك، ولذا فإننا بحاجة إلى توخّي الحذر بشأن كيفية نظرتنا إلى أولئك الذين قد يبدو أنهم لا يستجيبون للبشارة بالطريقة التي نعتقد أنه ينبغي أن يستجيبوا بها.


اقرأ متى ١٣ : ٣ـ٨ ثم اقرأ متى ١٣ : ١٨ـ٢٣. بأية طرق يمكننا أن نرى بوضوح حقيقة الصراع العظيمة متجلية في هذه القصة؟


إن معركة الاستحواذ على النفوس معركة حقيقية، ويستخدم العدو ما يمكنه من وسائل لصرف الناس بعيداً عن الخلاص. على سبيل المثال، وفي سياق البذار التي سقطت على جانب الطريق، كتبت روح النبوة: «فالشيطان وملائكته يوجدون بين الجماعات التي يُكرز لها بالإنجيل. ففي حين أن ملائكة السماء يحاولون أن يؤثروا في القلوب بكلمة الله فإنّ العدّو متيقظ ليجعل الكلمة عديمة التأثير. فبغيرة تضارع خبثه يحاول أن يعرقل عمل روح الله. وفي حين أن المسيح يجتذب النفس بمحبته فالشيطان يحاول أن يبعد انتباه الإنسان الذي يحركه روح الله ليطلب المخلص» (المعلم الأعظم، صفحة ٣٣).


وقد يتساءل المرء، لماذا لم يتوخَ الزارع الحذر بحيث لا تسقط البذار على الطريق؟ ولماذا لم يكن أكثر اجتهاداً في اقتلاع واستخراج الصخور من التربة حتى لا تعيق نمو البذار؟ ولماذا لم يقتلع المزيد من الأشواك؟


وللإجابة على هذه الأسئلة نقول أن الجهود البشرية، وفيما يتعلق بزرع بذار البشارة، محدودة دائماً. يجب علينا أن نزرع في كل مكان. فنحن ليس لدينا القدرة لنحكم بشأن ما إذا كانت التربة جيدة أو سيئة. وأما ظهور الأشواك فهو ببساطة ليس سوى إشارة إلى أننا غير قادرين على منع الشر من البزوغ في الأماكن التي يكون بزوغ الشر فيها أقل توقعاً. إنَّ ربَّ الحصاد الذي فِي السَّاحَة الخَلْفِيَّة مِنْ الْمَشْهَد هو الذي يضمن خلاص جميع الذين يمكن خلاصهم. فواجبنا هو القيام بعملنا وتعلُّم الثقة بأن الله سيقوم بعمله.






البناء على الصخر


إن مسألة أين نقف في الصراع الكوني، الذي يدور حولنا، تُعتبر مَسْأَلَةً شخصية للغاية في مَثَلِ الرجل الذي يبني بيته على الصخر.


اقرأ متى ٧ : ٢١ـ٢٧. ما هو الشيء المرعب جداً بشأن هذا المَثَلْ؟


ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تتخيل هذه القصة؟ أين الصخر وأين الرمال؟ بالنسبة لبعض الناس، توجد الرمال على الشواطئ فقط. لكن فيما يبدو أن هذه القصة لا تتحدث عن السكن بجوار شاطئ البحر. بل إن المكان الأرجح للبيوت التي يتم الحديث عنها في المَثَل هو التلال بسيطة الانحدار التي كانت تُبنى عليها معظم القرى المجاورة للسهول والوديان. وفي هذا المثل، يصوّر المسيحُ بيتين من البيوت؛ أحدهما بُنِي على سطح الأرض في حين كانت للآخر أساسات محفورة ومعمقة وموضوعة على الصخر. ولم تكن هناك طريقة لمعرفة الفرق بين هذين البيتين، وهما مكتملي البناء، إلا حين بدأ سقوط المطر على التلال وحين بدأت السيول تندفع بسرعة هائلة صوب الوادي. لم تشكّل الأمطار والسيول معضلة بالنسبة لأحد هذين الشخصين الذي بنى كل واحد منهما بيتاً، والسبب في ذلك هو أن بيت هذا الشخص كان راسخاً بثبات؛ أما بالنسبة للشخص الآخر، فقد كانت هناك مشكلة. فإن البيت الذي بُنِي على سطح الأرض من دون أن يؤسس على الصخر كان ضحية سهلة للفيضانات الجارفة.


لقد شارك المسيح هذا المَثَل مع الجموع لأنه كان يعرف مدى خداعنا لأنفسنا. فإن هناك صراعاً جِدِّيّاً يجري، وبدون مساندة خارجية، فإنه ليس لدينا أي إمكانية للنجاة والخروج منتصرين من هذا الصراع. لقد تغلب المسيح على الشر، وهذا هو السبب في أن المسيح يُدعى الصخرة. إنه يمكننا الفوز في هذه المعركة الشخصية ضد الشر، لكن فقط إذا بنينا حياتنا برسوخ على المسيح (الصخرة)، ولا يمكننا البناء على المسيح إلا من خلال طاعتنا له. «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ» (متى ٧ : ٢٤). إن الأمر بهذه البساطة. ومع ذلك، فإن التحلي بكثير من الإيمان هو عنصر بالغ الأهمية. أيضاً، يقول الكتاب المقدس أن الإيمان بدون أعمال «ميت» (انظر يعقوب ٢ : ١٧ و ٢٠ و ٢٦)، ونحن يمكننا في هذا المَثَل أن نرى كيف أن الإيمان بدون أعمال هو ميت حقاً.






لا تدينوا


لقد أعطى المسيح الموعظة على الجبل في الأيام الأولى من بداية خدمته. وتضمنت هذه العظة مواضيع مدهشة. بداية، قال المسيح لعامة الناس أنهم ذات قيمة في نظر الله ومباركون (متى ٥ : ٣ـ١٢) وبأنهم الملح (متى ٥ : ١٣) والنور (متى ٥ : ١٤ـ١٦) وهما سلعتان ذات قيمة لدى الناس. وقد تحدث المسيح عن أهمية شريعة الله (متى ٥ : ١٧ـ١٩) ولكنه حذَّرهم من محاولة التأثير على الآخرين من خلال سلوكهم الحسن (متى ٥ : ٢٠). وقد أشار المسيح أيضاً إلى أن ما يفكر فيه المرء هو ما يحدد نوعية أخلاقه، وليس مجرد الأعمال الظاهرة (متى ٥ : ٢١-٢٨)، على الرغم من أنه يجب أن تكون الأعمال متوافقة مع ما نفكر فيه ونؤمن به (متى ٥ : ٢٩ و ٣٠). وإذ نقرأ موعظة المسيح على الجبل بأكملها فسنجد أن المسيح قد تناول بالحديث كافة جوانب الوجود الإنساني والعلاقات البشرية (انظر متى ٥ـ٧ : ٢٧).


اقرأ متى ٧ : ١ـ٥. بأية طرق نجد حقيقة الصراع العظيم واضحة في هذه الآيات الكتابية؟ بمعنى، كيف يتجلى التفاعل بين الخير والشر هنا؟


« ‘لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا’ (متى ٧ : ١) . لا تحسب نفسك أفضل من غيرك فتقِيِم نفسك قاضيا عليه. وحيث أنك لا تستطيع تمييز البواعث فأنت غير أهل للحكم على الآخرين. أنت يا من تدين أخاك تحكم على نفسك، وأنت بذلك تبرهن على أنك شريك الشيطان المشتكي على الإخوة. والرب يقول: ‘جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ’ هذا هو عملنا وواجبنا.» (روح النبوة، مشتهى الأجيال، صفحة ٢٩١).


عندما قال المسيح للْجُمُوع أن لا يدينوا فهو إنما قد أكد بذلك على نقطتين هامتين. النقطة الأولى هي أن السبب وراء إدانتنا للآخرين هو أننا نقوم بعمل نفس الأمور التي ندينها فيهم (متى ٧ : ١ و ٢). فعندما ندين الآخرين فنحن بذلك إنما نحوّل انتباه الناس بعيداً عن انفسنا ونضمن أن جميع مَن حولنا ينظرون إلى الشخص الذي ندينه بدلاً من النظر إلينا وإدانتنا نحن.


والنقطة الثانية التي يؤكد عليها المسيح هي أن المشكلة التي نراها في أخينا أو اختنا هي، في كثير من الأحيان، ليس سوى جزء بسيط من المشكلة التي لدينا، وقد تكون مشكلة نحن غير مدركين لها. فمن السهل جداً بالنسبة لنا أن نرى قطعة من نشارة الخشب في عيون الآخرين ولكننا غير قادرين على رؤية الخشبة الكبيرة في اعيننا نحن.






«وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ»


يختم متى إنجيله بأكثر الكلمات تشجيعاً عندما قال المسيح: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى ٢٨ : ٢٠). ما الذي يعنيه ذلك لنا، في صراعاتنا الخاصة وفي إخفاقاتنا وخيبات أملنا، بل وحتى عندما نشعر أن الله قد تخلّى عنا وتركنا؟


من المثير للاهتمام أن متى قد بدأ إنجيله بكلمات مشابهة. فبعد سرده للأنساب وقصة زيارة الملاك لمريم ومن ثم زيارته ليوسف، يوضِّح متى أن الطفل الذي سيولد سوف يُدعى عمانوئيل، الله معنا (متى ١ : ٢٣).


وقد وعد الله عدة مرات في الكتاب المقدس قائلاً، «هَا أَنَا مَعَكُمْ». فقد وعد بأن يكون مع اسحق (تكوين ٢٦ : ٢٤)، ومع يعقوب (تكوين ٢٨ : ١٥) ومع إرميا (إرميا ١ : ٨ و ١٩) ومع بني إسرائيل (إشعياء ٤١ : ١٠ و ٤٣ : ٥). وكان العديد من هذه الوعود هو في أوقات الشدة والضيق، أي في الأوقات التي كان فيه كلام الله أكثر ملاءمة وارتباطا بالظروف والأحوال.


وهناك آية أخرى تستخدم كلمات مماثلة: « ‘لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ’ » (عبرانيين ١٣ : ٥). وبعد ذلك بعدة آيات يضيف بولس قائلاً، «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين ١٣ : ٨). ويتكرر هذه الوعد ايضاً عدة مرات. في الواقع، إن المناسبة التي ذُكر فيها هذا الوعد أول مرة كانت عندما قام موسى بتسليم القيادة ليشوع (تثنية ٣١ : ٦ و ٨)، وقد كرر الله هذه العبارة ليشوع بعد موت موسى، «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» (يشوع ١ : ٥). وعندما قام داود بتسليم المُلْكِ لسليمان، قال هو أيضاً لسليمان أن الله لن يخذله ولن يتركه (١أخبار الأيام ٢٨ : ٢٠).


إن المسيح الذي لا يتغير، الذي هو دائماً معنا، قد أعطى الضمان الأكيد لآبائنا في الإيمان. فعلى الرغم من أنهم قد واجهوا الصعوبات والضيقات وجابهوا أكبر التحديات في حياتهم، إلا أنهم كانوا متيقنين من الحضور الدائم لله.


وبالنسبة لكنيسة المسيح في نهاية الزمان، تُعَد هذه الضمانات والتأكيدات غاية في الأهمية. إن وعد المسيح بأن يكون معنا إلى انقضاء الدهر يأتي في سياق قيامنا بتلمذة الآخرين للمسيح وتعميدهم وتعليمهم. إذاً هدفنا هو خلاص الناس، بمعونة الله، بحيث لا ينتهي بهم الأمر وهم في الجانب الخاسر من الصراع العظيم.




لمزيد من الدرس


كتب المؤلف ليون يسلتير عن ما قال أنه «قصة من أتعس القصص في العالم.» وقد تحدث عن رجل إنجليزي اسمه «س. ب.» كان أعمى منذ ولادته. إلّا أن الأخبار السارة هي أنه قد تم إجراء عملية زرع القرنية لعينيّ س. ب.، الذي كان في الثانية والخمسين من العمر آنذاك، فأصبح قادراً على الإبصار لأول مرة في حياته. ولا بد وأن هذا الأمر كان مدهشاً بشكل لا يصدق بالنسبة له. فقد تمكن أخيراً من رؤية العالم المحيط به، وهو العالم الذي كان «بعيداً عن أنظاره» بكل معنى الكلمة. لكن يسلتير قام بعد ذلك بالاقتباس من الكتاب الذي قرأ فيه قصة س. ب. أول مرة، وفيه يقول مؤلف الكتاب أن س. ب. «قد وجد العالم قاتماً، وكان مستاءً من الطلاء المتساقط والمتقشر من على الحيطان والجدران ومن العيوب والشوائب والبُقَع التي تلطِّخُ الاشياء.... وقد أشار أكثر فأكثر إلى النقائص في كل ما يراه، وكان يتفحص الأخطاء الصغيرة والخدوش في المصنوعات الخشبية وغيرها من أدوات ومُعدات، وهو ما كان مصدر إزعاج وضيق بالنسبة له. فمن الواضح أنه كان يتوقع رؤية عالم أكثر كمالاً. وقد كان يحب الألوان الزاهية في خياله، لذلك كان يُصاب بالاكتئاب عندما تغيب الشمس ويتلاشى الضوء. وهكذا أصبح اكتئابه بالغاً ومُسَيْطِراً. وتدريجياً تخلى س. ب. عن العيش حياة نشطة، ومات بعد ثلاث سنوات.» (www.newrepublic.com/article/١١٣٣١٢).


على الرغم من أن هذا أمر يصعب فهمه، إلا أنه أمر يمكن تصوّره في ضوء ما نراه عالمنا المتضرر. فإن الصراع العظيم كان، ولا يزال، مستعراً هنا على هذه الأرض منذ حوالي ستة آلاف عام. وهكذا فإن حرباً مدتها ستة آلاف عام لا بد وأن تترك وراءها كثيراً من الانقاض والحطام. وعلى الرغم من كل جهودنا ومساعينا إلى جعل هذا العالم عالماً أفضل، إلا أنه لا يبدو أن المنحنى يسير في الاتجاه الصحيح. في الواقع، إن الأمور لن تزداد إلا سوءاً. ولهذا السبب نحن في حاجة إلى وعد الفداء الذي يأتينا فقط من نصرة المسيح في الصراع العظيم، وهي النصرة التي تحققت عند الصليب ومنحت مجاناً لنا جميعاً.




الدرس الثامن


١٣ـ١٩ شباط (فبراير)


رفاق في جيش المسيح






السبت بعد الظهر


المراجع الأسبوعية: لوقا ٥ : ٦ـ٨ و ١١؛ مرقس ٣ : ١٤؛ متى ٨ : ٢٣ـ٢٧؛ مرقس ٤ : ٣٥ـ٤١؛ ٩ : ٣٣ـ٣٧؛ متى ٢٠ : ٢٠ـ٢٨.


آية الحفظ: «فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: ‘أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟’ » (لوقا ٢٤ : ٣٢).


منذ الأيام الأولى من خدمته، لم يعمل المسيح بمفرده. بل لقد اختار بشراً للمشاركة في التبشير والتعليم والخدمة. وعلى الرغم من أن الأناجيل الأربعة تركّز بشكل أساسي على حياة المسيح وموته وقيامته، إلا أنَّ هذا التركيز غالباً ما كان يظهر في سياق تعاملاته وتفاعلاته مع تلاميذه، الذين كانوا الأقرب إليه.


وهكذا، فإن الصراع العظيم الذي احتدم حول المسيح، احتدم كذلك حول تلاميذه إلى أن جاءت النهاية المريرة وذلك حين صرخ المسيح قائلاً، «قد أكمل.» لقد وجد الشيطانُ أنه من المستحيل جعل المسيح يتعثر ويسقط. مع ذلك، فقد كان تلاميذ المسيح فريسة أسهل بكثير. فقد تمكّن عدوهم الشيطان من استغلال نقائص طباعهم واستخدمها كوسيلة للانقضاض عليهم والإيقاع بهم.


إن الكبرياء والشك والعناد والاعتداد بالذات والأنانية، أو غيرها من العيوب والنقائص قد فتحت الطريق أمام الشيطان للانقضاض على التلاميذ.


لقد كانت مشكلة التلاميذ الاساسية أنهم لم يصغوا إلى ما قال المسيح أنه سيحدث، واحتفاظهم بوجهات نظرهم الخاصة بشأن ما كانوا يعتقدون أنه ينبغي أن يحدث. وهكذا كان أمامهم الكثير من الدروس الصعبة ليتعلموها. ولا شك في أننا نحن أيضاً بحاجة إلى تعلّم تلك الدروس.


*نرجو التعمق في موضوع هذا الدرس استعداداً لمناقشته يوم السبت القادم الموافق ٢٠شباط (فبراير).




دعوة بطرس


عندما ينظر المرء إلى المسألة التي كانت على المحك في الصراع العظيم، فسيجد أنه أمرٌ مدهشٌ أن يستخدم المسيحُ البشر لمساعدته في الخدمة، ولاسيما أولئك الذين اختارهم لأن يكونوا تلاميذاً له على الرغم مما كان لديهم من عيوب ونقائص. وبطبيعة الحال، إذا نحن أخذنا في الاعتبار الحالة الساقطة للبشرية جمعاء، فسنجد أن أياً من أولئك الذين اختارهم المسيح لم يكن كاملاً، على أي حال.


وفي أحد الأيام، وبينما كان المسيح يسير على الشاطئ الشمالي لبحر الجليل وجموع الناس تتبعه، لاحظ وجود قاربين للصيد كان أصحابهما يقومان بعملية تنظيف الشباك ومعدات الصيد الأخرى بعد أن أمضوا ليلة غير مثمرة لم يستطيعوا خلالها صيد أية سمكة. وكان هؤلاء الصيادين على عِلم مسبق بالمسيح. فقد علَّم في مجمعهم حيث أبهر الجميع بكلامه (لوقا ٤ : ٣١ و ٣٢). بل لقد أخرج المسيح الشياطين من أحد الأشخاص في مجمعهم، وقد أدهش هذا الأمر الجميع هناك (لوقا ٤ : ٣٣ـ٣٦). كما قد رأوا المسيح في بيت بطرس وهو يشفي حماة بطرس (لوقا ٤ : ٣٨ و ٣٩)، وفي وقت لاحق من ذلك المساء قام المسيح بشفاء كثيرين آخرين (لوقا ٤ : ٤٠ و ٤١).


لذا، فإنه ليس من المستغرب أن تتبع الجموع المسيح وهو يسير على شاطئ البحر. وقد صعد المسيح إلى قارب بطرس وطلب من بطرس أن يبتعد بالقارب قَلِيلاً عَنِ الْبَرِّ حتى يتمكن الجميع من رؤيته [أي المسيح] ثم أخذ يتحدث إلى الْجُمُوعِ (لوقا ٥ : ٣). وَلَمَّا فَرَغَ المسيح مِنَ الْكَلاَمِ قال لبطرس «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ» وطلب منه أن يُلقي هو ومن معه شباكهم، التي كانوا قد أخرجوها من الماء وغسلوها منذ فترة قصيرة. ومن المؤكد أن بطرس اعتقد أن القيام بذلك ليس من شأنه إنجاز أي شيء، ولكنه فعل ما قاله المسيح احتراماً له.


اقرأ لوقا ٥ : ٦ـ٨. ما الذي نتعلمه من خلال ردة فعل بطرس، وكيف يساعدنا ذلك على فهم السبب الذي جعل المسيح يختاره تلميذاً له على الرغم من عيوب بطرس الواضحة؟